لؤي:
كانت الساعةُ التاسعةَ صباحاً،كنتُ جالسًا غي غرفتي أحاولُ مراجعة بعضِ الملخصات التي أعطاني إياها عبد الرحمن،لقد مرَّ على الدروس الخصوصية أربعةُ أيام،ذهابي لهناك أصبحَ يسعدني أكثر فأكثر،توقفتُ عن الدراسة بسببِ جوعي،نهضتُ وذهبتُ للمطبخ لإعدادِ الفطور،المنزلُ كانَ هادئاً جداً،قليتُ بعضاً من البيض،مع طبقٍ يحتوي على حبةٍ من الطماطم،كانَ هذا كافياً لي،فلا أحدَ يشاركني الطعامَ الآن،نظرتُ للكرسي الذي بقربي وتذكرتُ والدي،يا ترى كيفَ حالهُ في السجن؟هل هو بخير؟...كنتُ أحياناً أفكرُ به وكيفَ وضعهُ هناك...كنتُ أقلقُ بعضَ الشيء عليه..
بعد ما أنهيتُ من الطعام،غسلتُ الأطباق وأعدتُ كلُّ شيءٍ لمكانه،نظرتُ للكرسي ثانيةً.
"اللعنةُ عليك!أنا أكرهك!فليأخذكَ اللهُ!أنا أكرهكَ من صميمِ قلبي!"،وضعتُ يدي على صدري.
"أنا لم أردكَ يوماً!سوفَ أقتلك يا أيها الحقير!لم أعدْ أتحملك!"،بدأتُ أرجف والدموع تساقطت من عيني،شعرتُ بأني أغوصُ في بئرٍ عميق وأختنقُ أكثر فأكثر،أخرجني من حالتي وخوفي صوتُ الهاتف.
"من يا ترى..؟"،توجهت ورفعتُ السماعة.
"أ..أهلًا عمي،لا لا عليك،أنا بخير،نعم تناولتُ فطوري قبلَ قليل...كلا اليومَ ليسَ لديَّ درس في الظهيرة...موعد؟..موعدُ ماذا عمي؟"
.
.
"إسمعني بني،أنتَ سوفَ تذهبُ لطبيبٍ نفسي،بالأحرى طبيبة...سوفَ تفرغُ لها ما في قلبكَ وقل كلَّ ما تريده،أخذنا الموعدَ في الساعةِ الثانيةَ عشر اليوم،فعلنا هكذا كي ترتاحَ نفسيًا يا عزيزي..."،قالَ موضحًا لي،لم أكن متحمسًا،بل مرتبكاً...صحيح،كنتُ أخبرُ الشيخَ وحنين،لكن أن أخبرها لشخصٍ غريب،ماذا أخبرها بالضبط؟
"عمي..ماذا عليَّ القولُ للطبيبة؟"
"ما أدراني أنا لؤي؟......مثلاً حينَ كنتَ تشرحُ همومكَ لإبنتي،فكَّرْ بها هكذا ولا داعيَ للخجل...لا أحدَ سوفَ يعرف ونحنُ نعرفكَ جيدًا،لذا لا عليك..."،صمتُ قليلًا،لم أرد الرفض لكي لا أقلقهم أكثر.
"حسناً عمي،سوفَ أذهبُ للشيخِ،أيمكن؟...حسناً عمي،مع السلامة"،أنهى المكالمة،لا زلتُ أمسكُ السماعة،تراخت يدي وأعدتُ السماعة لمكانها.
"لا أريد...سوفَ أتذكرُ كلَّ شيء،سوفَ أضطرُ للحديث...ربما أقولُ نفسَ الكلماتِ التي قالها لي.."،أخذتُ دوائي كي لا أشعرَ بالتعب،ثمَّ توجهتُ خارجَ المنزل.مراد:
المكانُ هادئ،الغرفةُ مبعثرة،وكانَ هناكَ جثةٌ هامدةٌ على الأرض،الدماء ملأتِ المكان،كلُّ ملابسي ملطخةٌ بالدم.
"ل..لما؟"،قلتُ منصدماً،عدتُ للنظرِ إلى الجثة،كانت رقبتهُ تنزف وعيناهُ مليئتانِ بالدمع والخوف.
"كلا...كلا!كلا!كلا!كلا!"،بدأتُ بالصراخِ حينَ أدركتُ أن الجثةَ هي جثةُ إبني.إستيقظتُ فزعاً وأصرخُ مثلَ المجنون،تقدمَ شرطيانِ نحوَ زنزانتي.
"لماذا تصرخُ بصوتٍ عالٍ يا هذا؟!"
"دعهُ قليلاً ليهدأ...إذا لم يتوقف إذهب وأحضر طبيبًا ليعطيهِ إبرة..."،وضعتُ يدي على صدري وحاولتُ تنظيمَ نفسي.
"لا داعي،لقد هدأ...إسمعني يا معتوه،إذا بقيتَ تصرخُ هكذا سوفَ أسكتكَ بطريقتي،تصرفْ بأدبٍ أفضلُ لك!"،نظرتُ له وأنا لا زلتُ مرتعباً،توجها بعيدًا عن القضبان،نهضتُ بسرعة وأمسكتُ بالقضبانِ الباردة.
"م..متى سوف أخرج؟!...أرجوكم ردوا علي؟!"
"بعدَ ثلاثةِ أيام.."،قالَ ببرودٍ وذهبت بعيدًا،سقطتُ على ركبتي.
"كلا..لا أستطيع..لن أتحمل يوماً آخر هنا..يا إلهي.."،بدأت الدموعُ تنهارُ من عيني.
"يا إلهي ما الذي فعلتهُ بنفسي؟..يا إلهي"،كنتُ مشفقاً على نفسي ،على وحدتي،على إخوتي وأبي الذينَ لن ينظروا في وجهي ثانيةً،على إبني الذي لن أجرؤَ على رؤيةِ وجهه،لقد خسرتُ كلَّ شيء!لم يعد لي شيء!،بدأتُ بضرب الأرض بيدي بحسرة،صامتاً كي لا تطولَ فترتي في هذا الجحيم،حتى باتت الدماء تخرجُ من يدي،لكني رغمُ ذلكَ إستمررت..وكأني أحاولُ عقابَ يدي على ما كانت سوفَ تفعله،حتى تلونت الأرض أمامي بالدماء،توقفتُ فجأةً ونظرتُ ليدي التانِ تمزقا إثرَ الضرب،جلستُ على الأرضُ وأركيتُ ظهري على السرير وبدأتُ أتأملُ السقف.
أنت تقرأ
نافذة الأمل
Randomقصة تتناول حياة مراهقين ،تتكلم عن آلامهم،طموحاتهم،وأحلامهم. ونرى كيف يواجهون بعض الصعوبات التي يواجهونها الذين من عمرهم ..ونرى من يحاول التمسك بحبل الأمل منهم..في النهاية نرى من سيستطيع النجاة من بركة اليأس ومن سيبقى غريقاً فيها ...