الفصل الخامس والعشرين
حرية
ترددت كثيرا قبل أن تقرر أن تنزل لرؤيته فقد تعدت الثانية صباحا ولم يصعد لغرفتهم"
دقت الباب فلم تسمع صوته ففتحت ودخلت، كان ممددا على الأريكة وذراعه على وجهه وبدا نائما وقد خلع جاكته وألقاه على أحد المقاعد، تحركت تجاهه وركعت على الأرض بجواره ووضعت يدها على ذراعه فانتفض مبعدا ذراعه وعيونه الحمراء تلتقي بعيونها فقالت بحنان
"إنه أنا حبيبي"
ظل ينظر بعيونها التي امتلأت بالحب بعيدا عن الغضب والقوة فاعتدل وجذبها ليرفعها بجواره وهو يقول "هل هناك شيء؟ هل أنتِ بخير؟"
جلست بجواره وهو يرفع يده بشعره ليبعده عن جبينه وربما يبعد معه الصداع الذي لا يتركه، لمست ذراعه وقالت "أنت متعب، هل تصعد لتنام؟"
هز رأسه وقال وهو ينهض ويأخذ يدها "كم الساعة؟"
قالت وهي تضع يدها بذراعه وتتحرك بجواره "الثانية صباحا"
بالأعلى ساعدته بتبديل ملابسه وقد بدا حقا متعب ولكنه لم يتحدث وسرعان ما دخل الفراش ونام حتى دون انتظارها وتأملته وهي تدخل بجواره وقد انتظمت أنفاسه وهدأت ملامح وجهه المشدودة وارتخى جسده فشعرت بالحزن من أجله
اندهشت عندما استيقظت ووجدته بجوارها فنادرا ما يتأخر بالنوم التفتت بهدوء ولكنه شعر بحركتها ففتح عيونه ليراها أمامه بوجهها المبتسم وشعرها يتدلى حوله وهي تقول "صباح الخير"
اعتدل جالسا وتناول الهاتف لتفحصه وقال "صباح النور"
استندت على كوعها وقالت "لن تذهب للعمل اليوم؟"
لم ينظر لها وهو يجيب "لا، لا شيء مهم اليوم"
أدركت أن حالته لم تتحسن كثيرا وربما غاضبا منها فنهضت فنظر لها وقال "إلى أين؟"
وقفت مكانها ونظرت له وقالت "الحمام ثم أعد لك الإفطار"
اهتز الهاتف بيده فقال وهو يعود له "لا عودي للفراش ودعيهم يحضروا الإفطار هنا"
اندهشت لتصرفه فقالت "حسنا فقط الحمام وسأعود"
هز رأسه وما زال الهاتف يشغله
طلبت الإفطار وعندما خرجت كانت قد أخذت حمام وبدلت ملابسها وعادت له وقد رأت الإفطار على المائدة وهو يقف أمام النافذة فتحركت له وقالت "هل نتناول الطعام؟"
كان هدوئها يؤلمه، غضبه انهال عليها بالأمس وهي لم تتذمر بل هادئة تتلقى ردود أفعاله بصبر
التفت لها بشعرها المتدلي ووجها المشرق وابتسامتها الرقيقة وقال "ألن تخبريني أن ما حدث بالأمس كان مبالغ به وأنكِ"
رفعت يدها لفمه لتوقفه وقالت برقة "فقط أريدك أن تستعيد هدوءك ولا أهتم بما كان بالأمس"
أمسك يدها وقبلها ثم جذبها له وضمها لصدره وقال "لا أحب نفسي عندما يدفعني أحد لما لا أرغب به عهد، ودولت أول شيء لا أرغب به"
ظلت صامتة حتى أبعدها فنظر بعيونها وقال "أنتِ صامتة"
ابتسمت وقالت "أنت قلت حبيبي، لن أدفعك لشيء لا تريده وربما الحديث بالأمر يثيرك مرة أخرى"
مرر يده على وجنتها وقال "غاضبة؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت "أبدا، فقط مندهشة"
ضاقت عيونه وردد "مندهشة؟ من ماذا؟"
أخفضت وجهها وابتعدت من أمامه وتجرأت على خوض التجربة مرة أخرى وقالت "أنك ترفض حتى الحديث"
ثم التفتت له مرة أخرى ورأت الظلال تحيط عيونه مرة أخرى، أبعد وجهه للنافذة وقال "فكرة السماح تغضبني عهد"
عادت لتقف بجواره وقالت برقة "فقط اتركني أسمعها"
عاد لها بوجهه والغضب يسكنه مرة أخرى فأسرعت تكمل "لن أطالبك بأي شيء، لن أخبرك ماذا أرادت أو قالت إلا لو أردت أنت أن تعرف"
ظل محدقا بها ثم كظم غضبه وتحرك مبتعدا فأكملت "كان عليها أن تفعل ليث"
دق قلبها بقوة وأدركت أنها تخطو مرة أخرى لمنطقة الألغام وعيونه تزداد ضيقا وسأل بصوت حاد "تفعل ماذا؟"
استجمعت كل شجاعتها وقالت "هل ستسمعني دون غضب أم أتوقف؟"
تنفس بعمق كعادته وأغلق عيونه وجسده متصلب مبديا عدم الرغبة بأي شيء ولكنها قالت "فقط اسمعني"
عندما لم يرد جعلت صمته موافقة فقالت "هي اعترفت أنها أخطأت يوم انجرفت وراء مشاعرها وسلمت نفسها لرجل ليس زوجها"
لم تراه وهو يغمض عيونه ولم تشعر باليد الحديدية التي قبضت على قلبه جعلته يصرخ بصمت من الألم ولكنها أكملت "ولكن من منا لم يخطئ ليث؟"
التفت والألم هو الذي ارتسم على وجهه ولكنها لم تمنحه فرصة ليثور بوجهها وأكملت "بسورة النور يذكر الله تعالى الزاني والزانية وعقابهم بالدنيا والآخرة
ولكنه أيضا يختم الأمر بقوله تعالى "إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِك وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (5)
صدق الله العظيم "
ظل ينظر لها فاقتربت منه وقالت "لسنا بعظمة الله تعالى حتى نرفض المغفرة وهو جل شأنه يقبل التوبة عن عباده ويغفر لهم وبالنهاية هي أمك وأيضا تعلم وصاية الله بالأم حتى لو كانت على خطأ"
كان يعلم أنها على حق، لم تمنحه فرصة ليردد كلماتها بذهنه فقالت "ومع ذلك هي لم تلقيك على باب ملجأ"
التفت لها ورأى الألم بعيونها ولمعت دموع بعيونها وهي تذكر نفسها وعمتها التي ألقت بها بالملجأ فاقترب وكاد يتحدث ولكنها رفعت يدها لتوقفه وقالت
"لا تفعل أرجوك لست أنا محل الاهتمام ولست بحاجة لكلمات لن أقبلها"
توقف ولم يتحدث فالتفتت وقالت "هي احتفظت بك معها ولن ننسى قصة سيدنا موسى عندما نفذت والدته أمر الله ووضعته بالصندوق وقذفته بالنهر فقط كي تنقذه من الخطر وقد أعاده الله لها، هي حلول من الله كي لا تُحرم أم من ابنها"
والتفتت له وأكملت "والدتك فعلت بالمثل ليث ولكن مع الفارق أنك كنت بالسادسة عشر أي شاب ناضج قادر على مواجهة الحياة بل ولديك أكثر من باب مفتوح، موهبتك، شركة تتبناك، أموال قليلة ساعدتك لترحل للخارج"
استدار وكلماتها تهب بوجهه كريح عاصف يقتلع الكثير من داخله ويثير برودة بأوصاله ولم ترحمه وهي تكمل "كنت تعلم أن الجبالي كان يعذبها ويهددها بالفضيحة لك ولها ولو فعل لكنت أنت خسرت كل شيء، سمعة والدتك وسمعتك معها وتساقطت من الخزي مهزوما وربما تهاوت معك موهبتك وحماسك، كان يتخذها سلاح ضدك ليهزمك بها"
تحرك للنافذة ووقف أمامها والصباح يضم الطبيعة من حوله بإشراقة أمل مبتسمة ليوم جديد، أكملت وأصبح صوتها وكأنه يأتي من الماضي معبق برائحة دولت وقت كانت تضمه بحنان لصدرها ومتشبعا بصوت إخوته وهم يلعبون سويا بالحديقة
"هي أبعدتك لتوقف إعصار الجبالي قبل أن يهب بكراهيته وأنانيته ويقتلعك من جذورك ويدمرك دون رحمة"
حاول أن يتحدث فوجد صوته يتخلى عنه فأغلق فمه حتى شعر بها بجواره فلم ينظر لها وما زال يسمع أصوات إخوته حوله وضحكت دولت لدعاباتهم ولكنها لم تتهاون بكلماتها وقالت "هل أردتها أن ترحل معك؟"
التفت لها ورحل الغضب من عيونه ولكن ما زال الألم عالقا بها وعيونها تجذبه للأمان والراحة فقالت "كنت ستفقد هدفك"
وأخيرا نطق "لا"
قالت دون تراجع "بلى، المسؤولية ستثقل كاهلك، أمك معك مسؤولة منك فكيف كنت سترحل لهنا؟ ولو فعلت كيف كنت ستوفر لها الأمان؟ أنت بنفسك قلت أنك جعت وبردت ونمت بالشارع فهل أردت لها ذلك وهي امرأة ليست بشابة مثلك لتتحمل؟ ماذا ليث ألم تفكر يوما أنها كانت تتألم مثلك بل وأكثر لفقدانها ابنها الأكبر؟ ألم تقدر معنى التضحية التي قدمتها من أجلك؟ ما فعله الجبالي انقلب عليه كالمقولة التي تقول، انقلب السحر على الساحر، دمر نفسه وخسر كل شيء، مات ودمر ابنه حتى رحل هو الآخر وأنت ترى أختك ووالدتك وما حل بهم"
كل كلمة تنطق بها لا رد لديه عليها لأول مرة يخسر معركة ومع امرأة، استمرت بإصرار رآه بعيونها وكأنها تخبره أنها ستكمل لخط النهاية لتؤكد نصرها وقالت "ولكن السحر لم يصيبك بسوء بل دفعك للأمام اتخذت من غضبك قوة دفعتك لتحدي الجبالي كي تثبت له أن الابن الغير شرعي أفضل مائة مرة من ابنه الشرعي وأن بإمكانه تحقيق الحلم وقد فعلت، هو مات وأنت بليونير حبيبي وهو لا شيء، لديك نجاحك وعملك وأسرتك وحياة كاملة لا ينقصها شيء، رب ضرة نافعة ليث"
ظل يحدق بها لوقت لم يقدره أيا منهما حتى رن الهاتف فسقط رنينه كسيف حاد يقطع الصمت بلا رحمة، رمشت عيونه وتحرك مبتعدا لهاتفه وعندما رأى اسم ماك أجاب
تحركت وجلست وقد شعرت بالتعب والإجهاد ولكنها لاحظت أنه يجيب بعصبية وفهمت أن هناك مشاكل بالعمل فظلت تنظر له حتى أغلق الهاتف فقالت "مشاكل؟"
نظر لها وقال "نعم أظن أني سأذهب"
لم ترد واعتدلت بمكانها وقالت "الإفطار ليث"
كان بطريقه للحمام وقال "لا تنتظريني"
ظل واقفا تحت المياه وقد أغمض عيونه وكلماتها تتكرر برأسه وكأنه أسطوانة مسجلة لا تتوقف، ذكرياته المؤلمة توارت خلف ذكريات أخرى مع بريهان وحتى معاذ، أعياد الميلاد المشتركة وضع الزينة سويا وأمهم تساعدهم بابتسامتها، أمه! كم عام مضى لم ينطق كلمة أم؟ كم مرة أوقف لسانه عن النطق بها حتى ماتت داخله؟
"كان يتخذها سلاح ليهزمك بها" جملتها عادت له ترتج داخل قلبه قبل عقله، هو حقا فعل ذلك، هزمه ودمره داخليا طوال سنوات عمره، زرع الكره بقلبه تجاه كل من أحب وأبعده عنهم سنوات طويلة حتى تدمر كل شيء
لا لم يكن الأمر كله خسارة فكما قالت أيضا "هو مات وأنت بليونير حبيبي وهو لا شيء" نعم الجبالي خسر كل شيء لكن هو قد أصبح بليونير، لكنه بليونير ممزق داخليا حيث لا يراه أحد، أوقف المياه وجذب المنشفة وجفف جسده وتوقف عند وجهه وهو يبعدها ببطء وشعر بشيء غريب هو لم يعد يشعر أنه ممزق كما كان، عادت كلماتها "لديك نجاحك وعملك وأسرتك وحياة كاملة لا ينقصها شيء"
هو بالفعل كذلك لقد نجح بحياته العملية ونال قلبه الحب وحظى بامرأة تعشقه وتؤازره وتدفعه للأمام وينتظر طفل سيحمل اسمه، أين السعادة إن لم تكن فيما حصل عليه؟
عندما خرج كانت جالسة أمام النافذة وشرد ذهنها به وهي تدرك أنها فشلت، تفاجأت عندما رأته يتحرك بروب الحمام ليركع أمامها فحدقت بعيونه بدهشة وقالت "هل حدث شيء؟ هل أنت بخير؟"
ابتسم وعيونه تبحث عن الحنان بعيونها وشعرت به يمسك يدها فارتجف جسدها وهو يرفعها لفمه وقبلها ثم أخفضها دون أن يتركها وقال "من أنتِ؟"
لم تفهم شيء وقالت "من أنا؟"
رفع يده لوجنتها وقال "الآن لم نعد متعادلان عهد"
ظلت واجمة لا تفهم ما يقول وشعرت أنها فرغت من الكلمات ولكنها قالت "أعلم، لم نكن بأي يوم متعادلان ليث، الفوارق"
قاطعها "لا وجود لها، الفوارق لا وجود لها عهد ولا تعنيني بشيء"
لم تعد تفهم فقالت "لا أفهمك ليث"
زادت ابتسامته وترك يدها ليحيط وجهها براحتيه ويقول "كنت مدين لكِ لأنك أعدتني للحياة ومنحتني الحب والحنان، البيت والأسرة واليوم منحتني الحرية عهد، لقد تحررت من الماضي عهد تحررت منه بسببك"
ترقرقت الدموع بعيونها وهي تسمعه وهو يكمل "لم يعد يشغلني ما فعله الجبالي بيوم ما، لم يعد عندي فارق ما أن عادت دولت لحياتي أم لا، ربما كان لها أعذارها كما قلت ولكن كل ما أصبح يعنيني بالحياة أني فزت بامرأة مثلك عهد وأني لابد أن أحفظها داخل قلبي وعيوني لما تبقى لي من عمر حبيبتي"
سقطت الدموع على وجنتيها وهي سعيدة بكلماته فجذبها لأحضانه وهمس "أنا لم أعرف الحب إلا يوم عرفتك ولن أتخلى أبدا عن ذلك عهد"
تناولا الإفطار بشهية وساعدته بارتداء ملابسه حتى انتهى ورفع عطره فقالت "لا تفعل وإلا أفسدت ملابسك هذه بالقيء"
ضحك وقال "والآن أرثو لحالك ذهبية العيون، لدي البديل بالسيارة، هل تريدين شيء؟"
داعبت ربطة عنقه وقالت "هل أهاتف دولت؟"
شدت عضلاته للحظة ثم عاد وقال "كما تشائي حبيبتي، لكن لو أردت الخروج لن يكون اليوم السائق أخذ سيارتك للجراج لبعض التصليحات"
هزت رأسها فقبلها وتحرك خارجا وتابعته بسعادة ثم أسرعت للنافذة تتابعه وهو يمنحها نظرته قبل أن يركب سيارته وينطلق بها
ارتدت للهاتف وأخذت نفس عميق وهاتفت دولت التي أجابت على الفور "عهد! ظننت أنكِ لن تهاتفيني"
قالت وهي تجلس "لا حضرتك فقط انتظرت حتى يذهب ليث"
تنهدت الأم وقالت "هل رفض؟"
قالت بهدوء "بل وافق"
شهقت المرأة وأدركت أنها لا تصدق وبالفعل هتفت "حقا عهد؟ هل وافق على أن تأتي لإصلاح الأمور بيننا؟"
قالت عهد وقلبها يرأف بالمرأة "نعم لقد فعل"
قالت بلهفة "ومتى سأراكِ يا ابنتي؟"
قالت "غدا إن شاء الله، ما أن يذهب ليث سأكون عندك"
سمعت المرأة تقول بصوت مختلط بالدموع "إنه الحلم عهد، حلم عمري بأن أضم ابني لصدري"
تألمت للمرأة وقالت "هو بحاجة للوقت صدقيني"
قالت دولت "أتمنى أن يسمعني"
قالت بإدراك "سيفعل، أنا واثقة من ذلك"
****
دخل مكتبه وتبعه ماك وهو يقول "الخسارة كبيرة سيد ليث، عزيز يضرب تحت الحزام"
لم ينظر له وهو يفتح جهازه ويضرب الأزرار بصمت حتى توقف وقال "ادفع بفرع البرازيل هو ينساه وأسرع حتى نسبقه خطوة"
اعتدل ماك وقال "والسوق العربية؟"
لم ينظر له وقال "ما زالت مصر أرض بكر بالنسبة للاموند لم لا نجعلها عروستنا العذراء؟"
تتراجع ماك وردد "مصر؟ كنت ترفض"
رفع رأسه له وقال "كنت، الآن هناك باب لم لا نطرقه بدون تردد"
ابتسم ماك وقال "رائع، ألن ترد؟"
عاد للجهاز وقال "لا، تعلم أن عزيز ليس خصم لي"
اندهش ماك وهتف "رغم ما يفعله بنا؟"
هز رأسه وقال "خسارة الأموال لا تعني شيء أمام خسارة من نحب"
هز ماك رأسه وقال "كم احترمك سيد ليث"
رفع نظره له فأكد ماك قوله وقال "أنت قدوة لكل من يعمل بلاموند سيدي، قدوة بكل شيء، حتى زواجك الجميع يجده مثال لقصة الحب الصادقة أنا احييك سيد ليث وفخور أني من رجالك"
ابتسم ليث وقال "لست فقط من رجالي بل أنت ذراعي الأيمن ماك وأنا أيضا فخور بأن لدي رجل مثلك"
ابتسم ماك وشكره ثم عاد ليث للعمل بجدية واضحة وهو يدرك أن عزيز لا يتوقف عن انتقامه وكلما سد فجوة خسائر صنع عزيز غيرها وتمنى ليث أن تظل الخسائر كما قال بالأموال فقط
****
دقت باب بيت دولت حيث وقف بها السائق أمامه ولحظات ورأت بريهان تفتح لها فابتسمت وهتفت "يا لها من مفاجأة رائعة أنتِ تقفين أمامي بريهان"
ضحكت بريهان ضحكة مختلفة عن ضحكتها السابقة حيث شعرت عهد أنها كانت بطعم الألم والحزن ولكن صوت بريهان خرج قويا وهي تقول
"كان لابد أن أرحب بنفسي بزوجة أخي"
وتفاجأت عهد عندما عانقتها بريهان فبادلتها العناق دون تفكير حتى أبعدتها وسألتها "لم يأتي معك؟"
قالت برقة "هو مشغول"
تحركت بريهان بخطى بطيئة وغير متوازنة وقالت "نعم، أنا ما زلت أتدرب على الطرف الصناعي، جلسات العلاج الطبيعي مرهقة ولكني لا أفوتها، ماما تنتظرك بغرفة الجلوس"
كان البيت صغير وجميل ذكرها ببيتها القديم وبيت جينيس وجون، استقرت دولت على مقعدها المتحرك وبطانية سوداء على ساقيها، ابتسمت بسعادة لرؤية عهد وفتحت ذراعيها وقالت
"أهلا عهد تعالي يا ابنتي لأعانقك"
جلست أمام دولت واختفت بريهان بعد أن وضعت الشاي والكعك وسكبت عهد الشاي لها ولدولت التي تناولته منها وقالت "تمنيت رؤيته، أنا لم أراه منذ حصلتِ على أجازتك"
أخفضت عيونها وقالت "لأننا تزوجنا وقتها ورحلنا لأجازة الزواج"
هزت رأسها وقالت بحزن "وعدتم من شهر أو أكثر عهد"
قالت عهد بدون تردد "وما الذي تغير مدام دولت حتى تنتظري أن يتغير هو بتعامله معكم؟"
شحب وجه دولت من سؤال عهد التي أكملت "آسفة لم أقصد أن أكون قاسية"
أخفضت دولت رأسها وقالت "بل هي الحقيقة عهد، هو حكى لكِ كل شيء أليس كذلك؟"
لم ترد فرفعت لها وجهها وقالت "أعلم أني مذنبة ولكن هذا كان الحل الوحيد عهد كي أبعده عن إبراهيم"
قالت بتفهم "أعلم ولكن ليث لم يفكر بتلك الطريقة حضرتك"
قالت المرأة "ماما، ناديني ماما تعلمين أني أحبك عهد والآن أنت أيضا زوجة ابني أم لا تريدين أمومتي أنتِ أيضا؟"
هزت رأسها وقالت "ليس كما تظنين فقط، ربما لا أليق بذلك أنا"
قاطعتها دولت "أنتِ أفضل فتاة قابلتها بحياتي عهد وبكل يوم كنت أدعو بصلاتي أن تكوني زوجة ليث"
ابتسمت وقالت "هذا شرف لي ماما"
ابتسمت دولت وقالت "كيف يفكر ليث عهد؟"
نظرت لها وقالت "يفكر بالوحدة التي وجد نفسه بها وهو ما زال شاب صغير لا يعرف كيف يواجه الحياة وحده، يفكر كيف أن والدته لفظته خارج حياتها وفضلت إخوته عليه، يفكر أنه عاش وحيدا يكره وجود أي امرأة بحياته بسبب الماضي، ليث كان يتألم ماما، يتألم وحده دون أن يشعر به أحد، لقد تألم لأكثر من عشرين عاما لذا ليس من السهل أن يتبدل الأمر بكلمة واحدة"
سالت دموع المرأة وقالت "أنا السبب بألم ابني، أنا من طعنته بغدر وتركته ينزف وحيدا ولو ظللت عمري كله نادمة فلن يفيد بشيء"
ولكن عهد قالت "لا يمكننا أن نفقد الأمل بأي شيء ماما، ما زال الله تعالى يأمر عباده ألا يقنطوا من رحمته، دعينا نجري محاولة وربما تنجح"
لاح الأمل بعيون دولت وعيونها تحدق بعهد التي كانت تنظر لها والأفكار تداعب عقلها
****
رن هاتف مكتبه الداخلي فأجاب ماك بينما اندمج هو مع مديري الأقسام، لحظات وانحنى ماك عليه وقال "مسز جبالي الكبيرة تعبت ومسز جبالي زوجتك طلبت الطبيب بالبيت"
نظر له ثم قال "متى؟"
قال ماك "السائق قال منذ ساعة تقريبا وقد انصرف الطبيب"
ضاقت عيونه فهز رأسه وعاد للرجال ولكن ليس بكامل عقله بل ظل جزء مشغول بما حدث واندهش أنها لم تهاتفه، أنهى الاجتماع دون أن يفلت الزمام ثم نهض وهو يجري اتصاله بها وهو يسأل مالك
"ماذا بجدول المواعيد اليوم؟"
كان ماك ينظم الأوراق عندما قال "جولة بالورشة بعد ساعة وغداء مع مندوب شركة.."
رن هاتفها وتأخرت حتى أجابت فابتعد وقال "أين أنتِ؟"
جائه صوتها هادئا وهي تقول "ما زلت عند والدتك ليث"
لم تخبره أيضا فعاد وقال "تأخرتِ، تنسين أنك حامل؟"
قالت باهتمام "لا حبيبي لا أنسى ولكن والدتك تعبت قليلا ولم أشأ تركها قبل الاطمئنان عليها"
ظل صامتا لحظة ثم قال "ماذا حدث؟"
أجابت "انفعلت وهي تتحدث معي وأنت تعلم أن قلبها ضعيف والطبيب فضل المشفى لو لم تتحسن حالتها على الليل لذا فضلت البقاء قليلا معها"
تعصب وقال "لم تعودي ممرضة عهد"
ضحكت وقالت "هو بدمي ليث لن يمكنك تبديل دمائي كلها حبيبي، سأرحل قبل عودتك للبيت أو ربما تمر وتأخذني بدلا من السائق ونتناول العشاء بمكان ما"
كانت تتحدث بتلقائية ولم تدعوه حتى لرؤية دولت، ألا تريد دولت رؤيته؟ ألم تطلب عهد لإصلاح ما كان أم أن الأمر لم يعد يعنيها؟ سمعها تناديه فقال "ربما أمر عليكِ أفضل سأهاتفك قبل أن أصل"
كاد ينهي عندما نادته فقال "ماذا؟"
قالت "أنا أحبك"
لانت ملامحه ونبرة صوته وقال "وأنا أيضا حبيبتي"
وأغلق والأفكار تتجول داخل عقله وتأرجحه يمينا ويسارا ترى ماذا يحدث هناك وهو لا يعرفه؟
يتبع..
أنت تقرأ
رواية وجهان لامرأة واحدة بقلمي داليا السيد
Romanceسكنت داخل ردائها الأبيض تحتمي خلفه من مواجهة العالم من حولها، اختارت أن تكون الممرضة الصامتة ، الضعيفة ترفض خروج المرأة القوية التي هي عليها متجاهلة وجودها بل لا تعترف بها، لكن يوم سقطت عيونها عليه تمزق الرداء الأبيض بقوته الهائلة وإيمانه بها، دفعها...