الفصل الخامس

437 20 6
                                    

الفصل الخامس
مكالمة
وأخيرا رأى رموشها الطويلة تداعب عيونها وقد جلس أمام فراشها وأسند رأسه على يده واعتدل عندما رآها تفتح عيونها لتراه أمامها وما زال بقميصه الممزق والملوث بالدماء فقالت بضعف واضح
"حضرتك ما زلت هنا!؟"
هز رأسه بالإيجاب وقال "كدت تفقدين حياتك بسببي"
ظلت تنظر له وقالت "الأمر ليس بخطير"
نهض ووقف بجوار الفراش وما زال ينظر لها وهو يقول "حقا؟ دكتور منصور كان له رأي آخر"
واجهت عيونه وقالت وهي تحاول أن تنهض "دكتور منصور يحبني ويخاف علي و"
انحنى ليعيدها بيده لمكانها فاقترب بوجهه من وجهها والتقت النظرات واختلطت الأنفاس وارتبكت من قربه وارتفعت دقات ذلك القلب الرابض بصدرها وسمعته يقول "هو حقا يحبك ويخاف عليك وأمر ببقائك بالفراش الليلة على الأقل وهدد بأنك إن لن تفعلي فستتهاوين باللحظة التي ستنهضين بها وقد كان يصر على نقلك للمشفى كي يتابعك بنفسه لولا أن وعدته أن أبقيك تحت نظري الليلة وبالصباح يمكنه العودة لرؤيتك وتقرير مصيرك"
نظراته تجاهها كانت غير مفهومة وعيونها كانت تجذبه بقوة، شجاعتها ملامحها البريئة تجعله يريد النظر لها دون ملل، رائحتها الذكية تذكره بأيام الربيع عندما كان ما زال شابا صغيرا يعشق الربيع ويهوى تجميع زهوره
رنين هاتفه كان كالسيف الحاد الذي هوى ليفصل بينهم باللحظة التي كانت عيونه تتجول على ملامح وجهها وتستقر على فمها الصغير
تراجع لجاكته الملقى بعيدا ورفعه ليخرج الهاتف عندما قال "هل وجدته؟"
صمت والرجل يجيبه ثم قال "لا فقط أعده إلى هنا"
وأغلق الهاتف فاتجه للفراش وضغط زر الخدم وقال "صفاء أمرت بإعداد طعام رائع لك"
دق الباب ودخلت صفاء وتبعها عم محمود الذي كان يدفع مائدة الطعام أمامه وقالت صفاء "آنسة عهد كيف حالك الآن؟"
قالت بصدق "بخير مدام صفاء"
نظر لها محمود وكأنه يطمئن عليها ثم تحرك الاثنان للخارج ودفع هو المائدة للفراش وقال "هل أساعدك؟"
ارتبكت وهي تعتدل بصعوبة وقالت "كم قرص منحني؟"
لم ينظر لها وقال "لم يفعل" ثم نظر لها وأكمل "كانت حقنة، قال أنها أسرع"
احمر وجهها فأبعد عيونه وقال "لم أكن معه صفاء من ساعدته هو أخبرني بعد ما انتهى"
اطمأن صدرها وجلس على طرف الفراش فقالت "من المفترض أن أكون بجوار والدتك الآن وليس بالفراش وحضرتك تفعل معي ذلك"
قال وهو يقرب الطعام منها "تشعريني وكأني والدك بكلمة حضرتك هذه"
عاد التوهج لوجهها وأخفضت عيونها فقال "هيا تناولي الطعام حتى أنتهي من بعض الاتصالات"
ونهض مبتعدا فقالت "ما هو عملك؟"
عبث بالهاتف وقال "هل يمكنك التخمين؟"
قالت بصدق "لا"
نظر بعيونها فأكملت "أنا لا أعرف عنك شيء، فقط حبك للتحف وكل ما هو جميل"
هز رأسه وما زال يركز بالهاتف وقال "وما له علاقة بالفن والذهب"
ثم ابتعد ليتحدث وظلت تتابعه لحظة ثم عادت للطعام تناولته بصمت ثم رأت الدواء بجوار فراشها فتناولته، أكملت بالعصير واعتدلت لتنهض عندما سمعته يقول
"لم يخبرني أحد أنكِ فتاة غير مطيعة، عودي للفراش"
التفتت له وهو يبعد المائدة عن الفراش وقالت "لابد أن أذهب لوالدتك"
التفت لها وبعيونه نظرة آمرة تخبرها أنه لن يقبل بعكس ما يريد وقال "هناك ممرضة معها وأخرى ستأتي بالصباح حتى مساء الغد ووقتها يمكنك أن تتسلمي منها الأمر وحتى ذلك الوقت لن تنهضي من فراشك إلا للحمام"
حدقت به بدون فهم وقالت "ولكنك لا تحب التغيير"
عاد لهاتفه وقال "أنا من وضع القواعد وأنا من يخرقها"
عاد يتحدث فاستسلمت للفراش وقد تألمت من ذراعها وظلت تتأمل جسده الواضح خلف قميصه الممزق وقد ظهرت عضلات واضحة بذراعه العاري وكتفيه العريضة
دق الباب ودخلت صفاء تنظر له وانتظرته حتى انتهى فقالت "ملابسك وصلت سيد ليث وهي بالغرفة المجاورة"
هز رأسه دون أن يبعد عيونه عن الهاتف وقال "سيصل معاذ بعد قليل ليأخذ الحجرة التي بالأسفل حتى أنزل له، هل لي بقهوة؟"
ظلت صفاء تنظر له بقوة لذكر معاذ ثم نظرت للطعام وقالت "لن تتناول أي طعام؟"
تحرك وقال "بلى سأفعل وأنتظر القهوة"
انحنت صفاء وخرجت بينما جذب المائدة للمقعد وقال "من الجيد أنكِ تناولت دوائك"
جذبها من شرودها حول معاذ وما كان بينهم من كره واضح وصل لحد القتل، ترى ما الذي بينهم لدرجة أن يحدث ما حدث؟ هل بأي يوم ستتوغل داخل تلك العائلة الغريبة المغلفة بغلاف وردي سميك يخفي تحته أسرار لا تعرف عنها أي شيء سوى الكره النابض بعيونهم والمتبادل بينهم
عندما عادت لسؤاله اندهشت من أنه لاحظها فقالت "أنا ممرضة"
رفع عيونه لها وقال "معكِ حق"
قالت "لم تخبرني عن عملك؟"
لم ينظر لها وقال "الرسم"
رددت "الرسم؟ لا أفهم"
قال بهدوء "منذ أن تعلمت أن أمسك القلم ويدي ترسم أشكال غريبة لم أفهمها وقتها لأني كنت صغير ولكن صديق ل، صديق ما رآها وانبهر بها واكتشف أنها تليق بتصميم عقد رائع ونفذه على مادة بلاتينية ولاقى التصميم نجاح ومن هنا اكتشفوا موهبتي"
نظرت له بعيون واسعة فاتنة رغم التعب وقالت "مصمم إكسسوار"
مسح فمه بالمنديل بطريقته الارستقراطية وأبعد المائدة وقال "بل مجوهرات، لم أتوقف عند البلاتين عهد كان طموحي أكبر من ذلك وأنا بالرابعة عشر تبنتني شركة أمريكية رأت تصميماتي على النت وعرضت علي عرض رائع ووافقت والآن لدي شركاتي الخاصة للتصميم والتصنيع والترويج"
عيونها كانت بأشد اتساع لها من الدهشة وقالت "شركاتك؟"
نهض وبيده كوب العصير وأجاب "بالتأكيد، الاستقلال من الأمور التي تسكن داخل عقلي، لي ماركة تجارية ألا وهي "لاموند" و"
قاطعته بدهشة واضحة "أنت صاحب مجوهرات لاموند؟"
قال ببساطة وهو يتحرك للباب وكأنه ليس البليونير الذي لم تظن أنه هو "نعم، سأبدل ملابسي وأعود أتمنى أن أراكي نائمة"
وخرج مغلقا الباب خلفه وهي تتابعه بذهول مما عرفت، هل حقا هي كانت تجلس مع أكبر مصممي المجوهرات بالعالم؟ إن اسم لاموند يمثل شهرة عالمية بعالم المجوهرات، كل فتاة تحلم بأن ترتدي مجوهرات لاموند بتصميماته الفائقة الجمال والأنيقة والثمينة بذات الوقت، لكنها يوما لم تفكر بصاحبها بأي صاحب لأي شركة، دائرتها كانت أصغر من ذلك، مغلقة عليها وعلى وحدتها، لم يكن لها من يهتم به أو العكس، هي وهي فقط والعالك لا شيء سوى عمل وعمل وأيضا عمل كي تضمن القدرة على إيجاد مكان لها بالحياة من حولها، مأوى وطعام وملبس ولا شيء آخر حتى الناس من حولها لم تعبأ بصراعتهم ولكن ها هي الآن تنالها ألسنة تلك الصراعات وتكاد تحترق بها
عندما تذكرت ما حدث لها بالمشفى والظلم الذي تعرضت له لم تفكر به كثيرا لأن عيونه سدت عليها منافذ الرؤيا للماضي القريب وجعلته هو فقط من تراه وتفكر به، لحظة أن كانت بين ذراعيه القوية يحملها كما لو كانت قطته المدللة والتي يخشى عليها من نسمة الهواء، صدره الصخري صد جسدها الناعم فجعلها تشعر بمدى ضعفها بجوار قوته، ضربات قلبه القوية نفدت من وراء عضلات صدره القوية كالموسيقى تعزف بجوار أذنها، أنفاسه القريبة مها وقت أن دفعها للفراش كانت حارة معطرة برائحة مسكية مختلطة برائحة الرجولة التي لم تعرفها من قبل، نظرات القلق بعيونه تجاهها تجعلها ترتجف كما لو أن البرق ضربها بسرعته وقوته وأسقطها بمكانها تائهة مصابة بدوار يعصف بها لعالم لا تعرفه فهل ستعرفه الآن؟
تسرب النعاس لها وهي تعلم أن المسكنات ستجذب النوم لها قبل أن تجد حلا أو إجابة لأي مما يحدث لها لم تستطع أن تقاوم وهي تغلق عيونها وتذهب بالنوم
داعب نور الصباح عيونها ففتحتها لتجد نفسها كما كانت، اعتدلت ولكنها تألمت من ذراعها فثبتت لحظة حتى ذهب الألم، من طرحتها التي سكنت رأسها تذكرت أنه كان معها بالليل وهو من أيقظها وساعدها على تناول الدواء ثم غرقت بالنوم مرة أخرى
نهضت للحمام وشعرت بنخزة قوية بذراعها ولكنها اعتادت أن تتعايش مع الألم، بالملجأ لم يكن يستجاب لأي طفل يتألم إلا لو سقط بالغيبوبة وقتها قد يتجه له الطبيب السمين بخطى باردة وبدون أي ضمير يفحص ويصف الدواء الذي كان أكثر ألما من الألم الأصلي لذا تعلم الجميع أن يتألموا في صمت وهي لم تقل أو تزيد عنهم في شيء، الملجأ ترك داخلها فجوة لم تستطع مداوتها أبدا، التقوقع حول نفسها كان مكان فرارها والضعف والخوف أساس حياتها الذي اختارته كدرع حماية لها من هجوم هي ليست مستعدة أو قادرة على مواجهته
اغتسلت بحرص من الجرح ثم خرجت وقد بدلت ملابسها عندما دق الباب ودخلت صفاء تقول "صباح الخير"
عادت هي للفراش وقد شعرت بالوهن بجسدها وردت "صباح النور"
اقتربت منها صفاء وقالت "دكتور منصور بغرفة مدام دولت وسيمر عليك وسيد ليث طلب مني أن أبلغك لتستعدي"
هزت رأسها وقالت بضيق "أشعر أني لست بمكاني مدام صفاء كان علي أن أكون بعملي الآن"
قالت صفاء "أنتِ فعلت ما هو أفضل آنسة عهد، أنقذت حياة سيد ليث والجميع ممتن لكِ"
رفعت عيونها لها وقالت "الجميع! أي جميع؟"
قالت "مدام دولت ونحن وبالتأكيد هو بنفسه فهو من سهر عليك بالليل فقد منح الدكتور كلمته ونفذ وعده"
لم ترد والخجل يتسرب لها وهي تذكر كلماته بالأمس، دق الباب ورأته يدخل وقد تبدل للأفضل بعد أن أزال شعر ذقنه واستبدل ملابسه بأخرى أفضل وأجمل وتحرك بنشاط ورشاقة تجاهها وضربتها رائحته بقوة فتلاعبت بأعصابها ودفعتها للتورد دون سبب وهو يقول بعيون صافية كالذهب الخالص مما جعلها ترتجف أيضا
"صباح الخير كيف حالك اليوم؟"
أخفضت عيونها ولملمت تبعثر أفكارها ومشاعرها وقالت "بخير"
وقف أمامها وقال "دكتور منصور بطريقه ليرى جرحك هل تريدين شيء؟"
رفعت وجهها له والدهشة ترتفع معه لعيونها وقالت "شيء!؟ أي شيء؟"
قال بهدوء اعتادته منه وبدا أنه سمة يستحق عليها الإعجاب ومع ذلك سبق ورأت غضبه وهو يلكم أخيه بوجهه "أنا من يسأل عهد"
صوته أعادها من أفكارها فانتبهت وقالت "لا، لا أريد شيء، شكرا لك"
دخل منصور فابتهج وجهه لرؤيتها وقال "ها هي ابنتي الجميلة بخير"
ابتسمت لمنصور الذي وصل لفراشها حتى وقف أمامها بينما قال ليث بصوت خشن "دكتور أنا لابد أن أذهب، مدام صفاء معك ولو احتجت أي شيء هي ستتصرف"
هز منصور رأسه وهو يجذب ذراع عهد ببطء بينما نظرت هي له كي تسأله ماذا يعني بذهابه ولكنه كان قد رحل دون أن يمنحها ولو نظرة واحدة ومنصور يستعيد اهتمامها بصوته
"من الجنون إيقاع نفسك بأمر كهذا، جسدك ضعيف والنزيف كان يمكن أن يؤدي لقتلك"
استلقت واستسلمت ليده وهي تقول "لم أتوقع أن أنال الطعنة بدلا منه، أنا فقط لم أفكر جيدا وأردت دفعه بعيدا"
رمقها بنظرة غريبة ثم قال "لتسقطي أنت بالفخ، كان عليك اللجوء لي وقت ما حدث بالمشفى"
أخفضت وجهها لترى جرح ذراعها المخاط بطريقة تجميلية تعرفها من كثرة تواجدها مع منصور وقد علمها كثيرا كيف يفعلها فقالت "كنت بأسوأ حالاتي دكتور، هو منحني عمل وإقامة فلم أفكر"
طهر الجرح ووضع مادة مضادة عليه ثم عاد يضع الضمادة ولفها جيدا وهو يقول "وكان هذا مصيرك؟ أسرة تكاد تقتل بعضها البعض، ألا تظنين أن عليك الرحيل من هنا؟"
نظرت له وقد انتهى ووجدت نفسها ترفض الرحيل من هنا، هي تريد البقاء ببيت ذلك الرجل لتراه وتسمعه وتستمتع بوجوده لذا قالت "بالتأكيد سأفعل ما أن ينتهي دوري كممرضة، لن أجد عمل أفضل من هنا حضرتك تعلم أني لا أجيد التعامل مع الآخرين"
أغلق حقيبته وخلع القفازات الطبية وقال "هذا حقيقي، لقد أثرت ضجة كبرى بالمشفى بسبب ما حدث لك وتشاجرت أنا وعزت ولولا ما بيني وبينه لتركت المشفى، كان عليك البقاء عهد أنتِ بريئة"
أخفضت وجهها وقابت "هذا لم يكن رأي دكتور عزت فقد كان واضح بقراره ووجودي لم يكن ليفيد بأي شيء دكتور ستسمر نعمة ونورهان بوضع الفخاخ لي بكل بلاطة سأخطو عليها"
التفت لها بنظرات حادة وقال "وهروبك هو الحل؟ الفرار من الوحش لا يوقفه عن اتباع فريسته بل يزيده رغبة به سيتبعونك"
رفعت وجهها له بلا معنى بعيونها وقالت "لا أظن، كل ما كان يهمهم هو خروجي خارج باب المشفى وأنا فعلت"
كانت نظراته غير موافقة وهو يرد "وهنا الأفضل عهد؟ لا أظن، هنا ظلال وغيوم لن يمكنك اختراقها ولكن طالما اخترتِ فلن يمكنني إيقافك وربما ليث يخيب ظني به ويكون الأفضل، على العموم أنا لن أتركك بأي وقت يمكنك أن تطلبيني وتأتين لبيتي أو عيادتي معك كل شيء عني"
هزت رأسها ولم ترد فمنحها تعليماته الطبية عنها وعن دولت ثم ذهب وصفاء تتبعه بصمت وانتظرت أن يعود ليث ولكنه لم يفعل وأخذها النوم مرة أخرى دون أن تسمح لكلمات منصور أن تؤثر بها حتى العصر عندما أيقظتها صفاء لتناول الغداء وما أن تناولته حتى قالت
"لم أرى سيد ليث منذ الصباح!؟"
لملمت صفاء المائدة وقال "بالتأكيد فقد رحل"
انقبض قلبها بقوة مؤلمة وحدقت بصفاء التي لم تكن تنظر لها واستجمعت نفسها وهي تقول "رحل؟ رحل إلى أين؟"
أجابت صفاء بدون تفكير "نيويورك آنسة عهد موطن عمله، بل موطنه هو فهو كما عرفت يقيم هناك ولديه الجنسية الأمريكية ولديه أيضا اسم وسمعة هناك يرتج لها الجميع"
لم تسمع كل ما قالته فقط رحل إلى نيويورك موطنه، لقد رحل إذن دون حتى أن يودعها فقط سألها عن حاجتها لأي شيء، ألا يعلم ماذا تحتاج وتريد؟ وكيف يعلم وما داخلها خاص بها وحدها وسيظل لها وحدها وهي فقط من ارتفعت بسقف أحلامها للمستحيل والآن سقط السقف على رأسها
قبل موعد انتهاء دوام الممرضة الأخرى كانت تقف معها وتتلقى منها كل ما يخص دولت وانتهت من كل شيء واستأذنت الفتاة لتذهب بينما التفتت عهد لدولت وقالت "كيف حال حضرتك اليوم؟"
ابتسمت لها الأم بتعب واضح وقالت "بخير، كيف حالك أنت يا عهد؟ لا أعرف كيف أشكرك على ما فعلتِ"
اندهشت من امتنان المرأة فهي تظن أن الأم لا تحب ابنها ولا تهتم له فقالت "لا داعي حضرتك هذا ما رأيته صواب وقتها، هل تسمحين لي بأن أبدل لك بعض الأشياء وأعيد تنظيمها؟"
اختصرت الكلمات كعادتها الوحيد الذي كانت تريد ألا تتوقف عن الحديث معه كان ليث وهو رحل لتدرك أن عليها إيقاف الأحلام لأنها ليس صحيحة..
مضى الوقت بسرعة عندما أعادت المرأة للفراش وجذبت عليها الغطاء النظيف وتراجعت لتبعد المقعد المتحرك للخلف فقالت دولت "أنتِ حقا رائعة عهد أنا أشعر براحة لم أعرفها منذ أفقت من العناية لهذا كان منصور يمدح بكِ وكذلك ليث"
لم تنظر للمرأة وما زالت ملامحها جامدة وهي تنظم الدواء وكراسة الملاحظات الخاصة وقالت "أحب عملي مدام وأفضل عمله بالطريقة التي أراها صحيحة"
قربت منها مائدة الطعام الخاصة ووضعت طبق الفاكهة وقالت "والآن حضرتك بحاجة لتلك الفواكه لأنها ستفيد جسدك جدا وتمنحك طاقة"
ولكن دولت ابتعدت وقالت "لا، لا أريد"
ولكن عهد لم تكن لتتراجع وهي تقشر التفاح وتقطعه وهي ترد "فقط قطعة صغيرة، ما رأيك لو أدرت التليفزيون أم تفضلين سماع بعض الأغاني؟"
التفت لها المرأة وقالت "تلك الفتاة كانت تخبرني أن النوم مفيد لي وأنتِ"
منحتها قطعة التفاح وهي تقول "النوم بالطبع مفيد ولكن تناول الفاكهة أفضل وعندما ترغبين بالنوم لن أمانع ولكن ليس قبل موعد الدواء"
كانت طريقتها سلسة ومريحة وتجاوبت دولت معها دون أن تشعر وما أن انتهى العشاء حتى قالت "والآن الدواء والنوم"
ابتسمت دولت وقالت "بعد كل ما تناولته لابد أن أنام أنتِ فتاة مختلفة حقا عهد"
كالعادة لم تتبدل ملامحها وهي تمنح المرأة الدواء وقالت "تفضلين أن أقرأ لك شيء؟"
حدقت بها وقالت "تقرئين؟ لا كفاك اليوم ما فعلت، فقط أردت أن أطمئن على بريهان لم أراها منذ خرجت من المشفى"
هزت رأسها وقالت "حاضر سأذهب لرؤيتها ولو لم تنامي سأخبرك بحالها ولكن من فضلك لا تقاومي النوم"
تركت المرأة وتحركت للغرفة المقابلة ودقت الباب فسمعت صوت غاضب يقول "ادخل"
فتحت ودخلت لترى تلك الفتاة التي لا تشبه أيا من اخوتها الاثنان جالسة بمنتصف الفراش شعرها الاسود القصير رائع وملابسها المنزلية منتقاة بعناية وقبل أن تنطق صرخت بها الفتاة "أين كنتِ أيتها الفتاة؟ ألا تجيدين عملك؟ لماذا تأخرتِ علي؟"
توقفت بمكانها لحظة قبل أن تقول "تأخرت على ماذا حضرتك؟"
قالت بريهان بنفس الغضب "على ماذا؟ ألا تعرفين عملك؟"
قالت "عملي مع مدام دولت وأنا قمت به بالفعل"
حدقت بريهان بها بعيونها البنية القاتمة وملامحها الصغيرة ولكن ليست جميلة وقالت "ماذا؟ وأنا؟ من سيقوم بخدمتي؟"
ظلت عهد صامتة قليلا قبل أن تقول "حضرتك لستِ بحاجة لأحد لا أذكر أن دكتور منصور منع عنكِ الحركة يمكنك النهوض وخدمة نفسك"
اتسعت عيون بريهان وهي ترد "أخدم نفسي؟ هل جننتِ؟ وأين تلك المرأة صفاء والممرضة الأخرى؟ وأنتِ لم لا تخدميني؟"
تحركت عهد تجاهها وقالت "لأن هذا ليس من عملنا جميعا، لكن أنا فقط يمكنني مساعدتك على تبديل ملابسك والاغتسال لو شئتِ"
بالطبع لم ترفض بريهان ذلك العرض وهي تستند على عهد للحمام والاغتسال وتبديل الملابس ثم عادت للفراش فقالت "احضري لي حقيبة المساحيق هذه؟ والفرشاة، هيا ألا تسمعين؟"
تراجعت عهد وقالت "لا، لا أسمع لقد انتهت مهمتي يمكنك فعل الباقي بنفسك لابد أن أذهب لرؤية والدتك وربما تأتين لرؤيتها فهي تسأل عنك"
والتفتت لتذهب ولكن بريهان صرخت بها "أيتها الغبية الحمقاء أنتِ مطرودة"
لم تلتفت لها عهد وهي تقول "أنا لا أعمل عندك"
وتركتها وخرجت لغرفة دولت التي كانت نائمة بعمق فلم تثير أي ضوضاء وهي تخرج إلى غرفتها لترى صفاء تتحرك تجاهها فقالت "ما زلتِ مستيقظة مدام صفاء؟"
قالت بدون تعبيرات "الآنسة بريهان تدق الجرس بشكل جنوني فاستيقظنا جميعا تقريبا"
لم ترد وصفاء تتحرك لغرفة الفتاة بينما تحركت هي لغرفتها لترتاح وتغتسل وتصلي
مر اسبوع تقريبا على بداية عملها، شفي ذراعها تماما وتحسنت دولت جدا وبريهان لم تتوقف عن الغضب والصراخ دون أن يهتم بها أحد وربما كانت تساعدها مرة أو اثنين ثم تفر منها ومن لسانها
دق الباب بالصباح ودخل دكتور منصور فنظرت له وهو يقول "صباح الخير"
أجابت دولت "صباح النور دكتور"
تحركت عهد له وقالت "كيف حالك دكتور؟"
ابتسم لها وقال "بخير عهد، ما أخبار المريضة اليوم؟"
منحته التقرير الذي تدونه كل يوم وهو لم يراها منذ ثلاثة أيام فتابعه باهتمام وقال "جيد، أريد رؤية الجرح"
انتهى من رؤيته وساعدتها عهد لتعود لمكانها فقال "رائع عهد لم أنتظر أفضل من ذلك، مدام دولت كيف تشعرين الآن؟"
ابتسمت وقالت "الحمد لله دكتور منذ أن تولت عهد أموري وأنا بأفضل حال فهي تتفنن في راحتي"
هز رأسه وهو يدون ملاحظاته وقال "هذه هي ابنتي، ممرضة ممتازة حقا، عهد سنحتاج لإجراء أشعة جديدة على مكان الإصابة وبنهاية الاسبوع سنبدأ العلاج الطبيعي سأمنحك هاتف دكتور نبيل وهو سيرسل لكم من يقوم بالأمر، هل تتألمين من جلوسك على المقعد؟"
قالت دولت "نعم ولا أريد أن أفعل، لا أريد الجلوس عليه لن أسجن نفسي به"
التقت نظرات منصور بعيون عهد ثم عاد وقال "المقعد ليس سجن مدام، ذلك الفراش هو السجن الحقيقي، المقعد سيجعلك تخرجين للعالم ورؤية النور والذهاب لأي مكان تريديه"
أبعدت وجهها بحزن وقالت "ومن قال أن لي رغبة للذهاب لأي مكان؟ ليس بعد ما كان"
رغم علاقة المرأة الجيدة معها إلا أنها ظلت محافظة على أسرار أسرتها ولم تتحدث عن حياتها ولا عن أولادها وهي لم تسألها حتى معاذ لم تراه منذ ذلك اليوم فلم تسأل عنه
تحرك منصور وجلس أمام الفراش وقال "اليأس طريق سد مدام ولا يختاره إلا من فقد إيمانه بالله ومهما كانت قسوة وظلام القدر فهناك نور ضئيل بين تلك الظلمة، كنجاة ابنتك من الحادث وبقائك أنتِ على قيد الحياة، وجود أولادك الرجال معك كلها أشياء تستحق أن تشكري الله عليها وتستعيدي نفسك من أجلهم"
أخفضت المرأة وجهها وقالت "أولادي؟ أنت رأيت ما فعله أولادي"
تراجع بالمقعد وقال "وهذا سبب أكبر يدعوك للشفاء والعودة كي توقفي تلك الخلافات لأنه لن يفعلها سواكِ"
رفعت وجهها له فنهض وقال "عهد لقد بدلت بعض الأشياء هنا واستمري بالباقي سأراها بعد اسبوعين"
تابعته عهد للأسفل وقبل أن يركب سيارته نظر لها وقال "هل أعجبك العمل هنا؟"
هزت رأسها وقالت "نعم، المدام تعاملني جيدا والراتب أيضا كبير وأكاد لا أحتاج لأي شيء"
هز رأسه وقال "وذلك الرجل الذي جرحك؟"
قالت "لم أراه منذ ذلك اليوم"
عاد وسأل "والسيد ليث؟"
شعرت بحرارة تسرق البرد من وجدانها ففرت بعيونها من الرجل وقالت "رحل هو الآخر عائدا لموطنه أمريكا"
ظل الرجل صامتا لحظة فرفعت وجهها له فقابل نظراتها بعيون صامتة قبل أن يقول "حسنا انتبهي لنفسك"
وتركها وركب السيارة وابتعد به السائق وهي تتابعه عندما ارتدت للداخل فرأت صفاء التي قالت "سيد ليث أخبرني بأن سيد معاذ سيأتي اليوم لزيارة والدته"
ظلت تنظر لها لتستوعب كلماتها وقالت "هل يخاطبك سيد ليث؟"
أجابت صفاء بعملية كعادتها "نعم، سيد معاذ سيصل بالرابعة هل هذا مناسب لمدام دولت؟"
هزت رأسها فتركتها صفاء بينما ظلت واجمة وهي تتساءل، لماذا لا يهاتفها هي بدلا من صفاء؟ ولكن لماذا يفعل وهي مجرد ممرضة؟ هناك صفاء المسؤولة عن كل شيء ومنصور الطبيب المختص، أما هي فلا شيء، تعلقت الدموع على أبواب عيونها ولكنها لم تستسلم للبكاء وهي تعلم أن هذا هو الصواب وما اعتقدته هو الخطأ
تحركت للأعلى لتعود إلى عملها بالصمت الذي عاشت وما زالت تعيش به
دق الباب بالرابعة ورأت معاذ يدخل بملابس أنيقة وملامح وسيمة وهو يقول "مساء الخير"
ابتسمت دولت التي كانت تنتظره بعد أن أخبرتها بزيارته وأجابت "أهلا حبيبي تعالى لقد افتقدتك"
مدت له يداها فأمسكهم وطبع قبلتين على وجنتيها وهو يقول "وأنا أيضا ماما كيف حالك اليوم؟ تبدين أفضل بكثير ووجهك متورد"
قالت "الحمد لله، عهد لها فضل كبير بكل ما وصلت له"
نظر لها ولمعت عيونه وهي تواجهه وقال "عهد كيف حال ذراعك؟ أردت أن أعتذر عما حدث ولكن"
وصمت فقالت بجديتها المعروفة "لا داعي لذلك، أنا بخير، مدام اسمحي لي لو أردت شيء اضغطي على الجرس"
ابتسمت لها دولت وتحركت للخارج ونظرات معاذ تتبعها ولكنها لم تراه لم تريد أن تواجهه بل هي تخاف من نظراته وتفهمها جيدا لذا فرت منه ودخلت غرفتها وهي تريد أن تبتعد عنه فهي لا تحب نظراته، وقفت أمام نافذة غرفتها ترقب الطيور وهي تتطاير هنا وهناك ولا تعلم كيف عاد ليث لذهنها وتساءلت، ترى أين هو الآن؟ ماذا يفعل؟ كيف يعيش؟ هل له زوجة وأولاد وأسرة كأي رجل بمثل عمره فهو تجاوز الخامسة والثلاثين ولابد أن تكون له حياته واستقراره هناك
التفتت بفزع عندما رن هاتفها فلم تتحرك له بالتأكيد رحمة فهي الوحيدة التي تسأل عنها، عادت لأفكارها عنه ولكن سرعان ما رن الهاتف مرة أخرى فتحركت له لتجد كلمة مكالمة فدق قلبها بقوة وأصابعها ترتجف وهي تحاول أن تضغط على زر الإجابة لتجيب وتسمع الصوت الذي تمنت أن تسمعه يقول
"عهد؟ هل أنتِ معي؟"
دموع تكورت بعيونها حجزت عنها الرؤية وشعرت بصوتها يمتنع عن الخروج ولكنها سعلت لتخرجه وتقول "نعم"
كان السائق يفتح له الباب وهو يركب وما زال ينتظر الرد منها فقال "هل وصل معاذ؟"
قالت وهي تلقي بجسدها على مقعد قريب "نعم وهو مع والدتك الآن"
قال بهدوء "أنا سمحت له بزيارتها بعد إلحاح من دولت، أين أنتِ؟"
قالت بدهشة من سؤاله "بغرفتي"
شعر بالراحة وعاد يقول "كيف حال ذراعك؟"
تمنت لو تقول هل ما زلت تذكر ولكنها قالت "بخير"
لاح الصمت بينهم لحظة قبل أن يقول "ماما تقول أنكِ أفضل شيء قدمته لها"
قلبها لا يساعدها على التركيز ولكنها فكرت بالرد وأجابت "هي تجاملني كثيرا سيد ليث"
أبعد وجهه للنافذة وقال "سمعت أنك تمنحين بريهان بعض الاهتمام"
قالت بضيق لذكر الفتاة "عندما تتوقف عن التلفظ بكلماتها المنفرة"
ابتسم وقال "وقتها تتركينها وتخرجي وهي تصرخ بكِ"
قالت بعصبية "حضرتك تعرف كل شيء دون مهاتفتي"
ذهبت ابتسامته واحتل الصمت بينهم وهو يفهم كلماتها بينما غضبت هي من نفسها لما قالت فقالت "أنا"
قاطعها "أنتِ غاضبة لعدم اتصالي؟"
تعرق جسدها من سؤاله الجريء ولكن هي تستحق وتاهت منها الكلمات وتلجم لسانها وهو أدرك ذلك من صمتها فعاد وقال "صفاء تمنحني تقرير يومي عن كل شيء يكفيني لمعرفة أخباركم ولو كان لديكِ جديد كنتِ طلبت مهاتفتي"
تلك المرة سقطت الدموع وأدركت أنها من حفرت الحفرة وبالنهاية سقطت بها، عندما لم ترد أغمض عيونه وعبث بهم بأصابعه ثم قال "مكتبي سيتصل بدكتور العلاج الطبيعي لتحديد المواعيد المناسبة"
مسحت دموعها وقالت "كما تشاء حضرتك"
وانتهى الاتصال على أسوء وجه وتوالت الدموع على وجهها غزيرة بينما ظل هو ينظر خارج النافذة متعجبا من نفسه لاهتمامه بتلك الفتاة وأنه يلوم عليها عدم طلب محادثته فهل انتظر منها أن تفعل؟ ولماذا؟ ولماذا اتصل بها اليوم بالذات عندما منح معاذ الإذن بالذهاب لرؤية والدته؟
توقفت السيارة أمام منزله وفتح له السائق الباب فنزل نافضا عنه الأفكار كلها وهو يقول بإنجليزية واضحة "يمكنك الذهاب لن أحتاجك الليلة"
انحنى الرجل باحترام وتقدم هو والخادم يفتح له الباب ليرى امرأة حسناء تتحرك تجاهه بفستان ذهبي طويل ففك ربطة عنقه دون اهتمام بها وهي تقول "لم تتأخر اليوم حبيبي"
ترك ربطة العنق معلقة حول عنقه وهي تتقدم تجاهه حتى وصلت له وارتفعت لتضع قبلة على فمه قابلها ببرود وهو يبتعد من أمامها فقالت "ماذا بك؟"
تحرك تجاه مائدة العصائر التي تماثل تلك التي بمصر كما هو البيت بجماله وروعته وسكب لنفسه عصير وقال "متعب من العمل"
تناول العصير وتحرك للنافذة متجولا بنظراته بالظلام الخارجي لحديقة منزله فتبعته واحتضنته بذراعيها ولكنه نفض ذراعيها وقال "مي! توقفي"
تراجعت من حدته وقالت "أنا خطيبتك ليث"
ابتعد وتناول العصير وقال "تعلمين الرد مي"
غضبت من برودة كلماته وتصرفاته معها وقالت "لا، لم أعد أعلم شيء ليث، بابا أخبرني أنك وافقت وكل شيء سيتم كما اتفقتم وأنت تتصرف وكأن ليس بيننا أي شيء فأين الحقيقة ليث؟"
التفت لها وارتفع حاجبه بتساؤل وردد "الحقيقة؟"
كاد يتحدث لولا أنه تذكر الأمر فظل يحدق بها وتلجم لسانه ثم ابتعد من أمامها فتحركت تجاهه وقالت "ليث أنا أحبك"
تناول ما تبقى من العصير وقال "ولكنك تعلمين أني لم أفكر بالحب بأي وقت"
قالت بحزن "ولكني على أمل أن تفكر به عندما نتزوج"
كانت تقف أمامه بعيونها السوداء الواسعة والتي تبدو كعيون الفراعنة بالكحل الذي تضعه ولون الشفاه البني فبدت فاتنة حقا ولكنه لم ينجذب لها بأي يوم، طوال السنوات التي عرفها بها كان يعتبرها صديقة أو أخت لكن أن يتطور الأمر لزواج فهو ما لم يتخيله بيوم ما..
ابتعد من أمامها وقال "ألا تجدين أن الوقت تأخر على وجودك هنا؟"
ضحكت وقالت "ما يزيد إعجابي بك هو تمسكك بالتقاليد المصرية، هل تعلم أن بابا لا يهتم أصلا بكل ما تهتم أنت به؟ هو أصلا لا يتساءل عن كيف أعيش حياتي ومع من أكون، هو لا يفكر إلا بالعمل والمال"
تحرك لمكان العصير وترك الكوب وقال "تعلمين أن مسؤولياته كثيرة وأنتِ كبيرة بما يكفي لتتولى شؤونك بنفسك"
تحركت له مرة أخرى وأحاطته بذراعيه من عنقه وهي تقرب وجهها منه وتقول "وها أنا أفعل"
وقبل أن تصل لوجهه كان يبعد يداها من حول عنقه وهو يقول "مي أخبرتك أن تكفي عن ذلك"
وابتعد وهو يكمل "أنا حقا متعب وأرغب بالراحة فهل يضايقك أن أصعد لأنام؟ البيت بيتك"
بالطبع تملكها الغضب وتحركت تجذب حقيبتها وقالت "حسنا ليث تملك ذوق رائع عند التعامل مع خطيبتك"
وتحركت للخارج فنفخ بقوة وهو يغمض عيونه من الصداع، تحرك للسلم بينما خرج رجل كبير بالعمر ولكنه رشيق الحركة مسرعا تجاهه وقال "هل ذهبت؟"
قال بدهشة لرؤيته "جون! نعم ذهبت، متى أتيت؟ هل أعد أحدهم لي الحمام؟"
قال جون وهو يتبعه لأعلى "بالتأكيد منذ وصولك تم إعداده، والعشاء ينتظرك حتى تنهي حمامك"
دخل غرفته فتبعه جون وخلع هو جاكته وألقاه بعيدا وقال "لا أريد، أحتاج للنوم"
تحرك للحمام فتبعه جون وجلس هو بالمغطس بمياهه الدافئة واستلقى به فتحرك جون تجاهه وبدأ يحرك يده على أكتافه فاستسلم له مغلقا عيونه بينما قال جون "ماذا بك؟"
لم يفتح عيونه وذهنه عاد لها فقال "مصر تشغل تفكيري جون"
لم تتبدل ملامح الرجل وهو يقول "والدتك؟"
لم يرد وقد شرد بصوتها الذي شعر به بالبكاء عندما تعمد إحراجها، لمسات جون الذي هو مدرب بجيم ومتخصص بالتدريبات والمساج والعلاج الطبيعي ومدربه بالأصلي بالحقيقة، تجعله يسترخي ويشعر براحة ما بعدها راحة
سمع جون يقول "لم لا تذهب لزيارتها؟"
لم يفتح عيونه وقال "لا أستطيع الآن، المؤتمر الدولي بعد عدة أيام وهناك لجنة ستزور معرض الشركة ولابد من وجودي وغيره من الأعمال التي لا تنتهي"
ولكن جون قال "كف عن شد عضلاتك ما الذي يشغلك هكذا ولا تخبرني أنه العمل فأنت تعمل منذ كنت بالثامنة عشر ولم يفعل بك ذلك"
فتح عيونه ولم ينظر لجون الذي التفت له وتوقف عن التدليك وهو يتحرك لينظر له ولكنه هو أبعد وجهه وقال "كفى لقد اكتفيت جون شكرا لك"
كان يعلم أن جون هو الوحيد الذي يكشف بئر أسراره لذا أبعد عيونه عنه فهو من تولى رعايته منذ أن وطأت قدمه نيويورك وحتى اليوم ولكن جون لم يذهب وهو يقول "وهل تظن أنك بذلك تفر مني هيا أخبرني من هي؟"
التفت له بنظرات حادة ولكن جون ابتسم وقال "بالتأكيد ليست مي فأنا أعلم وضعك معها إذن تحدث"
تعصب من كلمات جون وقال "كفى جون، لا تتمادى بدون داعي واتركني وحدي"
تراجع جون من غضب ليث وتحرك للخارج وهو يقول "كما تشاء لكن لو كانت بمصر فمن الأفضل لك أن تسرع بالعودة"
كلمات جون صفعته دون أن يشعر فاهتز وهو يدرك ما يحدث له فنفخ بقوة ورفع يداه على وجهه ومررهم بشعره وهو غاضب منذ تلك المكالمة..
يتبع...

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن