الفصل الثالث

377 17 9
                                    

الفصل الثالث
فرصة أخرى
فجأة شعرت بالرجل يبتعد عنها فتوقفت عن الصراخ وتنفست بقوة وهي تفتح عيونها جاذبة ملابسها على جسدها لترى ظهر رجل يلكم ذلك المعتدي بوجهه بقوة مرة وراء الأخرى حتى سقط على الأرض فالتفت الرجل لها فعرفته على الفور وهو يقول
"هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها وهي تجذب ملابسها عليها والتفت هو عندما رأى الرجل يسرع خارجا من المكان هاربا فتحرك ليلحق به ولكن الرجل كان قد اختفى فعاد لها وقد تخلت عنها قوتها وهي تستند على الرفوف وقال "من هذا الرجل؟"
استجمعت نفسها وقالت من بين الدموع "لا أعرفه، ليس من عمال المشفى"
تحرك تجاهها وقال "هل أصابك أي شيء؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت بضعف "لا، حضرتك أنقذتني شكرا لك سيد ليث"
أعاد شعره للخلف بيده وعدل ملابسه وقال "المصعد توقف هنا دون أن أعرف السبب وكدت أغلقه عندما فتح الباب ولكني سمعت صراخك فأسرعت لهنا، ما الذي أتى بك هنا؟"
اقترب منها فقالت وهي ما زالت ترتجف "مس نعمة طلبت مني توصيل بعض الأشياء"
أدرك أنها ترتجف ولكنه أبعد عيونه وقال "حسنا هيا لنذهب من هنا"
تحركت بصعوبة ولكنها ترنحت من ضعف ساقيها وشعرت بدوار يصيبها فأسرع ليساندها محيطا إياها بيده وهو يقول "ماذا بك؟"
وهنا سمع الاثنان صوت نعمة تقول "هل رأيت دكتور عزت؟ ألم أخبرك أنها"
ولم تكمل عندما التفت ليث بوجهه تجاه نعمة وعزت ونورهان وكم فتاة أخرى لا يعرفهم يحدقون بهم وليث يقول بحدة "تخبريه بماذا؟ هيا لتأتي أي واحدة منكن لمساعدتها"
ولكن لم تتحرك أي فتاة بينما تقدم عزت منهما وقال بنظرات نارية "ماذا تفعل هنا سيد ليث؟"
استعادت عهد نفسها وحاولت أن تبتعد عنه وهو يقول بجدية واضحة "أنقذ تلك الفتاة من مكيدة واضحة جدا دكتور عزت، كان هناك رجلا يحاول الاعتداء عليها"
ظل عزت يحدق بليث للحظة ثم التفت لعهد التي ذهبت الدماء من وجهها ولم يتركها الدوار فسألها "عهد ماذا حدث؟"
قالت وما زالت تشعر بوهن شديد "أتيت لأحضر الأشياء التي منحتها لي مس نعمة فوجدت رجلا لا أعرفه هاجمني وحاول.. ولكن الأستاذ ليث أنقذني منه وفر الرجل هاربا"
التفت عزت عندما قالت نعمة "كاذبة أنا لم أمنحها أي شيء"
اتسعت عيون عهد والتفت ليث لها ورد عزت "حسنا سما خذي عهد إلى غرفتها حتى تستعيد نفسها وبعدها أريدك أنت يا نعمة وعهد بمكتبي بعد نصف ساعة"
تحركت فتاة إلى عهد وساعدتها على الذهاب وسمعت عزت يقول "سيد ليث تفضل معي من فضلك"
تركتها سما بغرفتها واستلقت على فراشها وهي تتساءل ماذا لو لم ينقذها ليث؟ ثم تذكرت نعمة وإنكارها للحقيقة، هل تخشى من قول الحقيقة أم ماذا؟ كيف تكذب؟ ولماذا؟
نهضت وبدلت ملابسها الممزقة بملابس عادية عندما رأت رحمة تدخل مسرعة للداخل وتوقفت وهي تنظر لعهد وتقول "عهد ما الذي حدث؟ هل ما سمعته صحيح؟ أنت والأستاذ ليث؟"
التفتت لها وهي تردد "أنا والأستاذ ليث ماذا؟"
اقتربت منها رحمة حتى وقفت أمامها وقالت "الجميع يتحدث عن وجودكم سويا بالمخزن وملابسك، وهو كان يضمك له، عهد لا يمكن أن يكون ذلك صحيح أنت لست كذلك"
صدمها الحديث ولم تعرف ما الذي يحدث حولها ولكن صوت رحمة أعادها للواقع مما جعلها تندفع للخارج بدون وعي باتجاه مكتب عزت وهي تلاحظ نظرات الجميع لها والهمهمات التي كادت تصل لها حتى وصلت لمكتبه فدخلت دون أن تدق الباب لترى ليث جالسا أمام مكتب الدكتور وهي تهتف من بين الدموع
"أنا لم يحدث شيء بيني وبين الأستاذ ليث يا دكتور بل كان هناك رجل يريد الاعتداء علي، صدقني أنا بريئة أنا لم أفعل شيء، لم أفعل شيء"
كانت منهارة وتبكي بقوة عندما نهض عزت وتحرك تجاهها وهو يقول "اهدئي عهد، تعالي هنا واجلسي وكفي عن البكاء"
جذبها للأريكة وابتعد ثم عاد لها بكوب من الماء وقال "اشربي لتهدئي"
تناولت الكوب بيد مرتجفة وتناولت رشفة والمياه تتساقط من الكوب المهتز بين أصابعها المرتجفة ثم قالت بصوت متقطع من البكاء "صدقني يا دكتور، أنا لم أفعل شيء"
جلس بجوارها وقال وقد بدا متعاطفا معها "هل تهدئي أولا كي نتحدث، سنجري تحقيق ونعرف الحقيقة"
هتفت "الحقيقة ما أقول" ثم نظرت لليث وقالت "حضرتك تعرف الحقيقة فلماذا لم تخبره؟ مس نعمة لا تقول الحقيقة يا دكتور هي من أمرني بالذهاب"
ظل يحدق بها حتى سمعت صوت نعمة تقول "كاذبة أنا لم أفعل"
نهض عزت وتحرك لمكتبه وقال "ادخلي يا نعمة وأغلقي الباب وتعالي"
أغلقت نعمة الباب وتحركت لمكتبه بينما تابعتها عهد وقال عزت "هل عهد اعتادت على الذهاب للمخازن؟"
قالت نعمة بدون أن يهتز بها جفن "نعم"
شهقت عهد وهتفت "لا، هذا كذب أنا لم أفعل من قبل إلا مرة يوم استلمت العمل هنا لأستلم عهدتي"
عاد عزت لنعمة وقال "ومن أخبرك اليوم أنها بالأسفل مع رجل؟"
احمر وجه عهد بينما أجابت نعمة ببرود "لا أحد أنا شككت بها مرة وراء الأخرى فتبعتها اليوم وعرفت بما ستفعل لذا أتيت وأخبرت حضرتك"
تراجعت عهد متفاجئة من الاتهام الواضح بينما قال عزت "هذا يعني أنها ليست مرتها الأولى؟"
هزت نعمة رأسها بالإيجاب فعاد عزت يقول "هل كنت تعرفين من هو الرجل؟"
نظرت نعمة لليث الذي كان يحدق بها بنظرات تكاد تحرقها ثم عادت لعزت وقالت "لا"
نظر عزت إلى ليث وقال "عهد هل تخبرينا ما حدث؟"
حكت عهد ما كان فنظر عزت لنعمة ثم نظر إلى ليث وقال "هذا يعني أن هناك شخص يكذب  بالطبع لا يمكننا معرفته"
قال ليث بحدة "أنا لا أكذب يا دكتور ولا تلك الفتاة ولو كان لديك كاميرات أفرغها لتعرف الحقيقة"
ولكن عزت قال "أعتذر سيد ليث عن كلماتي وللأسف ذلك المكان ليس به كاميرات بعد لذا ستظل الحقيقة مجهولة ولكن للأسف أيضا لا يمكنني الإبقاء على عهد هنا"
تراجعت عهد من كلماته وارتسمت ابتسامة على فم نعمة أزالتها بسرعة وقالت عهد بصعوبة من دموعها "هذا يعني أنك تصدق ما يقال عني؟"
أبعد عزت وجهه وقال "يا عهد الأمر صعب ولا يمكن التعامل معه بشكل آخر"
وقفت وقالت "نعم لا يمكن لأحد التعامل مع أشخاص لا تعرف إلا الكذب والغش والخداع، أنا من لا أريد البقاء هنا"
وأسرعت خارجة بكل قوتها لغرفتها وجمعت ملابسها من بين دموعها وما أن أغلقت حقيبتها حتى انهارت بالبكاء من شعورها بالظلم والإهانة والألم وسقطت على الأرض بجوار فراشها والبكاء يغشى كل وعيها دون توقف
بالطبع منحتها رحمة ما تبقى من أجرها ورفضت هي أن تصحبها للخارج ونظرات الجميع تتبعها في صمت وهي تسير بينهم برأس مرتفعة محاولة ألا تبدو متأثرة بما كان على خلاف النيران التي كانت تحرقها
ما أن وصلت للطريق حتى أسقطت حقائبها على الأرض ووقفت دون أن تعرف لأين ستذهب، ليس لها بيت أو عمل آخر، لا أهل ولا أقارب حتى الملجأ لن يرحب بها المديرة كانت واضحة آخر مرة لا مكان لمن هم بمثل عمرها
تلك السيارة السوداء التي توقفت أمامها لم تلقى اهتمام منها وهي ما زالت تحدق بالأرض وقد فقدت أي اتصال لها بالواقع من حولها وكل هموم العالم علت أكتافها فكادت تدفنها بمكانها من ثقلها
صوت تعرفه رفعها من دوامتها وهو يقول "إلى أين ستذهبين؟"
عيونها الذهبية الباكية ارتفعت له، كان ينظر لها بنظرة غير مفهومة أو ربما هي لم تعد تعي أي شيء، عندما لم ترد شعرت بيده تمسك ذراعها وتقودها لسيارته ولكنها استعادت نفسها وأبعدت ذراعها عنه وهتفت "ابتعد عني"
لم يتراجع وهو يقول "هل تهدئي؟ أنا أريد أن نتحدث"
ولكنها لم تكن بحالة تسمح بأي حديث مع أي أحد فقالت "وأنا لا أريد"
والتفتت لحقائبها لتحملها ولكنه تحرك تجاهها وقال "أنت بحاجة لعمل وأمي بحاجة لممرضة خاصة ومقيمة فما رأيك؟"
ارتدت ونظرت له فكانت نظراته صادقة ولكنها قالت "لست بحاجة لأن تفعل معي ذلك يمكنني تدبر شؤوني وحدي"
وانحنت مرة أخرى على أشيائها ولكنه أمسك يدها وهو يقول "أنا لا أقدم لك الشفقة بل عمل، فرصة أخرى وهو ما نحتاج له نحن الاثنان الآن فدعي غضبك جانبا واستخدمي عقلك هذا لصالحك، ما حدث هناك نتيجة ضعفك أمامهم واستسلامك لخوفك منهم وقد كان عليك توقع ما حدث بعد المرة السابقة فلا تجعلي ما حدث يؤثر الآن على قرارك أنت بحاجة للعمل وهو ما أقدمه لك فلماذا الرفض؟"
أبعدت يده عنها وقالت "لأن ذلك يعني أن ما قيل عنا صحيح وأن بيننا شيء بدليل أنك تصحبني للعمل عندك"
نفخ وهو يبعد وجهه قليلا ثم عاد لها وقال "أنت لن تعملي لأجلي، بل لأجل أمي، أنا لا أقيم هنا وما يراه الآخرين لا يجب أن يأخذ أي مساحة من تفكيرك طالما تعرفين أنه ليس حقيقي فقط فكري بمستقبلك ومصلحتك ولا تنظري خلفك، أنا سأمنحك ثلاثة أضعاف راتبك هنا مع إقامة كاملة بالبيت وكل ما تريديه مقابل تواجدك مع أمي وسهرك على راحتها"
ظلت تنظر له وهي لا تعرف ماذا تفعل أو تقول وعندما أدرك أنها تفكر عاد وقال "بريهان تعيش بالبيت وهي الأخرى ستحتاج لاهتمامك وهو سيكون أيضا بمقابل إذا شئت والآن أريد رأيك لأن لا وقت لدي"
كانت تعلم أن ليس لديها فرصة أخرى سواه ولكنها قالت "لن أعود للمشفى"
هز رأسه وقال "أعلم"
عادت تقول "لا أريد أن يعرف أحد منهم أني سأعمل لديك"
حدق بها وقال "ربما دكتور منصور فهو سيتابع حالتها بالبيت"
قالت "دكتور منصور مثل والدي"
قال "أعلم، رأيك؟"
ظلت تحدق بعيونه ثم قالت "حسنا"
وانحت على حقائبها فعاد يمسك يدها وقال وهو ينحني ويواجه نظراتها "اتركيها واركبي سآخذك للبيت حتى تخرج أمي له، لا أحد يقيم بالبيت بالوقت الحالي وعليك تجهيز غرفة أمي بكل ما ستحتاج إليه عندما تخرج"
لمسته أشاعت الدفء بيدها وتسربت لكل جسدها فأبعدت يدها من قبضته بل واعتدلت ولم ترد فحمل الحقائب ووضعها بالسيارة وركبت هي وهو بجوارها فشعرت بجسده العريض يملأ مقعده وقد لمس كتفه كتفها الضئيل فابتعدت عندما لاحظ ذلك ولكنه تجاهل الأمر وقال
"البيت مغلق منذ عدت أعوام وقد أعدته منذ يومين وما زال الخدم يقومون بتنظيفه وإعداده"
نظرت له وبدت ملامحه غير واضحة وقالت "وأين كنت تقيم؟"
تابع القيادة وقال "نيويورك"
عندما صمت قالت "وحدك؟ أقصد عائلتك"
أجاب "كلهم هنا أنا فقط من رحل منذ سنوات كثيرة" ثم التفت لها وقال "أمي فضلت أن أبتعد وأنا لم أندم"
ترك عيونها الحائرة من كلماته وعاد للطريق وأسئلة كثيرة تلف برأسها بينما عاد يسألها "عرفت أن لا أهل لكِ؟"
قالت بهدوء "أنا من الملجأ، ماتت أمي عند ولادتي ووالدي تبعها بعامين، تولت عمتي تربيتي حتى تزوجت ورفض زوجها الاحتفاظ بي وأنا بالخامسة فتركتني بالملجأ ولم تزرني من بعدها ثم عرفت أنها هاجرت معه إلى كندا وأصبحت بلا أهل"
التفت لها وقال "هل يؤلمك الأمر؟"
نظرت له وقالت "يمكنني أن أسألك نفس السؤال"
حدق بها لحظة ثم أبعد وجهه وقال "لا، لم أتألم لفراقهم"
ولكن لا تعلم لماذا شعرت بأنه غير صادق بكلماته ربما لأنه أخفى عيونه عنها وربما لأن نبرة صوته كانت تحمل الكثير وبالنهاية عم الصمت عليهم حتى وصلا مع الليل إلى القاهرة ومنها لمنطقة هادئة بالطبع لا تعرفها تكاد تخلو من البيوت حتى رأته يتجه لبوابة سوداء حديدية كبيرة، دق بوق السيارة فانفتحت البوابة ودخل ورجل يرفع له يده بالتحية فقال
"البيت كان قديم، اخترته وأنا صغير أحب كل ما يحمل قيمة فنية"
تأملته دون أن تتحدث حتى توقف بالسيارة فالتفتت لترى باب البيت بل ربما فيلا يفتح وامرأة رشيقة القوام تقف وهو ينزل وهي أيضا نزلت وانتظرته حتى وصل لها وقال "تعالي"
تحركت معه عبر السلالم الرخامية حتى وصلا للباب وقال "مساء الخير صفاء"
تراجعت المرأة وقالت "مساء الخير سيد ليث"
دخل هو وهي معه وكادت تتوقف من انبهارها بالمكان، هو بالفعل مجنون بالأشياء الرائعة والتحف الفنية الأثرية واللوحات الرائعة العملاقة التي تفترش الجدران العالية، النجف النحاسي المتدلي من السقف وغيره من الكريستال العملاق يؤثر النظر
أخذها صوته وهو يقول "الآنسة عهد، الممرضة الخاصة التي ستقيم مع والدتي، عهد هذه مدام صفاء مدبرة المنزل والمسؤولة عن كل شيء هنا، صفاء هل غرفة الآنسة جاهزة؟"
ابتسمت صفاء وقالت بعملية واضحة "كل الغرف أصبحت جاهزة سيد ليث وبالتأكيد يفضل أن تكون غرفتها بجوار السيدة دولت"
هز رأسه وهو يتحرك للداخل وتبعته وكذلك صفاء حتى دخل غرفة أخرى أكثر روعة وجمال وقدمها تغرز بالسجاد الثمين ورائحة رائعة تنطلق من حولها وستائر وثيرة تغطي النوافذ وقال "نعم، هل تم تجهيز المصعد؟"
جلس على مقعد وثير وشعرت بأنها لن تستطيع أن تجلس عليه كي لا تذهب بجماله بينما قالت صفاء "نعم وتم تجربته والكرسي وصل بالصباح"
قال "اجلسي عهد، هل لنا بعشاء صفاء وبالغد عهد ستخبرك بما ستحتاج له من أجل غرفة أمي وبلغي مكتبي بها"
أجابت صفاء "حاضر يا فندم اسمح لي، العشاء بعد نصف ساعة"
وتحركت خارجة بينما جلست عهد فشعرت بالراحة على المقعد المثير وعيونها تتجول بالمتحف الذي حولها فقال "أرى أن المكان يجذب انتباهك"
عادت له وهي تجيب "بالتأكيد إنه كالمتحف"
رن هاتفه فأخرجه ولكن لم يجيب وهو يغلق الصوت وقال "ربما، كانت هوايتي تجميع كل ما هو قديم من المزادات والبازارات المعروفة"
قالت "كان!؟"
نهض وتحرك لمائدة عليها أكواب متنوعة الأشكال وأباريق رفع أحدها وسكب منه بالكوب ووضعه ثم سكب بواحد آخر ثم رفع الاثنان وعاد لها فنهضت لتواجهه وهو يقول "هذا عصير، صفاء تصنعه بنفسها"
أخذت منه الكوب بينما ابتعد هو للنافذة الزجاجية فقالت "أنت أقمت هذا البيت وتركته"
لم ينظر لها وهو يتناول العصير قبل أن يجيب "نعم"
ظلت بمكانها فالتفت لها وقال "دكتور منصور يحبك جدا"
ابتلعت بعض العصير وقالت "كنت معه وقت وفاة ابنته فقد أصيب بجلطة بالقلب من الحزن عليها وأنا من قام بتمريضه"
تحرك تجاهها وقال "أخبرني أنك كان يجب أن تكوني طبيبة لا ممرضة"
أبعدت عيونها عنه للكوب الذي بيدها وقالت "دائما ما يخبرني بذلك ولكن الملاجئ لا تتحمل مصارف كلية كالطب ولا أنا بالطبع أملك ذلك فكان التمريض البديل"
قال "لذا تجيدين عملك"
لم ترفع وجهها له أيضا وهي تقول "أحب عملي وليس لدي سواه"
ابتعد من أمامها ووضع كوبه بمكانه الأول وقال "ليس لك أي حياة شخصية؟ أقصد خطيب أو زوج؟"
التفتت له وقالت "لا، لم أعرف أحد ولا أفضل أن أفعل"
التفت هو الآخر لها وقال "ولكنه أمر طبيعي، أقصد الزواج والأسرة هو مصير معظم الفتيات والشباب"
ولكنها أجابت "أظن أني خارج تلك القاعدة"
اندهش من كلماتها ولم يفهمها عندما دق الباب ودخلت صفاء تعلن عن العشاء فتحرك هو وهي معه وصفاء تقول "أعددنا غرفة لك سيد ليث"
ولكنه قال "أنا لا أقيم هنا صفاء"
وتحرك دون كلمات أخرى وتبعته هي دون أن تفهم ودخل غرفة أخرى بها مائدة طعام هائلة وبوفيه كبير رصت عليه حاملات شموع فضية ليست مضيئة وبجوارها أطباق وأكواب وملاعق وأطقم للطعام، اتجه لرأس المائدة وجلس ووجدت أطباق لفردين جذب الخادم لها المقعد فجلست وبدأ رجلان بوضع الطعام الشهي لهما ثم تراجعوا للخارج فشعرت برهبة غريبة وهي تراه يتناول الطعام بطريقة راقية لا تعرفها فقال
"لا تهتمي بالمظاهر عهد وتمتعي بعشاءك بالطريقة التي تناسبك"
احمر وجهها وتعاملت مع الطعام وسرعان ما شعرت بالجوع من جودة الطعام وتناولوه في صمت حتى انتهيا عندنا رن هاتفه مرة أخرى فأخرجه ونهض ليجيب بينما ظلت هي تتابعه وقد شعرت بأنه يأخذ كل انتباهها وظلت تتابعه وهو يتحرك بالغرفة بطريقة مثيرة للاهتمام ويده بجيب بنطلونه وثقة تملأ كل كيانه ونبرته وحتى ملامح وجهه
انتهى وعاد لها دون أن يجلس وقال "أظن أنك بحاجة للنوم"
نهضت وقالت "ربما"
تحركت للباب وهو بجوارها يفتح لها فمرت للخارج وتبعها قائلا "ربما تمنحيني رقم هاتفك حتى يمكنني متابعتك بحالة والدتي"
هزت رأسها وهي تمنحه رقمها فسجله وقال "تمام، صفاء"
بلحظة كانت صفاء تتحرك من مكان ما تجاههم فقال "هل تصحبي الآنسة عهد إلى غرفتها؟"
احنت رأسها باحترام وقالت "كما تأمر سيد ليث"
التفت لها وقال "طابت ليلتك"
هزت رأسها وقالت "وليلتك"
وتحركت تجاه صفاء التي تقدمتها للسلم الواسع الذي يلتف كالثعبان بدرجاته التي صنعت من الجرانيت وافترشته سجادة امتدت من الأسفل إلى الأعلى بشكل فاخر ومثير للإعجاب كما هو كل مكان بالبيت بينما ظل هو واقفا يتابعهم بنظراته حتى اختفيا من أمامه فتحرك للخارج
يتبع...

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن