الفصل العاشر
قرارك
بالطبع المشفى كلها تستيقظ مع أول شعاع للشمس، ساعدتها الممرضة على الاغتسال ولكنها تألمت كثيرا من صدرها والحركة كانت صعبة لجراح ساقاها، تناولت إفطارها ودواءها وزارها الجميع حتى عزت ومنصور ومع ذلك كانت تنتظره، هو فقط من أرادت رؤيته ولكن على التاسعة رأت دولت تدخل من الباب على مقعدها فقالت بسعادة
"مدام دولت، أنا لا أصدق"
ابتسمت المرأة وفتاة صغيرة تتبعها وقالت دولت "كيف حالك يا ابنتي؟"
وقف الكرسي أمام فراشها فقالت "بخير الحمد لله وحضرتك؟"
أجابت دولت "أفتقدك عهد وجودك كان يملأ كل حياتي"
أخفضت وجهها ولم ترد فنظرت دولت للفتاة وقالت "هل تتركينا قليلا بسمة؟"
لم تتردد الفتاة وخرجت بينما نظرت هي لها فقالت دولت "أعلم ما فعله معاذ بك"
أبعدت وجهها وقد بدأت تفكر بما قد أتت من أجله وهي تكمل "وقد كاد ينهي حياتكم ولكن الحمد لله أنكم بخير"
عادت عهد لتواجها وقالت "نعم الحمد لله لقد نجوت مما أراد أن يفعله بي"
فهمت دولت كلمات عهد فقالت "حسنا عهد أعلم أن ابني أخطأ"
قاطعتها عهد بقوة "أخطأ؟ هل هذا ما فعله فقط؟"
شحب وجه دولت وقالت "عهد أنا أم وأنت تعرفين أني فقدت ابني الكبير ولن أتحمل فقدان الصغير، أنا أعلم أن ما فعله لا يغتفر ولكن أكيد أنت تدركين شعوري"
وانسابت دموع الأم فظلت عهد تنظر لها حتى قالت "وماذا كان سيحدث لو نجح بما أراد؟"
أبعدت دولت وجهها فأكملت "لكانت حياتي تدمرت ولكن ماذا تعني حياة ممرضة أمام معاذ ابن الجبالي رجل الأعمال الشهير؟ لا يهم سمعتي ولا شرفي المهم هو"
واجهتها دولت "أبدا عهد ليس الأمر كذلك ولكن فقط كما تعرفين هو تقريبا طريح الفراش ولن يمكنه تركه قبل ستة أشهر وربما أكثر وما زال الأطباء يكتشفون كل يوم أثر جديد لسقطته القاتلة ألا يكفي ذلك كعقاب له"
قالت بغضب "لا، لا يكفي، لأنه لن يتوقف مدام دولت، لن يتوقف وسيبحث عن فتاة أخرى وأخرى ليدمرها دون أدنى اهتمام منه ولن يردعه شيء، للأسف هو لم يتعلم عن شرف الفتاة شيء وربما نسى أن له أخت وشرفها على المحك بسبب ما يفعله، ابنك سيشفى ويخرج وسيعود ليدمر ألف فتاة غيري لأنه تعلم أن يحصل على كل ما يريد وقتما يريد فهل تطلبين مني أن أتركه لينهش عرض فتيات أخرى وأنت لديك فتاة وتدركين ما أقول؟"
توالت الدموع على وجنة المرأة والألم على ملامحها ولم ترد وهي تستدير بمقعدها وتتحرك للخارج في صمت وقد وضعت كلماتها النهاية للحديث، أغمضت عيونها لعودة الذكريات لها فعاد الخوف يجتاحها وهي تفكر ماذا لو كان نجح؟
فتحت عيونها عندما دق الباب ورأته يدخل وهو يقول "هل ماما كانت هنا؟"
حاولت إخاء الغضب والألم من على وجهها وهزت رأسها وقالت "نعم"
اقترب منها وهو ينظر بعيونها مباشرة فقالت "كنت تعلم أنها ستأتي؟"
لم ينكر وهو يقول "نعم طلبت مني أن أطالبك بالتنازل وعندما رفضت أرادت أن تفعل بنفسها فلم أعترض"
بالطبع لن يذكر أسبابه فهي تخصه وحده، تابعته وقالت "وهل تريدني أن أتنازل؟"
رفع يده لوجنتها وانحنى وهو يقول "أنا أريد شيء واحد"
وجذب وجهها له وهو يأخذ شفتيها بقبلة قصيرة عندما ابتعدت هي وقالت "لا تفعل ذلك"
ضحك وهو يبتعد ليجلس أمامها وقال "نسيت أني بمصر"
قالت "وأنا أذكر أنك من مصر"
لم تذهب ابتسامته وقال غير مهتم "كنت، هل أنتِ أفضل اليوم؟"
قالت "ألا تريد أن تعرف بماذا أجبت والدتك؟"
رن هاتفه فأخرجه وقال بجدية واضحة "لا"
وأجاب الهاتف بنفس الجدية والعملية وهي تتابعه وتفهم جزء كبير من كلماته الإنجليزية حتى انتهى وقال "جون يقترح أن تأتي أمريكا لتجدي فرصة عمل أفضل من هنا"
تراجعت بذهول وقالت "جون؟ أمريكا! أنا!؟"
نهض وتحرك تجاه فراشها وقال "هل هناك أحد سواكِ هنا؟"
احمر وجهها وفرت من عيونه وارتبكت دون أن تجد إجابة فأكمل "وللصدف رأيه اتفق مع صفاء فهي أيضا اقترحت ذلك بالأمس"
عادت ترفع وجهها له وقلبها ينذرها مما هو آت وحاولت أن ترد بأي كلمات "لماذا؟"
لم يتحرك وهو يجيب "لأنك تدركين أني لن أعيدك لبيتي، لن يمكنك العودة هناك بعد ما كان"
أبعدت وجهها عنه وهي تعلم ذلك خاصة بعد أن رفضت طلب دولت، سمعته يكمل "وتدركين أيضا أني لن أتركك تهيمين بالحياة وحدك"
عادت تنظر له بعيون تائه جعلته يشعر بانجذاب زائد لها ربما يدفعه لأخذها معه بالقوة لو رفضت ولكنها قطعت أفكاره قائلة "لا، لست ملزم بي، يمكنني تدبر شؤوني وحدي، لطالما فعلت"
ابتسم وقال بسخرية "نعم أدرك ذلك"
وابتعد فقالت بغضب "ماذا تعني؟ أنا عشت حياتي كلها وحدي وكنت ممرضة ناجحة والجميع يشهد بذلك"
كان يعبث بهاتفه باهتمام ورسائل العمل تجذبه وهو يرد "نعم عهد الممرضة الناجحة ولا وجود لعهد المرأة"
لن يعيد كلماته فقالت بقوة لتوقفه "هما واحدة"
لم ينظر لها واندهشت كيف يمنح الهاتف وهي تركيزه بوقت واحد وهو يرد "اثنان، هما وجهان لامرأة واحدة جعلت المرأة باهتة وانتعشت الممرضة ولكن أظن أن المرأة الآن تعلن عن وجودها وتظهر مخالبها"
ثم رفع عيونه لها وقال "وتكاد تمزقني بها"
احمر وجهها ولم تعد تستطع إيقاف قلبها عن الجنون الذي يتملكه بحضرة ذلك الرجل ولا صدرها الذي يعلن عن أنفاس متقطعة غير كافية لها، أخفضت وجهها لتخفي ضعفها وظل الصمت هو البطل بينهم حتى انتهى مما يفعل وقال
"أنا طلبت من صفاء أن تجهز حقائبك، ستخرجين من هنا على الفندق الذي أقيم به حتى تنتهي إجراءات جواز سفرك وبعدها نحدد موعد السفر"
لم تكن لتوافق على ذلك، لن تلقي بنفسها بالتهلكة هناك ببلد لا تعرف بها أحد وبعيدا عن كل ذلك كيف تذهب وتراه مع خطيبته وربما تشهد زواجه؟ لا لن تتحمل كل ذلك لذا قالت بجدية
"لا"
التفت لها بنظرات متسائلة وحادة وردد "لا!؟"
رفعت وجهها له وقالت "لن أذهب لأي مكان"
عاد يتحرك تجاهها ونظراته ثابتة على وجهها الذي يواجه في عناد حتى توقف أمامها وقال "هل تمنحيني سبب للرفض؟"
ظلت ثابتة دون أن تبعد نظراتها عنه وهي ترد "فقط لا أريد"
وهربت منه للا شيء بينما حاول هو لم يفهم سبب رفضها وهو يقول "هل حقا تسمعين ما تقولين عهد؟ هل ترفضين السفر لأمريكا والحصول على حياة أفضل ومستقبل مضمون"
لم تنظر له وهي تتجنب الحقيقة الكامنة خلف رفضها وقالت "نعم"
اعتدل وهو يدس أصابعه بشعره الغزير وقال "بالتأكيد أنا لست بغبي وإنما أنت الغامضة عهد، هل تنفضي خوفك هذا وتخبريني السبب الحقيقي، كأنك مثلا لا تريدين وجودك معي"
رفعت وجهها له وتمنت لو تخبره أنها لا تريد إلا وجودها معه ولكنها لن تفعل ذلك، عندما رأى الدموع غضب وقال "اللعنة عهد، ما سبب الدموع الآن؟ أنا فقط أريدك معي"
أجابت بألم "وأنا لا يمكنني أن أفعل ليث، ليست حياتي ولا يمكنني أن أعيشها، لا يمكنني أن أكون معك"
انحنى مقتربا منها ولم يذهب غضبه ولا الظلام الذي أحاط عيونه وهو يقول بنبرة جعلتها ترتجف من داخلها "لا يمكنك أم لا تريدين؟"
من بين الدموع بدت عيونه قاتمة ذهب منها البريق الذهبي، فقط ظلام يلفها وأنفاسه ليست منتظمة كما هي أنفاسها لأنها لا تجد كلمات تمنحه بها الهدوء وهو يعيد سؤاله "تحلي بالشجاعة وأجيبي الآن، هل تريديني بعيدا؟"
زادت الدموع وهو يهتف بغضب أكثر "اجيبي"
ارتجفت أكثر وردت بقوة الألم "لا، لا أريدك بعيدا ولكن لا يمكنني أن أقترب"
لم يتراجع ولم يحصل على الهواء الكافي لأنفاسه الضاربة بصدره وهو يقول "لماذا إذن؟ لا تتوقفي الآن عهد، هل هناك من تريدين البقاء من أجله؟"
أي كلمات تلك التي ينطق بها وكرر سؤاله بنبرة زادت من اشتعال الموقف بينهم "هيا عهد لا تتوقفي وأخبريني الحقيقة، هل هناك من يشغل حياتك ولا تريدين الاقتراب مني لأجله، هل هناك رجل عهد؟ أجيبي"
كان الغضب يأكله وهو يصرخ بها فأجابت بقوة هي الأخرى "لا، لا ليث ليس بحياتي أي رجل سوى"
كادت تكمل سواك ولكنها توقفت ولكنه قبض على ذراعها والغضب يشتعل داخله وهو يهتف أمام وجهها "أخبرتك ألا تتوقفي عهد، سوى من؟"
ظلت تنظر بعيونه من بين الدموع الغزيرة وقالت بضعف "أنا لم أعرف رجال سواك ليث وأنت تعلم ذلك لكن أنت بحياتك سواي"
لانت قبضته وما زال ينظر بعيونها الباكية وهي تعيد له ذاكرته وهو يعلم أنها لا تقصد من يعرفهم بحياته وإنما تتحدث عن أن هناك امرأة بحياته خطيبته التي قيد نفسه بها، ترك يدها وابتعد هاربا من كلماتها الحقيقية ولا يجد أي إجابة
دق الباب فجأة ليغلق الحديث الذي أغرقهم فجأة دون منقذ، التفت ورأى الطبيب يدخل ويقول "صباح الخير سيد ليث، آنسة عهد"
ابتعد عن الفراش وهو ينظر للطبيب وعاد بلحظة رجل الأعمال الهادئ وقال "صباح الخير دكتور"
اقترب الطبيب منها ولحظة وتبعته ممرضة تدخل من الباب فنظر له الطبيب وقال "أحتاج لفحص الآنسة عهد سيد ليث"
للحظة ظل متجهما ثم استوعب كلمات الطبيب فهز رأسه وتحرك وهو يقول "نعم سأنتظر بالخارج"
ما أن خرج حتى رأي دكتور عزت يتحرك تجاهه وهو يقول "سيد ليث كنت بطريقي إليك"
اعتدل وهو ينتبه له وقال بلهجة عملية بحتة "ماذا هناك؟"
جذبه من ذراعه وقال متجها لغرفة عهد "ربما نتحدث أمام عهد"
ضاقت عيونه والكلمات تثير كل اهتمامه فأوقف عزت وقال "الطبيب يفحصها بالداخل، هل تخبرني ما الأمر؟ وما علاقة عهد به؟"
ظل عزت ناظرا له بصمت حتى أبعد وجهه لحظة وكأنه يستجمع شجاعته وهو يقول "قبل إجراء الجراحة الأخيرة للأستاذ معاذ كانت هناك بعض الملاحظات التي أخذها الأطباء عليه وبإجراء التحاليل الأخيرة للجراحة طالب طبيب بنوع معين من التحاليل وكانت النتيجة اليوم"
وضع ليث يده بجيب بنطلونه محاولا التحلي بالصبر وهو يقول "دكتور عزت أنا لا أفهم شيء لم لا تخبرني بالأمر مباشرة"
لم تتبدل ملامح عزت وهو يقول "للأسف الحادث أدى لإصابة السيد معاذ بالعقم، وليس العقم فقط ولكن، أقصد فقد القدرة على الزواج من الأساس"
تجمدت ملامح ليث وصدمه الأمر وأخرج يده ليمررها بخصلات شعره الغزير وهو يبعد وجهه عن عزت الذي عاد يقول "أنا آسف سيد ليث أعلم مدى صعوبة الأمر ولكن كان لابد من إبلاغك وإبلاغه وبالطبع هو حاليا ثائر ويريد تحميل عهد الأمر وأنا لا أعلم ماذا يمكن أن يحدث؟"
ظل صامتا والأمر يدق رأسه بقوة، هو حقا لا يحب معاذ ولكنه يعلم المصيبة التي أصابته، كما هو يدرك أيضا الورطة التي يريد وضع عهد بها.. عاد لعزت وقال "معك حق عهد لابد أن تدرك ما يحدث حولها"
هز عزت رأسه وقال "بالتأكيد"
خرج الطبيب من غرفتها والممرضة تتبعه وقام بتحيتهم وابتعد فتحرك هو لغرفتها وتبعه عزت فنظرت لهم بدهشة وعزت يقول "صباح الخير عهد، كيف حالك اليوم؟"
تبدلت نظراتها بينهم وهي تقول "صباح الخير دكتور، أنا أفضل الحمد لله، دكتور عادل منحني إذن بالخروج اليوم"
كان يقف أمام النافذة والتفت لينظر لها كما فعلت وهي تشعر بتوتر بالأجواء فاقترب عزت منها وجلس على أقرب مقعد وقال "جيد ولكن قبل خروجك لابد أن تتطلعي على ما يحدث حولك"
كانت نظراتها كلها تساؤلات وهي لا تفهم شيء وهو ما قالته "وماذا يحدث حولي؟"
أبعد هو وجهه بل والتفت بجسده لخارج النافذة وكأنه لا يريد مواجهتها وما زال يحاول استيعاب ما يحدث بينما عاد عزت يقول "الأستاذ معاذ أصيب بعقم، حتى لن يمكنه الزواج لو أراد"
شحب وجهها وفقدت القدرة على النطق أو الرد وهي تحدق بعزت دون أن تحول نظرها له وهو أيضا لم يكن ينظر لها ولم يتوقف عزت وهو يكمل "وبالطبع هو يريد الادعاء عليك بأنك السبب"
قلبها كان يتوهج داخل صدرها مما تسمع ولم تعرف بماذا تشعر وهي تردد "أنا"
هزت عزت رأسه وقال "الضربة التي سددتها له ويبدو أنه عندما سقط نال ضربة أخرى أكثر قوة، بالطبع سيكون عليه إثبات كل ذلك لو أقام دعوى ضدك لذا أقترح التصالح"
التفت هو لعزت وبدت عيونه تغرق بالظلام مرة أخرى ولم تبعد هي عيونها عن الرجل وليث يردد "التصالح؟"
نظر عزت له وقال "نعم، لستم بحاجة للمشاكل والفضائح وحضرتك تعلم أن اسم الجبالي ليس ببعيد عن الصحافة والأهم هو سمعة عهد"
لم ترفع عيونها لأحد وهو ينظر لها وقال "عهد ما رأيك؟"
رفعت عيونها له وهي لا تعرف ماذا تفعل ولم تجيب فاقترب من فراشها وقال "عهد هذا قرارك"
لم تفلت عيونه وهي تقول "وماذا؟"
وقف أمامها وقال "تحتاجين للتفكير؟"
قال عزت "التفكير بماذا؟ هما الاثنان ليسا بحاجة لخلافات ومشاكل، عهد ليست مثلكم سيد ليث، أقصد هي مجرد فتاة بسيطة ولن يمكنها التصدي لرجل مثل الأستاذ معاذ لذا"
التفت ليث له بقوة وقال "هي ليست وحدها دكتور أنا معها بأي قرار ستتخذه، لن أقف مع الباطل أبدا"
تبدلت نظرات عزت بالحيرة واحمر وجهها وشعرت بأنها تورطت بأشياء لا قبل لها بها وربما شك عزت بأمرهم فلم يساندها بليونير مثله وضد أخيه؟
ارتبك عزت ونهض وهو يقول "كما تشاء سيد ليث الأمر بين أيديكم الآن"
وتحرك خارجا فاقترب وجلس على طرف الفراش وقال "عهد"
نظرت له وقالت تقاطعه "لا يمكنك أن تفعل ذلك"
ضاقت عيونه وقال "أفعل ماذا؟"
قالت بجدية "تساندني ضد أخيك، الجميع سيظن"
أشاح بيده وقال بغضب "أنا لا يهمني أي جميع عهد وأنت تعلمين ذلك، لن ينجو بفعلته وهو يستحق ما أصابه"
ارتجفت وقالت "بالنهاية هو أخيك"
نهض والغضب يزداد وهو يقول "غير الشقيق"
اتسعت عيونها من كلماته المفاجئة وهي لا تفهم منها شيء ورددت "غير الشقيق!؟"
منحها ظهره والغضب سكن كل خلية بجسده والتفت لها وشعر بأن الزمام فلت منه لأول مرة ولم يكن عليه أن ينساق وراء غضبه أعادت كلماتها فأدرك أنه لا يستطيع التراجع فقال
"نعم، هو وبريهان إخوتي من دولت"
ظلت تنظر له بدون فهم حتى قالت "ولكن اسم والدك"
قاطعها بقوة وغضب "انتهينا عهد، كفى"
ظلت تحدق به وتراجعت من الغضب الذي يلتهب بنظراته وقد احمر وجهه واحتدت عضلات وجهه فأدركت أن الأمر كبير وهو لا يريد أن يتحدث فقط يدفعها بعيدا عندما يتعلق الأمر بحياته الشخصية والماضي
ابتعد ليوقف غضبه من نفسه لأنه أفشى جزء من حقيقة خاصة به ليس من حق أحد أن يعرفها، لقد ظل الأمر كامنا داخل أسوار فيلا الجبالي وداخل صدره سنوات لا حصر لها سجنها داخله حتى أصبحت هي من تسجنه
دق الباب ففصله عن الماضي ورحمة تدخل وتقول دون أن تراه "عهد هل حقا ستخرجين اليوم؟ وإلى أين ستذهبين؟ ومن سيأخذك؟"
التفت هو لرحمة التي كانت تمنحه ظهرها وعاد يرتدي قناع الهدوء وكأن ما حدث لم يحدث، بينما نظرت هي له مما جعل رحمة تنتبه لما خلفها فتراه فاحمر وجهها وقالت "أنا آسفة سيد ليث"
تحرك وقال باهتمام "لا عليك فقط ساعديها على أن تستعد وأنا سأنتهي من إجراءات الخروج"
وتحرك خارجا ورحمة لا تفهم شيء وما أن أغلق الباب حتى التفتت لها وقالت "ماذا هناك؟ هل هو غاضب منك؟ هل طردك من العمل من أجل أخيه؟"
أغمضت عيونها وهي تحاول استيعاب ما قاله بلحظة غضب جعلتها ترى جزء مما كان يخفيه داخل صدره، جزء لم تفهم منه أي شيء جعلها تريد أن تعرف أكثر عن ذلك الرجل الذي أخبرها مرة أن ليس لديه ما ي3ير اهتمامها اليوم أثبت العكس
عادت رحمة تقول "عهد ماذا حدث؟ ماذا ستفعلين؟"
فتحت عيونها وقالت "لا أعرف بعد رحمة، حقا لا أعرف، فقط دعيني أخرج من هنا وبعدها ربما أدرك أين أنا من تلك الحياة"
لم تتحدث مع رحمة بأي شيء فقط هو من سيكون معها ولم تسأل رحمة وقبل أن تنتهي رحمة منها كان منصور يدق الباب ويدخل فتراجعت رحمة وهو يقول "عهد عرفت أنك ستخرجين"
نظر لرحمة فتحركت للخارج بينما وقف هو أمامها فقالت بضعف "نعم"
نظر لها وهي تفر من عيونه ولكنه قال "عزت أخبركم بالأمر أليس كذلك؟"
هزت رأسها ولم ترد فقال وهو يضع يداه بجيب الرداء الأبيض "وماذا عهد؟ هل تريدين مواجهة ذلك الجبان وتدخلين معه بصراع نعلم أنه سيكون الفائز إن لم يكن لضعفك فسيكون بطرقه الملتوية وسمعته التي يعرفها الجميع"
نظرت له وقالت "تريدني أن أتنازل؟"
قال بإصرار "نعم عهد، لا فائدة من تكملة الأمر طالما هو لم يعد بإمكانه الإضرار بأي فتاة أخرى، يكفي عقاب الله له واخرجي من تلك الدائرة عهد وكفاك ما نالك منها"
أخفضت وجهها فعاد يقول "أنا لا أفهم علاقتك بليث عهد وأنت لا تتحدثين ولكن إلى هنا وكفى لا تدمري نفسك وسمعتك بقربك منهم"
دموع اجتاحتها وهي تشعر بالضياع فتحرك تجاهها وربت على كتفها وقال بحنان "يا ابنتي أنتِ لا يمكنك مواجهة مثل أولئك القوم لذا أوقفي كل ذلك وابتعدي عنهم"
دق الباب ورأته يدخل ورجل يتبعه يدفع بكرسي متحرك أمامه للداخل تركه وتحرك خارجا بينما التفت ليث لمنصور الذي ظل بجوار فراشها وشعر بتوتر بالجو فقال
"صباح الخير دكتور، عهد هل انتهيت؟"
نظر منصور لها وقال "انتهت من ماذا؟"
لم ترفع وجهها له وليث يتقدم ويقول "أنت بالتأكيد عرفت أنها ستخرج"
نظر له منصور وقال "نعم وما شأنك أنت بها؟ ألم تنتهي علاقتها بكم بعد ما حدث معكم؟"
رفعت وجهها إلى منصور بينما لم يغضب ليث وهو يواجه منصور بهدوء ويقول "لا أظن أنك تقصدني بكلمة معكم هذه يا دكتور"
لم يبدل منصور من ملامحه الجادة وهو يرد "بلى أقصدك فأنت أخيه وكلكم عائلة واحدة وهي"
أوقفه صوت ليث القوي وهو يقول "نحن لسنا عائلة واحدة، هيا عهد دعيني أساعدك لنذهب"
وقبل أن يتقدم تحرك منصور أمامه ليوقفه وهو يقول "لن تذهب معك لأي مكان"
ناطحه ليث الغضب وهو يقول بإصرار "ولن تذهب مع سواي دكتور لأني لن أتركها، أنا من وضعتها بكل ذلك وأنا من سيخرجها منه"
هتف منصور "وكيف؟ بإعادتها لهم مرة أخرى؟"
أبعد ليث وجهه للحظة ليتحكم بغضبه ثم عاد وقال "بالتأكيد ليست هذه نظرتك لي دكتور"
تراجع منصور من كلمات ليث وقال "وأخيك؟ وما يريد أن يفعله بها؟"
قال دون أن يرمش "تعلم أني يمكنني إيقافه بكلمة واحدة مني ولكني أمنحها القرار لتفعل ما تريد"
حدقت به وهي لم تظن أنه يمكنه أن يفعل بينما قال منصور "ستحميها منه؟"
قال بثقة "أخبرتها من قبل أني معها وكلمتي لا رجعة بها"
بالفعل هو وعدها من قبل أن يظل معها ولكنها لم تهتم، التفت منصور لها وقال "ماذا تريدين؟"
تبدلت نظراتها بينهم ولكن نظرات ليث لم ترتد لها بل ظلت بعيدة عنها كل البعد فقالت "أخبروني الصواب"
لم ينظر لها أيضا بينما عاد منصور له وقال "دعها تتنازل ليث، هذا ليس ضعف منها ولكن حفاظا على سمعتها"
ظل ينظر لمنصور ثم نظر لها أخيرا وقال "أنا لا يهمني أي تهديد من معاذ لأن لدي من يوقفه بكلمة أنا فقط أردت أن يكون الأمر لكِ دون أن أفرض رأيي عليكِ وما زلت أخبرك ذلك، أنا أمنحك الاختيار ما بين أن تستمري بطريقك وأنا معك أو تتركي لي التصرف بالأمر أنه قرارك"
ظلت صامتة وهي تحدق بعيونه بينما قال منصور "دعيه يفعل يا ابنتي فأنا أثق به"
ظلت تنقل نظراتها بينهم حتى ثبتت عيونها عليه وقالت "وأنا أيضا أثق به"
شعر براحة تجتاحه وهو يتنفس بعمق فالتفت له منصور وربت على ذراعه وقال "اعتني بها جيدا يا بني فهي فتاة جيدة"
ثم التفت لها وقبل جبينها وقال "عندما تستقر أمورك هاتفيني"
وتركهم وتحرك خارجا وأخفضت وجهها فتحرك للمقعد المتحرك ولكنها قالت "لم تخبرني أنك تستطيع إنهاء الأمر بدوني"
ثبت المقعد بمكانه وهو يقول "على أساس أنني لست بقادر على إغراقه بالمال حتى يخرس أو أدفع عليه بجيش من المحامين يسقطونه من أول جلسه"
تحرك تجاهها فقالت "ولكنك لم تفعل؟"
توقف أمام الفراش ناظرا لها وقال "لأني أردتك أن تتخذي قرارك وحدك وتختبري شجاعتك عهد"
قالت "والآن أنا تخليت عن شجاعتي؟"
قال "لثقتك بي؟"
أجابت دون تفكير "بل لأني سأتنازل"
لم تتبدل ملامحه "لن يكون، لي طرقي الخاصة عهد وبالتأكيد لن تجعلك كما تتخيلين"
ورأته ينحني ليرفعها بين ذراعيه برفق فتفاجأت وهي تهتف "ماذا تفعل؟"
تحرك ليضعها على المقعد برفق وتألمت من ساقها المجبرة وهو يقول "ماذا تظنين؟"
دق الباب ودخلت رحمة بابتسامة رائعة وقالت "أتيت لأصحبك للخارج"
وتولت رحمة دفع المقعد بها وتحرك هو أمامهم للخارج وهو يدرك تماما ما يفعله لأن بخروجها معه من هنا وبوعده لمنصور أصبحت تلك الفتاة مقيدة بعنقه ولا يعرف ما الذي يدفع نفسه به ولكن كلماتها عن ثقتها به هزت كيانه وجعلته راضيا عن مواجهة العالم كله من أجلها ولكن بعيدا عن ليث الحقيقي الذي يعرفه جيدا
يتبع..
أنت تقرأ
رواية وجهان لامرأة واحدة بقلمي داليا السيد
Romanceسكنت داخل ردائها الأبيض تحتمي خلفه من مواجهة العالم من حولها، اختارت أن تكون الممرضة الصامتة ، الضعيفة ترفض خروج المرأة القوية التي هي عليها متجاهلة وجودها بل لا تعترف بها، لكن يوم سقطت عيونها عليه تمزق الرداء الأبيض بقوته الهائلة وإيمانه بها، دفعها...