بعدَ ما إنتهينا من الفطور،كنتُ أرتبُ الطاولة.
"لؤي،اليومَ ستأتي عمتك،ساعدها في أعمال المنزل"
"ح..حاضر".."آملُ أن تأتيَ حنين اليوم،عليّ إخبارها بما حدثَ معي"،قال لؤي بينهُ وبين نفسه.
"سأتأخرُ اليوم.."،نظرَ للؤي بنظرةٍ مميتة،لم يكن يرتاحُ أن يتركهُ لوحده.
"إسمعْ،أخرج وضع الصناديق في الشاحنة.."،ذهبَ لؤي خارجَ المنزل وإستغلّ مراد الفرصة،ذهبَ لغرفة لؤي وبدأ يفتشها،في الخزانة وأسفلَ السرير،كانَ كلَّ فترةٍ يفتش غرفة لؤي وأحياناً قد يفتشُ ملابسه.
"لا شيء..وأنا لماذا أشك وأنا لا أعطيه مالًا يكفيه لعلبةٍ واحدة؟"،قالَ مراد وهو يشعرُ بالحماقة.
"لكنْ قد يجمعُ المال ويفكر بتجربته ويشتريه...."،نظرَ حولَ الغرفة ليتأكدّ بأنهُ لم ينسى مكاناً،خرج من الغرفةِ وخرجَ من المنزل ليلحق بالعمل،كانَ لؤي على وشكِ الإنتهاء من وضعِ الصناديق في الشاحنة،ركبُ مراد الشاحنة وما زالَ بالهُ مشغولاً.
"نعمة؟نعمةُ ماذا؟هو همٌ على القلب،خصيصاً في هذا العمر،عندما كان طفلاً لم يكن يهمني سوى الباسهِ وإطعامه.."
"إبي لقد إنتهيت"،قالَ لؤي وهو يطلُّ من نافذة الشاحنة،بقيَ مراد ينظر للؤي بنظراتٍ مرعبة،إرتبكَ لؤي من هذهِ النظرات.
"إذا أتتْ حنينُ مع عمتك،فلا تقترب منها ولا تكلمها،فهمت؟"،قال مرادْ بحزم،ولؤي هزّ رأسه بخوف وإنطلقَ بعيداً نحو المدينة،بينما عادَ لؤي للمنزل ليكملَ عمله.
.......................................
"هل أفكّرُ كثيراً بالأمر؟كلّا،حينَ كنتُ في عمره دخنت وأدمنتُ هذا السم،يمكنني تأديبهُ جيداً إن فكّر حتى في الدخان.."،بقيَ مراد يفكُّرُ بالأمر وهو يقودُ الشاحنة.
"لكني أراقبهُ جيداً،لا أدعه يمشي لوحده وإن أبعدته عن حنين سيرتاحُ بالي أكثر...حتّى أنّي حذفتُ كلّ القنواتُ السيئةَ من التلفاز منذ زمنٍ طويل،أليسَ هذا كافياً؟...كلّا هذا ليسَ كافياً!ماذا لو كانَ يفعلُ كلّ شيءٍ في غيابي؟كيفَ أضمنُ أن لا يرتكبَ شيئاً يجعلُ سمعتي في الوحل؟ألا يكفي أني فقدتها بسببه!"،توقف مرادْ لوهلةٍ حتى يستجمعَ نفسه ويهدأ..لم يعدْ بإمكانهِ الإنتظار ولن ينتظرَ سنةَ أو سنتين ليدخلَ العشرين لقد تجوزَ وهو في الثامنةَ عشر،فما المشكلة؟،كانَ يرغبُ أن يرتاح من العمل ويرتاحَ بالهُ من هذا التفكير المستمر،بعدَ ربعِ ساعةٍ من القيادة وصلَ للمتجرِ الذي يبيعُ له الخضار والفواكه.
"أهلاً بمراد!كيفَ حالك يا رجل؟"،قال صاحبُ المتجر،صالح وهو يصافحُ مراد.
"أهلاً بك أبا سليم،بخير..البضاعةُ في الخارج،فليستلمها الشباب"،نادى صالح أبنائهُ الثلاثة ليحملو الصناديق.
"أينُ إبنك،لقد إشتقتُ لذلكَ الفتى،لماذا لا تحضرهُ معك؟"
"في المرةِ القادمة إن شاء الله"،ابتسمَ مراد إبتسامة مجاملة."إسمعني أريدُ أن أسألك سؤالاً..هل هناك هنا فتياتٌ مناسباتٌ...للزواج؟"،إرتبكَ قليلاً قبل أن يقول آخرَ كلمة.
"فهمتُ عليكَ يا مراد،على كلٍ ما زلتَ شاباً وتستحق،لم تبلغْ الأربعين بعد"
"كلّا ليس لي أنا!أتراني ما زلتُ أصلحُ لأن أتزوجَ وأنجب المزيدَ من العفاريت؟بلوةٌ واحدةُ تكفيني!..كنتُ أعني للؤي"،إنصدمَ صالحُ من كلامِ مراد قليلاً.
"أنتَ تمزح،أليسَ كذلك؟"
"كلّا،لا أمزح أريدُ فتاةً صغيرةً مناسبة له"
"لكن الفتى لم يبلغ العشرين"
"ما المشكلةُ إن تزوج الآن أو بعدَ سنة؟أصبحَ شاباً يمكنهُ تحمل المسؤولية،كما أني سأكونُ معه،لن أطيلَ الكلام أتعرفُ أم لا؟"،نظرَ الرجلُ للأسفل وأعادَ النظرَ لمراد.
"حسناً حسناً،أنتَ أدرى بمصلحة إبنك،هناك رجلٌ يصلحُ الأحذية،محلّهُ في آخرِ الشارع،إسمهُ فارس وينادونهُ بأبِي علاء،شخصٌ طيب وليسَ لهُ مشاكل،سمعتُ أنّ لديه ثلاثة بنات،إذهبْ وإستفسر"
"حسناً،شكراً لك،لقد أحضرتُ خمس صناديق،إتفقنا على الحسابِ مسبقاً وإذا أردتُ تفحص الخضار"
"معاذ الله،انا أثق بك،هاكَ الحساب"،قالَ وهو يناوله المال من الصندوق.
"عوضكَ الله،مع السلامة"
"معَ السلامة"،لوحَ صالح وخرجَ مراد من المتجر،"ستجعلَ الفتى مجنوناً في نهايةِ المطاف يا مراد.."،قالَ بإستياء.
.......................................
وصلَ مراد للمكان،كانَ مرتبكاً قليلاً من هذهِ الخطوة،لكنّه يريد أن يرتاحَ باله.دخل المحل،رأى رجلًا في الخمسين من عمره جالساً يصلحُ في الأحذية.
"السلام عليكم،تفضل"
"وعليكم السلام،أبا علاء،أليس كذلك؟"
"نعمْ،تفضل يا أخ"
"أنا أتيكَ لأمرٍ خاص وكله خير"
"لا بأس،تفضل.."،جلسَ مراد وإستجمعَ كلماته جيداً.
"إسمعني،أنا إسمي مراد .....،لدي مزرعةٌ صغيرة في الضواحي وأكسبُ مبلغاً جيداً منها،أتيتُ من قرية الزيتون وسكنتُ في المدينة تقريباً من عشرين سنة،لديّ فتىً في السابعةَ عشرَ من عمره وبصراحة..سمعتُ عن سمعتكَ الطيبة وتشجعتُ،أنا أرغبُ في أن أطلبَ يد إبنةٍ من بناتك لولدي"،صمتَ فارس لوهلة.
"أهلاً وسهلاً بك،بصراحةٍ فاجأتني قليلاً،في بالعادة النساء هي من تأتي أولاً.."
"زوجتي توفت منذ زمن طويل"
"رحمها الله،فهمتُ الآن أعذرني،لديك فقط هذا الصبي؟"
"نعم"
"وهل هو يعملُ معك في المزرعة؟"
"نعم يعملُ معي،وإذا أردتَ إسأل وإستفسر كما تريد،إبني شابٌ خلوقٌ وملتزم"
"والنعم منك،أنا لا مانعَ لدي ولكن هل الفتى مسؤول بما فيه الكفاية؟"
"نعم،هو كذلك"،شعرَ مراد بأنه يرتكبُ هنا الخطأ،لؤي له تفكيرٌ طفولي يزعجُ مراد للغاية،لكنه كان سيفعلُ أي شيء ليجعلهُ يتغير لينتهيَ من الأمر.
"حسناً،أي فتاة ترغب؟"
"هل هناكَ فتاةٌ تصغرهُ بسنتين أو ثلاث؟"
"لديّ فتاةٌ في الرابعة عشر وأخرى في الثانيةَ عشر"
"كلّا،أريدُ ذي الرابعة عشر،أريدها أن تكونَ قريبةً من عمره..لا أعرفُ إذا كانَ سؤالي مقبولاً،كيفَ هي الفتاة؟وهل تتقنُ أعمال البيت والطبخ؟"
"الفتاةُ أجملُ أخواتها..وأمها تعلمها كل شيء،هي ربةُ بيتٍ ممتازة..إذا أردت يمكنني أن أناديها لتراها وندعوك لتشربَ فنجانَ قهوة من صنعِ يديها"،صمتَ مراد قليلاً،هل هذا صحيح؟كانَ من الأفضل أن تكون أختهُ هي من ترى الفتاة،لكنها لن توافق..
"حسناً لا بأس..وأنا في الأسبوعِ القادمِ سأحضرُ لؤي معي"
"لا ضيرَ في ذلك،إنتظرني هنا للحظة"،خرجَ فارسُ من المتجر وترك مراد في حيرة،كان منزل فارس فوق محله.
"توقف عن التفكير بكثرةٍ يا مراد،هذا لمصلحتكَ أنتْ،كما أنّهُ لن يضر لؤي بشيء.."،بقيَ مراد يهدأ نفسهُ بهذهِ الفكرة،لكنّه كان يتجاهلُ المشكلة الكبرى هنا..ماذا لو حملتْ الفتاةُ بعد فترةٍ قصيرة،هل سيجعلُ إبنهُ يتحمل هذهِ المسؤولية التي دمرتْ حياته؟
................................................
"ملاك!تعالي لهنا!"،لم يكن فارسُ أباً حنوناً لهذهِ الدرجة،كانَ يرغبُ بالتخلصِ من بناته بأيةِ طريقة.
"نعم أبي؟"،كانتْ ملاك فتاةً نحيلة،ذو بشرةٍ بيضاء وشعرٍ أسود يصلُ لكتفها،عيونٌ كبيرةٌ وملامحٌ ناعمة.
"أعدِّ القهوة وأتي بها للأسفل،لا تتأخري!"،قالَ وهو ينزلُ الدرج ليعودَ للمحل.
"ما القصةُ يا ترى؟"،قالتْ ملاك.
................................................
كانَ لؤي جالساً يشاهدُ التلفاز على برامج الأطفال القديمة،كانَ يستمتعُ بها وينغمسُ بأجوائها السعيدة والبريئة،كانَ يتمنّى لو أنّه لم يكبر،حينَ كانَ صغيراً لم يكن والدهُ قاسيًا لتلكَ الدرجة وكانَ يلعبُ مع حنين كثيراً،حتى أنّهُ تذكر منزلَ تلك السيدة،السيدة سيدرة،التي كانتْ بجوارهم آنذاك وكانتْ تعيشُ مع إبنتيها،لم يتذكر لؤي عمرهما لكن ربما كانتا في الجامعة.
"أتسائلُ ماذا حلّ بالآنسة سيدرة؟"،قالَ لؤي وهو يتذكر كيف كانتْ إمرأةً قوية وكانتْ تصرخُ في وجهِ والده من دون خوف إذا رأتهُ يعنفهُ أو يصرخُ عليه..حتى أنّهُ هرب خائفاً منهُ مرةً لمنزل تلك السيدة،كانت الفتاتان طيبتانِ للغاية،كانا يلعبانِ معه ويعلمونه الرسم بالرصاص والألوان،كانتْ عائلةً غريبة،تذكر لؤي منزلهم الملون واللوحات الغريبةَ التي كانت على جدرانِ المنزل،لم يكن يفهمُ ما معناها وإلى ما ترمز،كانتْ السيدة سيدرة أرملة،ذو شخصية فريدة،تذكر كيفَ كانتْ تحتضنهُ بكلّ حنانٍ وتغني له،كانت تعلم أنّ فتاً في الثامنةِ من عمره يطوق لعناقٍ وقبلةٍ على الجبين،كانَ يشعرُ بحنانِ الأم،لكن للأسف فهي إضطرت لتغادرَ الحي والمدينةَ بأكملها،قبلَ ذهابها،قالتْ للؤي تلكَ الكلمات.
"سامحني لإنّي لن أستطيعَ البقاء معك،أنتَ فتىً قوي وبإذنِ الله ستكبرُ وتخرجُ من هذا الظلام"،قالتْ وهي تمسك يداه الصغيرتان.
"أنا واثقةٌ بأنّكَ ستصبحُ رساماً مبدعاً،لديكَ خيالٌ واسع يا عزيزي"،قالتْ إبنتها الكبرى 'ياسمين'.
"بلى ولكن لا تنسانا حينَ تصبحُ مشهوراً يا حبةَ المارشميلو اللذيذة!"،قالتْ 'كاثرين"وهي تمسكُ وجهه وتقبلُّ خديه.
"أيمكنني حقاً أن أصبحَ رساماً؟"قالَ لؤي بكلّ براءة وعيناهُ تلمعان،تبسمتْ سيدرة لهُ ووضعت يداه على خديه.
"بالطبعِ يا صغيري!لا تفقد الأمل،كنْ قوياً وتبسم دائماً"
..........................................
"كنْ قوياً وتبسم دائماً"،قالَ لؤي بحزن والدمعة تساقطت من عينيه.
"صحيح،عليّ أن أكونَ قوياً.."،إبتسمَ إبتسامةً ضعيفة.في تلك اللحظة سمعَ طرقٌ للباب،علمَ أنّ عمتهُ أتت،ذهبَ ليفتحَ الباب وخابَ أملهُ بأنّ حنين ليست موجودة.
"أهلاً بإبنِ الغالية"،رحبتْ عمتهُ وهي تدخل بنشاط.
"أهلاً عمتي"
"يبدو أنك نظفتَ ورتبتَ المنزل.."
"إعتدتُ على الأمر عمتي،لكن أنا إشتقتُ لطبخكِ اللذيذ،فأنا لستُ بارعاً بالطبخ"
"لا عليك،اليوم سأعدُّ شيئاً مميزاً..بالمناسبة لدي هديةٌ لك"
"ما هي؟"،سمعَ صوت طرق الباب،فتحَ لؤي وإذ بحنين تقفزُ بحماسٍ له وتعانقه،كانت مختبئةً فلم يلحظها لؤي حين فتحَ الباب لعمته.
"إنها أنا!"تبادلا العناق وهما يقهقهان.
"هيا الآن،أخرجا من هنا بسرعة وتمشيا قليلاً،إستغلا الوقت قبلَ مجيء مراد..لكن لا تبتعدا كثيراً"
"حاضرٌ عمتي"،أمسكَ لؤي بيدِ حنين وخرجا فرحين،بقيا ممسكين بأيدي بعضهما وهما يمشيان وعلى يمينهمُ المزرعة.
"إشتقتُ لكِ كثيراً"
"وأنا..تبدو متحمساً اليوم"
"نعم كثيراً،سأخبركِ بسر لكن لا تخبري أحداً"
"حتى أبي وعمتي؟"
"فالحقيقة،الأفضلُ أن لا يعرفا،لا أحبّ أن أكذب أو أخفيَ شيئاً لكن،هذهِ المرة حدثَ شيء..لا أعرفُ إن أخطئتُ فيه"
"تكلّم لؤي،لن أخبرَ أحداً"،تشجعَ لؤي واثقاً بحنين.
"قبلَ يومين،خرجتُ من المنزل..بدون علمِ والدي"،رسمتْ ملامح الصدمة على حنين.
"حقاً؟..ومتى خرجت؟"،قالتْ وهي مذهولةٌ من هذا الخبر.
"في الساعة الثانية تقريباً.."
"تعال نجلس هناك وقل لي كلَّ التفاصيل"،جلسا تحت ظلِّ شجرةٍ على الرصيف،وبدأ لؤي يشرح ما حدث معه.
.............................................
"هل ولدك سيعيشُ معك؟"
"طبعاً سيعيشُ معي..وربما بعد سنتين أو ثلاث قد نشتري بيتًا صغيراً لهما قربَ المزرعة"،في تلك اللحظة دخلتْ فتاةٌ إلى المتجر وهي تحمل صينيةً عليها فنجانينِ من القهوة.
"إدخلي لهنا يا فتاة وضيفي عمك مراد"،نظرتْ الفتاة بتوتر،فهي لم ترى وجهَ مراد من قبل،تقدمتْ للأمام وقدمت القهوة بصمت.
"ها هيَ العروس،إنها إبنتي الوسطى ملاك،أصبحت في الصف التاسع هذهِ السنة"،أمسكها والدها من يدها لتجلسَ بقربه،إرتبكَ مراد وهو ينزل رأسه ويرفعهُ ثانيةً ليراها،لو كانت علياء هنا لكانت رأت الفتاة بطريقةٍ أفضل.رفعَ رأسهُ ونظرَ للفتاة،كانت خجلة ومنزلةً رأسها.
"أيمكنكِ رفعُ رأسك يا فتاة؟"،قالَ مراد.
"إرفعي رأسكِ يا بنت!"،قالَ والدها بعصبية،رفعت رأسها وعلى وجهها ملامحُ الخوف والخجل.
"حسناً،الفتاةُ ملامحها جميلة وسنّها مناسبٌ للؤي"،قالَ مراد بينهُ وبينَ نفسه.
"ما شاء الله،لديكَ فتاةٌ جميلةٌ بالفعل.."،هزّ مراد رأسه بمعنى أن تنصرفَ الفتاة.
"هيا إذهبي وساعدي أمك بأعمال البيت"،خرجت الفتاة وهي ترتجفُ.
"ما رأيك؟"
"ما شاء الله،إنها جميلةٌ و خجولة..بإذنِ الله خير"
"هذهِ أفضلُ عروسٌ لإبنك،دعنا نراهُ في المرةِ القادمة ونسلمُ عليه"،قال فارس وهو يشربُ القهوة.
"سآتي بإذنِ الله بعدَ يومين وستراه ونرجو أن يتمَّ الموضوعُ على خير"،قالَ مراد وهو يشربُ القهوة،شعرَ بالأريحية،أخيراً سيرتاحُ من همِّ إبنه ويرتاحُ من العمل كذلك.
...................................................
"لا أصدق،لقد عشتَ مغامرةً بالفعل!كيف كانَ شعورك؟"،قالتْ حنين بتشوق.
"كنت..كنتُ خائفاً وسعيداً في نفس الوقت،أحببتَ أنّ لا أحد كانَ موجوداً حينها..شعرتُ بالحرية..نوعاً ما"
"يا ليتني كنتُ معك،لطالما أردتُ المشي في الليل"
"كلّا،طبعاً لن أخذكي معي،أنا أيضاً كنتُ خائفاً،ماذا لو ظهر لصٌ أو خاطف،لا أريدكِ أن تتأذي،حينها لن أسامحَ نفسي ما حييت"،قالَ لؤي بخوف.
"ما بكَ لؤي؟إهدئ،حسناً.."،قالتْ وهي تطبطبُ على كتفه.
"إسمعي،خطرتْ ببالي فكرة..ما رأيك أن أريكِ البيت الذي حدثتكِ عنه؟"
"أودُّ رؤيته،لكن أليسَ بعيداً؟"
"بلى،يحتاجُ أكثرَ من عشرين دقيقة لنصل..وعمتي قالت أن لا نبتعد.."
"ما رأيكَ بأن نركضَ بسرعة؟هكذا لن نتأخر،ونحنُ لن نذهبَ في الليل،نحنُ في بداية النهار،أرجوكَ لؤي،أريدُ رؤيته"،قالتْ وهي تمسكُ يده وترفعه لينهض،تردد لؤي بعض الشيء،لكنه إستسلمَ للأمر،هو كان متحمساً أكثر من حنين لرؤية البيتِ ثانيةً.
"حسناً سنذهب،لكن فقط هذهِ المرة،لا أريد كسرَ كلمة عمتي وعلينا أن نركضَ بسرعة"
"إتفقنا،هيا بنا"،أمسكا بيدي بعضهما وركضا بأقصى ما لديهما،كانَ لؤي يسبقُ حنين ويحاولُ أن يجرها معه ليصلا بشكلٍ أسرع،بعد عشر دقائقَ من الركض وصلا أخيراً وهما يلهثانِ من التعب.
"ه..هل..وصلنا؟"،قالتْ حنين وهي متعبة.
"بلى،وصلنا ها هو"أشارَ لؤي لليمين على البيتِ الصغير،مشيا لهناك وحاولا النظر من النافذة.
"البيتُ مهجورٌ على ما يبدو.."،قالتْ حنين.
"بلى.."
"صحيح،لم تخبرني لماذا أعجبكَ هذا المنزل في التحديد؟"
"لا أدري..أتريدين أن نلقي نظرةً من الداخل؟"،قالَ لؤي مرتبكاً بعض الشيء.
"أنا خائفة بعض الشيء،لكن إياكَ أن تبتعد عني،نمشي معاً.."
"لا عليك،فالنستعذ بالله وندخل"
"ماذا لو رآنا أحد؟"،قالتْ حنين،نظرَ لؤي حوله وهو الآخر خائف.
"لا يوجد أحدٌ حالياً،إذا أرتدي فلا بأس،لن ندخل"
"دعنا ندخلُ بسرعة ونخرجُ بسرعة"،نظرا لبعضهما وتشجعا،جلس لؤي على ركبةٍ واحدة ووضع يده لكي تتدخل حنين من النافذة،وضعت حنين قدمها على يدِ لؤي ودخلت للمنزل ولحقها للداخل،كانَ المكان مشرقاً أكثر بسبب ضوء الشمس فإستطاعا إستكشاف البيت بشكل أفضل.
"إنه صغير للغاية.."،قالتْ حنين.
"بلى ولكن يمكنُ إصلاحه..أعني يمكنُ رمي الأثاثِ القديم،فالحقيقة لا يبدو بحالةٍ سيئة لهذهِ الدرجة.."
"صحيح،لكن يحتاجُ لتنظيف.."
"أتعلمين حنين؟تخيلتُ لوهلة..أن نعيشَ هنا،أنا وأنتِ ونستطيعَ الذهاب للجامعة"،قالَ لؤي بإبتسامة وعيناهُ تلمعان،لم يكن والدُ حنين متشجعاً لفكرة ذهابِ حنين للجامعة،رغمَ أن حنين كانت ترغبُ في أن تكملَ دراستها وتعمل.
"سيكونَ ذلك رائعاً،يا ليتَ بإمكاننا"،ذهبتَ للأريكة القديمة وتحسستها.
"مثلاً،نكون جالسين على الأريكة ونشاهدُ التلفاز ونحنُ نأكلُ صحناً من المعكرونة"،قالتْ حنين وهي تنظرُ للؤي مع إبتسامة.
"ونزرعُ خارجَ المنزل بعض الزهور وشجر الياسمين كي تعمِّ الروائحُ الطيبة"،قالَ لؤي وهو يتوجهُ للنافذة.
"و نذهبُ للجامعة باكراً،نشربُ فنجانينِ من القهوة كما يفعلُ طلابُ الجامعة وأنا أذهبُ إلى معهد التمريض"
"تريدينَ أن تصبحي ممرضة؟"
"نعم،أشعرُ بأنّي أحبُّ هذهِ المهنة..وماذا عنك؟"
"لا أعلم.."،توجهتْ حنين للؤي الذي كانَ ينظرُ للخارجِ من النافذة،فكرتْ قليلاً بالأمر.
"ما رأيك بأن تتدخلَ كلية الفنون؟يمكنكَ أن تبيعَ لوحاتك"،فكّرَ لؤي بالأمر،كانَ يحبُّ الرسم إلى حدٍ ما،فربما تكونُ فكرةً جيدة.
"ويمكنني أن ألون البيت وأزينه"
"أجل!وأنا يمكنني أن أهتم بصحتنا الجسدية،فلن نحتاجَ الذهاب للطبيب"،قالتْ وهي تمسكُ يده بحماس وتقفز كالأطفال،هو أيضاً تبسم وهو يتخيلُ المستقبل الذي رسماه معاً،تخيل نفسه هو وحنين وهما يذهبانِ للجامعة ويعيشانِ معاً بعيداً عن كل شيء.
"لحظة،كأننا تأخرنا.."،قالَ لؤي وقد خرجَ من دوامة الخيال حينَ تذكر قولَ عمته.
"يا إلهي،لقد تأخرنا بالفعل،علينا الذهاب!"صرخت حنين،ساعدَ لؤي حنين بالخروج وقفزَ من النافذةِ للخارج،نظرا حولهما ليتأكدوا أنّهُ لم يراهما أحد وركضا بأقصى سرعةٍ ممكنة،بعدَ عشر دقائق من الركض،سقطا على ركبتيهما من التعب وكانا قد وصلا إلى المزرعة.
"ل..لؤي..أريدُ أ..أن أسألكَ"،نظرَ لؤي لها وهو يلهثُ من الركض،نهضت وهي تعبة.
"أتفكر يوماً،بأن تعيش هناك؟"،نظرَ لؤي للأرض ونهض.
"أنا..لا...لستُ متأكداً،أنا لا أعرفُ ما أريدهُ حنين...لا أدري ماذا سأفعلُ لاحقاً"،لؤي بالفعل كانَ يشعرُ بالضياع،إستوعب أنّ كل ما تكلنا عنهُ مجرد حلمٍ لن يتحقق..لكنّه يريدهُ أن يتحقق،رأتْ حنين ملامح وجه لؤي الحزينة وذهبت له وطبطبتْ على كتفه.
"هيا فلنذهب للمنزل وإلا سنتأخر"،أمسكتْ بيدهِ وتوجها للمنزل.
.................................
"أهلاً عمتي!"،قالَ لؤي وهو يبتسمُ بتوتر.
"أهلاً عزيزي"،قالت وهي مشغولةُ بالطبخ،من الواضحٌ من نبرة صوتها بأنها لم تلاحظ،دخلتْ حنين ورائه.
"عمتي أيمكننا الجلوسُ في الغرفة للدراسة؟"
"كلّا حنين أرجوكي،أدرسا هنا أو في الخارج،كي لا تتكرر الحادثة"
"صحيح..ما رأيك لؤي؟"
"برأيي دعينا ندرسُ هنا في غرفة الجلوس"
"لا بأس"
...........................
بعدَ مرورِ ساعات،إنتهتْ علياء من الطبخ،كان العصرُ قد حان ولم يتبقى إلا ساعتينِ ليأتي مراد،كانت حنين تدّرسُ لؤي الإعراب ولؤي يدرسُ بجد ويستجيبُ لها.
"لديّ مكافأةٌ لكما"،قالتْ علياء وهي تضعُ كوبين من الكاكاو بالحليب أمامهما.
"شكراً لكِ عمتي"
"شكراً عمتي"
"حنين،سيأتي والدكِ بعد نصف ساعةٍ ليأخذكِ،من الآن فصاعداً علينا أن نكونَ حذرين من رداتِ فعلِ عمك"،تغيرت ملامحُ وجه لؤي،تذكر برود وقسوة القن والحبس،لم يرد أن يعودَ ثانيةً لهناك،لم تكن المرة الأولى ولكن في كلِّ مرةٍ تصبحُ التجربةُ أقسى.
"حاضرةٌ عمتي.."،بعد ما شربا الكاكاو أكملا الدراسة،أتى عم لؤي وأخذ حنين معه وإطمأنَّ على لؤي بعدَ ما حدث.ودّعَ لؤي حنين ودخلَ ثانيةً للمنزل.
.............................................
"ممتاز،أخيراً إنتهيتُ من الأمر.."،قالَ مراد وهو يقودُ الشاحنةَ عائداً للمنزل،لم يكن جاهزاً لمواجهةِ أحدٍ من إخوته،فالكل سيكونُ معارضاً للفكرة،حتّى أنّهُ لا يعلمُ كيفَ سيكون رأيُ والدهِ بالأمر.
"كلُّ ما عليَّ فعلهُ هو إبعادُ حنين عن لؤي لهذهِ الفترة،كي يتوقف عن التصرفِ بطفولية وأن يستعدّ لمسؤوليةِ الزواج"،قالَ مراد وهو يشعلُ سيجارتهُ،سعيداً بأنّ خطته ستنجح.
أنت تقرأ
نافذة الأمل
Randomقصة تتناول حياة مراهقين ،تتكلم عن آلامهم،طموحاتهم،وأحلامهم. ونرى كيف يواجهون بعض الصعوبات التي يواجهونها الذين من عمرهم ..ونرى من يحاول التمسك بحبل الأمل منهم..في النهاية نرى من سيستطيع النجاة من بركة اليأس ومن سيبقى غريقاً فيها ...