الفصل الثاني عشر
خاتم.. دبلة
باليوم التالي كانت تركب بجواره على الطائرة بالدرجة الأولى والصمت هو من رافقهم منذ الأمس، لم يمكنه مواجهتها بعد كلمات منصور عن الزواج ورفضه هو لترك مي وإدراكه أنها أوقفت كل ما كانت تمنحه إياه حتى نظرات الحنان التي كان يراها بعيونها أوقفتها وتحولت للممرضة التي عرفها أول الأمر ولم تتحدث معه إلا بحدود فأدرك ذلك ولم يعترض فلا داعي للاعتراض لأنه لن يغير أي شيء
لم ينظر لها وهو يقول "جون اعترض على الشقة التي اقترحتها لكِ واختار هو بيت آخر بجوار بيته حتى تستطيع جنيس زيارتك"
نظرت له بتساؤل فقال "جنيس زوجته، جون لا يقيم ببيتي هو له بيته وزوجته"
أبعدت وجهها وقالت "متى ستتوقف عن إثقالي بالديون؟"
شعر بالضيق يتملكه فنفخ وقال "هل لابد أن أجيب بأني لن أتوقف؟ أنا تعبت من تكرار كلماتي لك عهد فهل تتوقفي؟"
ارتدت له وقالت "التوقف يعني موافقتي على ما يحدث وأنت تعلم الحقيقة"
ظل ينظر لها حتى قال بقلب مثقل مما يحمل داخله "تكرهيني؟"
شعرت بالبرودة تتسرب لجسدها والسؤال يسقط عليها كدلو معبأ بالثلج، قالت "بالتأكيد ولذلك أطير معك لبلد لا أعرف بها سواك، هل تعي ما تقول سيد ليث؟"
تحركت يده فجأة وقبضت على يدها ومال تجاهها وقال بصوت لا يسمعه سواها "أقسم أنكِ لو لم تتوقفي عن سيد هذه لأقبلك أمام كل الموجودين بأي مكان ستنطقين بها"
تراجعت ووجها يضج بالدماء وظلت تتنسم أنفاسه على وجهها ونظراته تنهشها وتكوي كيانها، أما يده فلم تقبل بترك يدها ولكنها قالت بقلب ممزق "لقد وضعنا القواعد وعلينا الالتزام بها"
قال بجدية "أخبرتك من قبل أني من أضعها وأنا من أخرقها"
أبعدت وجهها وقالت "ماذا تريد مني؟"
ظل صامتا فعادت تنظر له فقال "ليتني أعرف إجابة، صدقيني لا أعرف كل ما أعرفه أني أريدك معي وأن علي حمايتك"
قالت بضعف جعلها تنفض قرارها وكل ما خططت له من بعد عنه والجفاء بحديثها كل ذلك سقط بمجرد لمسة يده لها، الضعف تجاهه هو السيد عليها "لن يتقبل أحد ذلك ليث خاصة خطيبتك"
شد على يدها من غضبه الكامن داخله وقال "لا أحد يقيد تصرفاتي عهد، بنيويورك أنا رجل آخر الجميع يعرفه جيدا بما فيهم مي ووجودك بحياتي لن يوقفه أحد حتى أنت"
سألته "إلى متى وبأي صفة؟"
لم يجد أيضا إجابة فهو يريدها معه لآخر العمر ولكن كيف؟ بأي صفة؟ أجاب "لا أعرف عهد ولا أريد أن أعرف، فقط دعينا نعيش الحاضر واتركي غدا لغد"
لم تترك عيونه وكانت تعترض على كل ذلك ولكن قلبها لم يعترض بل راضي وسعيد بقرب ذلك الرجل الذي يترك عالمه من أجلها بل جذبها لعالمه كي تظل معه فكيف ستكون حياتها بجواره؟ هي تعلم بل متأكدة أن ما تفعله خطأ وستدفع ثمنه غاليا جدا
بالتأكيد عرفت ما كان يعني بكلماته من أن هنا هو رجل آخر فمنذ وضع قدمه على أرض المطار حتى ظهرت رجال من حيث لا تدري وأحاطوا به حتى وصلا لسيارة ليموزين سوداء حملها هو من على المقعد المتحرك كالعادة ووضعها بالسيارة وتولى السائق كل شيء من بعده بينما انهى حديثه مع رجل بدا أنه أهمهم بالنسبة له ثم ركب بجوارها وقاد السائق وهو يقول
"ربما لن يمكنني البقاء معك باليوميين التاليين من الواضح أن الأمور تعقدت بغيابي"
كان يمسك هاتفه باهتمام فقالت "هل هناك ضرر؟"
لم ينظر لها وهو يجيب "لا"
ثم رفع الهاتف لأذنه وبدأ حديثه ولم ينتهي طوال الطريق وقد وجهت نظراتها للبلد الرائعة والمزدحمة حتى وصلا لطريق هادئ لمدة ربع ساعة تقريبا ومنه لمدينة صغيرة جدا ببيوت صغيرة أيضا من طابقين وحدائق تحيط بها وتوقفت السيارة أمام أحدهم فأنهى اتصاله وقال
"لقد وصلنا"
نزل بعد أن فتح له السائق ثم فتح أحدهم بابها ورأت الكرسي المتحرك أمامها ولكنه تراجع به عندما تحرك ليث ليحملها ويضعها عليه وتركه للرجل ليدفعه وهو يعدل من جاكته ويقول
"جون وزوجته بانتظارك ستقيمين معهم حتى تستعيدي نفسك وبعدها تنتقلي لبيتك"
كان البيت رائع وجميل حقا ورأت الباب يفتح وامرأة بمنتصف الأربعينات تسرع إليهم بوجه مبتسم وتفتح ذراعيها له لينحني ويحتضنها وهي تقبله وتقول "حبيبي كم افتقدتك"
قال بصدق "وأنا أيضا جيس كيف حالك؟"
أبعدها لتنظر لعهد بنفس الابتسامة وقالت "بالتأكيد أنتِ عهد، آسفة أتحدث العربية بصعوبة"
قالت برقتها المعهودة "لستُ أفضل حالا بالإنجليزية"
ضحكت جيس وربتت على ذراعيها وقالت "سنتعلم نحن الاثنتان، أنا جينيس وهو من بدأ يناديني جيس والجميع تبعه ولكني أحبها منه هو جدا، هيا تعالوا الشاي جاهز، جون يعد الكعك"
دفعها الرجل بينما رن هاتفه مرة أخرى فلم يتبعهم بينما رأت البيت الدافئ والمثير للراحة وتركها الرجل حيث أشارت جيس وخرج بينما كانت رائحة الكعك تملأ المكان وسمعت جيس تنادي زوجها الذي ظهر من مكان جانبي بابتسامة رائعة وقد كانت سعيدة لرؤية الرجل الذي تبني ليث ومنحه حياة لم ينالها من أسرته الحقيقية
رحب بها وهو يقول "وأخيرا عهد، كيف حالك الآن؟"
لا تعلم كيف ابتسمت له وهي تقول "بخير الحمد لله"
كانت تعلم أنهم يعرفونها كما تعرفهم فقط من كلمات ليث القليلة، دفع جون المقعد للداخل حيث سطع ضوء النهار بالمكان البسيط والمريح، البيت وترحيب أصحابه بها جعلها تشعر كما لو أنها ببيت أقرب الناس لها
قال جون فجأة "كان بإمكاني الذهاب لمصر لإحضارك بنفسي عنما عرفت برفضك الحضور"
اختفت جيس بينما تقدم هو ليجلس أمامها فاندهشت لكلماته وهو يعني أن ليث يحكي له، قالت "حقا؟ لماذا؟"
ضحك وقال "كي يستعيد نفسه فما أن يعود من مصر حتى"
قاطعه صوت ليث وهو يدخل ولكنه لم يسمع ما قاله جون وهو يقول "رائحة الكعك رائعة هل لي بقطعة قبل أن أذهب، جيس أين الكعك"
رحب به جون وقال "جيس تجهز الشاي، اجلس كيف حال أخيك؟"
لم ترفع وجهها لأحد وقد نست معاذ بالأيام السابقة بينما جلس هو على الأريكة المريحة وفك جاكته وقال "بدأ يتحسن أيام وسيخرج من المشفى، لم أرى أيا منهم مؤخرا"
قال جون "وهل سينتهي من جنونه معك؟"
رفعت وجهها له بتساؤل فأبعد وجهه وقال "هل تظن ذلك؟ معاذ لا يتوقف"
كان جادا جدا وشعرت بالدهشة لأنه لم يودعهم قبل سفره، دخلت جينيس بالأشياء وساعدها هو وبدا وكأنه على طبيعته لأول مرة وكأنه ببيته، منحها قدح الشاي والكعك الرائع وتناول هو خاصته واستمتعت بحديثهم المرح ولم يذكروا مصر مرة أخرى بل كل الحديث كان عن الطعام والرياضة وبعض من عمله حتى رن هاتفه مرة أخرى فأخرجه ثم أغلق الصوت ونهض وهو يغلق جاكته ويقول
"لابد أن أذهب ولا أعلم متى يمكنني أن أعود"
لم ترد واختفى جون وزوجته فجأة وهو يقترب منها فقالت "متى سأتخلص من هذا المقعد"
ابتسم وقال "أنت ممرضة فلتجيبي"
ابتسمت مرة ثانية فداعب وجنتها بإصبعه وقال "سعيد لوجودك هنا وبرؤية ابتسامتك عهد فهي تمنحك جمال فوق جمالك"
ولم تعرف كيف انحنى وخطف قبلة من شفتيها ثم ابتعد وقال "هذه لتمنحني القدرة على بعدك الأيام القادمة، لو أردتِ شيء أخبري جون وهو سيصل لي وليتك ترتدي هذا من أجلي"
ووضع شيء بيدها فنظرت له وهو يتحرك خارجا وبلحظة شعرت بالوحدة بدونه ولكن سرعان ما ظهر جون وهو يقول بمرح "والآن تشعرين بالغربة"
وضعت العلبة بجيب ملابسها ونظرت لجون بدهشة فقال "لا تنظرين لي هكذا، بالتأكيد وضع طبيعي فهذا أول يوم لكِ هنا ببلد غريب وأشخاص غريبة والرجل الوحيد الذي يعرفك رحل وتركك، بالتأكيد تشعرين بالوحدة"
لم ترد فوقف أمامها وقال "سنتحدث كثيرا سويا عهد فأنا أرى بعيونك الكثير ولكن ليس الآن فلابد أن ترتاحي أولا هيا"
التفت ونادى على زوجته التي أسرعت لهم وتولت مساعدتها إلى غرفة صغيرة ولكن مريحة، استبدلت ملابسها بصعوبة ثم تذكرت ما منحه لها فعادت للملابس الأخرى وأخرجت العلبة من الجيب، فتحتها لتراها، خاتم ماسي رائع بفصوص كثيرة على شكل قلوب صغيرة متماسكة كان رقيق حقا ويدل على الجمال والأناقة أخرجته ووضعته بإصبعها وتأملته كان جميل جدا، لأول مرة يهديها أحد شيء ولكنه ليس أي شيء بل قطعة فنية رائعة الجمال وثمينة القيمة، علامة لاموند تعلو دلالة على مكانة الخاتم ولكن بالنسبة لها مكانته من صاحبه الذي منحه لها وأصبح ذا قيمة غالية عندها ليس فقط بسعره وإنما بقيمته المعنوية
استلقت بالفراش وهي تضم يدها لصدرها ثم اعتدلت وأمسكت الهاتف ولم تتردد وهي تتصل به فأجاب بعد وهلة بصوته الهادئ فقالت "تصميمك؟"
ابتعد عن الرجال التي كانت تقف بمكتبه وقال "ماذا تظنين؟"
قالت بقلب ينتفض بقوة من دقاته "إنه رائع ولكن"
قاطعها "لا تخبريني هذا الحديث عن عدم قبولك له فهو هدية ترحيب بك ببلدي"
قالت "بلدك؟"
ناداه أحدهم فقال "بالتأكيد، أنا حقا سعيد بوجودك هنا عهد"
دقات قلبها زادت والحرارة عادت لجسدها، ناده أحدهم مرة أخرى فقال "عهد لابد أن أتركك الآن هل نؤجل حديثنا لوقت آخر؟"
أسرعت وقالت "نعم، حسنا، فقط أردت أن أشكرك ليث حقا هو رائع"
ابتسم وقال "على الرحب والسعة ذهبية العيون"
وأغلق وهي تركت الهاتف وعادت تنظر للخاتم بسعادة ثم احتضنته وهي تتذكر كلماته بكل أوقاتهم ورفضت تذكر ما كان أمام منصور ورفضه للزواج منها أو ترك مي وهي لم تكن لتطالبه بأي يفعل فهي لن تكون المرأة المناسبة له يكفيها وجوده معها..
انقضت الأيام سريعة مع جون وزوجته وعرفت أنه لم يذهب لبيته طوال الاسبوع ولم يراه أحد منهم بينما تحسنت هي والطبيب الذي أحضره جون فك ساقها وأمكنها التحرك بيسر كما شفيت جراحها، هو صدرها فقط الذي ظل يؤلمها مع المجهود ولكنها كانت أفضل حالا
عرفت الكثير عن جون وزوجته وأن ليس لهم أولاد ولأنهم يعشقون بعضهم البعض لم يفترقا واكتفيا بليث بحياتهم بالرغم من أنه كان كبير يوم انضم لهم، جون لم يتحدث عن ليث كثيرا وهي خجلت من ذكره وبدا أن جينيس لا تعرف ما يعرفه جون ولكنها تحبه جدا..
خرجت من غرفتها فوجدت جينيس بالمطبخ فقالت "جيس متى سأرحل لبيتي؟"
التفتت لها جيس وقالت "ظننت أنكِ لن تفعلي عهد، ألا تبقين معنا؟"
حدقت بها للحظة ثم قالت "لا أريد أن أكون ضيف ثقيل، ليث أخبرني أنه أعد لي بيت"
أبعدت جيس وجهها للطعام وقالت "أنتِ لستِ كذلك عهد، نعم، جون هو من اختار البيت بنهاية الشارع، عشر دقائق من هنا، ربما تنتقلين بأول الاسبوع"
تحركت تجاهها وقالت وقد تبدلت ملامح جيس "لا أريدك أن تغضبي مني جيس"
ابتسمت لها المرأة وقالت "أبدا عزيزتي، فقط اعتدت على وجودك جون لا يتواجد كثيرا ووجودك منحني صحبة رائعة"
هي أيضا لا تنكر ذلك وقالت "أنا أيضا شعرت بينكم بالراحة والسعادة"
دخل جون وقال "مساء الخير"
التفتت له المرأتان وقالت جيس "جون تأخرت على الغداء"
جلس على المائدة وقال "كنت ببيت ليث انتظرته على أمل لقائه ولكنه اعتذر كالعادة"
نظرت له وهو لم يخاطبها ولا هي منذ وصولها فقالت "هو ذكر أنه مشغول"
هز رأسه وقال "نعم المعرض الدولي يأخذ كل وقته لأنه هو الراعي الرسمي له وهو الذي يشرف عليه بنفسه وسمعت أيضا أنه سيقيم فرع جديد لشركاته بلوس أنجلوس وهذا يشغله أكثر هذا غير عمله الأساسي"
أبعدت وجهها لحظة ثم عادت وقالت "هل توقف عن الرسم؟"
ابتسم وقال "بالتأكيد لا إنه كالدم بعروقه، هو له جناح خاص بالمعرض يعرض به تصميماته هو فقط، هذا بخلاف المصممين العاملين لديه فلهم جناح آخر باسم الشركة أيضا ويقال أن التصميم الأخير له غير مرئي أي لم يراه أحد سوى رجل واحد هو من وضعه قيد التنفيذ وتحت إشراف ليث الشخصي"
تساءلت هي "ومتى المعرض؟"
قال "الاسبوع القادم، ويستمر المعرض اسبوع كامل"
تدخلت جيس "عهد تريد الانتقال لبيتها"
رفع جون عيونه لها وقال "ظننت أنك سعيدة هنا؟"
أسرعت تقول "جدا، لم أشعر بسعادة مثلها من قبل، لكن وقت أن أبدأ العمل فربما لا يكون ذلك جيد لكم ولا مناسب لظروفكم"
نهضت لتساعد جيس بوضع الأطباق فقال جون "دعينا نحن نحكم فقط لا نريد تركك وحدك إلا عندما تكوني مستعدة لذلك"
لم تعترض وهي تضع الطعام بل كانت توافق على وجودها معهم وسعيدة بصحبتهم جدا ولم تشعر سوى بالراحة بينهم
****
ما أن ترك جناحه بالمعرض وخرج ليكمل الإشراف على باقي الأجنحة وبجواره المدير المختص حتى تفاجأ بمي تقف أمامه والغضب يلفها فتوقف بمكانه وهو يحدق بها وقد نساها تماما كما نسى كل العالم الخارجي فقط عمله هو ما أخذه
التفت للرجل وقال "حسنا كولن انتظرني بالصالة الكبرى"
أحنى الرجل رأسه باحترام وتركه وذهب بينما اقتربت هي منه وقالت "لم تسأل فكان علي أن أفعل"
رفع أصابعه بشعره وقال "مي أنتِ بالتأكيد تدركين ما يحدث حولي"
بدت هادئة وهي تقول "حقا!؟ متى عدت من مصر؟"
بلحظة تبدلت الدنيا بذكر مصر وحدق بها وهو يقول "اسبوع لماذا تسألين؟"
لمعت عيونها الجميلة وقالت "ألم تفكر أن تخبرني بوصولك ليث؟ ألا تظن أن من المحرج أن أعرف بوجودك هنا من واحدة لا يربطك بها أي صفة وأنا خطيبتك لا أعرف؟"
اقترب منها وشعر بالضيق من نفسه لأنه لا يستطيع منحها ما تنتظره منه، انحنى وطبع قبلة باردة على وجنتها وقال "أعتذر مي ولكن حقا العمل يأخذني بدون رحمة، أنا لم أدخل البيت منذ عودتي"
أخفت دموعها بطريقة لاحظها فزاد ألمه وغضبه من نفسه فقال "ما رأيك بالغداء سويا"
هزت رأسها دون أن تتحدث فأمسك ذراعها وقادها وهو يقول "فقط لتنتظريني بمكتبي حتى أنتهي من كولن"
لم تكن علاقته بمي سوى طوق ناري التف حول حياته لم يريده بأي وقت ولكنه فرض عليه برضائه، هو يعلم أنه لن يمنح الخطوبة أكثر من ذلك فالزواج عدوه الأول ولا يفكر حاليا كيف سيوقف ما بينه وبين مي دون خسائر فادحة هو ليس مستعد لتقبلها الآن
ما أن جلسا بالمطعم حتى قالت "تبدو مختلفا ليث"
ترك قائمة الطعام ونظر لها وقال بجدية "بل مشغول مي، تعلمين ما لدي بالتأكيد عزيز أخبرك، لماذا لم يهاتفني مؤخرا؟"
قالت وهي أيضا تترك قائمة الطعام "هو بألمانيا ليث"
هز رأسه والرجل يقترب فمنحه الطلبات ثم تركهم فقالت "عرفت أن هناك فتاة كانت معك بالمطار على مقعد متحرك"
نظر لها وشعر بغموض بنظراتها فضاقت عيونه وهو يعلم أن الأخبار تنتقل بسرعة رغم أنه لم يرى عهد من وقتها، قطب جبينه بقوة من التفكير قبل أن يقول "الأخبار تنتشر بسرعة، نعم هي الممرضة التي كانت تساعد دولت، معاذ تسبب لها بضرر بالغ ومشاكل بالعمل لذا اقترحت عليها أن تأتي هنا لتحصل على عمل مناسب"
ظلت صامتة قبل أن تقول "وهل تفعل هذا مع كل من تتسبب له عائلتك بالضرر؟"
ظل ينظر لها ولم توتره كلماتها وهو يعلم أن لديها الحق كخطيبة للتساؤل ولكن هو الذي يحدد الحقوق فقال بهدوء " ليس كلهم فقط من يستحق"
شعر بالغضب يرتفع لعيون مي وهي تجز على أسنانها وقالت "لا تفعل ذلك ليث"
تناول القهوة ببرود وقال "إذن لا تتذاكي معي مي، تعلمين أني لا أحب تلك الطريقة"
ظلت تنظر له وقالت "ألا تظن أن من حقي أن أعرف"
لم يبعد عيونه عنها وقال "حقك هو ما أمنحه لك مي"
هتفت بغضب "وماذا تمنحني ليث؟"
نظراته جالت بالموجودين حولهم ممن التفت لصوتها ثم عاد لها وقال "جنونك لن يؤثر بي ولكنه سيدفعني لتركك وحدك هنا، توقفي مي وعودي لنفسك"
أغمضت عيونها للحظة ثم عادت له وقالت وهو يسترخي بمقعده "ما الذي بينكم؟"
أنهى القهوة وقال بثبات "ما أخبرتك به"
حاولت أن تبتلع ما أرادت قوله ثم عادت لتسأله "وهل حصلت لها على ما تستحق؟"
قال بهدوء "لا، ما زالت تشفى من الحادث الذي أصابها أنا لم أراها حتى منذ وصلت"
لم تخفي الغضب مرة أخرى بعيونها وهي تقول "ولكنها كانت تركب بجوارك بالطائرة وتحظى باهتمامك وركبت سيارتك"
اعتدل وقال محاولا كبت الغضب الذي تدفعه هي له "مرة أخرى مي؟ أنتِ تتجاوزين معي"
بدأ الغضب يتصاعد من داخلها وهي تقول "لا، ليس تجاوز ليث بل هو حقي، حقي بأن أعرف من تلك الفتاة التي حازت على اهتمام خطيبي وأتساءل ماذا تمثل بالنسبة له كي تحظى باهتمام ليث الجبالي شخصيا فخطيبته لا تحظى بمثل ذلك"
صمت الاثنان لوصول الطعام ثم ذهب الرجل فعادت تقول "من فضلك أجب ليث"
لم يتحرك أيا منهما تجاه الطعام بيننا أوقف هو غضبه فلن تتراجع مي وهو يعلم ذلك فقال "أخبرتك مي، أنا من أحضرها وكان علي أن أؤمن لها حياة جيدة بعد أن دمرها أخي"
ظلت صامتة للحظة ثم قالت "وأين وكيف وفرت لها ذلك الأمان؟"
شعر بالغضب يتسرب له مرة أخرى فقال "أخبرتك أن هذا أمر يخصني مي وتوقفي عن طريقتك هذه لأنها لا تعجبني لثاني مرة أحذرك"
لم تتراجع وكأنها لم تسمعه وهي تقول "ما يخصك يخصني ليث هل نسيت ما بيننا؟"
نفخ بقوة وهو يبعد وجهه ليوقف الغضب قبل أن يقول "لا مي، ما يخصني لي وحدي ولا شأن لأيا كان به تعلمين ذلك جيدا وتوقفي لأني حقا لن أتحمل الكثير اليوم"
قالت بدموع واضحة "هل تربطك بها علاقة؟ هل نمت معها؟"
التمعت عيونه بغضب واضح لم يعد يمكنه إيقافه فاقترب من طرف المائدة وهتف بقوة "إلى هنا وكفى مي، الغداء على حسابي"
وترك المائدة ونهض دافعا مقعده للخلف بقوة لفتت الانتباه وتحرك مبتعدا بخطى ثابتة تاركا إياها وحدها مع دموعها وهو يتحرك بنفس الغضب لسيارته حيث فتح له السائق الباب فركب وقال
"بيت جون"
أغمض عيونه ليهدأ من الغضب الذي تحرك داخله، كيف تجرؤ أن تتهمه بذلك؟ هو أبدا لم يقم بأي علاقة غير شرعية مع أي امرأة الجميع يعرف سمعته جيدا، هو لم يمنح أي امرأة تلك المكانة ولن يفعل، لن تقترب امرأة من حياته لأكثر مما هو يسمح، لن تدخل بيته وتنام بفراشه، لن تكون أي امرأة جديرة بأن تأخذ ثقته وتحمل اسمه حتى ولو كانت مي
هي نفسها تدرك ذلك هو لم يسمح لخطبتهم أن تمنحهم أكثر من قبلة بريئة على وجنتها، حتى بيتها رفض تواجدها به والمرة الوحيدة التي فعلت كان واضح أنه لا يريدها فكيف تسأله مثل ذلك السؤال؟ وما أثار غضبه أكثر أنها تتحدث عن عهد، تلك المرأة التي تحمر خجلا من لمسة يده، أوقف أفكاره عند ذكرها وتساءل هل حقا ما زال يدفع النساء بعيدا؟ ماذا عنها وهو من أحضرها هنا وألزم نفسه بها وتركها تسكن عقله وتربك أفكاره؟ ضاعت الاجابات بسراديب حياته المتشعبة ولم يدرك أين يضع قدمه بالخطوة القادمة
****
ما أن جلست لتناول الغداء حتى سمع الجميع دق على الباب فنهض جون وتحرك للباب وسمع الاثنان صوت مألوف وتوقف قلبها عن الدق لسماع صوته بينما نهضت جيس مسرعة تجاهه وهي تحتضنه كالعادة وهو ينحني ليبادلها الحضن وهتفت
"افتقدتك، تعالى الغداء ينتظرك"
لم تقو على النهوض عندما التقت بعيونه، كم افتقدته ولكن لا يحق لها أن تحتضنه مثل أولئك القوم، قال "أراكِ بأفضل حال"
رفعت عيونها له وشعرت بأن شحنة كهربائية صعقتها، هزت رأسها وجذبت صوتها وهي تقول "نعم، وأنت؟"
خلع جاكته ووضعه على ظهر المقعد وفك ربطة عنقه وتركها على صدره وهو يقول ساخرا من نفسه "بأفضل حال"
جلس جون بجواره ضاحكا وقال وجيس تضع أطباق أمامه "أكاد أرى ذلك"
أبعد وجهه عنها وقال "المعرض اقترب جون"
وضعت جيس الطعام له وبدأ الجميع بتناوله ولم يجادله أحد فقال "هل جراحك بخير عهد؟"
قالت جيس بسرعة "نعم، وتطالب بالرحيل"
رفع وجهه عن الطعام ناظرا لها بقوة وهو يسأل "الرحيل إلى أين؟"
راقبه جون وهو يقول "للبيت الجديد ليث ولكني أقنعتها أن تبقى حتى تستقر أمورها بالعمل"
ترك عيونها لجون ثم عاد للطعام وتبادل جون معه الحديث عن العمل وهي ظلت صامتة كعادتها، بعد الغداء رفضت جيس مساعدتها كالعادة وتولى جون العمل معها بينما تحرك كلاهم لغرفة الجلوس وألقى نفسه على الأريكة وجلست هي أمامه وقالت
"تبدو متعب وغاضب"
التفت لها ونظراته تتساءل عندما قال "غاضب!؟"
نظرت لأصابعها وداعبت خاتمه وقالت "ألست كذلك؟"
ظل صامتا فرفعت وجهها له فالتقت بنظراته فقال "ربما، مكتبي أعد لكِ دورات تدريبية لابد أن تحصلي عليها قبل أن يمكنك الحصول على عمل وعليكِ أن تنالي تقديرات مرتفعة بها قبل أن ترتقي للمستويات الأعلى"
لم تبعد عيونه عنه وقالت "هل أخبروك عن هذه الدورات أي شيء"
أغمض عيونه وقال "لا، ستصلني التفاصيل الليلة وسأرسلها لك"
انقبض قلبها من أجله وقد بدا الإرهاق على ملامحه فقالت "ماذا بك؟"
لم يفتح عيونه وهو يقول "لم أنم منذ أيام لا أعرف عددها"
ترددت ثم قالت "فقط؟"
فتح عيونه ليواجها بصمت ونظراتها لا تصدقه فقال "لا شيء عهد، لا شيء"
ثم نهض فنهضت وهو يقول "لابد أن أذهب"
ظلت ثابتة بمكانها لا تريد ذهابه ونظراتها تعني ذلك بل وتمنت لو تتغلغل داخله لتعرف ماذا به، نظراته الغائمة تعني أنه ليس بأفضل حال ربما عليها أن تصدقه بأنه العمل، واجهت عيونه ولكنه أبعدها وهو يتحرك ليحضر جاكته عندما مر من جوارها فقالت
"أنت غاضب مني؟"
توقف بجوارها ولم ينظر لها وهو يرتدي جاكته ويقول "لا عهد، فقط متعب"
عندما لم ترد استدار لها لينظر لوجهها الذي افتقده وقد تمنى ألا يفعل فهو ما أن يقترب منها حتى يفكر بشيء واحد، قبلتها وتمنى لو لم يأتي فرؤيتها لم تمنحه الراحة بل زادته عذاب لأنه لا يستطيع أن يقربها أكثر من ذلك، عليه إيقاف كل ما يدور داخله هي الأخرى امرأة وهو لن يسمح بفتح ما أغلقه من سنوات، لن يقربها لا هي ولا سواها
أبعد وجهه وقال "جون يتولى رعايتك جيدا"
وتحرك تاركا إياها وهي تغالب حيرتها من أمره ونظراته التي امتلأت بمعاني لا تفهمها، عاد مع جون وقد عدل ملابسه ويده تحكم ربطة عنقه وجون يقول "هل انتهيت من المعرض؟"
أجاب دون النظر لها "تقريبا، فقط بعض التعديلات البسيطة وبعض الضيوف تعدل من أماكنها الخاصة بما هو مسموح"
تبعتهم جيس ونطقت بما جعل الجميع يتجمد مكانه "بالتأكيد مي تصحبك بأوقاتك هذه فهي على دراية بتلك الأمور كوالدها"
شحب وجه عهد وأدرك هو ذلك عندما ألقى عليها نظرة جامدة بينما تدخل جون قائلا "ليث لا يسمح لأحد بمشاركته عمله جيس حتى لو كانت مي"
كانت تخفي عيونها عن الجميع بينما قال هو "ربما غدا أراك بالصالة جون أحتاج ليدك"
ثم تحرك للخارج وهو يقول "شكرا للغداء جيس"
ولم يمنحها أي نظرة حتى للوداع وتراجعت هي جالسة على المقعد دون أن تفهم تصرفاته معها وقالت جيس "أنا لا أعلم لماذا خطبها من الأساس؟"
نظرت لجيس التي جلست وقالت "كانوا أصدقاء لسنوات كثيرة ولم يتحدثوا عن أي خطوبة حتى تفاجأنا بما فعل"
لم تجد كلمات ترد بها سوى سؤال واحد "ألا يحبها؟"
أجاب جون "ليث لم يعرف الحب يوما عهد، لا مي ولا سواها لم يملك الوقت ليفعل، كان بسباق مع الطموح الذي قاده لما وصل له ويدفع أي امرأة تقترب منه بعيدا وبقوة"
نظرت لجون وقالت "لماذا ارتبط بها إذن؟"
جلس بجوار زوجته وقال "لا أعلم صدقيني، كل ما خمنته هو علاقته بعزيز، علاقة العمل بينهم معقدة جدا وزادت مؤخرا لذا ربما هذا ما أجبره على تلك الخطوبة"
قالت جيس "لم أقتنع يوما أن الزواج بدون حب يمكن أن ينجح"
نظر جون لزوجته ثم لها ولم يعلق بينما أكملت جيس "هل أحببت يوما عهد؟"
احمر وجهها وقالت بخجل واضح "الحب ليس لأمثالي جيس"
ضحكت جيس وقالت "الحب هو الوحيد المتاح للجميع عزيزتي ولا يفرق بين أحد"
وقبل أن تكمل قال جون "هل لي بكعك من يداك حبيبتي؟"
ابتسمت له ولكلمة حبيبتي ونهضت بينما قال جون "لماذا لا تخبريه بحبك؟"
لم تخفض عيونها فهي تدرك أن جون يعلم دون أن تتحدث ولم تخجل منه، معاملته لها كأخ أكبر جعلتها تثق به فقالت "لأن لا فارق جون فهو كان صريح منذ البداية بأنه لن يترك مي"
قال بغضب "اللعنة لا أعرف لماذا فعل ذلك؟ أنا واثق من أنه يريدك عهد، ولكني لا أفهمه"
أخفضت وجهها وقالت "ربما كما قلت، ما بينه وبين والدها ورغبته بي ليست قوية للحد الذي يجعله يتركها ويكون لي"
قال بغضب "وماذا عهد؟ هل تتركين الحب يضيع من بين يديك؟"
عادت له وبعيونها دموع قليلة وهي ترد "وماذا يمكنني أن أفعل جون؟ لا مجال للحرب لأن الخصم غير موجود أنا لا شيء بالنسبة له ولها، ربما كان يريدني كما تقول ولكنه كما أخبرتك ليس بالقدر الكافي وهو أيضا لا يحبني وهذا لا يكفيني لأحارب من أجله"
ابتسم وقال "تريدين الكل لا الجزء"
نهضت مبتعدة وقالت "بالتأكيد تعرف معنى حب من طرف واحد جون" ثم التفتت له وقالت "أنا لا أريد أن أفرض نفسي عليه، صدقني أنا لم أرغب بوجودي هنا حتى"
ولم تكمل فنهض ووقف أمامها وقال "حتى تخرجي من حياته التي تظنين أن لا مكان لك بها"
قالت تواجهه "أنا لا أظن جون أنا واثقة من ذلك وأنت أيضا تدرك ذلك وليث هو الآخر يعلم به ولكنه يرفضه لذا أحضرني هنا ليقنع نفسه أن لا أحد يمنعه مما يريد"
ظل صامتا للحظة قبل أن يقول "أنت غاضبة منه"
التفتت للنافذة وقالت "لا يهم فقط لابد أن تكون لي حياتي الخاصة جون أرجوك أنا بحاجة لذلك بشدة"
قال بصدق "لا تقلقي هذا ما أريده لك أنا أيضا"
****
تابعت جون وجينيس وهما يستعدان لحفل افتتاح المعرض وهي صامتة وقد رفضت الذهاب معهم، هو لم يدعوها وحتى لو فعل فلن تذهب ليس ومعه خطيبته لن يمكنها أن تفعل
تحرك جون تجاهها وقال "ما زلتِ ترفضين الحضور؟"
قالت بإصرار "نعم"
هز رأسه بتفهم وقد تناقشا سويا بالأمر من قبل فالتمس الصمت وتحرك للخارج بينما تبعته جينيس وهي صامتة لا تعلق ولم ترغب هي بأن تفعل يكفيها جون، رحل الاثنان وظلت تتابع أضواء سيارتهم حتى اختفت وتركت الدموع تتساقط على وجنتيها وهي تفكر هل يحق لها أن تحلم بأنها معه؟ بجواره ترحب بالزوار ومشاهدة تصميماته الرائعة؟ تفخر به وسط الجميع، أغمضت عيونها وهي تضم ساقيها لصدرها وتسند رأسها عليها وانسابت الدموع دون توقف وقلبها يؤلمها حقا والحزن يشاركها لحظتها وتمنت بتلك اللحظة لو لم تأتي هنا أو تدخل تلك الدوامة التي تدور بها بلا توقف
****
بدا الحفل الافتتاحي كما أراد تمام وهو يستقبل الزوار بثبات وثقة معروفة عنه، اقترب منه ماك ومنحه علبة وقال "جيمس أرسل لك تلك العلبة"
هز رأسه وذهب ماك ففتحها وكان سعيد بما كان بها، سرعان ما التف رجاله حوله فعاد لهم عندما تقدمت مي منه بجوار والدها بفستانها الذهبي الطويل والرائع فتوقف عن الحديث مع رجاله الذين تراجعوا بأدب والتفت هو لمي وعزيز وقال
"أهلا عزيز متى عدت؟ أهلا مي تبدين جميلة"
قبلها ببرود وهما لم يلتقيا منذ ذلك اليوم فقط هاتفها بالأمس ليدعوها للحفل، قال عزيز "بالأمس ليث، المكان يبدو جميل متى ستبدأ؟"
قال وهو يلقي نظرة على ساعته الأنيقة "أنتظر بعض الشخصيات الهامة كما تعلم"
اقترب عزيز منه وقال "الا تظن أن تحديد موعد الزفاف اليوم سيكون مناسب؟"
لم تتبدل ملامحه وهو يجيب ببرود ملاحظا تجنب مي متابعته أو النظر له "بل أظن أن ذهني اليوم منصب على المعرض ولا مجال لسواه عزيز، لقد وصل السيناتور"
شحب وجه مي وحاولت إخفاء مشاعرها فأدرك أنها كانت تسمع، اقترب الرجال ليمنحهم ليث اهتمامه بينما التفت عزيز ليرحب بالرجال هو الآخر حتى تحرك الجميع لافتتاح المعرض وانبهر الحضور بكل الموجود وأشارت مي لخاتم جذب انتباهها ولم يرد هو لأنه كان نفس الذي أهداه لعهد، بالنهاية تحرك الجميع لصالة الاحتفال فصعد على المنصة وصمت الحضور فقال
"مساء الخير، أحب أن أشكر الجميع لوجودهم اليوم هنا كما أشكر كل من ساهم لنجاح هذا الحدث، بالطبع أعلم أن الجميع ينتظر تصميم الافتتاح فاسمحوا لي بتقديمه"
وأشار بيده لمنتصف المنصة ليرى الجميع الأرض ترتفع بمائدة وعليها علبة مربعة من القطيفة السوداء وظهرت شاشة كبيرة أمام الجميع تظهر ما بداخل العلبة حيث ظهر عقد مرصع بأحجار العقيق الذهبي على شكل رائع لا مثيل له، وتعالت صيحات الإعجاب والعقد يتلألأ أمامهم ثم بدأ أحدهم التصفيق عندما استقر العقد بمنتصف المنصة داخل قفص زجاجي متين وتبعه الجميع بالتصفيق وبدأوا بالاقتراب حوله وهو يقف متابعا متذكرا تلك الليلة التي قضاها بجوارها يلتقط من لون عيونها فكرة تصميه للعقد
انفض الجميع لمتابعة باقي المعرض بينما اقتربت مي منه وقالت "ظننتك ستهديه لي؟"
نظر لها بقوة وهو لم يفكر بذلك أصلا فقال "لابد أن يعرض بالمعرض مي"
قالت "ولمن سيكون؟"
ظل ينظر لها وهو يقول "لا أحد سيعود لخزينة الشركة حتى يطلب أحدهم شراؤه"
رفعت رأسها وقالت "حقا من يدفع أكثر"
قال بضيق "أنا لم أعد أفهمك مي، كلماتك أصبحت تثير غضبي"
قالت "بل أنت لم تعد تتحمل كلماتي ليث فما الذي حدث؟"
نفخ وأبعد وجهه وهو يتابع أطباق العشاء توزع على الضيوف وقال "لا شيء مي، أنت فقط لا تريدين الاعتراف بأن عملي يأخذني"
قالت بجدية "فقط؟"
التفت لها بقوة وقبل أن يجيب وجد جون يقول "رائع ليث، المعرض جميل حقا والعقد قطعة أثرية رائعة"
نظر لجون وجينيس باحثا عنها بينما قالت جينيس "مي كيف حالك؟"
رحبت بها مي بينما تراجع هو وقال "هل تناولتم شيء؟"
تحدثت مي مع جينيس بينما قال جون "ليس بعد، ما رأيك لو تساعدني بالاختيار؟"
لم ينظر إلى مي وتحرك مع جون وهو يخترق الحضور ويحيي بعضهم حتى وصلا لمائدة الطعام الرئيسية والتقط طبقين وقال "تأخرتم جون"
لم ينظر له جون وقال "حاولت إقناعها بالحضور ولكنها رفضت"
توقف ونظر لجون الذي تابع وضع الطعام بالأطباق بينما قال هو "لماذا؟"
قال جون بهدوء "ربما لأنك لم تدعوها أو"
وصمت فظل هو يتابعه وقال بلهجة نافدة الصبر "أو ماذا جون تحدث؟"
وأخيرا نظر له وقال "أو لا تريد أن تقتل نفسها"
ظلت عيون الرجلان ثابتة وهو يحاول أن يستوعب كلمات جون الذي قطع الصمت وقال "أظنهم بانتظار الطعام"
استوقفه ليث "ماذا تقصد جون؟"
نظر له جون وقال بجدية "ألا تفهم حقا؟ أم لا تريد أن تفهم؟ ماذا تريد منها ليث؟ كيف يمكنها أن تأتي وتراك وأنت تضع خطيبتك بذراعك؟ ألا تدرك معنى ذلك حقا؟"
وتركه وذهب وهو ظل ثابتا دون أن يلتفت ليتبعه وما زال يحدق بالا شيء وكلمات جون تخرق أذنه وتندفع لعقله ثم يخطفها قلبه وهو يخبره أن الرجل على حق، هو لم يدعوها وهي لم تكن لتأتي والاثنان فعلوا لنفس السبب، مي
دفعة بذراعه من أحدهم جعلته ينتبه للأطباق فاستدار وتحرك تجاههم وتناولوا الطعام وهم يتبادلون الأحاديث ولكنه التزم الصمت ورأسه بمكان آخر لم يعد يمكنه العودة منه حتى نظرت له مي وقالت
"أين دبلتك ليث؟"
انتبه لها وهو يخرج العلبة من جيبه وقال "معي كانت بالتنظيف"
أخرج الدبلة وارتداها دون أن تلاحظ مي أي تغيير بها ولكن هو وحده كان يعرف لأنه من أراد ذلك لأول مرة
لم تنم وظلت بمكانها رغم أنها بالصباح ستبدأ تلك الدورة التدريبية ولكنها لم تفكر بالنوم وكيف تنام وهي لا ترى سواه أمامها ورغبة بأن تراه الآن وتطمئن على نجاحه وتفوقه كما اعتاد ولكن ليس من حقها أن تفعل فمن هي لتشاركه تلك اللحظات؟
رأت أنوار سيارة تقترب عرفت أنها لجون فاعتدلت بمكانها عندما وصلا للداخل وجينيس تقول "كانت ليلة رائعة جون"
توقفت لرؤية عهد فقالت بدهشة "ما زلتِ يقظة؟"
تبعها جون وهو يخلع جاكته وقال "أشعر أني سأنهار"
قالت بفضول حاولت إخفاؤه "كيف كان المعرض؟"
قالت جيس "رائع عهد أما العقد فكان مفاجأة مبهرة بالتأكيد يستحق الكثير بل لا يقدر بمال"
تحرك جون وقال "طابت ليلتكم"
اندهشت لأن جون تركها دون أي كلمات وتبعته زوجته وظلت هي بمكانها لا تفهم شيء فتحركت لغرفتها وتمنت لو عرفت أي شيء عن الحفل أو خطيبته أو
رن هاتفها فأسرعت له لترى اسمه فأجابت وقد كان يتحرك لغرفته وعندما أجابت قال "لم تأتي؟"
قالت بقلب يكاد يفر من صدرها "هل نجحت؟"
ألقى بالجاكيت بعيدا وألقى بنفسه على المقعد وقال "أعتقد ذلك"
قالت بصدق "مبروك"
تنهد وقال دون أن يتركها تفر منه "انتظرتك"
أغمضت عيونها وقالت "كان عليك ألا تفعل"
أسند رأسه على يده وقال "لأني لم أدعوك؟"
جلست وقالت دون كذب على نفسها "لأن لا مكان لي ليث"
صمت قليلا ثم قال "تعلمين أن ذلك خطأ"
قالت بإصرار "وأنت تعلم أنه ليس خطأ، هذا هو الصواب ليث، عد لحياتك التي تنتمي لها واطمئن أنا بخير"
رفع يده لشعره وقال "أنتِ بخير لأني بعيد؟"
تألمت ولم ترد فانحنى للأمام واعترف "لن يمكننا إيقاف ما يحدث بيننا عهد"
أنفاسها كانت تؤازرها وهي تقول "لا شيء بيننا ليث واليوم دليل على ذلك، أنت من استبعدتني وليس أنا"
تراجع مرة أخرى بالمقعد وهو يسمعها وهي ظلت صامتة وكلاهم يسمع أنفاس الآخر، هل حقا فعل؟ نعم لقد فعل فهو لم يطلب منها الحضور بل فر من ذلك وتحجج بأن دعوته لجون شملتها فبأي صفة سيصحبها جون؟ ألم يدرك ذلك؟ لقد كان يفعل ذلك مع كل امرأة وهو فعل معها هي الأخرى وهي أدركت ذلك
سمعها تقول "لابد أن أنام ليث سأبدأ التدريب بالصباح، طابت ليلتك ومبروك النجاح"
وأغلقت الهاتف والدموع تمنع عنها الرؤية وهتفت "أنت من اختار ليث، أنت من أخرجني من حياتك وهذا هو الصواب وهو ما طلبته منك وما علي أن أقبل به ولكنه مؤلم ليث، مؤلم جدا"
يتبع..
أنت تقرأ
رواية وجهان لامرأة واحدة بقلمي داليا السيد
Romanceسكنت داخل ردائها الأبيض تحتمي خلفه من مواجهة العالم من حولها، اختارت أن تكون الممرضة الصامتة ، الضعيفة ترفض خروج المرأة القوية التي هي عليها متجاهلة وجودها بل لا تعترف بها، لكن يوم سقطت عيونها عليه تمزق الرداء الأبيض بقوته الهائلة وإيمانه بها، دفعها...