لؤي:
كانت الساعةُ الثالثةُ فجراً،كنتُ جالساً أراقبُ السماء من النافذة وأستشعرُ هواءَ الخريفِ البارد،هذهِ المرةَ لم أعد أشعرُ بشيء،لم أعد أخافُ من أن يأتي والدي فجأة،لم يعد يهمني شيء،شعرتُ أن قلبي زجاجٌ إنكسرَ وتبعثرت أجزائهُ في كل مكان،لم يكن لي رغبةٌ في الرسم أو الكتابة،نظرتُ للسرير،رأيتهُ فارغًا.
"أينَ هو بيلو؟"،قلتُ بصوتٍ منخفض،تذكرتُ أنّهُ لا زالَ في حقيبتي،لقد كانت موضوعةً على طاولةِ السرير،فتحتها ووجدته.
"الحمدلله أنّكَ لا تزالُ بخير"،قلتُ ذلك وأنا أقبله ثمّ وضعتهُ على السرير،عدتُّ للنافذة،كنتُ جالساً على فَخِذيَّ وأنا أنظرُ للسماء السوداء التي تضيئها النجوم،إلتفتُ وتذكرتُ أمرَ خزانتي الفارغة،لا بدّ أن لا أحدَ إنتبهَ لها وإلّا كنتُ سُأِلتُ عنها،لم أشعر بأنّي حي،شعرتُ وكأني جثةٌ تلفظُ أنفاسها بصعوبة،شعرتُ بأنّ البيتَ أشبهُ بسجن وغرفتي هي الزنزانةُ الباردة.
.
.
.
إستيقظتُ على صوتِ أذانِ الفجر،لقد غفوتُ وأنا جالسٌ على الأرض،نهضتُ وشعرتُ بظهري ورقبتي يؤلمانني من النومِ هكذا،ذهبتُ للمرحاض ولكن..لم أنظر لنفسي بقيتُ منزلاً رأسي،لم أرد النظر،شعرتُ بأنّ منظري مرعبٌ وقبيح،لقد كرهتُ نفسي وشكلي وصوتي،أشعرُ بأنّي..مسخٌ منبوذ،وصلتُ للمسجد متأخراً عن قصد وهذهِ المرة لم أكن من الأوائل في الصفوف،لم أرد لأحدٍ أن ينتبهَ إليّ،أقيمت الصلاة وبعدما إنتهت سحبتُ نفسي بسرعةٍ خارجَ المسجد،وقفتُ في الخارج خلفَ شجرةٍ قريبةٍ من المسجد لأنتظرَ الشيخ عبد الحميد،في هذا اليوم لا يوجدُ لديهِ أعمال،فيخرجُ مبكراً من المسجد،مرت عشرُ دقائق،عشرون،نصفُ ساعةٍ ولم يخرج.
"هذا غريب..لما لم يخرج بعد؟"،بدأتُ أقلقُ عليه،قررتُ المرورَ من منزله والسؤال عنه،آملُ أن لا يكونَ مريضاً،طوالَ الطريق وأنا منزلٌ رأسي،لم أرد التكلمَ مع أحد ولا رؤيةَ أحدٍ من سكان الحي،أردتُ فقط الإطمئنانَ على الشيخ،فهو كبيرٌ في السن وأخافَ أن يكونَ قد قلقَ عليّ في تلك الفترة،وصلتُ لمنزله وطرقتُ الباب،لم يجبني أحد..رنيتُ الجرس وإنتظرت..لا رد،بدأت دموعي تتساقط لا تلقائياً مني،الشخصُ الوحيدُ الذي أريدُ رؤيتهُ الآن ليسَ هنا.
"لماذا؟...لماذا رحلَ الجميعُ فجأةً يا إلهي؟!"،بدأتُ أبكي بصوتٍ منخفض.
"لؤي!"،سمعتُ صوتًا يناديني،إلتفتتُ ورأيتُ جار الشيخ يلوح بي للقدوم له،لم أردهُ أن يراني هكذا،لكن..لكن ربما يعلمُ شيئاً عن مكانِ الشيخ،توجهتُ نحوه ولم أجرؤ على رفعِ رأسي.
"الحمدلله على سلامتك،كنا قلقين عليكَ يا فتى،كيفَ حالكَ الآن؟"
"شكرًا لكَ عمي،الحمدلله أفضل"
"الشيخُ ليس هنا يا لؤي"
"أتعرفُ إلى أينَ ذهب؟"،نظرتُ لهُ وأنا قلق.
"ف..فالحقيقة،حينَ علمَ ما حدثَ معك،تعبَ كثيراً ونقلوه لمستشفى النبض..أعتقدُ أنهُ هو نفسُ المستشفى الذي ذهبتَ إليه"،شعرتُ بدقاتِ قلبي،لقد تعبَ بسببي أنا،أنا السبب!
"لو سمحت،أين يقعُ ذاك المستشفى؟!انا لا أتذكرُ بالضبط.."،قلتُ والدموعُ في عيني.
"عليكَ المشيُ تقريباً اكثرَ من نصفِ ساعة من هذا الطريق هناكَ مدرسةٌ للفتيان قبلَ المستشفى بقليل"
"ح..حسناً،شكرًا لكَ عمي"
"لحظة،لؤي!"،بدأتُ بالجري بسرعة بالرغمِ من التعب،وصلتُ لأطرافِ المدينة،لم أعلم إلى أينَ أذهبُ بالضبطُ،بدأتُ أسألُ المارين عن المستشفى وأكملُ الجري،كانت سيارةٌ على وشكِ أن تصدمني لكن إبتعدتُ في آخر لحظة،شعرتُ بيدي المكسورة وهي تؤلمني،خرجَ السائق وبدأ يشتمني،نهضتُ وأكملتُ الجري،الجميعُ كانَ ينظرُ إلي بإستفهام،،توقفتُ قبلَ المدرسةِ بقليل لأخذَ نفساً،شعرتُ بالدوارِ بشدة وأني سوفَ أتقيأ،إستجمعتُ ما تبقى لي من قوتي وأكملت،خطواتي كانت ثقيلة ونفسي بدأ يضيق،لم أكل شيئاً من الأمس ولم أخذ حبةَ دواءٍ واحدة،أخيراً ربما بعدَ عناءِ ساعةٍ من الركض والسؤال..وصلتُ للمستشفى،صعدتُ السلالمَ بصعوبة،كدتُ أسقطُ من الدوارُ الذي أشعرُ به،دخلتُ المستشفى وأنا ضائع،أينَ أبحث ومن أسأل؟
"تفضل،هل هناكَ مشكلة؟"،إلتفتتُ ورأيتُ إمرأةً تناديني من قسم الإستعلامات،توجهتُ نحوها مرتبكاً.
"م..مرحباً،أنا..هناكُ رجلٌ يدعى عبد الحميد ****،هل هو هنا؟"،بدأت تبحثُ في الحاسوب.
"نعم هو هنا،الطابقُ الثالث،الغرفةُ خمسٌ وأربعون"
"ح..حاضر،ش..شكرًا لكِ"،توجهتُ للسلالم وبدأتُ بالصعود مستجمعاً طاقتي،وصلتُ للطابقِ الثالث وبدأتُ أبحثُ عن غرفته.
"خمسٌ وأربعون..خمسٌ وأربعون..خمسٌ-ها هي!"،قلتُ وأنا واقفٌ أمام الباب،ترددُ للحظات.
"لماذا أنا خائف؟مهما كان السبب..أريدُ رؤيتهُ لا محالة!"،قلتُ داخلي وطرقتُ الباب.
لم يسمع أيُّ صوت.
"ماذا لو كانَ نائماً؟ماذا لو كانت خالتي نجوى موجودة؟يا إلهي،لماذا لم أستطع الإنتظار؟!"،بدأتُ أقلقُ وأفكر،فتحَ البابُ فجأةً ورأيتُ أمامي زوجةَ الشيخ.
"لؤي؟بنيّ؟"
"أ..أهلاً خالتي،أعذريني على قدومي في هذا الوقت"،أنزلتُ رأسي للأسفل،شعرتُ بأني أنا السبب بالأمر،شعرتُ بالخجلِ من نفسي ومن شكلي كذلك.
"الحمدلله على سلامتك يا بنيّ،سوفَ يفرحُ عبد الحميد كثيراً برؤيتك يا بني،تفضل بالدخول"،دخلت الغرفة،لحقتها وشعرتُ بالخوف،دخلتُ ورأيتُ الشيخَ على السريرِ مستيقظاً ويسبح،كانَ ينظرُ للنافذة،إلتفتَ وإلتقت عيني بعينه.
"حبيبي،لؤي بنيّ"،إبتسمَ إبتسامتهُ الدافئة.
"ش..شيخي.."،أردتُ الإقترابَ منهُ لكن كنتُ متوتراً،فتحَ ذراعيه وإبتسمْ،توجهتُ نحوهُ وعانقته والدموع تنهمرُ من عيني.
"حبيبي،كمْ خفتِ عليك،الحمدلله على سلامتك".
أنت تقرأ
نافذة الأمل
Randomقصة تتناول حياة مراهقين ،تتكلم عن آلامهم،طموحاتهم،وأحلامهم. ونرى كيف يواجهون بعض الصعوبات التي يواجهونها الذين من عمرهم ..ونرى من يحاول التمسك بحبل الأمل منهم..في النهاية نرى من سيستطيع النجاة من بركة اليأس ومن سيبقى غريقاً فيها ...