تلك الليلة..

86 21 45
                                    

لؤي:
إستيقظتُ في الساعة السابعة والربع في المغرب،نهضتُ من السريرِ وذهبتُ لأتوضأ وأصلي،بعدَ ما أنهيتُ الصلاة جلستُ أدعي،دعوتُ بالمغفرة من الكذبِ الذي أكذبه وبالتوفيق والتدبير،كنتُ خائفاً بصراحة..لكن لا مجالَ للتراجع الآن،لم أردْ البقاء وكنتُ خائفاً من الهروب،ذهبتُ بهدوءٍ لغرفةِ والدي وقربتُ أذني من الباب،نظرتُ من فتحةِ المفتاح ورأيتهُ مستلقياً.
"يبدو وكأنّهُ نائم،ليسَ من عادته..أيمكنني الخروجُ الآن يا ترى؟"،سألتُ نفسي هذا السؤال،ذهبتُ لغرفتي وتأكدتُ من أني أخذتُ كلّ شيءٍ أحتاجه،ثمّ نظرتُ للحائط،تلكِ الآيات التي ساعدتني على التماسك،هل سأتركها هنا؟
"سأخذها معي،كي أزين بها..منزلي.."،قلتُ وأنا لازلتُ مرتبكاً من هذهِ الخطة،أخذتُ الأوراقَ وطويتها،وضعتها في حقيبتي ووضعتُ بيلو في النهاية،جلستُ على السرير وقررتُ إنتظارَ أذانِ العشاء.
"بعد الصلاةِ سأتأكدُّ من نومِ والدي ومن ثمَّ سأهرب.."،قلتُ بيني وبينَ نفسي والدمعةُ سقطتْ على خدي،تمنيتُ لو أمّي معي..أظنّ أننا كنا سنكونُ عائلةً سعيدة..أحمدُ الله دائماً على كلّ حال،لكن أتخيلُ أحياناً إذا كانت أمّي موجودة..ربما كانت دافعت عني أو هونتْ عليَّ..

.................................................
"م..مراد..مراد"
"ماذا هناك؟ما الأمر؟"
"أشعرُ بألمٍ فظيعٍ في بطني"
"م..ماذا يعني هذا؟"،نهضَ مراد فزعاً.
"ربما..ال..الطفل يولد،أرجوك،إتصل بأمك!أرجوك!"،بدأت تعنّ من الألم بينما نهضَ مراد متوتراً،إتصلّ بأمهِ وأخته،وصرخاتُ سلمى بدأت تتعالى أكثر فأكثر.
.......................................
"لا عليكَ بنيّ،كلّ النساء تلد،هي ليست أول إمرأةً تلد"
"ل..لكنها تتألمُ للغاية"
"هذا طبيعي لا عليك،إهدئ"،طبطبتْ أمّ مراد على كتفه لتهدأتهْ وذهبت لترى سلمى.
"أليسَ من الأفضلِ أخذها للمستشفى؟!"،صرخَ مراد خائفاً من صراخِ سلمى.
"أخي،ليس هناك وقت،بدأت تلدُ بالفعل والمستشفى بعيد..إهدئ إهدئ،أمّكَ معها والقابلةُ كانت أسرعَ حلٍ لدينا،لا عليك فلتهدأ"،قالت علياء وهي تحملُ قدرَ الماء الساخن،كانَ عمرها سبعةَ عشرَ سنة ومراد كانَ قدْ بلغَ العشرين من عمره.
كانتْ الساعة الثامنةَ مساءاً حينَ بدأت الولادة،بقيتْ تصرخُ وتصرخُ لساعات ومراد جالسٌ على أرضيةِ الرواق يواجهُ الحائطَ وهو خائفٌ ومتوتر ويدعي أن يمرّ كلُّ شيءٍ على خير.
"أخي أنتَ هكذا من أربعِ ساعات،تعالَ معي نتمشى قليلاً لتهدأ"،قال عدنان الذي كانَ في التاسعةَ عشر.
"لن أتزحزحَ حتى أرى سلمى بخير"،جلسَ عدنان بجواره.
"لا عليك،بإذنِ الله ستلد وتنجبُ طفلاً جميلاً وينتهي الأمرُ على خير وستصبحُ أباً،لكن لا تتباهى بالأمر،فأنا أيضاً سأصبحُ أباً بعد أسبوعين تقريباً"،حاولَ عدنان أن يمازحَ أخاهُ ليهدأ.
"كلّا لن أتباهى بالأمر،لا عليك"،إبتسمَ مراد بضعف،فجأةً سمعَ صوتُ صراخٍ أعلى من قبل تتبّعهُ الصمت.
"م..ماذا حدث؟"،قالَ مراد فزعاً ونهضْ وإذ يسمعُ صوتُ صراخِ طفل.
"مباركٌ مراد،لقد ولدتْ"،قالَ عدنان فرحاً،لكن مراد شعرَ بضيقٍ فظيعٍ في صدره،إنّهُ غيرُ مرتاح،مرت دقائقُ من الصمت ولم يخرج أحدٌ من الغرفة.
"لماذا لم يخرج أحدٌ بعد؟"،قالَ مراد،بعد دقائقَ أخرى،خرجتْ القابلةُ وهي تحملُ طفلاً،توجهت لمراد وملامحُ وجهها قلقةٌ ومضطربة،إصطنعتْ الإبتسامة أمامَه.
"مبروكٌ لكَ يا بنيّ،زوجتكَ أنجبتْ طفلاً في صحةِ جيدة"،قالتْ وهي تعطيهِ لمراد،نظرَ مراد للطفل وهو لا زالَ يحاولُ أن يُفهمَ نفسهُ أنّهُ أصبحَ أباً الآن،حملَ الطفل مرتبكاً.
"مبروكٌ أخي،ها هو لؤي الصغيرُ أمامك"
"فليباركِ الله بك..إنّهُ..جميل"،قال مراد مبتسماً،ذهبت القابلةُ بعيداً وعادت إلى الغرفة.
"عليكَ ان تأذنَ في إذنه مراد"،قالَ عدنان.
"ص..صحيح"،قربَ مراد رأسهُ بحذر.
"الله أكبر،الله أكبر..لا إله إلا الله..والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.."،نظرَ عدنان مبتسماً لهذا الحدث،كانَ مراد خائفاً من الأمر،لكن ربما كانَ قلقاً أكثرَ من اللازم..كلُّ شيءٍ مضى على خير.إنتهى مراد مبتسماً وهو يحملُ طفلهُ بيده،كانت هذهِ المرةَ الوحيدة التي شعرَ مراد بالحنان والعاطفةِ إتجاه لؤي،كانت المرةَ الوحيدة،خرجتْ علياءُ من الغرفةِ ووجهها رسمت عليهِ علامات الصدمة.
"علياء!كيف حالُ سلمى الآن؟"،توجه مراد لعلياء،نظرتْ لهُ والدموعُ في عينيها.
"أ..أخي..س..سلمى..الطفلُ بخير"
"نعم..الطفلُ بخير..سألتكِ عن سلمى"،قالَ بفزع وبدأت يديه ترتجفان.
"س..سلمى..سلمى..هي..لقد..لقد رحلت!ماتت"،إرتمت على كتفِ أخيها باكية،عدنان نظرَ لهما منصدماً مما سمعه،بدأ لؤي بالبكاء من صراخِ علياء و مراد شعرَ بوخزةٍ في قلبه وبدأت تتساقطُ الدموع من عينيه ونفسهُ تسارع،إرتخت يداه وإنزلقَ لؤي منه،لكن من الجيد أنّ علياء إلتقتطهُ آخر لحظة.
"مراد!هل جننت؟!كدت-"،رفعت رأسها ونظرت لأخيها.
"كلّا..كلّا كلا كلا!"،دخلَ مراد للغرفة ورأى أمّهُ تبكي على إبنةِ أختها،القابلةُ توضبُ أشيائها....وسلمى مستلقيةٌ وروحها غادرت جسدها،الدموعُ طبعت على خديها وعيناها مغلقة،تقدمت القابلة لمراد.
"للأسف..جسدها ضعيف..لم يتحمل الولادة..البقية لكم"،خرجت القابلةُ من الغرفة وبقيَ مراد منصدماً مما حدث،إقترب من سلمى الميتة.
"سلمى أرجوكِ عزيزتي إفتحي عينيك!أرجوكِ سلمى!لا تتركيني لوحدي!أرجوكِ إستيقظي!سلمى!"،وضعَ رأسهُ على صدرها وبدأ بالنحيبِ والبكاء،في تلكَ الليلةِ إمتلأَ المنزل بأصواتِ البكاء،لقد رحلت حياة وولدت حياةٌ جديدة.

نافذة الأمل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن