الفصل السابع

398 21 8
                                    

الفصل السابع
خطوبة
نهض ليث ولكن هي لم تقوى على النهوض وليث يواجه هيثم ويقول "أي علاقة التي تتحدث عنها يا هذا؟"
لم يتراجع هيثم وهو يوجه نظراته لليث ويقول "علاقتكم التي كشفتها نعمة للجميع وأنكرتها هي وأنتم هنا سويا، كنت أظن أنكِ شريفة ولكنك لا شرف لك تذهبين مع هذا وذاك بالتأكيد لمن يدفع أكثر"
توقف فجأة عندما لكمه ليث بقوة بوجهه لكمة جعلته يرتد للخلف من قوتها ثم انقض على ملابسه وجذبه منها تجاهه وهو يقول بغضب
"هي أشرف منك ومن أي امرأة عرفتها أنت"
ثم دفعه بقوة والدماء تنزف من أنفه ورفع ليث اصبعه وقال "قبل أن تلقي الناس بالزور تحقق مما تقول فشرف الناس ليس لعبة"
لم يرد هيثم وهو يضع يده على أنفه محاولا إيقاف الدماء ثم ابتعد بعيدا وليث يبعد خصلات شعره عن جبينه وهي لم تنظر له فارتد لها وقال "أخبريني أنك تبكين مما قال"
رفعت وجهها له فلم يجد دموع وهي تقول "ليس هناك ما يستحق أن أبكي من أجله فأنا أشرف مما يدعي ولن يهمني إن صدق أم لا"
جذب كم قميصه وهز رأسه دون أن يرد وسمع معاذ يقول "لا تظن أنك ستظل متحكما بكل شيء"
نظر له وقال "أنا لا أظن بل هو الواقع شئت أنت أم أبيت"
التفت معاذ لها وقال "تتبعينه كظله ماذا يمنحك كي تفعلي؟"
رفعت رأسها وقالت "الاحترام والثقة"
تراجع معاذ للحظة قبل أن يقول "والمال والمتعة"
وقبل أن يتهور ليث قالت "بالطبع يمنحني مال مقابل عملي لوالدتك والمتعة بالثقة التي يمنحها لي بكل ما أفعل"
حدق بها معاذ وقال "لا تظني أنه سيضعك بمكانة غير مكانتك فلا أحد هام بحياته سوى نفسه فلا تحلمي بأن تكوني سندريلا وهو الأمير"
وتركهم وذهب وظلت هي تنظر بالفراغ الذي تركه ولاحظ هو شرودها وهو يعلم كلمات معاذ، لا هو الأمير ولا هي سندريلا، كلاهم ليسوا على نفس الطريق، هل ليسوا بالفعل؟
صوت الماضي داخله يناديه ليتراجع عن الطريق الذي يسير به هو لا يريد فتح أبواب مغلقة ووجودها يفعل، ماضيها يفعل، نظراتها تفعل
قذف بالأفكار بعيدا وجذبها هي الأخرى من شرودها وهو يقول "هيا ماما وحدها"
وتحرك دون أن ينتظرها وهي تتبعه بنظراتها وكلمات معاذ تجرجرها لضباب لا ترى من خلاله، هي لم تحلم يوما بتلك القصقص التي كانت تسمعها من البنات حولها، لا سندريلا ولا الأميرة النائمة، فقط عهد، اليتيمة فتاة الملجأ، الضائعة والخائفة وليس بأي يوم ستحلم بالأمير
تركها لتمضي الليلة مع الأم بينما أرسل لهم طعام مع أحدهم ولم تراه حتى ظهيرة اليوم التالي عندما وصل والطبيب ينتهي من فحص والدته فدخل ولم تنتبه هي لوجوده وهي تساند الأم لتعيدها لمكانها بالفراش ثم نظر الطبيب لها وقال
"حسنا عهد يمكنك الالتزام بما أخبرتك به وسأتابعك بالهاتف"
قاطعه هو بجدية "ستتابع أحد رجالي دكتور وهم سيتولون كل شيء"
نظر له الطبيب منتبها له وقال "كما تشاء سيد ليث الوالدة بخير الآن ويمكنها أن تكمل خطة علاجها القديمة ولكن دون مجهود كما شرحت لعهد"
هز رأسه ولم يرد فخرج الطبيب بينما نظر هو لها وقال "السيارة المجهزة بالطريق" والتفت لدولت وقال "أراكِ بخير اليوم"
رن هاتفه فأخرجه ولاحظت أنه أغلق الصوت وأعاده بينما قالت الأم "بخير، هل ستعود البيت معنا؟"
قال بنفس الجدية "بالتأكيد"
بعد الظهيرة كانا قد وصلا البيت ووضع الرجلان المرأة بالفراش وتحركا خارجين وتولت هي إراحة المرأة وهي ترفعها عندما لمست يده يدها بدون قصد وهو يرفع والدته معها فنظرت له كما فعل كلاهم شعر بحرارة تسري بجسده، اللمسة كانت حارقة وكأنها نار لطيفة لا تحرق ولكن تؤلم، تجاهل الاثنان ما شعرا به وتابعا ما كانا يفعلانه بعد أن جذبت هي يدها بعيدا كما فعل هو وارتاحت الأم وهي تقول
"أين أختك؟"
قال وهو يمشط شعره بأصابعه "بغرفتها"
سألته الأم "هل منحتها أموال؟"
التفت لها وقال "هل تدركين ماذا تفعل بالأموال؟"
أخفضت الأم وجهها فأبعد هو وجهه وقد بدا عصبيا والأفكار تتأرجح به يمينا ويسارا، ليس من حق دولت -ن تطالبه بأن يكون الأخ الأكبر وتحاسبه على أخطاء إخوته، ليس الآن ليس أبدا ولكنها تفعل هو فقط هنا من أجل ؟تساءل ماذا؟ هنا من أجل ماذا؟
ضاعت الأفكار وحل الظلام، الماضي، الألم، الذكرى لتدفعه بصدره بقوة وترده للماضي وكأنها تنبهه ألا ينسى وهو لم ولن ينسى، دفع يده بشعره وهو يقول "فقط حتى تتوقف وبعدها سأمنحها ما تريد"
لم ترد الأم ودق الباب ودخلت صفاء بالغداء فتحرك هو خارجا وتابعته هي ثم عادت للأم التي قالت "لا يبدو بخير"
جهزت مائدة الطعام ومنحتها دواء ما قبل الطعام وهي تشعر بنفس الشيء ولكنها ظنت أنها فقط كلمات هيثم ومعاذ ربما هو أدرك خطأ وجودها معه وأنها ستلوث سمعته وعليه أن يخرجها من حياته ولكنها تراجعت وهي تراه يدفعها لنفس الطريق ويبقيها ممرضة لأمه ويمنحها سلطة بلا حدود لذا لم تعد تفهمه حقا
قالت تجيب دولت "لماذا؟"
تناولت الدواء وقالت "يبدو عصبيا"
لم ترد على ما قالته الأم فربما هو ليس من شأن7ا التدخل خاصة مع دولت التي كانت من البداية كانت تضع الحدود ولم تمنحها بعض من الخصوصية
دولت لم تثر الموضوع مرة أخرى وأكملت هي عملها حتى انتهت وأبعدت الطعام ومنحتها باقي الدواء ثم لحظات ونامت المرأة فتركتها وتحركت للخارج وتوقفت أمام باب غرفتها ثم تراجعت وما زالت أفكارها تقودها، تريد أن تراه تتحدث معه تعرف ما إذا كان تأثر من كلمات معاذ لأن من وقتها وهو تبدل
تحركت للأسفل ونظراتها تبحث عنه، لم تجده ولكنها رأت صفاء تخرج من المكتب فتراجعت حتى اختفت صفاء ثم تحركت للمكتب وقفت أمام الباب والتردد يتسرب لها فالتفتت لتذهب ولكنها عادت وتوقفت، لابد أن تراه أن تسمعه ليمنحها تلك القوة التي يبثها داخلها فارتدت دقت الباب فأذن
فتحت ودخلت فرأته واقفا أمام المكتب وقد خلع جاكته وفك ربطة العنق وتركها حول عنقه وأصابعه تعبث بأزرار حاسبه المتنقل باهتمام ويده الأخرى تحمل القهوة، أغلقت الباب فانتبه ليراها أمامه فتوقف عن العمل وقال
"هل حدث شيء لها؟"
تحركت وقالت وهي تضم أصابعها بعضهم ببعض وتتقدم لتقف أمام مكتبه "لا لقد نامت"
لم يتحرك وما زال ينظر لها والتساؤل يملأ نظراته وقال "هل هناك شيء؟"
ارتبكت للحظة وتاهت منها الكلمات وتقريبا نست لماذا أتت ولكن بالنهاية قالت "لا فقط كنت، كنت أريد أن أعرف متى سيبدأ العلاج الطبيعي؟"
أدركت أن الخوف جعلها تتراجع عن السبب الحقيقي لوجودها هنا، تناول القهوة ثم ترك القدح على المكتب وقال دون أن ينظر لها "عندما تصلني المواعيد ستصلك أنت أيضا"
هزت رأسها وعندما لم تجد شيء التفتت لتذهب فقال "متى ستستيقظ؟"
التفتت له وقالت "بالعادة تأخذ ساعتين ولكن الدواء الجديد ربما يزيد ساعات النوم"
هز رأسه وقال وهو يبتعد من أمامها وقد أخذ قراره "إذن ستتولين توصيل السلام لها بالنيابة عني"
سقط قلبها متهاويا رغم أنها كانت تعلم أن ذلك قادما لا محالة فلا وطن له هنا وبالنهاية هو زائر، كان لديه مهمة -داها وانتهى منها وعليه أن يرحل، عندما لم ترد التفت لها فرآها تواجه نظراته وقالت "متى سترحل؟"
كانت نبرتها مختلفة أدركها جيدا كما أدرك نظراتها التي تبدلت لنظرات غير مفهومة فتحرك تجاهها حتى وقف أمامها وهي ترفع وجهها لتواجهه وهو يقول "بعد ساعة"
هزت رأسها وقالت "وطنك هناك"
ظل ينظر بذهبية عيونها التي جعلته يسهر الليل كله يرسم تصميم جديد يليق بتلك العيون الحائرة، قال "نصف عمري هنا والنصف الآخر هناك"
لم تتوقف وهي تقول "وأيهما يفوز؟"
لم يفلت نظراتها وقد ظن أنه رأى بها مناداة 'لا تذهب' ولكنه أدرك أنه خيال وليس حقيقة فقال "حتى أول الأمس كان هناك ذهبية العيون أما اليوم فلا إجابة لدي"
لم يفهم نفسه ولا هي لم تدرك معنى ما قال، لم يقاوم ورفع يده لوجنتها فلمس نعومة بشرتها وهو يقول "لا وجه للمقارنة، هناك حياتي وعملي عهد"
ظلت شاردة وقد جردتها لمسته من أي عقل وجذبتها بدون رحمة إلى الجحيم ليسحقها بقسوة ولم يصمت وهو يقول "هنا ماضي لا أحب تذكره"
ظلت عيونها عالقة بالنسخة المطابقة لها وقالت بضعف وألم لم تدرك سببه "والحاضر؟"
أدرك سؤالها وقد اقترب منها جدا وشعر بأنفاسها تصل لوجهه فتجذبه أكثر لها وضعف يتسلل له أمام نظراتها البريئة والرغبة التي تسكن بأعماقها تماما مثل التي تدفعه تجاهها ووجد نفسه يهمس "الحاضر يمزقني"
ولم يقاوم أكثر وهو يهبط على شفاهها بشفاهه وقد فقد التحكم بنفسه دون أن يعرف السبب فقط أراد أن يقبلها والآن، يتذوق طعم قبلتها، يشعر بنعومة شفاهها، رغبة لم يعرفها من قبل، لم يهتم بالنساء بحياته من قبل فقد كان مشغولا بنجاحه صافعا الباب بوجه أي مشاعر يمكن أن تنمو تجاه أي امرأة، الماضي جعله يرفض حتى التقرب من أي امرأة حتى مي فرضها عليه صلته بوالدها ولم يمنحها أكثر من صداقة فقط تلك العيون هي من فتحت عليه أبواب الجحيم، ليرى ما لم يراه من قبل
حلاوة قبلتها جعلته يريد المزيد وارتجافة شفتيها تحت ضغط شفتيه زادته رعبة وظن أنها أرادته أيضا ولكنها ردعته وأضاعت المتعة وهي تفلت شفاهها منه بهدوء فجأة وتخفض وجهها وتلتفت مبتعدة هاربة والخزي يهاجمها لتمنحه ظهرها فرفع أصابعه لشعره وابتعد هو الآخر وأنفاسه تتلاحق مما شعر به حتى استعاد عقله الذي فر منه ولا يعرف ماذا يحدث له وظل كلا منهما صامتا حتى أدركت هي أنها خسرت كل شيء فبعد ما حدث منها لن يحترمها بعد اليوم ضعفها أمر لا يغتفر، كيف فعلت ذاك؟ لابد أن تفر، لا مكان ل8ا هنا، لن يمكنها مواجهته
لم تتحدث وتحركت خارجة دون أن يرد فقط تابعها وهي تهرول للأعلى والدموع تغطي عيونها والتمست غرفتها لتغلق الباب وتتحرك ببطء وهي تنظم أنفاسها المتسابقة وما زالت تشعر بأصابعه على وجنتها، رائحة عطره بأنفها، أنفاسه على وجهها شفتيه تضغط على شفتيها، هل فعل؟ هل تركته يقبلها؟ نعم فما زالت حرارة جسده تكاد تحرقها وتؤكد أنه فعل ولكنها رفضت، نعم هي لم تستسلم للضعف لن تكون تلك الفتاة ليست أخلاقها، كان عليها ألا تذهب له ولكنها كانت ضعيفة وجبانة لذا استحقت ما كان
صوت بالأسفل جعلها تتحرك للنافذة فرأت سيارته وصفاء واقفة ثم لمحته يقف أمام صفاء ويتحدث معها حتى انتهى وقد استعاد جاكته وأناقته وتحرك للسيارة وتحرك ليركب وظنت أنه قد يرفع رأسه لنافذتها فتراجعت بسرعة والتصقت بالحائط، لن يراها ولن تفعل، لا تريد مواجهة عيونه ليس الآن، أغمضت عيونها والدموع تشاركها ضعفها وخوفها حتى سمعت السيارة تذهب وفكرت أنه رحل بأسرع ما أمكنه، هو حتى لم ينتظر الساعة بل أسرع بالرحيل بالتأكيد لابد أن يعود لبيته ولموطنه، حياته كما قال نصف عمره المفضل ولن يعود لنصف عمره الذي يؤلمه ولا لحاضره الذي يمزقه ولكنه ذهب بعد أن أيقظ بها امرأة كانت هاربة من الواقع وها هو أخرجها للحاضر وهي أيضا حاضرها يمزقها، يؤلمها، يذيب كل جميل شعرت به معه، يصهرها كما يصهر هو الذهب ليطوعه حسب ما يناسب فنه وتصميمه العالمي، لقد طوعها لا بل طوع قلبها ليكون له يشكله كما يشاء دون أن يدري وتركها وهي سجينة ومقيدة خائفة مكومة بقبو بارد من الماضي المؤلم ولا يمكنها أن تفر منه ستظل للأبد حبيسة به
مرت الأيام مؤلمة ولم تجعل أحد يشعر بأحزانها بل تصرفت كما كانت تفعل ولم تعرف عنه شيء. تحسنت صحة الأم بالأسبوعين التاليين وإن كانت تلميحات الأم لها غير مفهومة ولكن أيضا هي تدرك أن لا علاقة بين دولت وليث فهو حتى لا يهاتفها وهي لا تتحدث عنه وهو ما كان غريبا حقا ولم تفهمه
بريهان لم تتبدل وتعمدت إهانة عهد كثيرا ولكن عهد تعلمت كيف ترد عليها وتردعها، معاذ تقرر له يوم لزيارة الأم فتركت له الغرفة وانتظرت بأمل ولهفة أن يهاتفها كالمرة السابقة ولكنه لم يفعل وأدركت أنه لن يفعل فقد كان رحيله تلك المرة قرار نعم قرار بالبعد رأته بعيونه ولم تفهمه وقتها..
بنهاية الاسبوعين كانت الجلسة الثالثة للعلاج الطبيعي قد انتهت ومنحتها حمام منعش ثم أعادتها للفراش عندما اندفع الباب ومن خلفه بريهان تهتف "ماما هل رأيتِ؟ صور ليث على الميديا"
تراجعت هي وبريهان تسرع لفراش أمها وتمنحها الهاتف وهي تقول "كان حفل خطوبته بالأمس وصورهم بكل مكان"
تراجعت حتى التصقت بالحائط وشعرت ببردة تهاجم جسدها ورعشة تصيبها بقوة وقلبها يندفع بجنون خلف دقاته مفرغا كل غضبه بصدرها فتزداد ألما وقاومت الدموع الباردة التي هاجمت كالجيوش الثائرة عيونها وسمعت الأم تقول
"إنها جميلة، من هي؟"
قالت بريهان "مي، اسمها مي وهي ابنة عزيز رجل أعمال شهير وهو من أهم الرجال التي تعمل بمجال ليث بل ويقال إنه كان سندا لليث بيوم ما وشريكه"
تذكرت الاسم فأرادت أن ترفع يداها وتسد أذنيها كي لا تسمع وكأن الكلمات طعنات حادة لقلبها تؤلم بشدة ولكنها غرزت أصابعها بالحائط لتوقف نفسها وهي تدرك أنه كان على علاقة بها ربما حبيبته لذا هي لا تمثل له أي شيء مجرد فتاة تذكره بماضي لا يريده
استمرت بريهان تقول "يقال أنهم كانوا على علاقة منذ وقت كبير وأخيرا قررا الزواج"
لم يمكنها البقاء أكثر وإلا صرخت بهم فتحركت لتذهب ولكن بريهان لاحظتها وقالت "إلى أين؟"
لم تنظر لها وقالت "غرفتي"
قالت الأم "عهد هل أنت بخير؟"
لم تنظر للأم وقالت بكل ما ملكت من قوة لتخفي ما بداخلها "نعم حضرتك، أنا فقط أردت الذهاب"
نهضت بريهان وتحركت تجاهها وقالت "ألا تريدين رؤية زوجة أخي؟"
ووضعت الهاتف أمامها وحاولت ألا تنظر وتفر بوجهها الشاحب وعيونها المتألمة ولكن بريهان قربته منها وقالت "انظري كم هي جميلة وأنيقة وغنية"
وأخيرا سقطت عيونها على صورتهم وكم بدت عروسته جميلة حقا وهو بدا وسيما وأنيقا، تماسكت لا تعرف كيف وهي تقول "هي حقا جميلة هل تسمحوا لي الآن؟"
قالت الأم "بالتأكيد عهد اذهبي أنا لا أحتاج إليك الآن"
لم تنتظر لتكمل المرأة وأسرعت هاربة منهم إلى قبوها البارد لتسجن نفسها به مرة أخرى، ألقت نفسها على الفراش والبكاء يبرد نيران قلبها هل يفعل؟ هتفت "لماذا؟ لماذا أيقظت تلك المرأة داخلي؟ لتؤلمني؟ ماذا فعلت لك كي تعذبني هكذا؟ لماذا؟ لماذا؟"
كان عليها أن تلوم نفسها لا هو، هي من سلكت طريق ليس لها لذا لابد أن تدفع الثمن، هو لم يشجعها على شيء وتلك القبلة كانت غلطة وبالتأكيد ندم عليها وربما تخيلها مي خبيبته التي عاد لها ومنحها خطوبة لتحمل اسمه فيما بعد أما هي فعليها أن تستيقظ من أوهامها وتداوي جراحها
لم تعرف كم مضى عليها من وقت وهي بين الألم والحزن ولكن دقات الباب أيقظتها من نومة اليقظة وأخذتها من بئر العذاب فاعتدلت بالفراش ولاحظت أن الظلام قد حل فمسحت دموعها ولكن بالطبع لم تمحو الآثار الواضحة على عيونها وهي تفتح الباب فتراجعت صفاء من مظهرها وهي تقول
"عهد! ماذا بك!؟"
التفتت مرتدة لداخل غرفتها وقالت "لا شيء"
تبعتها صفاء وهي تقول "ماذا حدث عهد؟ ما سبب كل ذلك البكاء؟ هل أغضبك أحد؟"
لم ترد فجذبتها صفاء لتواجهها فعادت للبكاء فجذبتها صفاء لأحضانها فلم تمانع وهي تعود للبكاء بهستيريا تعلن عن الألم النابض بكيانها كله وليس فقط قلبها، ألم لم تعرفه إلا يوم عرفته
سمعت صفاء تهمس لها كلمات تمنحها الراحة حتى هدأت فجذبتها صفاء للفراش وتركتها تجلس وهي بجوارها وجلبت لها ماء تناولته وهي تشهق من البكاء حتى هدأت فقالت صفاء
"هل تريدين أن تتحدثي؟"
هزت رأسها بالنفي لو عرف أحد سرها لانتقص الجميع منها وظنوا أنها تعبث مع البليونير ليكون منقذها من الفقر وهي لم تكن كذلك
قالت صفاء "حسنا عهد كما تشائي ولكن لابد أن تهدئي لا يمكنك مواجهة الباقين بذلك الوجه"
هزت رأسها وهي تعرف أنها على حق ولكن ما زال قلبها يؤلمها ولم تجد أي راحة بأي كلمات وعندما عادت لدولت لاحظت المرأة ملامحها وقالت "ماذا بكِ عهد؟"
كانت تتحرك دون أن تنظر لدولت وقالت "لا شيء حضرتك، فقط أشعر بصداع مؤلم"
جذبت الغطاء على المرأة واستدارت لتبتعد ولكن دولت أمسكت يدها وقالت "ماذا هناك عهد؟ تعلمين أني أحبك ويحزنني أن أراكِ هكذا"
لم تنظر للمرأة أيضا وهي تقول "لا شيء صدقيني، أنا حقا متعبة ورأسي يؤلمني ربما برد"
ربتت الأم على يدها وقالت "عيونك تفشي ما بداخلك عهد ولكنك أيضا تعرفين أن ما كان هو الصواب"
رفعت عيونها أخيرا للمرأة وقد دب الخوف بقلبها من كلماتها، ماذا تعني من كلماتها هذه؟ هل عرفت سرها؟ قالت "أنا، أنا لا أفهم ماذا تقصدين"
لم تبعد عيونها عن المرأة التي قالت "بل تفهمين كل شيء عهد وأنا أيضا أفهم وكان عليك مراجعة نفسك قبل أن تدفعي بها لذلك الطريق"
جذبت يدها من يد المرأة وقالت "حضرتك أنا لم أفعل شيء لأراجع نفسي عليه، ليس هناك أي شيء حقا فلا تقلقي"
لم تجادلها المرأة وحل الصمت بينهم وسكن الحزن قلبها وقيدته بسلاسل من الواقع الذي اعترفت به الواقع الذي أخبرها به، هذا هو بالتأكيد المصير المحتوم فلم تجادل وأدركت أن هذه هي النهاية وأفضل ما بتلك النهاية أنها لن تراه مرة أخرى كي لا يزداد ألمها برؤيته يكفيها ألم واحد
يتبع...

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن