الفصل العشرين

362 19 6
                                    

الفصل العشرين
موت
نامت جزء كبير من اليوم نتيجة التعب والدموع ونهضت بعد العصر، أخذت حمام وبدلت ملابسها والراحة تسكن قلبها عندما رن هاتفها باسم جون الذي هتف بها
"عهد جيس تنهار، بسرعة عهد"
لم تعرف كيف قطعت المسافة بين بيتهم وهي تهرع لها بأنفاس متقطعة وأخرجت أدواتها ودفعت حقنة بذراعها وقالت "الإسعاف قادمة جون، لن يمكنها الاستمرار دون رعاية الأطباء"
اسود وجهه ولمعت دموع بعيونه وجيس فاقدة للوعي، نهضت له وهي أدركت أن جيس لن يمكنها أن تنجو فقالت "كنت تعلم أن تلك اللحظة قادمة جون"
لم يبعد عيونه عن زوجته وقال "لم أصدق أنها ستأتي عهد" رفع عيونه لعهد وقال "كيف سأعيش بدونها، أنا لم أعرف امرأة سواها عهد، هي كل حياتي، كل حياتي"
وتحرك لجسد زوجته الهامد على الفراش وركع بجوارها قابضا على يدها دون أي كلمات عندما وصل رجال الإسعاف وتحركوا بها وتبعتهم هي وركب جون معها ورفعت هاتفها رغم ترددها ثم هاتفته
ما أن خرج من بيتها حتى رن هاتفه، ركب السيارة ثم أجاب وهو يعرف أنه عزيز الذي قال "أين أنت؟"
أجاب بهدوء "لماذا؟"
قال عزيز بهدوء مماثل له "تعلم لماذا ليث، أريد رؤيتك"
قال "حسنا سأمر عليك بعد الاجتماع"
وافق عزيز فأغلق وتحرك لمكتبه حيث تلقاه ماك مدير مكتبه بالأعمال المتوقفة بغيابه فانشغل حتى عقد اجتماعه وما أن انتهى حتى قال لمديره "أرسلت لك آخر تصميم لي، ولا تعرضه للبيع أريده لي"
هز الرجل رأسه وهو يتحرك لخارج المكتب بطريقه لبيت عزيز وهو يستعد لكل ما هو آت وعيونها لا تفارقه
استقبله عزيز بمكتب منزله وقال "تبدو متعب"
جلس ليث وهو يفتح جاكته وقال "هذا أمر ليس بجديد ولا يشغلني عزيز، هل أنت بخير؟"
تراجع عزيز بمقعده وقال "نعم، ماذا حدث بالأمس؟"
واجه ليث الرجل بعيونه وقال "رأتني مع عهد بالمطعم"
هز رأسه بتفهم وقال "الممرضة؟ هل تحبها؟ عهد؟"
أبعد وجهه عن عزيز وهو يقول "هل هذه مشكلتنا الآن؟"
نهض عزيز وتحرك لمكان ليث وجلس بالمقعد المواجه له وقال "بالنسبة لمي نعم ليث، هي تؤمن أن بينكم علاقة ولأني أعرفك جيدا دفعت عنك التهمة"
نهض ليث وقال "لست بحاجة لمحامي، ماذا تريد عزيز؟"
نظر له عزيز وقال "ألا يكفي عامان مماطلة ليث؟ لا توجد خطوبة تستمر كل تلك المدة ومي تعبت من الانتظار وهي تفعل لأنها تحبك"
لم يرد فنهض عزيز وتحرك تجاهه حتى وقف خلفه وقال "ألا نحدد موعد الزفاف؟"
التفت لعزيز بحدة واضحة والتقى بعيون الرجل ثم قال "هل ترى أن ذلك وقت مناسب عزيز؟ أنت تعلم أن أختي بالعناية والفرع الجديد والمنافسة الجديدة، لا عزيز أنا لست مستعد لزواج بالوقت الحالي أنا أصلا لم أمنحك كلمتي بالزواج"
تعصب عزيز وقال "لا تفعل ليث، لا تتلاعب بالكلمات أنت تخل بالوعد"
ابتعد ليث وقال "أنا لا أفعل فقط أذكرك بما كان بيننا، أخبرتك أني لست مؤمن بالزواج وأنت من أصر على الخطوبة"
ارتفع التوتر بالمكان وقال عزيز "وأخبرتك أنها ستكون البداية لإقناعك بالزواج"
أشاح ليث بيده وقال "وأنا لم أقتنع"
هتف عزيز "لم تقتنع أم أن علاقتك بالممرضة أوقفتك؟"
لم يرد ليث وتنفس عزيز بقوة وصمت ثقيل نزل عليهم حتى عاد عزيز للهدوء وقال "حسنا، يمكنك الاحتفاظ بعهد بحياتك ليث حتى بعد الزواج ولكن ابنتي بحاجة لك تعلم أنها تحبك وإهمالك لها يؤلمها ويدمرها وقد زادت نوباتها مؤخرا"
لم يهدأ غضب ليث حتى وهو يرى الحزن بعيون عزيز وقال بقوة محاولا السيطرة على غضبه "لا عزيز أنت تعلم أن عهد ليست تلك المرأة ولا أنا، وقد أخبرتك أن الأمر خطأ"
هز عزيز رأسه وقال "هل تحبها؟"
ضاقت عيون ليث وقبل أن يجيب رن هاتفه فأخرجه ليرى اسمها، أغلق الصوت وأعاده لجاكته وقال "مرة أخرى؟ هل يهمك الرد عزيز؟"
هز عزيز رأسه وقال "نعم ليث"
فقال ليث "للأسف لا إجابة لدي عزيز، حياتي الشخصية لي فقط وأنت تعلم ذلك وأنا لن أتناقش بأمر مي الآن عزيز احتراما لما بيننا ولمرضها"
ثم تحرك خارجا لسيارته وهو يخرج هاتفه واتصل بها، كانت قد وصلت المشفى فأجابت "ليث، أين أنت؟"
لاحظ لهجتها فقال "ماذا حدث عهد؟ هل أصابك شيء؟"
تحركت مسرعة وقالت "جيس فقدت الوعي ونقلتها الاسعاف للمشفى ونحن معها، جون بحاجة لك"
داس على البنزين وهو يقول "أنا بالطريق"
بالعناية كان الجميع يلتف حول جيس وتم استدعاء طبيبها المختص وأبلغهم بحالتها المتأخرة جدا وأن الوقت أزف وبالطبع لم يكن هناك شيء يمكن تقديمه لها فشعرت ببرودة تجتاح جسدها فجيس كانت الصديقة الوفية والتي غمرتها بالحنان وضمتها وساندتها بصدق ومحبة، كانت الأسرة التي لم تكن لها بأي يوم
عندما دخل جون للعناية أدركت الألم المرتسم بعيونه، نظر لها فلم تواجهه وأخفضت نظراتها فعاد لزوجته التي فقدت الإحساس بمن حولها وضاعت من الحياة، فجأة رأت ليث يندفع للداخل وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه وتوقف وجون ينظر له بدموع
قال ليث بألم "كيف أخفيت عني الأمر؟ كيف طاوعك قلبك جون؟ كيف حرمتني من أن أكون معها؟"
أبعد جون عيونه الباكية لزوجته وقال بحزن "هي لم تشأ أن تقلقك وتؤلمك، كانت تعلم أنك مشغول"
جز على أسنانه والألم ينطق من عيونه ثم نظر لجسدها وتحرك لها وانحنى عليها وهتف "لم أنشغل عنها هي أبدا، جيس، جيس أنا ليث، انهضي جيس لابد أن تنهضي لنخرج من هنا، سنحتفل سويا بالعيد جيس وسنخرج للجبال ونشوي اللحم، هيا جيس لا يمكنك تركي"
تحركت عهد تجاهه ولمست ذراعه فالتفت لها بحدة فهمست "هي لا تسمعك"
عاد لجيس بعيون تلونت بالأحمر وهو يقول "بل تسمعني، جيس أخبريها أنك تسمعيني، هيا جيس"
ولكن فجأة صرخت الأجهزة بقوة فتحركت عهد ونادت على الممرضات لاستدعاء الأطباء ودفعت الممرضات ليث وجون للخارج وأسرع الأطباء بمحاولة يائسة لإنقاذ المرأة ولكنها كانت قد انتهت
كانت أسوأ لحظة مرت بحياتها عندما رأت ليث وجون وقت إخبارهم بوفاة جيس وتلقى كلاهم الخبر بألم واضح بعيونهم والتفت ليث للحائط مخفيا أحزانه بينما تهاوى جون على المقعد ولم يمنع دموعه
اضطرت للعودة لعملها وقد تولى رجال ليث الأمر وظل هو مع جون عندما طالبها جورج بإخراج بريهان من العناية وبالطبع لم تكن حالتها تسمح لها بمتابعة العمل على أكمل وجه عندما تدخل جورج وقال
"حسنا عهد توقفي واذهبي لن يمكنك العمل بتلك الحالة، الجميع يعلم أنها كانت صديقتك"
نظرت له ولم تجادل بينما أرسل لها ماديسون وتلقاها بنفس الكلمات فاستبدلت ملابسها وتحركت إليهم فنظر لها وقال "ماذا؟"
قالت بحزن واضح "لن أعمل اليوم، ماذا ستفعل؟"
نظر لجون وقال "نصحبه للبيت حتى نجري استعداداتنا للجنازة، هل يمكن إخراج جسدها؟"
هزت رأسها وقالت "ماديسون أخبرني بأنه سيسمح بذلك بأي وقت تشاء"
استمر الحزن حتى انتهى العزاء بعد عدة أيام وظلت معه وجون بالبيت وهما لم يتركاه حتى انتهى حفل التأبين وانصرف الجميع، تحرك جون للداخل وجلس على الأريكة حيث كانت تستلقي جيس فنظر ليث لها كما فعلت فقالت
"سأنتهي من الطبخ"
عندما انتهت رأت ليث يتحرك إليها فنظرت له وهو يتقدم تجاهها وبدون أي كلمات انحنى وضمها له فأحاطته بذراعيها وكلاهم كان بحاجة للآخر، سمعته يقول "أفتقدها جدا"
ابتعد فقالت بصدق "وأنا أيضا ولكنها الآن أفضل ليث لقد تألمت كثيرا"
هز رأسه وابتعد للمائدة وجلس فسكبت له بعض القهوة تناولها منها وقال "لم أكن أعلم أن مي ستحضر الجنازة"
هزت رأسها وهي تذكر ما كان بالجنازة عندما تفاجأت بوجود مي فاضطرت للتراجع مبتعدة عنه لتقف بجوار جون واعتصرها الألم وهي تراها تضع يدها بذراعه وتلتصق به ونظراتها لها كانت تعني الكثير وتمنت من داخلها لو كانت هي التي تقف بجواره وتسانده بذلك الموقف ولكنها أخفت أحزانها وراء دموعها
جلست تحتضن قدح القهوة بيداها وقالت بألم حاولت إخفاؤه "أعلم"
كان يبدو بحالة صعبة لم تراه بها من قبل وهو يبعد عيونه عنها وقال "لا أعلم ما إذا كان جون سيتجاوز الأزمة أم لا أنا نفسي أفقد السيطرة"
قالت "هو بحاجة لوجودك معه، الوحدة ستدمره"
هز رأسه وقال "نعم"
تناول القهوة ونهض فنظرت له وهو يتحرك تجاهها وقال "لا يمكنك التواجد هنا وحدك بعد الآن عهد"
تأملته بدهشة وقالت "أنت تمزح ليث؟ جون بعمر والدي وهو بحاجة لنا"
انحنى أمامها وقال "ولكنه رجل عهد ولن تكوني معه بمفردك"
ظلت تحدق به ثم أخفضت وجهها وقالت "فقط تلك الأيام حتى تهدأ أحزانه"
لم يتراجع وهو يقول بحدة "ليس بمفرك"
رفعت عيونها له فوجدت الصرامة بنظراته فهزت رأسها فاعتدل وقال "لابد أن أعود المشفى لم أرى دولت منذ أيام وهي تلح بالاتصال"
تحرك للباب ثم توقف ونظر لها وقال بحزم "هيا عهد"
أدركت نظراته فنهضت وغسلت الأكواب وتحركت للخارج فرأت جون يقف صامتا فقالت "جون هل تحتاج لشيء؟"
التفت لهما وقال "لا عهد، شكرا لوجودك حقا شكرا لكما"
تحرك ليث تجاهه وقال "سأكون هنا بالصباح"
احتضنه الرجل ثم تحرك الاثنان للخارج وتوقف أمام باب بيتها حتى فتحت وتبعها للداخل حيث قال "متى دوامك؟"
قالت "بالعاشرة"
نظر لساعته ثم قال "أحتاج للبيت لتبديل ملابسي وسأمر عليك لنذهب سويا"
هزت رأسها فابتسم وقال "الأسود لا يليق بك"
ثم تحرك خارجا والتفتت هي للداخل، اغتسلت وبدلت ملابسها وأعدت ما تحتاج له عندما دق الباب فظنت أنه هو فتحركت لتفتح لترى عزيز يقف أمامها مما جعلها تتراجع والدهشة تملأ عيونها وهو يقول
"مرحبا عهد، ألن تدعيني لقدح من القهوة؟"
استوعبت الأمر وتراجعت وهي تقول "بالطبع تفضل مستر عزيز"
قلبها أسرع للدق بقوة وهو يتقدم أمامها للداخل وتملكتها الدهشة والخوف ونسيت حتى إغلاق الباب، تبعته وقالت "لحظة وتكون القهوة جاهزة"
لم يعترض وهو يجلس متأملا بيتها وقال "بيتك جميل وبسيط عهد مثلك تماما"
قالت "جون وجيس هما من اختاره لي، أنا مدينة لهما بالكثير"
تحركت له بصينية عليها القهوة وبعض الكعك وهو يقول "ولليث"
ارتجفت يداها وهي تضع الصينية ولم ترد وابتعدت لتجلس أمامه فقال "أعلم أن بينكم شيء، عيونكم تفضحكم"
أبعدت وجهها وقالت "ماذا تريد سيد عزيز؟"
ابتسم الرجل وقال "أحب قوتك عهد كما أحب قلبك الطيب ولا زلت مدين لك بالكثير كنتِ أفضل ممرضة عرفتها"
عندما لم ترد وهي تنتظر العاصفة، أبعد وجهه وقال "كم تريدين عهد؟"
ضاقت عيونها وهي تقول "عفوا!؟"
عاد لها وقال "مال عهد، كم تريدين مقابل البعد عن ليث والخروج من حياته؟"
ظلت صامتة فنهض وتحرك بدون هدى وقال "مي تحيا على أمل الزواج من ليث وطالما أنتِ بحياته فلن يفعل"
التفت لها ولكنها لم تنظر له فأكمل "أنا أعلم أنك تريدين أمواله لذا أنا أعرض عليك مليون اثنين أو حتى خمس مليون دولار مقابل أن تخرجي من حياته"
عندما لم ترد قال بعصبية "لا تخبريني أن المبلغ قليل فأنتِ لم تشاهدي ربعه حتى، أنا أعرف عنك كل شيء عهد مجرد فتاة ملجأ، ممرضة التصقت بليث كي يرتقي بها وقد فعل فتوقفي عن ملاحقته عهد توقفي لأن هناك الكثير مما يمكنني فعله بكِ وبه، كما صنعت منه بليونير يمكنني إعادته للشارع"
نظرت له وقد تسرب الخوف لقلبها على حبيبها ولكنه أكمل "ابنتي تحيا بذلك المرض المخيف وهي لا تعلم ما بها، أنا أريدها أن تستمتع بكل لحظة تحياها فالمرض قد يخطفها مني"
قالت بصدق "الموت لا يحتاج لمرض ليخطفنا سيد عزيز، لكل منا موعد وليس كلنا سنموت بالمرض"
قال بغضب "ولكن على الأقل تحيا بسعادة ما تبقى لها، اخرجي من حياة ليث عهد اطلبي ما تشائين من مال وسأمنحك إياه فقط أخبريني ما الثمن؟"
نظرت له وقالت "كبير، الثمن كبير سيد عزيز ولن تقدر عليه"
أشاح بيده وقال "لا شيء لا أقدر عليه، الأموال تشتري أي شيء"
نهضت وتحركت إليه وقالت "إلا القلوب سيدي، القلوب لا ثمن لها"
حدق بها بغضب وقال "أي قلوب؟ أمثالك لا يملكون أي قلب، ليث لا يملك أي قلب، لذا لا تماطلي وأخبريني ما الثمن؟"
قالت بنفس الإصرار "ولماذا لا أملك قلب؟ لأني فتاة ملجأ وفقيرة؟ لا سيدي أنا لي قلب مثلك تماما قلب يحب ويعشق لذا أنا أخشى أن لا أحقق رغبتك فقلبي ليس للبيع"
زاد غضب الرجل وهو يقول "لا تخبريني أن حبك له أقوى من المال لا أصدق هذا الهراء لن ترفضي خمسة مليون دولا" 
قالت دون اهتمام بماله "الحب ليس هراء سيدي، لذا يؤسفني أن أخيب أملك فأنا أحب ليث ولا ثمن لحبي ولا لقلبي"
قبض على ذراعيها وقال بقوة وغضب "أخبرتك أن كل شيء له ثمن وإلا سألقيك خارج أمريكا كلها هل تفهمين؟"
صوت ليث الغاضب أفزعها وهو يهتف بقوة "ارفع يدك عنها عزيز، الآن"
أبعد الرجل يده على الفور ونظر الاثنان لليث الذي ارتفع الغضب لعيونه التي أظلمت وهو يرمق عزيز بنظرة كادت تقتلعه من مكانه وعزيز يقول "ليث هي تطالب بالمال ألم تدرك أنها تساومني عليك؟"
تراجعت عهد في ذهول من الرجل بينما تقدم ليث تجاهه حتى وقف أمامه وقال "نعم هي من طلبت خمسة مليون دولا وهي أيضا من أخبرتك أن الحب ليس هراء وأن لا ثمن لحبها ولا لقلبها"
التفت عزيز له وقال "لن تترك ابنتي من أجلها ليث لقد منحتني كلمتك"
ظل ليث صادتا وهي تحاول ألا تنظر له حتى قال "أعلم ما قلته جيدا عزيز وأنت أيضا تعلم كلماتي فماذا تفعل هنا؟"
شحب وجه عزيز وقال "هي ابنتي ليث"
أبعد ليث وجهه بعيدا وهو يعلم كل ذلك ثم قال "أعلم، وهي حياتي تلك التي تتدخل بها فتوقف عزيز وتذكر ألا دخل لعهد بما بيننا"
ظل عزيز صامتا لحظة قبل أن يقول "لن يمكنك الزواج من اثنان ليث"
أخفضت وجهها ولم يرد ليث فأكمل عزيز "ولا أنت رجل علاقات غير مشروعة ولا هي فماذا ليث؟"
أجاب ليث "هذا أمر يخصني أنا وهي عزيز ولا دخل لك بنا"
تراجع عزيز وقال "لن أسمح لك بخيانة ابنتي"
صرخ به ليث وقد فقد صبره "كفى عزيز، توقف عن التدخل بما يخصني  لن أسمح لك بإملاء أوامرك علي لن أسمح لك بالتجاوز أكثر من ذلك"
رفعت وجهها له والغضب يتفجر بكل كيانه بينما هز عزيز رأسه وتحرك للخارج، شعرت بأن قوتها تنهار فسقطت على الأريكة بينما ابتعد وهو يفك ربطة عنقه وزر قميصه وهي تسند رأسها بيدها وقالت بتعب
"آسفة"
لم ينظر لها وهو يقول "توقفي"
صمتت ولم ترد فالتفت لها وقال "عهد"
لم تنظر له وقالت "عليك بتحديد موعد الزفاف"
التفت لها محدقا بوجهها الباهت وعيونها التي لا تنظر له وظل صامتا إلى أن قالت "عزيز لن يتركك، هو يخاف على ابنته أخبرتك مرار أن الأمر خطأ، لن تحارب شريكك"
أشاح بيده وقال "ليس لديه ما يفعله إلا انتظار قراري"
رفعت عيونها له وقالت "لن أنتظر حتى يفعل أي شيء يضرك ليث"
تحرك تجاهها وظل واقفا أمامها وهي لم ترفع وجهها له فقال "أنت لا تعرفيني جيدا عهد، أنا لست جبان لأرتجف من تهديدات لا تمثل لي أي شيء وتأكدي أن بإمكاني حماية نفسي ومن يخصني جيدا"
ظلت تنظر له فعاد وقال "ثقي بي عهد"
قالت بصوت خافت يملؤه الخوف "أنا أفعل ليث، هل تظن أن من السهل أن أظل معك وأنا أعرف أن بحياتك امرأة أخرى؟ وهي خطيبتك ولها كل الحقوق التي ليست لي؟"
نهضت وابتعد والألم يدمرها وأكملت "أنت لا تعرف ما أشعر به عندما أتخيلها بين ذراعيك أو"
يداه أحاطت ذراعيها من الخلف وجذبها تجاهه فأغمضت عيونها والدموع تنهار وهي تكمل "لا أستطيع ليث، لا أستطيع أن أتحمل ذلك"
أعادها أمامه ورفع وجهها له وقال بصدق "أنا أبعد ما يكون عن ذلك الرجل الذي تتخيليه عهد، أنا لم أضم لصدري إلا امرأة واحدة تعلمينها، لم أرغب بامرأة سواكِ، مي لا تعني لي أي شيء، أنا تقريبا أحيا يومي كله هنا معك أو بالمشفى، أنا أحبك أنتِ عهد أحبك ولا أرى سواكِ"
ضمها لأحضانه كما لو كان يوقع على اعترافاته وهي تقول من بين أحضانه "وحبي لك هو الذي يقودني ليث، الغيرة تصيبني بالجنون"
أبعدها وقال "نعم تماما كما أصاب عندما أراكِ تتحدثين مع أحدهم"
ابتسمت فلم تذهب ابتسامته وقال "إذن رفضتِ خمسة مليون دولا من أجلي؟"
أبعدت عيونها عنه وقالت "ومتى كان الحب يقدر بالمال؟"
زاد ألم قلبه وقال "حتى ولو كان حب مؤلم؟"
سقطت دمعة حزينة من عينها وقالت "وهل أملك تبديل قلبي ليث؟ هو لك حتى ولو لم تكن أنت لي"
جالت عيونه بعيونها وهو يقول بحنان "تعلمين أني لك عهد، تعلمين أن قلبي يعشقك والجحيم أهون عندي من فقدانك"
رفعت يدها لوجهه ولمست وجنته وقالت "لن يفرقني عنك سوى الموت ليث لكني أعلم أن كلمة رجل مثلك تعني شرفك وأنا لن أسمح لأحد أن ينزع عنك شرفك حتى ولو كان الثمن سعادتي"
أمسك يدها وقبل راحتها وقال "وسعادتك ثمنها غالي جدا عندي عهد"
ثم جذبها له واحتضنها بقوة وأغمضت عيونها والأفكار تتلاعب برأسها وتأخذها لطريق آخر طريق كله ألم وحزن وفراق..
دخلت المشفى وتحركت لغرفتها لتستبدل ملابسها بينما تحرك هو لغرفة بريهان، استقبلتها جين وهي تنظر لها ثم قالت "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها ولم ترد فاقتربت منها جين وقالت "كنت أعلم أن جيس صديقتك المقربة لكني لم أعلم أن الجبالي هو أيضا صديق لهم"
لم تنظر لها وهي تكمل ارتداء الرداء الأزرق وتقول "جين توقفي"
ولكن جين لم تتركها وأكملت "أنتِ تعرفيه عهد، كان بينكم شيء، ما حدث بينكم هنا يوم رأتكم فان وطلبه الدائم لوجودك مع مرضاه، منذ متى تعرفيه عهد؟ وماذا بينكم؟"
التفتت لها بغضب وقالت "كفى جين كفى"
تراجعت جين من غضب عهد التي استعادت نفسها وتنفست بعمق ثم رفعت يداها وقالت "حسنا جين أنا آسفة ولكن أنا حقا متعبة ولست بحالة تسمح بأي حديث"
ولكن جين لم تتركها واقتربت منها وقالت "لا عليك عهد، فقط ظننت أننا أصدقاء"
هزت رأسها وقالت "هذا بالفعل حقيقي جين فقط"
وابتعدت وقد صعب عليها الحديث فهو يفتح الألم ويعيده لصدرها ولكن جين لم تتركها وهي تقول "تحبينه أليس كذلك؟"
أغمضت عيونها وهزت رأسها بالإيجاب لم يعد هناك مجال للإنكار فأحاطتها جين بيداها وقالت "وهو؟ هل يحبك عهد؟"
لم ترد فقالت جين "ومي؟ تعلمين من هو والدها، مصالح ليث وعزيز متشابكة ولو أراد عزيز الانتقام سيكون الأمر صعب"
نظرت لها وعاد الخوف لقلبها وكلمات عزيز تتردد بعقلها وقالت "ما زال خطيبها جين ولم يتركها"
ابتعدت جين وقالت "ولكنه يحبك أنتِط كل نظراته لك وتصرفاته معك تعلن عن ذلك، كلاكم واضح وضوح الشمس عهد فماذا ستفعلين؟"
جلست على المقعد وقد شعرت بوهن بكل جسدها وقالت بضعف "لا أعرف جين، لا أعرف"
ربتت جين على كتفها وقالت "لو يحبك فسيكون لك"
نظرت لها وقالت "وعزيز؟"
أجابت "معك حق، لا أعلم عهد ولكن ربما عليك بالتراجع لأنكِ لا تضاهين هؤلاء القوم، وجودك بينهم سيسحقك"
كانت تعلم أن جين على حق وكل شيء يدفعها لم تفكر به ولكنها لا تملك القوة على تنفيذ أفكارها، ترى إلى متى يمكنها تحمل وجوده مع امرأة سواها تكون زوجة له بينما هي لا صفة لها بحياته؟
بدأ عملها والجميع أدرك أنها ليست بحالتها المعهودة لكن وفاة جيس كان السبب الذي اعتقده الجميع فلم يعلق أحد
لم تفكر بالذهاب لغرفة بريهان إلا عندما استدعاها جورج وقال "هل رحلت جين؟"
قالت "نعم"
قال "حسنا عهد لتأتي معي بالمرور على الحالات"
لم تعترض وهي تتحرك معه من غرفة لأخرى حتى دخلت غرفة بريهان وممرضة أخرى تتبعهم بما يلزم، رأت ليث يقف بعيدا عند النافذة يتحدث بالهاتف ودولت تجلس على مقعدها بجوار فراش بريهان التي بدى أنها تحسنت كثيرا
التفت ليث لهما بدخولهم عندما تسرب عطرها لأنفه فأنهى اتصاله وجورج يقول "مساء الخبر"
التقت بعيونه وهو يجيب بينما قال جورج "مس جبالي كيف حالك اليوم؟"
هزت بريهان رأسها وقالت "بخير دكتور"
نظر جورج لعهد فتحركت لتساعده بالكشف على الجرح وتبادل معها أحاديث طبية فأجابته بهدوء حتى أعادت الضمادات على الجرح فالتفت جورج لليث الذي كان يضع يداه بجيوبه ويستمع لجورج وهو يقول
"لم أتخيل أن تتحسن الحالة بهذه السرعة ليث، يومين آخران وتنتهي مهمتي ويتبقى فيليب"
قال ليث باهتمام "هو أيضا يشيد بتقدم حالتها"
نظر جورج لبريهان وقال "تبقى أمر واحد، الأطراف الصناعية"
لم تتبدل ملامح بريهان وهي تقول "يمكنني تقبل الأمر دكتور"
هز رأسه وقال موجها حديثه لليث "تمام، المشفى بها قسم خاص لو أحببت ولكن بالطبع هناك أماكن أخرى"
قال ليث بهدوء "تمام أشكرك جورج لقد منحتنا الكثير حقا"
ابتسم جورج وقال "هذا عملي، اسمحوا لي"
تحرك فنظرت عهد له وهو أيضا ثم تحركت مع جورج للخارج بصمت بينما قالت دولت "ماذا بها عهد؟"
التفت لوالدته وقال "صديقة لها ولي ماتت منذ يومان"
قالت بريهان "ليث"
نظر لها فقالت "أردت الحديث معك"
كان يعلم وهو هنا من أجل ذلك فتحرك ليقف بجوار فراشها وقال ببرود "وأنا هنا"
أخفضت وجهها وقالت "أعلم أنك تكرهني" ورفعت وجهها له فلم تتبدل ملامحه فأكملت "وأنا أستحق، بابا حاول زرع داخلنا الكره تجاهك وجعلنا نصدق أنك لا تريد سوى هلاكنا ولكن منذ موت بابا ولم يساندنا سواك وكل تصرفاتك عكس ما قاله"
ابتعد للنافذة مرة أخرى فأكملت "أنا أعلم أني لم أكن فتاة جيدة بأي يوم ولكني لم أكرهك ليث، ما زلت أذكر كل ما كنت تفعله معي وأنا صغيرة وحتى بعد وفاة بابا ما زلت معي، أعلم أني لا أستحق أي شيء جيد ولكن ما أصابني دمرني ليث، صدقني دمرني داخليا وجعلني نادمة على كل ما كان بحياتي الفاشلة"
التفت ونظر لها فأكملت "كما أعادني للحياة، نعم ليث ذلك الحادث أزال الغمامة من على عيوني، جعلني أرى جيدا كل ما لم أكن أراه، أنا آسفة ليث، آسفة على كل كلمة جرحتك بها بأي يوم، آسفة على كل تصرفاتي المستهترة والمشاكل التي كنت سبب بها، من فضلك سامحني ليث، أرجوك سامحني ولا تتركني فأنا لم أعرف الأمان إلا بوجودك، أرجوك ليث أخبرني أنك سامحتني"
اخترقت الكلمات قلبه وهو بالأصل لم يكره إخوته بأي يوم بل كره تصرفاتهم معه، تحرك تجاه بريهان حتى وقف أمامها وقال
"أنا معك بريهان، لم ولن أتركك بأي يوم"
مدت يدها ليده وأمسكتها وهتفت "هل سامحتني؟"
أجاب بصدق "أنتِ أختي بريهان، أختي الصغيرة ومهما كان منك فهو لا يؤثر على مكانتك بقلبي"
ابتسمت وقالت "وأنا أسعد إنسانة بالدنيا لأني بقلبك أخي"
ابتسم وربت على يدها ثم انحنى وقبل رأسها وقال "فقط أكملي شفائك وستكونين أفضل أخت"
ضحكت بمرح وقالت "بالتأكيد وقبل أن نعود مصر نحضر زفافك، لماذا لم نرى خطيبتك حتى الآن ليث؟"
تجهم وجهه وترك يد أخته بينما قالت دولت "إلى متى يمكننا البقاء هنا ليث؟"
أدارت الأم الحوار فتراجع هو وقال "لا تشغلي بالك بذلك، وقت تريدين العودة ستكون الطائرة بانتظاركم ولو أردت البقاء فهناك بيت أيضا بانتظاركم ويمكنني تدبر الأمور اللازمة لذلك"
تحركت له دولت وقالت "هل من حقي أن أسأل ماذا بك؟"
لم ينظر للمرأة وهو يخرج هاتفه ويتلقى رسائل العمل وأجاب "لا، ليس من حق أحد أن يفعل، أنا لابد أن أذهب"
نظرت له بألم من قسوته ومع ذلك تجرأت وقالت "ستترك عهد؟"
حدق بها بملامح جامدة قبل أن يقول "لا أفهم"
قالت دولت "بل تفهم ليث، أنت تعلم أنها تحبك فهل ستتزوج تلك الفتاة وتترك عهد؟"
لم تتبدل ملامحه المجهدة وقال "لا أظن أن الأمر يخصك فلا تشغلي بالك به فقط اهتمي بها فهي من تهمك"
تجهم وجهها وأحرقت الدموع عيونها ولم يمنحها فرصة للرد وتحرك خارجا ومنح تعليماته لرجاله ثم ابتعد باحثا عنها بعيونه دون جدوى فتحرك خارج المشفى لسيارته ولكنها كانت تراه واختفت كي لا يراها فكلاهم يحمل الكثير من الألم واليأس والحزن بداخله ورؤيتهم لبعضهم حاليا ستزيدهم لذا اختارت البعد حتى يهدأ قلبها وتمنح عقلها فرصة للتفكير..
يتبع..

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن