الحقيقة

69 17 6
                                    

الساعةُ الثانيةُ ما بعد الظهر،كان لؤي نائماً على السرير،ينتظرُ موعدَ خروجه،كانت حنين وعدنان معه،كانَ لا زالَ الشابان عبد الرحمن وآدم معهم في الغرفة.
"لا أصدق هذا،لماذا أنا دائمًا من عليهِ إحضار كلّ شيء؟"،قال آدم بغضب وهو يرى هاتفه.
"لا عليك آدم،وضعي بخير،يمكنكَ الذهاب"
"متأكد؟ماذا لو تعبتَ في الطريق؟"
"لا عليك،معي مالٌ يكفي لسيارة أجرة،يمكنكَ الذهاب"
"حسناً أقنعتني...أراكَ غداً إن شاء الله"،نهض آدم وضمّ يدهُ بيدِ عبد الرحمن وذهب،نظرَ عبد الرحمن للسرير المجاور.
"لم يأتي الطبيبُ بعد..لقد تأخر.."،قالت حنين.
"علينا أن ننتظر.."
"سوفَ أذهبُ للحمام وأعودُ أبي"،خرجت حنين من الغرفة،بعدَ خمسِ دقائق،دخلتْ واحدةٌ من الممرضاتِ للغرفة.
"يمكنه الخروج،لكن هناك بعض الأعمال التي عليكَ إنهائها قبلَ خروجه"،قالت الممرضة.
"ح..حاضر"،نهضَ عدنان وتبعَ الممرضةَ خارجَ الغرفة،إستيقظَ لؤي بعدَ خروجه،إنتهزَ عبد الرحمن الفرصة ونهضَ من سريرهِ وتوجه نحوه،شعرَ بشعورٌ غريبٍ نحو لؤي وبأريحيةٍ إتجاهه.
"أهلاً يا أخ"،إلتفتَ لؤي نحوه،لكن لم يجاوبهُ بشيء،كانَ متعباً وخجلاً.
"الحمدلله على سلامتك،كيفَ حالكَ الآن؟"،قال عبد الرحمن وهو يجلسُ على الكرسي وبيدهِ المحلولُ الملحي.
"ش..شكرًا لك،الحمدلله..أفضل"
"سعيدٌ لسماعِ  ذلك،أنا عبد الرحمن وأنت؟ما هو إسمك؟"،إستغربَ لؤي،كانتْ أول مرةٍ يتقربُ منهُ شخصٌ لهذهِ الدرجة.
"ل..لؤي"
"جميل...هناكَ معنىً لإسمك قرأتهُ من قبل وهو الثور الوحشي..لكن لا عليكَ الأمر ليس مذمة بل مدح"
"لم..لم أكن أعلم.."،قال لؤي وهوَ ما زالَ غيرَ مرتاحٍ لأمر عبد الرحمن.
"ألديكَ الطاقةُ للنهوض؟"،هزّ لؤي برأسهِ.
"ما رأيك بأن نتمشى قليلاً في الأرجاء؟هذا أفضلُ من الإستلقاءِ طوالَ الوقت"،نظرَ لؤي له،كانَ مبتسماً إبتسامةً دافئة تبعثُ بالطمأنينة،نهضَ من سريره وأمسكَ بالعصا التي فيها المحلول الملحي.
"أتحتاجُ لمساعدة؟"،لم ينظرْ لهُ لؤي وهز برأسه بلا.
"حسناً،دعنا نذهب"،توجه عبد الرحمن للباب ولحقَ بهِ لؤي،بعدما خرجا إنتبه لؤي لحنين العائدة للغرفة.
"لؤي؟ما الأمر؟إلى أينَ أنتَ ذاهب؟"،توجهت نحوهُ وهي قلقة.
"سوفَ أتمشى قليلاً وأعود،يمكنني المشي،لا تقلقي"
"حسناً كما تريد.."،عادت للغرفة وإلتفتَ لؤي نحو عبد الرحمن،شعرَ عبد الرحمن بالحزنِ على حالِ لؤي،لم يكن يبدو كفتىً سيء أو مسببٍ للمشاكل،عدمُ شكايتهِ على والده ودفاعه عن أقاربهِ أمامِ الشرطة،حينَ حلّ وقتُ صلاةِ الظهر نهض وصلّ مباشرة...كلُّ هذا جعلهُ يشعرُ بأنهُ إنسانٌ طيب،أحياناً القلوبُ تلهفُ لغيرها من أولِّ لقاء.

كانَ مراد واقفاً أمام الضابط ويداهُ مقيدتان بالأصفاد،كانَ والدهُ جالسًا ينظرُ لهُ بقرف وغضب وزوجُ علياء جالسٌ بقربه.
"فلتحمدِ الله أنك إبنكَ أسقط حقهُ عنك وإلا كنتَ تعفنتَ في السجن"،توسعت حدقة عيني مراد بما سمعه.
"لكن..بسببِ شكاوي الجيران،لديكَ غرامةٌ عليكَ دفعها"
"للأسف يا حضرة الضابط،لا نملكُ المبلغ المطلوب"،نظرَ والدُ مراد له،كانَ يرغبُ في الإنقضاضِ عليه،نظرَ لهُ مراد وأعادَ لينزلَ رأسه،لقدْ فُعِلَ هذا عن قصد وهو أدركَ ذلك،لكن لم يهتم لشيء ولم يكن يجرأ على الإعتراض،كانَ فقط يشعرُ بالخزي والحزن.
"إلى متى سوفَ يبقى في السجن في هذهِ الحالة؟"سألَ محمد.
"حتى يدفع المبلغ.."
"للأسف.."،قالَ الجدُّ بنبرةٍ ساخرة،نهضَ والدُ مراد غير مبالٍ بالأمر.
"حسناً إذن،أيها الشرطي!"،فُتِحَ الباب ودخل الشرطي وألقى التحية.
"خذهُ وإنقله مع الآخرينَ للسجن"
"حاضرٌ سيدي"،أتى الشرطي وسحبَ مراد خارجَ الغرفة،بقي والدهُ ينظرُ لهُ بحقدٍ حتى إبتعد عن ناظره.
"جزاكم الله خيرًا سيدي..مع السلامة"،نهضَ محمد وأمسك بعمه وخرجا من مركز الشرطة.
"فليتعفن فالسجن إن شاء الله،فلتكسر يداهُ بما فعل"
"لا تسئ الظنّ بي عمي ولكن..هل سوفَ يبقى لؤي لوحده؟"
"كلّا،سوفَ يعيشُ معي طبعًا!لقد غيرتُ وصيتي وقررتُ عدمَ تركِ ولو حتى شجرةٍ لذلك المغضوب،لم يعد لهُ مكان..فليبقى في السجن حتى يتحسنَ الفتى ويشفى غليلي منه"،قال جدُّ لؤي،عازمًا على جعلِ مراد هذهِ المرةَ يدفعُ غرامةِ قسوته طيلة السنواتِ تلك،كانَ لا يزالُ منظرُ لؤي الممدد على سريرِ المستشفى يحرقُ قلبه.

نافذة الأمل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن