الفصل الثاني

444 18 2
                                    

الفصل الثاني
اعتداء
عندما استلمت عملها كانت الثامنة مساء وقد أكلها الفضول لتعرف أي شيء عن أولئك القوم دون أن تجرؤ على سؤال أحد ممن حولها ولكن الهمهمات وصلت لها وعرفت أن الأخين ظلا يتبادلان الحوار الغاضب لفترة ثم افترقا وعاد معاذ عندما عرف بأن أخته أفاقت ثم عادت مرة أخرى للنوم ولكنها عرفت أيضا أن ليث هو من يتولى الحسابات وبدا أنه شخصية مهمة لاهتمام عزت به شخصيا
تابعت عملها مع دولت وبريهان وباقي حالات العناية مع زميلتها التي كانت تختفي تاركة لها الأمر وحدها وهي لم تعترض فليس لديها سوى العمل لتقضي وقتها به حتى سمعت صوت الأم تنادي
"بريهان"
كررت المرأة النداء فتحركت لها وهي تقول "مدام، مدام هل تسمعيني؟"
فتحت المرأة عيونها فرأت بها عيون ابنها الأكبر، تأملت المرأة التي كان وجهها ملطخ بالجروح السطحية ثم التقت بعيون عهد التي عادت تسألها "مدام هل تسمعيني؟"
هزت المرأة رأسها وقالت "زوجي، أين زوجي؟ وبريهان ابنتي؟ ماذا حدث؟ أين أنا؟"
لم تقوى على مواجهة المرأة فتحركت للمكتب واتصلت بعزت لتخبره بالأمر فأخبرها بأنه قادم وسرعان ما وافاها ومن بعده منصور والتف الجميع حول فراش المرأة التي ظلت تسأل عن زوجها وتماسك الجميع وعزت يخبرها بوفاة زوجها فأغمضت المرأة عيونها للحظة ولم ترد وتفاجأ الجميع من رد فعلها وعندما سألت عن ابنتها أخبرها منصور بحالتها وتبقى أن تعرف بحالتها هي وقد تجنب الجميع بدأ الحديث عنها ولكنها قالت بتعب واضح
"وماذا أصابني؟"
عاد الجميع لتبادل النظرات عندما قال منصور "أصيب جسدك بإصابات كثيرة ولكنها ليست خطيرة عدا العمود الفقري فقد أصيب إصابة بالغة وأجريت لك جراحة كبيرة حاولت بها إنقاذ الكثير ولكننا لم يمكننا تفادي العصب الذي تمزق من الإصابة مما أدى إلى"
وصمت فتمنت عهد ألا يخبرها الآن يكفيها موت زوجها ولكنها قالت بتعب وضعف "إلى ماذا؟"
قال منصور بحزم "آسف ولكن لن يمكنك التحرك على أقدامك"
ظلت المرأة تحدق به بعيون متسعة أكثر من الطبيعي ثم امتلأت عيونها بالألم والدموع وهي تهتف "ماذا تقول؟ أنا لا أفهم شيء"
نظر منصور لعزت الذي قال "هو يعني أنك لن يمكنك الوقوف أو السير على أقدامك مدام"
وبلحظة كان الانهيار هو النتيجة التي توقعها الجميع وتدخل دكتور سمير بالمهدئات كي تستقر الحالة وانصرف الجميع عندما نامت المرأة بهدوء أما بريهان فكانت أكثر الشخصيات بغضا بإجماع الجميع بالغرور الذي تعاملت به وفرض السيطرة على التمريض حتى عهد لم تتمكن من تحملها ولكن ساعات عملها جعلتها تواجها حتى أمر عزت بخروجها لغرفة عادية
فكت جهاز الضغط من على ذراع دولت وأبعدت السماعة عن أذنها عندما فزعت من الصوت الذي قال "كيف حالها؟"
تراجعت بقوة وفزع مبتعدة وهي تلتفت لتواجهه بنظراته الحادة وفمه المزموم فعاد يكمل "لم أقصد أن أفزعك، هل هي بخير؟"
تماسكت واستعادت هدوءها ونظمت أنفاسها لتوقف قلبها عن الدق وقالت "نعم المهدئ يجعلها نائمة ولكنها قد تستيقظ بأي وقت"
نظر للمرأة واقترب من الفراش ولم ينظر لعهد التي ظلت تتأمله بقوامه الهائل والمتناسق ووسامته الواضحة وعادت الأسئلة لعقلها ترى من يكون؟ ماذا يعمل؟ ما سبب خلاف الأخين؟
سمعت صوت نورهان تقول "هذا ليس موعد الزيارة يا عهد كيف دخل الأستاذ؟"
انتبهت للأمر بينما التفت هو لنورهان وعهد تقول "أنا لا أعلم"
نظرت نورهان له وقالت "يا فندم وجودك هنا ممنوع"
التفت لها ونظراته الملتهبة تأخذ العقول وصوته العميق يجذب من أمامه لدوامة عميقة تفقد الاتزان وهو يقول "دكتور عزت سمح لي"
قالت نورهان ببرود "ولكنه لم يخبرنا يا فندم و"
التمعت عيونه ولكن عهد قالت "نورهان كفى بالتأكيد دكتور عزت لن يستأذن منا"
ولكن نورهان قالت بضيق "لا ولكنه سيخبرنا عهد أم أن الأستاذ منحك ما جعلك تسمحين له بالتسرب لهنا"
عيونه تحولت للون قاتم وصوته كتم رنة غضب محترما المكان وهو يقول "زميلتك لا علاقة لها بالأمر ودخولي هنا ليس من شأنك وابتعدي من أمامي الآن قبل أن تندمي"
فتحت نورهان فمها لتعترض ولكن عهد قالت بغضب مكتوم "نورهان نحن بالعناية كفى"
ولكن نورهان قالت بحدة "لا لن أكف وسأخبر مس نعمة بتجاوزاتك هذه لن تفلتي هذه المرة يا عهد"
وتحركت للخارج بينما تحولت عيونه لها فاحمر وجهها وأخفضت عيونها وهي تقول "لو حضرتك انتهيت من فضلك اخرج"
قال وهو يتأمل ملامحها الرقيقة ورغم أنه رآها من قبل إلا أنه لم يرى ملامحها إلا الآن ولكنه لم يتوقف وهو يقول "لا تقلقي عزت يعلم بوجودي، أنت بمأمن منها، هل بينكم مشاكل؟"
رفعت وجهها له فشعر وكأنه يرى عيونه بالمرآة وربما أكثر جمالا ولكن بنفس اللحظة نفض ذهنه وهي ترد "أنا فقط لا أحب التجاوزات ليس بموعد دوامي فقط ظننت أن المدام بحاجة لكم"
تقدمت نعمة للداخل فجأة وقالت "حضرتك ماذا تفعل هنا؟"
التفت لها وقال "ومن أنتِ؟"
رفعت نعمة وجهها كالعادة بغرور وقالت "رئيسة التمريض"
هز رأسه وقال "كما ترين أنا أطمئن على والدتي"
سألته نعمة "هذا ليس موعد الزيارة من سمح لحضرتك بالدخول؟ هي؟"
نظر لها وقال "لا"
نظرت نعمة لها وقالت "كيف سمحت له؟ أريدك بمكتبي بعد دوامك"
كادت ترد عندما قال هو "أخبرتك أن لا علاقة لها بالأمر"
ولكن نعمة قالت "هذا نقرره نحن لأن الأمر مسؤوليتها وكان عليها إيقافك من فضلك اخرج"
نظراته كانت كافية لتحرق نعمة وهو يقول "أنا لا يأمرني أحد بشيء يا هذا هل تفهمين؟"
والتفت لفراش والدته وشحب وجه نعمة التي قالت بما تبقى لها من كرامة "يا فندم وجودك مخالف للتعليمات وضار بالمريضة"
نفخ بقوة ولم ينظر لها وهو يرد "لن تخافي على والدتي أكثر مني فهل تتوقفي عن ازعاجي فقد نفد صبري ولن تحبي رؤيتي بتلك المرحلة"
قالت نعمة "حسنا ليرى مدير المشفى الأمر بنفسه"
وتحركت للخارج بينما انتبه هو لها وقال "هل الجميع يحبك هكذا؟"
حرارة تسربت لجسدها رغم المكيف الذي لا يتوقف وشعرت بعرق ينتشر بجسدها وعندما لم ترد لف رأسه لها وقال "ماذا؟"
زاد احمرار وجهها وجف حلقها قبل أن تقول "ربما"
ظل يتجول بوجهها قبل أن يقول "لا تخشين شيء لن يمكنهم طردك"
هزت أكتافها وقالت "ولو، ليس الرزق بيد أحد"
ظل ينظر لها حتى سمعوا صوت الأم فانتبه هو لها وقال "ماما"
فتحت عيونها لتراه بعيون قاتمة فتحققت منه وهتفت "أنت السبب، نعم أنت سبب كل ذلك، مات إبراهيم وأنا عجزت وتدمر كل شيء بسببك"
وعادت للبكاء، تحركت عهد لنفس المهدئ وملأت حقنة ودفعتها بالمحلول وهي تقول "مدام هل تهدئين من فضلك"
بينما تراجع هو وقد كان يعلم أنها ستفعل كل ذلك معه فلم يتقبل الأمر وتحرك للخارج وتبعته عهد بنظراتها قبل أن تعيدها عبرات الأم لها وهي تحاول تهدئتها
بالطبع استدعاها عزت لمكتبه وما أن دخلت حتى رأت نعمة ونورهان فقالت "حضرتك طلبتني؟"
هز رأسه وقال "نعم، مس نعمة تقول أن هناك تجاوزات حدثت بالعناية وأنك سمحت للأستاذ ليث بالدخول بغير الأوقات الرسمية هل هذا حدث؟"
قالت "لا"
ولكن نورهان أسرعت تقول "بل حدث أنا دخلت ورأيته بالداخل وهي من سمح له بذلك بالتأكيد منحها مال لتفعل فهي تفعل ذلك كثيرا"
نظرت لها بدهشة وهي تردد بصوت مخنوق "أنا؟"
نظر عزت إلى نورهان وقال "هل رأيت ذلك بنفسك نورهان؟"
ترددت نورهان وهي تتعثر بالكلمات "أنا، ربما ولكن بالتأكيد هي"
كانت نظرات نعمة لها حادة بينما قال عزت "إذن لندع الكاميرات تخبرنا الحقيقة"
والتفت للشاشات التي بجواره وبأصابع خبيرة ضغط الأزرار حتى رأى الجميع ليث وهو يتحدث مع عزت خارج العناية ثم دخل بينما تبعته نورهان التي كانت تتابع الأمر من قريب وما حدث بالداخل من الجميع فشحب وجه نورهان وكذلك نعمة بينما التفت عزت لهم وقال "السيد ليث كان على حق أنا من سمح له بالدخول وعهد لا دخل لها بالأمر"
قالت نعمة "كان عليها أن تمنعه ولكنها لم تفعل"
قال "على حسب الكاميرا نورهان لم تمنحها وقت لذلك رغم أنها كانت تعلم بما حدث معي"
نهض عزت واتجه إلى نورهان وقال "هذا ادعاء بالزور على زميلتك بالعمل نورهان أنا سأكتفي بنقلك لقسم الرجال وخصم يوم من راتبك تفضلي"
أسرعت نورهان بالفرار بينما التفت لنعمة وقال "كان عليكِ التأكد من شاهدتك قبل إثارة المشكلة عندي نعمة، تفضلي"
قالت نعمة بحرج "أعتذر يا فندم"
ورمقت عهد بغضب ثم تحركت خارجة بينما أخفضت هي وجهها وعزت يلتفت لها ويقف أمامها ويقول "أنا أعلم جيدا أنكِ لم تخالفي أي شيء وأنكِ ممرضة ماهرة وكل الأطباء يفضلون العمل معك ولم يشكو مريض منك من قبل ولكن علاقتك بزملائك هي نقطة ضعفك فلماذا عهد؟"
لم ترفع وجهها له وهي تجيب "لا أعلم ولكن ربما لأنني لا أجيد التعامل مع من حولي"
ظل واقفا أمامها وقال "الوحدة شيء قاتل يا ابنتي وليس بالبعد عن الجميع تجدي الراحة"
رفعت وجهها إليه وقالت بصدق "أعلم وحاولت أن أجيد التصرف ولكني فشلت لم أعتاد على الاندماج مع الآخرين منذ كنت صغيرة وأنا أفضل الوحدة لذا لم أعرف سواها"
ظل ينظر لها للحظة ثم ابتعد لمكتبه وقال "على العموم بعض المحاولات الأخرى لن تضرك بشيء ليس الكل سيء، هناك أشخاص تستحق الصداقة"
هزت رأسها وكادت تذهب ولكنه استوقفها "هذا لا يمنع أنه كان عليك إيقاف ليث قبل نورهان عهد تعلمين قواعد الزيارة"
هزت رأسها ولكنه أشار لها بيده لتذهب ففعلت ممتنة له ما فعله معها وعادت للعناية حيث خرجت زميلتها البديلة دون أي كلمات واندمجت بالعمل دون أن يحاول أحد الاقتراب منها بينما زادت حدة نعمة معها بدون سبب وكأنها تخبرها أنها لن تتركها
قبل وقت قصير من انتهاء دوامها خرجت بريهان من العناية لغرفة عادية وقابلت معاذ مرة أخرى أثناء ذلك وألقى عليها نظرة سريعة وهو يقول "كيف حالك؟"
قالت دون أي تعبير على وجهها "بخير شكرا"
وابتعدت لداخل العناية وقد ارتاحت لرحيل تلك الفتاة المدللة ولحظات وحل موعد الزيارة المسائية وتوالى الرجلان بالدخول وابتعدت عن لقائهم وتركت زميلة أخرى تراقبهم ولكن دخول منصور وطلبه جعلها تتقدم منهم وتلتقي مرة أخرى بالرجال
منصور تحدث أولا "هي بخير حاليا، يمكن أن تخرج بالصباح من العناية إذا تحسنت ولكن يفضل أن يصحبها تمريض خاص لن يمكن لأحد أن يمنحها العناية الطبية المطلوبة"
تحدث معاذ "لا أفهم معنى تمريض خاص"
قال منصور "هناك مكاتب خاصة متخصصة بالأمر تمنحك ممرضة لعدد من الساعات وأخرى وهكذا بمقابل مادي بالطبع"
قال ليث وهو يضع يده بجيب بنطلونه الأنيق "هذا يعني تبدل الممرضات عليها؟"
هز منصور رأسه بالإيجاب فسأل ليث "ألا يمكن توفير واحدة مقيمة، لا أحب أن يحتل بيتي أشخاص متجددة لا أعرف عنهم شيء"
نظر له معاذ بقوة وقال "بيتك!؟"
لم يمنحه ليث أي استجابة ومنصور يقول "لا أعرف ممرضة بشخصها ولكن يمكنك البحث"
تحدثت المرأة فانتبه لها الجميع وهي تردد "بريهان"
اقترب معاذ منها وقال "بخير يا ماما، كيف حالك أنت؟"
فتحت عيونها وتهيأ لعهد أن ليث تراجع للخلف كي لا تراه المرأة بينما عاد معاذ يتحدث معها الأخرى وهي تجيب بحزن
اقترب منصور من عهد وقال "لم أرى الحالات الأخرى، تبدين بأسوأ حالاتك"
نظرت له وقالت "أنا بخير، حالة الأستاذ رفعت بخير ومدام حكمت نائمة و"
قاطعها "عزت يهتم بهؤلاء القوم بصفة شخصية لا أعلم السبب هيا تعالي لنرى الآخرين"
تمنت لو ظلت لترى هؤلاء القوم ولكن منصور لم يمنحها أي فرصة فهو الرجل الوحيد الذي تتحرر معه من كل العقد التي لازمتها بحياتها، تابعته بجولته بين الحالات حتى انتهى وخرج دون أي كلمات أخرى وعادت هي للداخل وقد أوشك وقت الزيارة على الانتهاء عندما عادت لمكتب الطبيب المناوب والذي لم يكن موجود فانتظرت حتى دخلت الزميلة البديلة لها واستلمت منها وخرجت هي عائدة لغرفتها وما زالت تفكر بهؤلاء القوم الذين أثاروا فضولها وما أن دخلت غرفتها حتى تبعتها نورهان التي جذبتها بقوة من ذراعها وقالت بغضب
"هل ظننت أنك فزت وأني أعاقب بسبب فتاة حمقاء مثلك؟"
نظرت لها ودق قلبها كالعادة عند مواجهة الأمور الخطر بالنسبة لها وقالت "أنا لم أفعل شيء"
وأبعدت ذراعها من قبضة نورهان التي قالت "لا بل أنت السبب منذ وصلت هنا والجميع لا يتحدث سوى عنك وعن عملك ودكتور هيثم ومنصور وعزت، الجميع يشيد بك ولكن أنا أعرف أمثالك جيدا ولن يمكنك تحقيق أي شيء من وراء أفعالك هذه وسأكون أنا من يلقيك خارج هذا المشفى هل تسمعين؟"
وتحركت خارجة وانكمشت عهد على نفسها والخوف هو ما يسكن وجدانها فهي لم تستطع بأي يوم مواجهة مثل هذا النوع من التنمر على حياتها ووحدتها وكلما نجحت بشيء وجدت من يحاربها لينتزعه منها فتحركت للفراش وألقت جسدها عليه وأغمضت عيونها بصمت
لم تمضي ساعات الراحة بالمشفى بل ارتدت ملابس خروج بسيطة كالعادة وخرجت، المشفى كانت على الطريق الصحراوي فانتظرت أي ميكروباص لتوصيلها للمدينة ولكن فجأة توقفت سيارة حديثة حمراء أمامها ونزل منها معاذ وتحرك تجاهها حتى وقف أمامها وابتسم وهو يقول
"تبدين مختلفة بالملابس العادية، إلى أين؟"
تراجعت قليلا أمامه واحمر وجهها وهي تقول "لدي بعض الأمور لأهتم بها"
لم تذهب ابتسامته وعيونه السوداء تلتهم ملامحها الرقيقة وقال "أين؟ اسكندرية أم القاهرة؟"
دق قلبها بقوة وهي تشعر بارتباك من تعاملها مع شخص لا تعرفه فقالت "لا هذا ولا ذاك، اسمح لي"
وتحركت ولكنه أسرع ليقف أمامها مانعا عنها التقدم وهو يقول "إلى أين إذن؟ يمكنني أخذك لأي مكان تريدين"
تراجعت من قربه وقالت "لا أحتاج لأحد شكرا لك"
وتخطته للطريق وأسرعت عندما رأت ميكروباص يقف لينزل منه رجل ما فركبت بسرعة دون أن يتمكن معاذ من اللحاق بها وانطلق الميكروباص ولم تنظر حتى للخلف وهي تدفع الأجرة
اشترت أشياء تنقصها من المول، طعام وملابس جديدة لم تعرف لماذا ولكنها أرادت أن تفعل وتناولت طعام بالمطعم الصغير هناك ومشروب فواكهه تحبه حتى أطل الليل عليها فركبت عائدة عندما رأت حركة غير عادية عند غرفتها فأسرعت إلى هناك لترى نعمة بالداخل وعزت وبعض رجال الأمن فدخلت عندما انتبه لها الجميع والتفت لها عزت وقال
"أين كنتِ؟"
قالت بأنفاس متقطعة "بالمول دكتور، ماذا هناك؟"
قالت نعمة "بعض الأدوية اختفت من المخزن وبعضهم قال إنه رآك هناك أثناء عملك"
قالت وهي تتذكر "نعم استلمت الدواء المقرر للعناية"
لكن عزت اقترب وقال "لا عهد هناك دواء آخر اختفى و"
قاطعه أحد رجال الأمن الذي كان يقوم بالتفتيش وقال "لم نجد شيء يا دكتور"
نظر عزت لنعمة بقوة ثم عاد لها وقال "حسنا عهد لقد انتهى الأمر"
تحرك للخارج بينما التفتت نعمة لها وقالت "لن تفلتي المرة القادمة"
وتحرك الجميع للخارج بينما رأت هي الغرفة وقد تبعثرت الأشياء هنا وهناك فتحركت وجلست على طرف الفراش وهي لا تعرف ماذا يحدث وماذا يمكنها أن تفعل بكل ما يحدث حولها
صلت فرضها ونامت حتى جاء موعد دوامها عندما دخلت رحمة وهي مجهدة، نظرت لها وقالت "لا أعلم ماذا يدبرون لكِ ولكن أنا أشعر أن القادم ليس جيد لك"
انتهت من ربط طرحتها وقالت بدهشة "أنا!؟ لماذا؟ ومن هم؟"
خلعت رحمة طرحتها وألقتها على فراشها وتركت شعرها القصير على وجهها وقالت "ألا تعلمين حقا؟ عهد أنا عرفتك جيدا بالفترة السابقة وأعلم أنك لست شريرة ولا تضمرين أي كراهية لأحد لذا"
وصمتت ثم اقتربت منها وأخفضت صوتها وهي تقول "أنا من أبعد الدواء من دولابك لقد رأيت أحدهم يخرج من غرفتنا وعندما دخلت بعده وجدت الدواء فأبعدته من هنا وبالطبع كنتِ المقصودة لذا أنا أحذرك"
تسمرت مكانها ودق قلبها والخوف يدب به وبكل أجزاء جسدها، حدقت برحمة وقالت "أنا لم أفعل شيء لهم فلماذا؟"
تحركت رحمة لها وقالت "اسمعي عهد براءتك هذه أنا أصدقها لكن الآخرين لا، الآخرين يظنون أنكِ تخدعينهم وتدبرين كل ذلك من أجل أن تزيحيهم من الطريق وتضعين نفسك بالمقدمة لذا خذي حذرك منهم ومن تصرفاتك"
ثم تحركت مبتعدة وانتفضت هي عندما دق الباب فتحركت لتفتح ورأت زميلة تخبرها بموعد دوامها فتحركت للخارج حيث حاولت التركيز بعملها رغم كل الأفكار التي تخبطت برأسها من كلمات رحمة وهو ما رأته بعيون نعمة وما لاحظته بعيون الآخرين ولم تعرف ماذا تفعل
كانت تنتهي من جولة الدواء حول مرضى العناية عندما دخل هيثم واتجه لها وقال "عرفت ما حدث اليوم بغرفتك"
لم تنظر له وقالت "نعم"
ابتعدت تجر مائدة الدواء للمكتب فتبعها وقال "لن يتوقفوا عنكِ عهد"
رفعت وجهها له وقد كانت كلماته ذات معنى واضح فقالت "ماذا تعني؟ ومن هم؟"
تجول داخل عيونها الذهبية وقال "أنتِ تفهمين عهد، سيحاولون إيذائك مرة أخرى لذا أقترح أن تبحثي عن عمل بمشفى آخر"
تركت ما كانت تفعله وانتبهت كل حواسها لكلماته، لن تجد مكان أفضل من هنا، المرتب كبير وكافي لها، الإقامة ليست متوفرة بكل مكان مثل هنا، دكتور منصور ودكتور عزت لن تجد مثلهم بمكان آخر، انتبهت لهيثم وهو يقول
"هل تسمعيني عهد؟"
قالت بدون تركيز "نعم"
نفخ وقال "قلة كلماتك هذه تصيبني بالجنون عهد، تحدثي، أخبريني بأي شيء"
أبعدت عيونها وهي لا تجد أي كلمات كعادتها، خبرتها بالحياة قليلة كلماتها قليلة كل شيء بحياتها قليل وها هو الحظ بالعمل أيضا يصبح قليل، عادت تنظر له وقالت
"ليس لدي أي شيء لأخبرك به دكتور"
صمت دون أن يترك عيونها ثم قال "وماذا ستفعلين معهم؟"
هزت كتفيها بقلة حيلة وقالت "لا أعرف لأني لا أعرف ما يريدون أن يفعلوا بي ولماذا؟"
سمعت نعمة تناديها بحدة "عهد لماذا تقفين هكذا؟"
انتفضت والتفتت لها وقالت "لا شيء"
كانت قد وصلت لهم فنظرت لهيثم الذي قال "كنت أتحدث معها هل تريدين منها شيء؟"
واجهته نعمة بقوة الجميع يعرفها "لديها عمل لتقوم به يا دكتور وليس أن تقف هكذا"
قال الدكتور "وهي لم تقصر بعملها مس نعمة ونحن كنا نتحدث بالعمل"
جرس الطلب جعلهم يتراجعون عندما استأذنت هي لترى المريض الذي يطلبها وما زالت تجد صعوبة بحل ما يحدث لها
عندما خرجت دولت من العناية كان قد مضى عليها ثلاثة أيام بالعناية وباليوم الأخير لم يأتي ليث لرؤيتها بل واظب معاذ على ذلك لكن يوم خروجها كان موجود ولم يلحظ حتى وجود عهد وإنما كانت نظراته حادة وبدا على غير عهده من التعب والإرهاق وقلة النوم، لم يمكنها أن تتبعهم للغرفة ولكنها تمنت لو عرفت أي شيء عن هؤلاء القوم الذين ينالون اهتمام عزت جدا وقد عرفت من رحمة أنهم من أغنياء القاهرة وإبراهيم كان رجل أعمال شهير ولكنه فقد أمواله مؤخرا، تمنت لو عرفت المزيد عن ليث ولكن لا أحد عرف عنه شيء وهي كانت تدرك أن علاقتها بهم انتهت عند هذه المرحلة
بنهاية دوامها كانت تتحرك للخارج عندما نادتها نعمة فتحركت تجاهها فقالت "نعم مس نعمة"
قالت "خذي هذه الأشياء إلى غرفة المخازن لم أجد أحد ليفعل"
لم تعترض وهي تأخذ منها الأشياء وغيرت اتجاهها إلى غرفة المخازن بالدور الأسفل الذي ليس به إلا المخزن والمطابخ وقد خلى المكان بذلك الوقت من الليل من أي أحد وظنت أن المسؤول عن المخزن سيكون موجود ولكن ما أن دفعت الباب المفتوح حتى وجدت المكان فارغ من أي أحد، نادت
"يا عم محمود أين أنت؟"
وضعت الأشياء بمكان جانبي والتفتت حولها فلم تجد أحد وعندما همت بالحركة لتذهب أمسكت بها قبضة قوية وصوت لا تعرفه يقول "إلى أين؟"
التفتت بفزع لترى رجلا لا تعرفه وملامحه تدل على الشر بجسد عريض وذقن غير منمق وشعر مشعث مما منحها شعور بالفزع والخوف، حاولت تخليص ذراعها منه وهي تهتف
"من أنت؟ ابعد يدك هذه عني"
ولكنه لم يفعل وهو يجذبها له ويحيطها بيديه بقوة قائلا بنظرات تمتلئ بالرغبة "وإن لم أفعل؟"
وفجأة دفع رأسه لوجهها ليقبلها فتراجعت وهي تقاومه وتدفع يداها بصدره لتبعده عنها بكل ما أوتيت من قوة وأنفاسه تسقط على وجهها وشفاهه تلمس وجنتها وهي تصرخ ولكن ما من مجيب حتى دفعها تجاه تلك الرفوف الممتلئة بالمفروشات واصطدم ظهرها بها وما زالت تحاول تخليص نفسها منه دون جدوى وقد تجرأت يده على ملابسها ومزق رداءها الأبيض وجذب طرحتها للخلف وما زالت شفتاه تعبث على وجهها وقد شعرت هي بأن لا مفر من ذلك الرجل الذي فاقها قوة وسبقتها دموع الخوف بلا جدوى
يتبع...

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن