الفصل الثامن عشر
عشاء
تحركت لغرفتها بالمشفى وهو إلى دولت ورجاله، لم تبدل ذكرياته من مشاعرها تجاهه فهي كانت بكل يوم بالملجأ تتهم بأنها لقيطة ورغم أنها ليست كذلك إلا أنها عاشت ذلك الشعور لذا هي تدرك ما يشعر به وتدرك دفعه لها ولأي امرأة خارج حياته بسبب أمه ولكن ما زالت مي بحياته هي الوحيدة التي قبلها واندفعت الغيرة لقلبها والغضب منه لعلاقته بها وتمنت لو يخبرها السر وراء تلك الخطوبة التي استمرت عامان رغم أن هنا الخطوبة لا تتعدى شهور قليلة فقط للإعداد للزفاف
انتهت من تبديل ملابسها وسجنت أفكارها وغضبها داخلها واستعادت شخصيتها العاملة الجادة وتحركت لتخرج عندما رأت جين بديلتها تتحرك تجاهها وقالت "عهد دكتور جورج سيجري جراحة أخرى اليوم ولن أستطع مرافقته فهل تفعلي بدلا مني؟"
ابتسمت وهي تتحرك معها وقالت "أنا لا أمانع المهم هو، تعلمين أنه يفضلك"
تراجعت جين وقالت "وأنا تعبت منه عهد، كثيرا ما أخبرته أن جيمس هو رفيقي الوحيد ولكنه لا يسمع"
قالت وهما بطريقهم للعناية "لديه أمل جين وبصراحة خلافاتك الكثيرة مع جيمس تزيد الأمل لديه، أنا نفسي أنتظر يوم انفصالكم بكل وقت"
تحركت جين خلفها وقالت "أنا أحبه عهد وهو ما يجعلني أتغاضى عن أفعاله وأعود له بعد كل مشكلة"
توقفت عيونها عن قراءة تقارير الحالات وكلمة الحب تتوهج داخل عقلها، الحب، نعم هو الحب الذي يربطها هي الأخرى به هي تعلم أن قلبها اختاره منذ البداية وهو ما يجعلها تضعف أمامه ولا يمكنها دفعه خارج حياتها، هو الحب ما دمرها مرة والآن لا تعلم لأين يقودها، ليث يملك كل كيانها يهيمن على قلبها يسكن داخل عقلها يسري بعروقها كالدماء بدونه تفقد الحياة تعيش بلا معنى كالسنتين الماضيتين وبعودته عادت للحياة
التفتت لجين التي كانت تناديها فقالت "معك حق، الحب يقودنا بدون وعي ولكن هل جيمس يحبك أيضا؟"
عادت للتقارير وجين تقول "هو يخبرني بذلك عهد ولكن أحيانا أتساءل كيف يمكنني أن أتأكد من مشاعره"
نظرت لها وهي الآن حولت أفكارها ترى كيف يشعر ليث تجاهها؟ بالتأكيد هو لا يمنحها أي مشاعر فقط الاهتمام الذي اعتادته منه، حتى ولو كان يخطف منها تلك القبلات الخاطئة والمناقضة لأخلاقها ومبادئها، لكنه قد يرغب بها كامرأة ولكن بالتأكيد ليس حب، ومع ذلك يصر على وجودها بحياته وقد عاد لها بل ومنحها الحق بمعرفة سر لا يمكن أن يبوح به لأي امرأة أخرى؟ وماذا عن مي؟ الدبلة ما زالت بيده ولكنه لا يتحدث عنها ولا أحد يتحدث عن علاقتهم؟
قالت وهي تتحرك لمائدة الدواء وجين معها "سؤال صعب إجابته جين، لا أحد يعرف ما بداخل الآخرين"
وفجأة سألتها جين "هل هناك شيء بينك وبين الجبالي؟ فان، تلك الممرضة لمحتك بالصباح وأنتِ تصفعيه والحمد لله هي لم تخبر سواي لأنها ظنت أنها تخيلت ذلك"
شحب وجهها وهي تذكر ما كان بينهم ولم تنظر إلى جين ولم تشأ أن تمنحها رد صريح وهي تقول "يبدو أنها لم تنم جيدا هيا لقد انتهى وقتك اذهبي قبل أن يقبض جورج عليك ويمنعك من الرحيل"
وافقتها جين وتحركت للخارج وتركتها وقد امتلأ عقلها بالكثير وهي لا تعرف أين رأسها من قدمها..
بلحظة كانت قد نست كل شيء بالعمل كما اعتادت ولحق بها باقي البنات لتوزيع العمل ومتابعة ما جرى بفترة غيابها حتى طلبها جورج فتحركت لغرفته ودقت فأذن
نظر لها وقال "طلبت من جين الانضمام لي بجراحة اليوم"
قالت باهتمام "كما تشاء دكتور ولكن هل هي ستبقى؟ لقد انتهى دوامها"
عاد وقال "لا هي لم توافق وقد رحلت ألا يمكن فعل شيء لإعادتها؟ أقصد"
ولم يكمل وهو يبتعد وقد شعرت بالحزن بكلماته وهي تفهم مشاعره فقالت "ماذا يمكنني أن أفعل من أجلك دكتور؟"
لم ينظر لها وهو يقول "لا شيء عهد" ثم عاد لها وقال "هي صديقتك، أقصد تتحدثون سويا ألم تخبرك عني أي شيء؟"
أدركت ما يريد وما يشعر به فقالت "هي تتحدث عن العمل ولا تتطرق لحديث شخصي عن أي أحد"
تحرك تجاهها حتى وقف أمامها وقال "عهد أنا معجب بها وأريدك أن تساعديني للتقرب منها، أنا وأنت نعلم أن جيمس هذا ليس جاد معها أما أنا فرغبتي هي الحصول على قلبها لأني أحبها حقا، أنا أحتاج لمساعدتك عهد"
تراجعت وهي تشعر بالعجز عن فعل شيء ولكنها قالت "ولكن أنت تعلم أن من الصعب تبديل المشاعر بلحظة دكتور هي تحتاج لوقت خاصة وأن جيمس يسيطر على مشاعرها أقصد"
وصمتت فقال وقد فهم "معك حق ولكني ظننت أن كلماتك لها ربما تفيد فقط محاولة منك عهد الكل يحترم رأيك ونصيحتك"
هزت رأسها وقالت "سأحاول دكتور"
دق الباب فأذن لترى ليث يدخل وتوقف لرؤيته لها وجورج يقول "أهلا مستر جبالي تفضل"
تحرك ليث تجاههم ونظراته تواجهه فقال ليث "أردت معرفة تطور حالة بريهان"
قال جورج "بالتأكيد مستر جبالي"
قاطعه "ليث"
هز جورج رأسه وأكمل الحديث عن بريهان فقال ليث "هذا يعني أنها لا تتحسن؟
قال جورج "ببطء، تتحسن ببطء جدا من الناحية النفسية، أما الجرح فهو يأخذ وقته الطبيعي ولن نتعجل ولا تنسى الإدمان"
هز ليث رأسه وقال "ومتى ستخرج من العناية؟"
أشار جورج بيده وقال "ربما غدا هذا يعتمد على حالتها"
قال ليث "تمام أشكرك دكتور"
والتف ناظرا لها ثم خرج فقال جورج "هيا عهد الجراحة بعد نصف ساعة دعينا نستعد ستكونين معي"
لم تعترض وهي تتحرك خارجة لتراه واقفا مع أحد رجاله أشار له فابتعد وهو ينظر لها وقال "هل تمضين وقتك هكذا معهم؟"
أبعدت وجهها عنه بضيق فقال "أنتِ من تثيرين جنوني بتصرفاتك"
نظرت له وقالت بجدية "هذا عملي ليث، أنا أعمل معهم ولا يقتصر عملي على غرفة تبديل الملابس أو المرضى، أنا أتنقل هنا وهناك والأطباء هم من أعمل معهم وأحصل منهم على التعليمات"
ظل صامتا وهي تواجهه بنظرات ثابتة فقال "إذن لتتوقفي عن ذلك العمل"
تراجعت بدهشة وذهول وقالت "ماذا؟ ما الذي تقوله؟ أنا لن أترك عملي، لماذا أفعل أصلا؟"
انحنى قريبا منها وقال "لأني أريد ذلك"
ابتعدت عنه وهي تلتفت حولها وقالت "كفى ليث ليس من حقك أن تفرض أي شيء علي"
وتركته وذهبت دون أن تمنحه فرصة للحديث وتملكه الغضب منها أكثر ولا يعلم ما الذي أصابه وهو يشعر أنها ملكه هو فقط وليس من حق أحد أن ينفرد بها أو يتحدث معها بود ولا يوجد لديه مبرر لجنونه هذا.. أم لديه بالفعل؟
انتهت الجراحة وكان الفجر عندما خرجت من العمليات مع جورج وهو يمنحها التعليمات وتوقف هو لمواجهة أقارب المريضة فتحركت هي ولكن أحد الرجال توجه لها وقال
"مسز جبالي الكبيرة تسأل عنك مس محمود"
نظرت له للحظة ثم قالت "نصف ساعة وأكون عندها"
تراجع الرجل باحترام وخمنت أنه رحل بعد حديثه معها وهي تفكر كثيرا بما طلبه وتشعر أنه جنون وتتساءل عن سببه
دقت باب دولت ودخلت فرأتها ممددة على الفراش وفتاة غريبة تجلس بجوارها نظرت لها وقالت "صباح الخير مدام"
نظرت لها دولت وقالت "أين كنتِ عهد؟ أردت رؤيتك"
وقفت بردائها الأبيض أمام فراش دولت وقالت "بالعمل، هنا لا يمكننا قضاء الدوام إلا بالعمل"
شردت دولت قليلا ثم قالت "متى ستنتهين؟"
أجابت "بالعاشرة صباحا"
قالت دولت "ستمنحينني بعضا من وقتك أليس كذلك؟ ليث يرحل ولا يبقى معي وأنا بحاجة لك عهد"
أشفقت على المرأة وقالت "حاضر حضرتك، سأكون معك حالما أنتهي لنتناول القهوة سويا والآن اسمحي لي لابد أن أذهب"
عادت للعمل ورأت بريهان التي تحسنت حالتها ولكنها لم تتحدث معها، انتهى دوامها واستبدلت ملابسها وتحركت إلى غرفة دولت، فتح لها الرجل الباب فدخلت، اعتدلت دولت لها وتركت المصحف الذي كانت تقرأ به وقالت "لينا يمكنك الراحة قليلا عهد ستبقى معي"
لم تعترض الفتاة وهي تخرج وعهد تجلس أمامها وتقول "القهوة بالطريق، هل أنتِ بخير؟"
أخفضت دولت وجهها وقالت "خير؟ هل تظنين أني بخير عهد؟ كل ما أصابنا منذ ذلك اليوم لم يكن خير"
دق الباب ودخل الفتى بالقهوة وضعها ثم خرج، تناولت قدحها وكذلك دولت وقالت هي "ذلك اليوم؟ أي يوم؟"
أخفضت دولت وجهها وقالت "ألم يخبرك؟"
عيونها نطقت بالصمت فعادت دولت تكمل "لم يفعل رغم أني ظننته يكن لك الكثير، أمس تحدثنا كثيرا أنا وهو وتركني ورحل وظننته أخبرك"
احمر وجهها وشعرت بالحرج وهي تقول وقد فهمت كلمات المرأة ولكن ليس من حقها أن تخبرها ما قاله "أنا لا أفهم"
هربت دولت من عيون عهد وهي تقول "هو لا يتحدث عن نفسه ولا حياته معي ولا عن الماضي، يرفضه ويرفضني أنتِ تعرفين أنه حتى لا يناديني بماما، أظن أنه يرى أني لا أستحقه منذ أن رحل"
أدركت أن دولت تريد أن تتحدث وتحتاج هي الأخرى لمن يسمعها فقالت "رحل!"
رفعت دولت وجهها لها وقالت بحزن واضح بعيونها "منذ عشرين عاما طلبت منه أن يرحل، كان بالثامنة عشر، وقتها كان لابد أن يرحل للمشاكل التي ثارت بينه وبين إبراهيم"
سألتها "والده؟"
شحب وجه دولت وقالت "هو ليس والده الحقيقي هو فقط منحه اسمه، ولكنه ابني"
وصمتت وهي تخفض رأسها فقالت عهد تزيل عنها الحرج من الذكرى "وماذا حدث بعدها؟"
نظرات دولت لها كانت تعني الكثير وهي تقول "هاجر إلى أمريكا أنا من طلب منه أن يفعل كان علي أن أفعل عهد"
وأظلمت عيون المرأة وغيبتها الدموع وهي تكمل "كان علي أن أفعل وإبراهيم يهددني بتدمير ليث لو لم يرحل وقد رأيت أن مستقبله هناك مع من يؤمنون بموهبته، هو لم يكن قد استوعب ما عرفه عندما صدمته أنا بالحقيقة ثم طالبته بالرحيل، وقتها رأيت الألم بعيونه ثم تحول لاحتقار لأني أتخلى عنه من أجل إخوته ولكني فعلت من أجله عهد صدقيني"
أمسكت عهد بيدي المرأة وقالت بحنان "أصدقك"
سالت دموع دولت وقالت "قبلت أن يكرهني مقابل أن ينجو من غضب وكره إبراهيم ومعاذ وعشت بألم لم ينتهي وبعد رحيله لم أعرف عنه شيء ولكن بعد عدة سنوات بدأت أخباره تنتشر ومن غضب إبراهيم عرفت أن اسم ابني بدأ يتلألأ بعالم الذهب والمجوهرات وهنا عادت المشاكل وثار إبراهيم من نجاح ليث وأصبح كرهه له أكبر ومعاذ تشرب منه الجرعة كاملة دون تفكير بأخيه الأكبر الذي كان يمنحه الحب والحنان وفقط نبذه خارج حياته وأراد إيقاف نجاح ليث فسافر والتقى بليث هنا بمكتبه القديم وهدده بأنه لابد أن يتوقف عن عمله وإلا سيندم وعندما رفض ليث قبول التهديد وقتها سرق معاذ إحدى تصميمات ليث وبعض من أسرار شركته عن طريق رشوة أحد موظفيه وباع كل ذلك لشركة منافسة ضربت ليث بخسارة فادحة بذلك الوقت وفر معاذ هاربا لمصر سعيدا بنصره الزائف وقتها معاذ كان هو المسؤول عن شركات ابراهيم والبورصة وبالطبع رد ليث بقوة كادت تدمرهم لولا طلبي أن يتوقف"
تراجعت عهد وقالت "أنتِ!؟ وهل توقف؟"
دموع دولت أجابت قبل أن تقول "نعم"
صمت غريب لفهم حتى قالت عهد "لماذا إذن أخبرته بالعناية أنه سبب ما حدث لكم"
نظرت دولت لها وقالت "هذا كان مؤخرا قبل وفاة إبراهيم بالحادث لأن وقتها ليث كان السبب دون أن يقصد بخسارة إبراهيم الأخيرة فقد نالت تصميماته كالعادة جائزة أفضل تصميم بمسابقة عالمية كان إبراهيم يشارك بها وعرفت بالصدفة أنه دفع رشوة كبيرة ليفوز ولكن لم يعرف كيف انكشف وتم طرد شركاته من المنافسة بشكل مخزي واتهم إبراهيم ليث بأنه من فعل به ذلك وبالطبع زاد نجاح شركات ليث وزادت معها غيرة إبراهيم من البليونير الغير شرعي بينما هو يخسر كل يوم ملايين الأموال وانهالت الخسائر علينا وزادت خلافاتنا وبذلك اليوم كانت واحدة أخرى من خلافاتنا الكبرى بالسيارة بسبب ليث أيضا وهو يطالبني أن أجعله يسدد عنه الديون التي يرى أن ليث السبب فيها وإلا سيخرجني من حياته ويفضحني ويفضح سري، هاتفت ليث من رقم غريب ولكنه رفض أي طلبات لنا فاشتعل غضب إبراهيم وفقد أعصابه وتحكمه بالسيارة وتلك المقطورة"
وصمتت الأم والألم يتقطر من صوتها والدموع تتلألأ بعيونها فقالت عهد تدفع عن ليث تهم باطلة "لم يكن خطؤه مدام، ليث ليس المسؤول ولديه كل الحق بالرفض، ليث رجل شريف"
هزت رأسها وقالت "هذا ما عرفته فيما بعد من محامي العائلة ولكن كان الأوان قد فات والهوة قد زادت بيني وبينه ورغم أني ظننت أن موت إبراهيم سيدمرني إلا أني لم أحزن من أجله كما تخيلت ووجدتني سعيدة بعودة ابني لي كما تمنيت وأدركت أن موت إبراهيم كان الأفضل ولكن ليث لم يمنحني أي أمل فقط اهتم من أجل اسمه وسمعته"
تراجعت عهد وقالت "اسمه وسمعته؟"
هزت دولت رأسها وقالت "هذا ما أخبرني به رافضا أن يسامحني وجميعنا لم نمحه أي سبب ليفعل للأسف إبراهيم أشبع الأولاد كره لليث، معاذ كان يغير من نجاح ليث ويرى أنه لا يستحق، أما بريهان فهي لم تكن تفكر إلا بحياتها التافهة والفاشلة وتجاربها المحطمة ورأت أن ليث لا يمثل إلا بنك ولا يهم الحب أو الكره حتى حدث ما كان وها نحن كلنا بين يدي ليث ولكن بلا أدنى عاطفة منه يكفي أني أدرك أنه يكرهني"
وزادت دموع الأم ولكن نظرات عهد كانت تمنح دولت الراحة وضغطت على يد المرأة وهي تقول "أهدئي حضرتك أنا واثقة أنه لا يكرهك بل يحبك لذا يفعل كل ذلك"
دموع دولت لم تتوقف وقالت "وهذا يزيد ألمي عهد، أنا تخليت عنه وطردته لدنيا لا يعرف عنها شيء وحده وهو لم يتخلى عني بل ويساندني وأخته ويفعل كل ذلك حتى ولو كان كما يقول بسبب المظهر الاجتماعي ولكن هو حتى يرفض أن يتحدث بالماضي أو يسمعني"
تألمت من أجل المرأة وقالت "لديه كل العذر ليقسو هكذا مدام ومع ذلك هو عاد من أجلك وقت الحادث وساندك وساند معاذ وبريهان، هو لم يكرههم فقط غاضب منكم ولكنه يحبكم، ربما لا يريد ذكر الماضي لأنه يؤلمه فلا تضغطي عليه واتركيه حتى يفتح هو الذكرى وحده ووقتها سينتهي كل ذلك"
ضغطت على يد عهد وقالت "أنا عرفت بمشاعرك تجاهه عهد منذ كنت معنا بمصر ولكنك اختفيت من حياتنا بعد حادثك مع معاذ حتى تفاجأت بك هنا وعرفت أنك تعملين بالمشفى ولكني لا أعرف مدى علاقتكم"
تركت يد دولت التي تحاول أن تخترق حياتها وهي لا تعلم هل من حقها أن تفعل أم لا؟ جون الوحيد بعد منصور من منحته الحق بذلك لكن سواهم لم يمكنها أم تفعل
نهضت وقالت "أي علاقة؟"
قالت دولت "أعلم عهد أن الأمر صعب خاصة وهو خاطب ولكن"
التفتت عهد لها وقالت "حضرتك أجبت، هو خاطب فكيف يكون بيننا علاقة؟ لا أنا سأقبل بعلاقة غير مشروعة معه ولا هو سيترك مي لذا الأمر منتهي"
سألتها دولت "ولكنه لا يتزوجها عهد، لقد أصبح بالثامنة والثلاثين وهو يضيع حياته بلا معنى"
كانت تتألم من كلمات دولت ولكن ما بيدها شيء فقالت "هي حياته مدام وأعتقد أنه قادر على إدارتها جيدا"
دق الباب ودخل أحد الرجال وهو ينظر لعهد ويقول "الدكتور يقول إن مسز جبالي تطلب رؤية والدتها"
اللهفة بدت بعيون الأم فقالت عهد "حسنا سنذهب لها"
كان الألم والحزن هو كل ما ساد زيارة الأم لابنتها وقد لاح الندم على بريهان كالعادة، تواجد معهم جورج وقال "أنتِ تتحسنين ولكن الحالة النفسية بحاجة لدفعة أخرى بريهان"
أغمضت عيونها ولم ترد فأمسكت دولت يدها وقالت "من أجلي حبيبتي أنا أريدك أن تعودي لي، كفانا ألم وحزن بريهان، من فضلك ساعدينا وعودي لنا"
فتحت عيونها ونظرت لأمها وقالت "أين ليث؟"
قالت الأم بارتباك "كان هنا حتى الفجر ثم رحل لعمله حبيبتي"
قالت بريهان بإصرار "هو لا يريد أن يراني أليس كذلك؟"
نظرت دولت لعهد قبل أن ترد "لا حبيبتي هو فقط مشغول وما أن يفرغ من عمله سيكون معك"
قالت بريهان وهي تنظر لعهد "أريد أن أراه أخبريه عهد أني أريد رؤيته"
صمتت دولت ولم تمنحها عهد أي رد وخرج الجميع ولم تبقى وهي تخرج من المشفى عائدة إلى بيت جون ودخلت وهي تقول "جيس أنا هنا"
سمعتها تناديها فتركت معطفها وتحركت لغرفة الجلوس ووجدتها بمكانها على الأريكة فقبلتها وقالت "افتقدتك، كيف حالك اليوم؟"
كان المرض واضحا عليها وهي تقول "كما أنا عهد، جون أخبرني أننا سنذهب للطبيب بنهاية الاسبوع"
تحركت للمطبخ وقالت "هذا جيد، هل هناك غداء؟"
قالت جيس "ليس بعد جون خرج للجيم ولم يهاتفني"
قالت "إذن سأفعل ولو هاتفك أخبريه"
عبثت بالثلاجة فسمعت جيس تقول "هل ما زالت علاقتكم سيئة؟ أنت وليث"
شعرت وكأن الجميع اليوم يتفق عليها ولكنها قالت "وحتى لو تحسنت جيس ما النتيجة؟"
أجابت جيس "معك حق، خطوبته الغامضة تلك توقف حياته، هل تعلمين أنها اختفت ولا يراها أحد"
رفعت وجهها عن البصل وقالت "نعم إنها حتى لم تزور والدها بالمشفى"
سألتها جيس "ألم يخبرك أي شيء عنها؟"
عادت للتقطيع وقالت "وهل تظنين أنه يفعل جيس؟ ليس معي بالتأكيد"
أجابت جيس "نعم، لا أعرف كيف لا يدرك مشاعرك تجاهه؟"
لم ترد ولا تريد أن تفتح أبواب قلبها حتى مع نفسها ولكن الكل يفعل، نادتها جيس تقول "أظن أنه هو الآخر يحبك عهد"
عادت تتوقف وجيس تكمل "ألا تتساءلين عن اهتمامه الواضح بك وإصراره على وجودك مع من يخصهم وثقته بك؟"
قالت بقوة "هو يحتاج لي كممرضة ناجحة جيس فهل تكفي عن أفكارك تلك؟ ليث بحياته امرأة أخرى ولا يمكنه أن يفكر بأخرى بلا أمل لأنه منذ البداية أعلن أنه لن يترك مي ولن يمكنه الزواج مني فتوقفي جيس"
وبالفعل توقفت جيس وبدلت الحديث حتى انتهت من الطعام وصنعت قهوة لهما تناولاها سويا حتى وصل جون وابتسم لرؤيتها وقال "هذا يعني اجازة غدا؟"
أجابت "لا، ليس تلك الأيام جون، جين لديها ظروف وتعتمد علي، سأجهز المائدة كي أعود البيت لأنام قليلا"
نهضت فقال "ليث قادم عهد، أخبرني أنه"
توقفت مكانها تنظر له وهو لم يكمل لأن الباب دق فعرفت أنه هو ودق معه قلبها لقد أصبحت تراه كثيرا وهذا يزيد ألمها ويرهق قلبها جدا خاصة بعد ما تشاركوه من ذكرياته المؤلمة
تحرك جون وفتح له فابتعدت هي للنافذة ولم تنظر له وهو يتقدم، توقف لرؤيتها لحظة ثم تحرك لجيس وانحنى ليقبل وجنتها وقال "كيف حالك جيس؟ تبدين أفضل اليوم"
ابتسمت له وقالت "وأنت تبدو بأسوأ حالاتك ألا تنام؟"
اعتدل وقال "ليس مؤخرا، كيف حالك عهد؟"
التفتت له والتقت بذهبية عيونه التي انطفأ بريقها وراء التعب الواضح على ملامحه وأجبرت نفسها على أن تجيب بهدوء "بخير، سأجهز المائدة للغداء"
وتحركت من أمامه وهو يتبعها بنظراته كما فعل جون الذي قال "سأساعدك"
ولكن جيس قالت "لا أنت أحضر لي الدواء، ربما ليث يساعدها بدلا منك"
لم يعترض أيا من الرجلان وخلع هو جاكته وتحرك للمطبخ ورآها تتحرك لتسخين الطعام فقال "ظننتك بالمشفى؟"
قالت وهي تضع الطعام بالميكروويف "أنا أعمل بالليل"
وضع الأطباق على المائدة وقال "وبالنهار، أنت تعملين اليوم كله تقريبا"
رفعت عيونها له فقابلها بنظراته فقالت "هل أذكرك بأحدهم؟ تقريبا لا ينام بالإسبوع"
أبعد وجهه عنها وقد كان بالفعل متعب ولم ينم من أيام نسى عددها، عندما لم يرد أكملت "بريهان طلبت مني إخبارك برغبتها برؤيتك"
وضع الشوك والسكاكين بهدوء ولم يرد فاندهشت وقالت "ألا تسمعني"
لم ينظر لها وقال "بلى أسمعك"
كان قد وصل إليها فرفع وجهه لها وقال "لماذا تريد رؤيتي؟"
لم تتراجع من أمامه وقالت "هذا أمر يخصكم"
وتحركت لتبتعد ولكنه أعادها له بيده التي أمسكت يدها وقال "أظن أنكِ أصبحت داخل الدائرة عهد، أنت تعلمين كل شيء"
نظراته تهد كل دفاعاتها ولمسته تضعف قوتها أمام قربه فيدفعها له بقوة وهي أضعف من أن تقاومه فقالت "أنا أعلم بالفعل ولكن ليس من حقي التدخل بينكم ليث"
لمس وجنتها بيده كالعادة وقال "كالنسمة الرقيقة عهد"
احمر وجهها وتذكرت عندما قالها أول مرة فأخفضت وجهها وقالت "لماذا لا تتوقف ليث؟ أنت تعلم أن كل ذلك خطأ"
رفع وجهها إليه وقال "إذا أمكنك أنتِ التوقف فسأفعل أنا إلا إذا كوني ابن غير شرعي بدلك"
هو يعلم أنها لم تستطع التوقف مثله تماما، ولا حتى ما قاله فكلاهم يسقط متخاذلا أمام الآخر، عيونها تعشق عيونه، تهوى النظر لهما وتتمنى لو تغرق بهما دون ندم، قبلتها تعني الكثير واستجابتها تقربه أكثر هتفت بصوت لا يسمعه سواه
"لا، بالطبع لا فالأمر لا يعني أي شيء بالنسبة لي، فقط، أنا لابد أن أبتعد، فأنا لا أريد أن أتألم ليث، هناك حواجز كثيرة بيننا وأنت تعرفها جيدا لذا علينا إيقاف كل ذلك"
أبعد وجهه لحظة بعيدا وهو يدرك كلماتها ثم عاد لها مرة أخرى وقال "لو طلبتِ مني الرحيل الآن فسأرحل وأعدك ألا أقع بطريقك مرة أخرى"
تحركت الدموع بعيونها من الألم النابض بصدرها وقالت "إذا كان من السهل عليك الابتعاد عني هكذا فلم تنتظر أن أطلبه منك لم لا ترحل بدون أن أطلب؟"
لم يبتعد وهو يواجه عيونها المتألمة وأجاب "بعدك لم يكن سهلا بأي يوم عهد، كان النيران التي أكلت حياتي لعامين، لم أشعر أني على قيد الحياة إلا عندما عدت ورأيتك وظللت بكل يوم أعاقب نفسي على ما فعلت ولكن لو كان بعدي هو رغبتك فلن يمكنني إلا تحقيقها لك ومن أجلك"
سقطت الدموع من عيونها فأبعد وجهه فهو لا يسبب لها إلا الدموع بينما قالت هي "ولكنك استمريت بالبعد ليث وأنا لم أعد أفهمك، أنا لا أعرف ماذا أكون بحياتك؟ أنت بلحظة تقربني منك حد الجنون وباللحظة التالية تعصف بي بعيدا عنك أميال، أنا لم أعد أعرف ماذا تريد ولا ماذا أريد أنا فقط تعبت صدقني تعبت ليث، تعبت ولم أعد أستطيع تحمل كل ذلك"
وشاركها البكاء حزنها ولم تعرف متى جذبها إليه واحتضنها بقوة وهي لم تبتعد عن أحضانه ورأسها مدفون بصدره تسمع دقات قلبه وتشعر بدفء أنفاسه والبكاء ينهشها حتى هدأت فأبعدها قليلا وأحاط وجهها بيديه ونظر بعيونها الباكية وقال
"لا يمكنك تخيل كم أكره نفسي كلما تسببت بدموعك هذه، صدقيني عهد أنا حقا لم أعد أستطيع إخراجك من حياتي ولا تصورك بعيدا عني، لا أريد أن أعود لتلك الأيام التي افترقنا بها فقد كانت كالجحيم وظننت أني نجحت بالبعد عنك لكني لم أنساك لحظة واحدة وما أن رأيت عيونك حتى أدركت أن فراقنا كان خطأ، وما فعلته بك وبنفسي كان خطأ، أنا أريدك معي عهد أريدك معي بكل وقت تشاركيني كل شيء بحياتي، ليس فقط الماضي والذكريات بل والحاضر أيضا، قال لي أحدهم يوما أن أيامي معك كانت المرة الوحيدة التي كنت فيها رجل على قيد الحياة وهي الحقيقة عهد لذا لا أريد أن أفقد الحياة مرة أخرى، أريدك معي أنت فقط عهد هل تدركين ما أقول؟"
هزت رأسها وهي تدرك جيدا ما يقول لأنها هي الأخرى تريد ما يريده وربما تخشى أن تسعد بكلماته لأنها بمجرد أن تتذكر العقبات ترتد للألم ومع ذلك الآن اختارته هو فهتفت
"نعم أدركه، أدركه جيدا لأنه ما أشعر به تجاهك ليث"
ظل ينظر بعيونها والراحة تتسلل لقلبه فعاد وجذبها له وهمس "إذن كوني معي، فقط كوني معي"
أجابت بصدق "أنا معك"
حركة بالخارج جعلته يبعدها قليلا ثم تراجع الاثنان عندما دخل جون وقال "ألا يوجد غداء؟ سأموت من الجوع"
احمر وجهها وهي تمسح دموعها وتبتعد عنه وهو يقول "لقد انتهينا تقريبا، لن تموت بسبب الطعام جون، ما زال أمامك الكثير"
ابتسم جون وقال "نعم أنوي ذلك حتى أرى أولادك"
رفع عيونه لجون الذي واجهه بابتسامته ولم تستطع هي مواجهة أحد منهم عندما قال هو "ما زال لديك أمل؟ أنا بالثامنة والثلاثين جون"
رفعت عيونها له وجون يقول "ومن يهتم بالعمر يا رجل؟"
التفتت عيونه لها وهي ثبتت عليه للحظة ثم انفض الاشتباك البصري وهي تضع الطعام وقالت "ألا تحضر جيس جون لقد انتهيت"
تحرك جون فالتفتت لتراه بجوارها وعيونه لها وقال "ما رأيك بالعشاء سويا؟"
ظل ينظر بعيونها حتى هزت رأسها بالموافقة رغم أن عقلها كان يحذرها من ذلك الطريق ويسألها بأي صفة يريدها معه؟ من ستكون بالنسبة له؟ مرة أخرى ستُتهم بأنها عشيقته؟ هو يعلم وأخبرها أنها ليست تلك المرأة فماذا إذن؟
لم تسمع لعقلها فقط انحازت لقلبها الذي أصبح سجين ذلك الرجل ويدفعها إليه ويرفض أن تبتعد عنه
قاد بها إلى بيتها وقبل أن تنزل قال "سأمر بالسابعة، ارتدي شيء رسمي"
ابتسمت وقالت "حسنا"
منحته ابتسامة رقيقة ثم تحركت ونزلت من جواره وانتظر حتى دخلت والتفتت له ثم قاد ورحل
ارتدت فستان اشترته لحضور افتتاح المشفى ولكنها لم تجرؤ أن تفعل فقد كان فضي غامق، طويل يحتضن جسدها بنعومة مفصلا منحنياتها الجميلة بدقة وفتنة، لفت طرحتها بطريقة جديدة مناسبة للفستان وحذاء عالي نادرا ما ترتديه ولم تضع أي مساحيق تجميل فقط بعض مرطبات البشرة جعلت بشرتها تتورد أكثر
وسقطت نظراتها على علبة الخاتم فترددت قبل أن تخرجه وترتديه وتظل تنظر له حتى دق جرس الباب ففزعت ثم تماسكت وهي تتحرك وتجذب حقيبة يدها ووضعت بها الهاتف ثم نزلت لتفتح لتراه أمامها وقد أخذ عقلها بمظهره بعد أن أزال شعر ذقنه وذهبت الهالات السوداء وبدت البدلة وكأنها جديدة لم يرتديها من قبل ولكنها صنعت من أجله وربطة عنق زرقاء حريرية أما شعره فلمعت خصلاته الفضية به مما زاده جمال وجاذبية جعلتها تفقد نفسها
جمالها جمده بمكانه وعيونه تتجول على جسدها الرائع، لأول مرة يراه، وجهها المستدير يلمع دون أي مساحيق، عيونها تشع ببريق الذهب الذي يهيمن على حياته، بدت رقيقة وجميلة وأنيقة
احمر وجهها من نظراته وقالت "ستدخل؟"
عاد لوجهها بعيونه وقال "لا داعي أراكِ انتهيت"
هزت رأسها وهي تجذب المعطف فأخذه باحترام ووضعه على أكتافها فأدركت قربه منها كما أدرك هو ولم يتراجع وهو يقول "أين كنتِ تخفين هذا الجمال عهد؟"
رفعت عيونها له بسعادة من كلماته وقالت "حقا؟ أنا جميلة؟"
رفع يدها لفمه وقبلها دون أن يبعد عيونه عنها وقال "فاتنة"
أخفضت وجهها فتحرك ليغلق الباب وقال "هل نذهب؟ لن نتأخر بالمساء هناك عاصفة بالطريق"
المطعم كان من أفخر الأماكن بالمدينة، لم تدخل مثله من قبل، قادهم المسؤول إلى المائدة التي كانت بركن منعزل وجذب هو لها المقعد فجلست وهي تلاحظ النظرات من حولهم وما أن جلس حتى قالت
"لماذا هنا؟"
نظر للرجل وقال "ماء قبل العشاء"
انحنى الرجل بأدب وابتعد بينما اعتدل بمكانه ولم ينظر حوله وهو يقول "ولم لا؟"
عادت له بدهشة وأخرجت ما بداخلها "أنت شخصية معروفة وخروجك معي سيثير الميديا"
ابتسم فبدا أكثر جمالا وأصغر عمرا وقال "وهل تظنين أني لا أخرج أبدا؟ بمجال عملنا هناك أمور لا تنتهي خلف المكاتب وإنما بأماكن مثل هنا"
أبعدت عيونها والرجل يضع الماء فسكب هو بكوبها فمدت يدها لتأخذه فسقطت عيونه على الخاتم، لاحظت نظراته وهي تتناول الماء ثم وضعت الكوب وهو يفعل المثل ثم قال
"لم أظن أنكِ ما زلتِ تحتفظين به"
نظرت للخاتم وداعبته بأصابعها وقالت "ولماذا؟"
قال بجدية "ظننتك تخلصتِ من كل شيء له علاقة بي وقت ما حدث"
عادت لعيونه وقالت "وجوده داخل العلبة كان يبعده عني ولم أفكر بإخراجه إلا اليوم"
وقبل أن يعلق أنه يبقيه هو بعيد عنها اقترب الرجل وقال "أوامرك مستر جبالي"
نظر لها وقال "هل أختار عنكِ؟"
بادلته النظرة وهي تهز رأسها فأملى طلبه على الرجل الذي انحنى ورحل فقالت "لم ترى بريهان؟"
هز رأسه بالنفي وقال "لا، ليس لدي وقت حاليا ربما غدا هل تظنين أن لديها ما يهمني؟"
قالت بهدوء "ربما، عليك بأن تسمعها"
ارتد بالمقعد ورفع ذراعه على المسند وأسند وجهه بأصابعه وقال "ولماذا أفعل؟ نحن نعرف بريهان وأفكارها وكلماتها وأنا ليس لدي وقت لها، ستثور وتغضب بكلمات طفولية لا معنى لها وأنا حقا لدي ما يكفيني"
قالت "تبدو مشغولا"
قال بجدية "نعم"
أخفضت عيونها وقالت "تصميماتك بالمقدمة"
لم يبعد عيونه عنها وهو يقول "ليس مؤخرا"
رفعت وجهها له فأكمل "لي فترة طويلة لم أقدم شيء جديد، أعتمد على مصممي الشركة"
تراجعت وقالت "وأنت!؟"
صمت وعيونها تخترق عيونه حتى اعتدل وأخرج هاتفه وفتحه وعبث به حتى وضع الهاتف أمامها وقال "ما رأيك؟"
دق قلبها بقوة وهي لا تصدق أنه يمنحها تلك الفرصة، تركت عيونه للهاتف وهي ترى سلسة يتدلى منها قلب مطعم بفصوص من العقيق طوعت على شكل قلوب صغيرة داخل القلب الكبير، انبهرت بالقلادة مما جعلها ترفع يدها وتمسك بالهاتف من يده فتركه لها وهو يتابع تعبيرات وجهها بهدوء وقد أخذها جماله وهو ما قالته
“إنه رائع ليث، القلب رائع لم أرى مثله من قبل"
أعادت له الهاتف فقال "هذا ما أوحته لي عيونك عهد، أول يوم رأيتك بالمشفى وعزيز بالعناية"
هتفت دون أن تصدق "أنا؟"
أعاد الهاتف لجاكته وهز رأسه وقال "نعم، والعقد الذي كان ختام المعرض الدولي من سنتان كنتِ أنتِ أيضا من أوحى لي بفكرته، أنت ملهمتي عهد منك أسرق تصميماتي دون أن أدرك كيف ولكني أراهم حول عنقك أو بين أصابعك فأرسمهم"
ظلت تحدق به وقلبها ينبض بقوة داخل صدرها ثم قالت بنبرة منخفضة يكاد لا يسمعها "أخبرتك ألا تفعل بي ذلك، لا تجعلني أصدق أني شيء مهم بحياتك"
اقترب من طرف المائدة ومد يده وأمسك يدها وعيونه لا تفارق عيونها وقد انتهى العالم من حوله ولم يعد يرى سواها وقد اعترف لنفسه أنه لم يعد يستطيع مقاومتها ولن يوقف ما بداخله أكثر من ذلك مهما كانت الحواجز التي تحدثت عنها فقال
"أنتِ كذلك عهد، أنتِ أهم شخص عرفته بحياتي كلها، حاولت رفض تلك الحقيقة ورحلت وطفت نصف العالم تقريبا كي أهرب من ذلك ولكن بالنهاية وجدت القدر يضعك أمامي وكأنه يسخر مني ويخبرني أني مهما حاولت الهروب فبالنهاية عدت إليك، ليس بحياتك أحد عهد أليس كذلك؟"
هزت رأسها بلا وعي وهي لا تصدق ما يقول وتحاول أن تتماسك رغم الضعف الذي ضربها من كلماته ولمسة يده وهي تجيب "لم يكن بحياتي أحد بأي يوم"
ضغط على يدها وقال "ولا حتى أنا؟"
همست وقد فقدت إدراكها تماما بما حولها وأوقفت عقلها عن العمل وتركت قلبها يسيطر وهي تقول "ليس هناك سواك ليث ألم تدرك ذلك بعد؟ أخبرتك ذلك من قبل"
ابتسم وقد قفز قلبه بسعادة من كلماتها وهو يقول "أدركته عهد ولكن ظننت أنه تبدل بعد ما كان بيننا"
قطع الرجل لحظتهم فترك يدها ليضع الأطباق وظلت هي تحاول استيعاب ما يحدث لها، لقد اعترفت له أنه الرجل الوحيد بحياتها وتبقى هو فهي تعلم أنها ليست امرأته الوحيدة.. ما الجنون الذي تدفع نفسها به؟
انتهى الرجل فنظر لها وقال "هناك حفل راقص بالقاعة الأخرى فما رأيك بالانضمام له بعد العشاء؟"
نظرت له بدهشة منحت عيونها شكل أكثر جمالا وهي تقول "رقص؟ أنا؟ لا، لا يمكنني أن أفعل، ليس بطرحة شعري بينهم"
ابتسم وقال "نحن بأمريكا عهد أي الحرية بكل شيء ولا يحق لأحد منعك من أي شيء"
تناولت الطعام وقالت "أنت حقا تحب هنا؟"
قال "ليس حب ولكنه استقرار فكل حياتي هنا، عملي وأصدقائي والجزء الأكبر من عمري هنا"
هزت رأسها فعاد وقال "ألا تفكرين بالمثل؟ لا تخبريني أنك تريدين العودة!؟"
لم تنظر له وقالت "أحيانا كثيرة أشتاق لمصر بكل ما فيها ولكن بالنهاية أرتد لحقيقة أن لا أحد لي هناك بينما هنا، جيس وجون والمشفى بكل من بها لقد أصبح الجميع أسرتي التي لم أنالها بأي يوم"
نظر لها بإعجاب وقال "والنجاح"
رفعت عيونها له وقالت "نعم النجاح، هل تعلم أنك سببه؟"
ابتسامته الهادئة ملأت وجهه وهو يقول "نعم، جون أخبرني"
تأمل تعبيرات وجهها الرقيق وقال "كنت أعلم أن بداخلك امرأة قوية ورقيقة ولو خرجت للعالم ستدمر الممرضة الضعيفة وقد كنت على صواب"
قالت بثبات "أنا لم أدمر الممرضة ليث أنا أصبحت هي، المرأة والممرضة شخص واحد لم يعد هناك وجهان لامرأة واحدة بل وجه واحد لنفس المرأة فقط نفضت الخوف والضعف خلفي كما أخبرتني فأصبحت امرأة ناجحة بمهنة ممرضة أيضا ناجحة"
هز رأسه وقال "نعم وتحولت لامرأة رائعة تثير جنوني" ظلت تنظر له وهو الآخر نظرات تعني الكثير ثم عادا للعشاء
بصعوبة اقتنعت أن تنتقل لقاعة الرقص وهناك أدركت أن لا أحد يهتم سوى برفيقه ولكن ما أن تقدما لقاعة الرقص حتى التفتت لهما الأنظار فاحمر وجهها وهي تلاحظ همهمات من حولها ونظرات ذات معنى وهو أيضا ولكنه كان يعلم أن لا صحافة تدخل المكان لذا ما زال آمن منهم
سمعت صوته يقول "هل تهتمي بي أنا بدلا منهم؟ هم سيتوقفون عن التحديق بعد دقائق ولكن أنا سأظل غاضبا لأني لا أنال اهتمامك"
رفعت وجهها له بسعادة لاهتمامه بها لتدرك كم يفوقها طولا وتنتبه ليده التي احتوت خصرها بنعومة فاحمر وجهها وهي تمنحه عيونها المتسعة من كل ما يحدث حولها فأعجبه نظرتها التائهة فانحنى ليقترب منها وقال
"عيونك قاتلة عهد"
قلبها يؤلمها من دقاته القوية وهي تحاول أن توقفه كي لا يسمع هو صوته بينما أكمل هو "لم تفارقني لحظة واحدة منذ افترقنا"
قربها منه لدرجة أنها لم تعد تسمع أو ترى سواه وتشعر بعضلاته القوية تصد جسدها الرقيق وفكرت هل يمكن أن يكون ذلك الرجل لها وحدها بأي يوم؟ هل يمكن أن تحلم بأن تكون هي وليس مي زوجته؟
ترى هل سيجدها زوجة جميلة مناسبة له كرجل جذاب نظرات النساء تلاحقه من كل مكان؟
أبعدت الأفكار والأحلام بعيدا وهي تدرك أن كل ذلك من تأثير عيونه الهائمة على عيونها ونبرته الهامسة الناعمة وأنفاسه الحارة العطرة وقالت "ظننتك تخلصت مني ولم تعد تريد أن تراني أو حتى تسمع صوتي، ليس العشيقة"
أبعد وجهه لحظة مبعدا الذكرى وقال "الماضي كان يقودني عهد وكان علي أن أدفعك خارج حياتي كما اعتدت أن أفعل وربما كنت متأثرا بما حدث من دولت، لقد أدركت أني خسرتك للأبد وحاولت إقناع نفسي أني على صواب ولكن مع كل يوم بدونك كنت أدرك أني خطأ ولا أريد سوى رؤيتك وسماع صوتك وعودتك لحياتي ولكني لم أحاول العودة لأني كنت أعلم أنك لن تسامحيني حتى وجدتك أمامي ولم يعد بإمكاني أن أكمل بدونك هل سامحتني عهد؟"
قالت بدون أن تطاوع مشاعرها المنجرفة له "أنت تسرق مني كل شيء ليث، تسرق حتى السماح دون أن يمكنني إيقافك، ليث أنا لا أريد أن أرى الحياة تظلم من حولي مرة أخرى لمجرد أننا نندفع وراء، وراء ما يحدث بيننا، أنا لن أتحمل الألم مرة أخرى"
تمنت لو تسأله عن مي ولكن الخوف أوقفها خشيت أن تعيده للواقع فينبذها مرة أخرى بينما ظل هو صامتا وكلماتها تريد أن تفتح الأبواب المغلقة بسلاسل حديدية، أبعد وجهه وقال
"لن أفعل لأن الألم لا ينالك وحدك عهد"
ثم عاد لها وعيونه تسكن على عيونها وهو يهمس "فقط دعينا نستمتع بليلتنا سويا، أنا أحيا على ذكرياتنا سويا وأنتِ بين أحضاني"
ثم قربها منه أكثر حتى استندت برأسها على صدره وهو يضمها له بحنان جعلهما ينسيان مكانهما فهي أيضا تحيا على ذكرياتهم سويا
انتهت السهرة بسعادة ولم يفتح أحدهم أي مواضيع قد تؤلم أو تذهب بجمال ليلتهم واستمتعا بكل لحظة لهما معا وتحدثا عن العمل والنجاح وجون وجيس وكل ما ليس له علاقة بالألم ولكن ما أن خرجا ووصلا للسيارة وهو يحيطها بذراعه والضحك ثالثهم حتى رأى كلاهم سيارة صغيرة تدخل مكان الانتظار بطريقة ملفتة جعلتهم يتوقفون وينظرون تجاه السائق والذي لم يكن سوى مي التي نزلت بملابس عادية أنيقة ولكن بغضب واضح وهي تتحرك تجاههم وعيونها تلمع ببريق الغضب
يتبع..
أنت تقرأ
رواية وجهان لامرأة واحدة بقلمي داليا السيد
Romanceسكنت داخل ردائها الأبيض تحتمي خلفه من مواجهة العالم من حولها، اختارت أن تكون الممرضة الصامتة ، الضعيفة ترفض خروج المرأة القوية التي هي عليها متجاهلة وجودها بل لا تعترف بها، لكن يوم سقطت عيونها عليه تمزق الرداء الأبيض بقوته الهائلة وإيمانه بها، دفعها...