النافذة

110 24 30
                                    

لؤي:
"اليوم الثاني،و ما زلتُ محبوساً في القن،كان الوقتُ يمرُ ببطئٍ شديد؛فبقيتُ أنام وأستيقظُ كي لا أشعرَ بالوقت..لكن للأسف لم أرى أمي هذهِ المرة،ولم أتجرئ أن أنادي على أبي،خوفاً من ردة فعله..لقد قال فقط ليومين،آمل أن لا ينساني هنا لفترةٍ أطول،أشعرُ بالتعب والخوف والجوع..أخافُ أن أفقدَ صوابي يوماً من هذه العقوبات..حينها ربما سيرمي بي والدي في الشارع؛لم يعد لي فائدةٌ بالنسبةِ له...
........................
كانَ الليلُ قد حان وما زلتُ في القن،كنتُ جالساً أشعرُ باليأس والملل..
"هناكَ في الظلام...صبيٌ صغير
يشعرُ بالوحدة و الحزن...
يحاولُ نور القمر أن يضيء المكان..و..ولكن
يشعرُ بأنهُ لا يمكنه أن يرى النور،فهو غارقٌ في الظلام.."،غنيتُ تلكَ الكلمات،لم أغني يوماً إلا وأنا حزين...لكن أراهم يبتسمون وهم يغنون في برامج الأطفال،فلماذا أنا دائماً أغني وأنا أبكي؟،كلّا توقف يا لؤي!أنتَ لا تحتاجُ للحزن أكثر...قل شيئاً جميلاً..
"وقالَ الله إنّي معكم..وقالَ الله إنّي معكم"،بدأتُ أتمتمُ هذه الآية؛كي أهدّأ نفسي،فالله يراني وسوف ينقذني،لا يجبُ أن أستسلم،س..سأخرجُ من هنا بإذن الله...س..سأخرج..سأخرج،سأخرج،سأخرج..سمعُ صوتُ أذانِ صلاة العشاء..قمتُ لأصلِّ كي أهدئ نفسي وأقومَ بواجبي وبعدها بفترةٍ قصيرة سمعتُ خطواتِ أقدامٍ آتيةً إلى القن،فُتِحَ الباب و إذ رأيتُ أبي أمامي..
"هل تعلمتَ درسك جيداً؟"،قالها بنبرةٍ حازمة،بدأتُ أرتجفُ وأبكي وهزيتُ رأسي بنعم،أبقى البابَ مفتوحاً وذهب،أخيراً!الله إستجابَ لدعائي أخيراً سأخرج،قمتُ بصعوبةٍ وخرجتُ من القن،أغلقتُ الباب وتوجهتُ للمنزل،دخلتُ المنزلَ ورأيتُ والدي جالساً على الأريكةِ ويدخن،توجهتُ له.
"ه..هل يمكنني أن آكلَ وأشرب؟"،نظرَ لي وعاد ليشاهدَ التلفاز.
"أعدّ لي إبريقاً من الشاي ومن ثمّ كل"
"ح..حاضر"،لم يكن لديّ طاقةٌ لشيء،لكن كنتُ مضطراً،أعدتُ الشاي ووضعتهُ أمامه.
"مابكَ تقفُ هكذا؟!ماذا تريد؟!"
"أنا..ه..ه..هل ت..تريدُ أن أعدّ العشاء..أ..أم..لا تريد؟"،قلتُ وأنا أرتجف،خفتُ بصراحةٍ أن أعد عشاءً لنفسي دونَ سؤاله،بالرغمِ من أنّي خائفٌ من أن أنظرُ إليه أو أجلسَ بقربه.
"كلّا!إذهب وتسمم لوحدك!"،صرخَ بصوتٍ عالٍ وأنا سحبتُ نفسي بسرعةٍ إلى المطبخ،شربتُ حتى إرتويت وأعدتُ العشاء...أكلتُ وشبعت،شعرتُ بالسعادة أخيراً،بعدما رتبتُ كلَّ شيء أردتُ أن أغرقَ في النوم على سريري،فالقش لم يكن ناعمًا أبداً،لكنْ قبلَ كلَّ شيء،ذهبتُ لوالدي،قبلتُ يدهُ سريعاً وذهبتُ بسرعة،لم أقل أي شيء ولم أرد أن أحتك به؛خوفاً من أن يغضبَ مني ويعيدني إلى القن.
إستلقيتُ على سريري وإبتسمت،حملتُ بيلو وضممتهُ لصدري،أخيراً إنتهى هذا الكابوس.
....................................
إستيقظتُ على صوت أذانِ الفجر،نهضتُ سعيداً لرؤية الشيخ،توضيتُ وذهبتُ مسرعاً...بدأت الصلاة وكبّر الإمام،بعدَ إنتهاء الصلاة لمحتُ الشيخ من بعيد وهو ينظرُحوله،ذهبتُ لعندهِ،لم أرى نفسي سوى وأنا أعانقهُ من الخلف،إستدارَ نحوي مبتسماً.
"عزيزي لؤي،يا بنيّ لقد خفتُ عليك كثيراً"،ضمّني الشيخُ وضميتهُ بلهفة.
"شيخي،كمْ أنا سعيدٌ برؤيتك،إشتقتُ لكَ كثيراً"
"أأنتَ بخيرٍ يا عزيزي؟"،كسرَ الشيخُ العناقَ ونظرَ إليّ قلقاً.
"الحمدلله على كلّ حالٍ شيخي.."
"لؤي،لقد علمتُ ما حدثَ معك يا عزيزي،ذهبتُ وحاولتُ إقناعَ والدك...لكنّه لم يقتنع..سامحني يا بنيّ"،نظرتُ لهُ بحزن،الجميعُ حاولَ أن يخرجني من هناك.
"كلّا شيخي لا تحزن،لا عليك أنا هنا الآن،هذا ما يهم"،إبتسمتُ ليطمئن.
"الحمدلله على سلامتك يا عزيزي...يبدو أنّ حالَ والدك لم يتحسن.."،أنزلتُ رأسي للأرض بحزن.
"تعال نتمشى قليلاً قبل أن تعودَ لمنزلك"،وضعَ يدهُ على كتفي وخرجنا خارجَ المسجد.بقيتُ سارحاً أفكر في ماذا سيحدثُ لاحقاً،هل سيبقى يعاملني هكذا للأبد؟صحيحٌ أنّهُ والدي،لكن..لكن الأمر صعبٌ عليّ...
"لؤي..لؤي؟،هل أنتَ معي؟"،سمعتُ صوت الشيخ الذي أيقظني من سرحاني.
"أعذرني شيخي سرحتُ قليلاً.."
"أريدُ أن أسئلك يا بنيّ،لا أريدُ إزعاجك ولكن،هل يمكنني معرفةُ سببِ حبسك؟"
"ف..فالحقيقة،لا أعرف إن كنت قمتُ بشيءٍ سيء ولكن-"
"لؤي،أنتَ فتىً خلوق،حتى ولو أخطئت،الحل ليس هكذا أبدًا..لا تظنّ يومًا أن وسيلة العقاب هذهِ صحيحة.."
"ح..حاضر،لقد كنتُ جالساً مع إبنة عمي وأبي رآنا هكذا وغضب"
"حنين كان إسمها أليسَ كذلك؟"
"ب..بلى"
"غضبَ فقط لإنكما كنتما معاً،إنكما إخوة،فلا مانع في ذلك.."
"ر..ربما لإني.."،توترتُ قليلاً.
" تكلّم عزيزي لا تخف.."
"ربما لإني كنتُ..لقد..كانَ ظهري يؤلمني حينها..وكانَ يحتاجُ إلى تعقيم..فكانت تداويه لي..فعندما رآنا أبي غضبَ منّي.."
"فهمتُ عليك..لا عليك فالتهدأ..هل تريدني أن أتحدثَ معهُ ثانيةً؟"
"ك..كلا،أرجوكَ شيخي لا تتكلم معه،أصبحتُ أخافُ من ردة فعله،لم أعد أعرف ماذا يجب وما لا يجبُ عليّ فعله.."،قلتها بحزنٍ وخوف،وضعَ الشيخُ يدهُ على رأسي.
"لا تفقد الأمل يا لؤي،ما بعد الضيق إلا الفرج،أنا سأبقى أحاولُ من أجلك،لكن تذكر دائمًا أنّ الله لم يخلقك لتحزن،سوف يبتليك ويمتحنك؛لكن في النهاية هو وعدَ عبدهُ بالفرج والسعادة إذا صبرْ،لذا إياكَ أن تفقدَ الأمل.."،هزيتُ رأسي وإبتسمتْ.
"أنا خائفٌ أن أفقدَ الصبرَ يومًا.."
"حينها تعوذ من الشيطان،وإنظر إلى الحائط المليئ بالآيات المختلفة عن الصبر والفرج،ستعطيكَ قوة للإستمرار.."،قالَ الشيخُ وهو ينظرُ إلي،كانتْ عيناه الزرقاوتينُ تلمعان،لقد كان يتكلم عن قناعة،لم يكن فقط يتكلم لتهدئتي..تمنيتُ حينها..لو كانَ والدي من يقولُ لي كلامًا كهذا..لكنْ الحمدلله على كل حال وأنّ لدي شخصاً مثل الشيخ عبد الحميد معي..وإلا كنتُ متُّ منذ زمن..
"شيخي،هل في يومٍ شعرتَ باليأس..لأنك لم ترزق بطفل؟"،إبتسمَ الشيخُ إبتسامةَ دافئة ووضعَ يداه على خديّ.
"كلّا،كنتُ أدعو دائمًا،الله ربما لم يرزقني بولدٍ من زوجتي،لكن أنتَ بالنسبةِ لي أغلى لي من أي ولد"،أمسكَ برأسي ووضعهُ على كتفه ومسحَ على ظهري بهدوء؛مراعياً جروحي..شعرتُ بإحساسٍ جميل و دافئ..ودموعي بللت كتفه..
"أعذرني شيخي إنْ أزعجتكَ بسؤالي"،قبلتُ يد الشيخ بحب وخطرتْ ببالي،كلما كبرت كلما أصبحتْ قبلةُ يدِ والدي خوفًا لي،لم أعد أقبلها عن رضا أو حب،بل عن خوف.
"عليّ أن أذهبَ الآن،ك..كي لا أتأخر..مع السلامة"
"وداعاً يا بنيّ"،ودعني الشيخُ وأكمل طريقه وذهبتُ مسرعاً للمنزل لإعدادِ الفطور.لم يتكلم أبي معي وأنا بقيتُ صامتاً،أنهيتُ من أعمالِ المنزل وذهبتُ لأستحم.
....................................
"يا لهُ من حمامٍ منعش"،بدأتُ بتجفيف شعري الكثيف،الذي باتَ يزعجني فهو يسقطُ على جبهتي دائماً،نظرتُ للمرآة بتمعن.
"الحمدلله على كل حال وأنّ لدي شخصاً مثل الشيخ عبد الحميد معي...وإلا كنتُ متُّ منذ زمن"،عندما خطر ببالي هذا الكلام مع الشيخ،تذكرتُ قبل سنتين أو ثلاث..ما حدثَ معي..
.............................................
"سوفَ تبقى غبياً هكذا؟هل ستبقى معتوهاً هكذا؟!"،صرخَ والدي وهو يركلُ باب خزانتي،فُتحَ وسقطتُ على الأرض،كنتُ مختئباً خوفاً منه،أمسكَ بي من شعري وشدّه بقوة.
"إذا قصرتَ ثانيةً بأعمالِ المزرعة فسأجعلكَ تنامُ في العراء وتموتُ من البرد،اللعنة عليك!"،وألقاني على الأرض.كانت عيني متورمة والدم ينزفُ من جبهتي،شفتي كانت مجروحة وتنزف بشكل سيء،زحفت للحمام لأرى ما حدثَ لوجهي بينما والدي ذهب ليدخن كعادته.
وجهي كانتْ حالتهُ يرثى له وشعري تلون بالدماء،بدأتُ أغسلُ وجهي بقوة؛محاولاً إيقاف الدم،توقفتُ لوهلة ونظرتُ لنفسي ثانيةً،كان منظري مرعباً،فالدماء لونت بشرتي.
"يمكنني أن أنهي كل شيء،وبهذا تتحقق دعوته..أحيانًا يدعي عليّ بالموت..لقد مللتُ من تنظيف وتعقيم جروحي،أداويها لتعود من جديد..لماذا لا أنهي كل شيء...؟"،قلتُ بيني وبينَ نفسي وإذ فجأة.
"خذ السكينة من المطبخ وإنحر نفسك،هكذا ستلتقي بأمك وتريح والدك منك"،شعرتُ بشيءٍ يهمسُ لي في أذني كالوسوسة،لم أفكر بالأمر كثيراً،نسيتُ حتّى أنّ الأمرَ حرامٌ ولا يجوز وأنّ الله أرحمُ من أن يضعَ الإنسان في إمتحانٍ لا يمكنهُ تجاوزه..لكن غلبت عليّ وساوسُ الشيطان،إنتظرتُ قليلاً في المرحاض ولا يزالُ وجهي ملوناً بالدماء،حتّى سمعتُ صوتَ الباب يفتح،لقد خرجَ أبي،إنّهُ الوقتُ المناسب.
ذهبتُ للمطبخ ودخلتُ غرفتي،فتحتُ باب خزانتي ونظرتُ لنفسي من خلال المرآة المكسورة فيها.
"يا ربّي،أرجوكَ لا تعاقبني..لكنْ أنا لم أعد أستطعْ،سامحني أرجوك ولا تعاقبني.."،قلتُ بخوفٍ وأنا أرجف وأبكي،وجهتُ السكينَ على رقبتي وإذ أسمعُ صوتَ إمرأةً تصرخُ وتقولُ:كلّا يا لؤي،لا تفعلها!
....................................
لقدْ..كانَ صوتَ أمّي..نفس الصوتِ الذي أسمعهُ في أحلامي..نظرتُ حولي مرتعباً..
"هل تريدُ الموتَ كافراً؟كلّا يا بنيّ"،نفس الصوت ثانيةً.
"أمي،أمي!"سقطتُ على الأرضِ مضطرباً وسقطتُ السكينةُ من يدي..وبدأتُ أنظرُ حولي خائفاً،ثمّ هججتُ بالبكاء،أدركتُ ما كنتُ على وشكِ فعله..أدركتُ أني كنتُ سأفعلُ شيئاً يرميني في النار مباشرةً..
"أرجوكَ يا ربّي سامحني،أرجوك ياربي..يا الله لم أقصدْ،أرجوكَ سامحني،أرجوك!"....
.......................................
أمسكتُ عنقي أتحسسه..لولا لطفُ الله آنذاك كنتُ رحلتُ من هذا العالم،وضيعتُ فرصة اللقاء بأمي في الجنة...أنهيتُ تجفيف شعري وخرجتُ من الحمام لغرفتي،تذكرتُ هدية الله لي،في اليوم التالي،أتى الشيخُ للمسجد وأعلمني بأنه سيسكنُ في الحي من الآن فصاعداً،شعرتُ بسعادةٍ غامرة،لقد كانَ هو من علمني التجويد والسنن،هذا ما جعلني أقوى..إيماني بالله،بأنّه لا يخيبُ آمالَ عبده به،وأنّ من صبر وجد..لولا ذلك لما علمتُ ما كان سيحدثُ آنذاك،كانَ يومًا صعباً،بقيتُ خائفاً بقية اليوم،ومع كل سجدةٍ بصلاتي كنتُ أبكي وأستغفر..لكن الحمدلله كلُّ هذا إنتهى،إرتديتُ ملابسي وذهبتُ لإعدادِ الغداء.إنتهيتُ عند صلاةِ العصر،صليتُ وإنتظرتُ والدي..لكن..لحظة..لماذا أنتظرهُ قد أرتكبُ شيئاً يزعجه آثناء الغداء ويعاقبني!كلّا سأتناولُ الطعام قبله..هكذا لن أجلسَ معه وأحمي نفسي ولا أغضبه.
..............................
بعد صلاة المغرب،كنتُ جالساً في المطبخ أرسم طبقاً عليهِ بعضُ الخضار،فلا شيء أفعلهُ الآن وإذ يفتحُ الباب ويدخلُ أبي،ذهبتُ إليه وقبلت يده.
"أ..أهلاً أبي.."
"هل الطعامُ جاهز؟"
"ن..نعم"،نظرَ للتلفاز ونظرَ إليّ.
"ماذا كنتَ تفعل؟"
"ك..كنتُ أرسم"،نظرَ لطاولةِ المطبخ ورأى الورقة والطبق.
"حسناً،هيا سخن الطعام وحضر المائدة"،وضعتُ صينيةَ الدجاج بالفرن و حضرتُ الطاولةَ لهُ فقط،كنتُ خائفاً قليلاً من أن يستغربَ فعلتي.
"تعالَ إلى هنا ودلك لي ظهري،إنّهُ يؤلمني كثيراً"،قال وهو يستلقي على الأريكةِ متعباً،ذهبت وبدأتُ أدلك ظهرهُ بحذر.
"فليعطيكي الله العافية،لا بدّ أنكَ تعبتَ اليوم"،قلتُ مع ابتسامة.
"أنتَ متى ستصبحُ في الثامنة عشر؟"
"ت..تقريباً بعدَ سنة"
"جيد..لم يعد جسدي يتحمل..أريدكَ أن تعملَ لاحقاً بالبيع وتقودَ الشاحنة،لقد تعبتُ من العمل.."
"ك..حاضرٌ بأمرك..لكن ماذا عن مهام المنزل؟لن أستطيعَ العملَ هكذا.."،نظرَ لي بنظراتٍ مريبةٍ ونهض،ظننتُ أني أغضبته.
"لا أبي،لم أقصد شيئاً..س..سأعملُ كلّ شيءٍ كما تريد"،قلتُ بخوف.
"هيا أخرج الطعام من الفرن،لم أعد أتحمل الجوع.."،سكبتُ لهُ الطعام،لكنْ لم أغادر مباشرةً..بقيتُ متوتراً بعض الشيء.
"ماذا بك تقفُ هكذا؟!"
"أ..أبي لقد ت..تناولتُ ق..قبل..لك.."،نظرَ لي متعجباً.
"أيمكنني أن أذهبَ لغرفتي لأكملَ الرسم؟"،بقيَ ينظرُ إلي بنظراتٍ مريبة.
"لا يهمني،لكن إبقي الباب مفتوحاً،إياكَ أن تغلقهْ،هل فهمت؟"
"ح..حاضر و بعدَ أن تنتهي سأرتبُ كلّ شيء"،أمسكت بالقلم والورقة وذهبتُ لغرفتي..شعرتُ بالأرتياح،لقد نجحت،لم أغضبهُ اليوم وهو تركني بسلام.كنتُ جالساً على السريرِ أخربشُ على الورق،قررتُ الذهاب ورؤية إذ إنتهى والدي من طعامه،وبالفعل كانَ قد إنتهى.
"هيا رتب المطبخ وأعدّ لي إبريق شاي"،قالَ وهو يغسلُ يديه.
"ح..حاضر"،بعدما إنتهيتُ ووضعتُ الإبريق كنتُ سأذهبُ لغرفتي،قبلَ ذلك قبلتُ يدَ والدي.
"ت..تصبحُ على خيرٍ أبي،هل تريدُ مني شيئاً آخر؟"،حلّ الصمتُ ولم يقل شيئاً،أدرتُ وجهي وذهبتُ لغرفتي؛صليتُ العشاء والسنة وجلستُ أدرسُ قليلاً،بعدَ ساعةٍ ذهبَ والدي للنوم،وأنا بعد ساعةٍ خلدتُ للنوم.
....................................
"كم الساعة؟"،إستيقظتُ وذهبتُ لغرفةِ الجلوس لأرى الوقت،كانت الساعة الثانية مساءًا،حانَ وقتي،ذهبتُ أولاً وتوضيتُ لقيامِ الليل والوتر،بعدما أنهيتُ فتحتُ النافذة وشعرتُ بهواء فصل الخريف.
"نحنُ في نهاية الشهر الثامن،هواء الخريف جميلٌ بالفعل.."،كانت النافذةُ تطلُّ على المزرعة والطريق،لا وجودَ لأحد..لا أعرفُ لما فجأة خطرتْ ببالي تلك الفكرة.
"ه..هل يمكنني الخروجُ من هنا؟أرغبُ فقط بالمشي قليلاً،فالجو جميلٌ وهادئ..لكن ماذا لو إستيقظَ أبي ولم يجدني؟سيقتلني..لكنه لا يستيقظُ قبل الساعة السادسة..يا ربي ماذا أفعل،هل هذا خطأ؟"،جلستُ على السريرِ أفكرُ قليلاً في الأمر،أردتُ فقط الخروج والمشيَ لوحدي،لم أمشي وحدي بتاتاً ولم أجربِ الشعورَ من قبل.."كلها فقط نصف ساعة سأعودَ بسرعة".،حسمتُ أمري،لا أدري ماذا جرى حتّى خطرتْ ببالي هذهِ الفكرة،لكن..ربما أردتُ فقط أن أبتعد...أخذتُ ساعة يدي القديمة من خزانتي لأرى الوقت وأخذتُ معي بعض الحلوى التي إشترتها لي حنين،رتبتُ السريرَ ليرى أنّي نائمٌ عليه وبدلتُ ملابسي.
"يا ربي،أرجو أن لا أكون الآن أفعلُ شيئاً خاطئاً،يارب أدعوكَ بأن لا يستيقظَ أبي..يارب"،دعوتُ بيني وبين نفسي،شعرتُ بالخوف،وضعتُ قدمي على حافة النافذة وقفزتُ للخارج،أغلقتُ النافذة بهدوء،إلتفتت ومشيتُ بكلّ حذر،مشيت بإتجاه المزرعة،بعد ربع ساعةٍ إبتعدتُ عن المكان.
"لا أصدق أني خرجتُ من المنزل،أشعرُ بالخوف والسعادة في نفس الوقت"،قلت فرحاً وبدأت أتمشى وأراقبُ الأجواء،كنت دائماً أذهب مع أبي بإتجاه الحي وأجواء المدينة،لكن إتجهتُ الطريق المعاكس،أردتُ فقط الهدوء وأن لا يكونَ هناك أحد..كلّ شيءٍ حولي عبارةٌ عن عشب وبعض الأشجار والنباتات أو مباني لم يكتمل بنائها،لم تكن مظاهر خلابة،لكن كنتُ مستمتعاً بالرحلة،إستوقفني بيتٌ صغير ذو سقفٍ أحمر،كانَ مهجوراً،كنتُ خائفاً بعض الشيء لكن ذهبتُ لهناك لإلقي نظرة،كانت هناكَ نافذةٌ مكسورة،جعلتني أرى بوضوحٍ ما بداخل المنزل.
"البيتُ ليس بحالةٍ سيئة..هل أدخلُ يا ترى؟كلّا!المكانُ مظلمٌ ومخيف"،غيرتُ رأيي بسرعة وإستكملتُ جولتي،لكنْ ذلك البيت الصغيرُ بقيَ في ذهني،لا أدري لماذا بالضبط..لقد أحببته..إنّه بسيطٌ وصغير،كانَ هناكَ مقعدٌ للباص،جلستُ عليهِ وتناولتُ بعض الحلوى.
"السماءُ جميلةٌ للغاية،يا ليتني أراها من غرفتي،آملُ أن يخترعوا نافذة في السقف كي يرى الإنسان السماء والنجوم والقمر"،قلتُ بصوتٍ واضح،من الجيد أنّ لا أحدَ هنا.كانَ هناك بعض السيارات الذاهبةِ والقادمة،كلما رأيت واحدةً إبتعدتُ كي لا ألفتَ النظر،قررتُ العودة للمنزل كي لا أتأخرْ،لكن كان عليّ إلقاء نظرةٍ أخرى على ذلكَ البيت،قررتُ أن أتشجعَ وأدخل لثوانٍ فقط،دعوت أن لا يكونَ لهُ صاحبٌ ويراني،تعوذتُ بالله ودخلت من النافذة.
"يا إلهي،لا أعلم ماذا يحدثُ معي اليوم.."،قلتُ بصدمة وأنا داخلَ المنزل،كان الغبارُ في كلّ مكان،أريكة وسرير والحشراتُ تملئ المكان،توترتُ وقررتُ الخروج،هذا يكفي لليوم.
.......................................
"المنزل هناك،سأركضُ للمزرعة ومن بعدها أكمل للبيتِ بهدوء"،تحمستُ كثيراً،وضعتُ كلتا يدايَ على الأرض كما يفعلُ العدائونَ في التلفاز وإنطلقت،شعرتُ بحريةٍ شديدة وبنشاط،ركضتُ وركضتُ حتى وصلتُ للمزرعة،كنتُ تعباً بعض الشيء وألهثُ من الركض لكن بدأتُ بالضحك،شعرتُ بسعادةٍ كبيرة وإذ يعيدني للواقع صوتُ كلبة المزرعة 'فستقة' وهي تنبحُ عليي.
"كلّا توقفي!هذا أنا،إهدئي،إهدئي!"،توقفت عن النباح.
"أنا آسفٌ لإخافتكِ يمكنكِ العودةُ للنوم"،قلتُ وأنا أربتُ على رأسها لتهدأ.
"عليّ العودةُ الآن،وداعاً فستقة"،نبحتْ مرةً واحدة وكأنها ردت عليّ،تسللتُ لنافذةِ غرفتي،فتحتها ودخلتُ بهدوء،رأيتُ أنّ الأضواء مطفئة؛إشارةً أنّ أبي لم يستيقظ ولله الحمد،نظرتُ للساعةِ ووجدتها الرابعةَ مساءاً.
"لقد بقيتُ تقريباً ساعةً كاملة،من الجيد أن أبي لم يستيقظ،خلعتُ حذائي ووضعتهُ في مكانه،غيرتُ ملابسي وقررتُ أن أنامَ قليلاً قبلَ أذانِ الفجر.
"الحمدلله لم يحدث شيء"،قلتُ بأريحية،لكن فكرتُ قليلاً،هل ما فعلتهُ كانَ خاطئاً أم لا؟

نافذة الأمل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن