الفصل الثامن
سقوط
عاد من بعد أن رحل الجميع من ذلك الحفل الذي أضجره، لم يكن يريد حفل لتلك الخطوبة اللعينة ولكن مي ووالدها والمظاهر، فك ربطة عنقه كما اعتاد وزر قميصه وتحرك لغرفة الجلوس وسقط على الأريكة ودفع رأسه للخلف مغمضا عيونه من ذلك الصداع الذي يدق رأسه بقوة عندما سمع جون يقول
"لماذا فعلت ذلك؟"
لم يفتح عيونه وهو يذكر صراعه مع جون منذ عودته من مصر ورفضه الصريح لتلك الخطوبة وجون أكثر الناس إدراكا بما داخله، هو نفسه صارع نفسه وكظم ماضيه وتراجع عن طريقه الذي كان يدفع كل امرأة بعيدا عن حياته كي لا تطالبه بالالتزام والزواج، أي امرأة يمكنها أن تكون شريفة ولا تخون زوجها؟ أي امرأة يمكنها أن تملك قلبا رؤفا بأولادها ولا..
صوت جون أعاده للواقع فقال بهدوء كاذب "تعلم الإجابة"
اقترب جون منه وقال بعيون تخترقه "ما أعلمه أنك كاذب لعين أحمق"
فتح عيونه بدهشة تحولت لغضب، لأول مرة يتطاول جون عليه بتلك الطريقة حتى الخلاف السابق تحلى بالصبر معه وتقبل مراوغته بالكلام لكن الآن هو يتخطى كل الحدود
اعتدل بجلسته ولكن قبل أن يحتد ويجيب بكلمات لاذعة أكمل جون بغضب "أنت أناني ولا تفكر بأحد، ربما أنا لا أحب مي ولكني أعلم جيدا مشاعرك تجاهها بل تجاه أي امرأة، اللعنة ليث كيف تغشها؟ كيف تمنحها أمل بأنك ستكون الزوج الصالح بالسراء والضراء، الزوج المحب المخلص وأنت لن تكون أي واحد منهم؟"
نهض وقد طفح الغضب على وجهه وهتف "كفى جون لقد تماديت كثيرا وأنا"
قاطعه جون بحدة "أنت ماذا؟ أنت تدمر حياتها وحياتك، ألا تعي ماذا فعلت؟ أنت دمرت سعادتها وسعادتك أي حياة تلك التي تريدها وأنت تلقي بنفسك بأحضان امرأة لا تطيق حتى صوتها، هل سيمكنك تحمل لمساتها لك؟ هل سيمكنك أن تمنحها نفسك وقلبك؟ ماذا ستشعر وأنت بأحضانها؟ اللعنة أنت حتى لا تطيق أي امرأة سواها فماذا فعلت؟ ألا تشعر؟"
لم يحتمل أكثر فثار بغضب "لا دخل لك بما أشعر به من عدمه جون لا أحد له دخل بها هي حياتي وأنا أعلم جيدا كيف أعيشها"
ولكن جون لم يستسلم وهو يتحرك تجاهه ويناطحه الطول والقوة والنظرات الغاضبة وقال "حتى شهر مضى كنت كذلك، كنت تدرك تماما كيف تدير شؤونك، لشهر مضى كنت أنت ليث الذي أعرفه حصان عربي أصيل قوي، جامح لا يمكن هزيمته أو إثناؤه عن النجاح، كنت أعرفك جيدا ليث ولكن انظر لنفسك الآن، ماذا تفعل بنفسك؟ أنا وأنت نعلم جيدا أنك لا تحبها ولا تطيق حتى أنفاسها فلماذا؟ ربما تراجعت عن أفكارك تجاه النساء ولا تريد دفعهم بعيدا كما اعتدت لكن ليس مي، ليس الفتاة التي رفضتها دوما"
ظل يتجول داخل عيون جون القاتمة وهو الشخص الوحيد الذي يجرؤ على مواجهته بل ويغوص داخل أعماقه ليجد الأسرار الكامنة بقاع عقله بل وقلبه، ولكن ليس الآن، ليس من حق أحد أن يرى داخله بعد اليوم، لا جون ولا سواه، كان عليه أن يبتعد ويوقف ما ينمو داخله نعم هو يدفع أي امرأة بعيدا عن ظلام حياته وسيفعل حتى ولو كان الثمن خطوبته من مي عليه أن يفعل
ابتعد من أمام جون وعيونه تحترق من الظلام الذي ينبض داخله وهو يقول "ولكنها الخيار الأفضل جون، تعلم المصالح التي بيني وبين والدها، تحبني بعدد سنوات عمرها، وأنت كنت تعلم أن أمر زواجنا ليس بجديد الجميع كان يعلم أنه أمر حتمي"
لكن جون جذبه من ذراعه بقوة ليعيده أمامه وقال ونظراته تضربه بقوة "ماذا حدث بمصر ليث؟ ماذا حدث هناك جعلك تقلب حياتك رأسا على عقب وتكذب علي وعلى نفسك بما تدعي وتقول؟"
الصمت سقط عليهم كصافرة الحكم تعلن توقف المباراة، لن يخترق جون سراديبه أكثر من ذلك، ليس هذه المرة، ما كان خطأ ولابد أن يتوقف وقد أوقفه برحيله ولن يرتد للخلف مرة أخرى، عندما زاد ظلام عيونه وجمدت ملامحه دون أن يجيب لانت نبرة جون وهو
يقول "من هي؟"
تحركت عضلة بوجه ليث وضاقت عيونه واختنقت أنفاسه وأبعد ذراعه عن قبضة جون ليبتعد، لا، هو ليس بواضح هكذا لن يمنح ما كان أكثر مما يستحق، ابتلع مرارة كانت عالقة بفمه وهو يقول
"لا أفهم سؤالك؟"
لم يتحرك جون من مكانه وهو يقول "من هي الفتاة التي حركت بك كل هذا الغضب الذي جعلك تعاقب نفسك بخطوبتك من مي؟"
لم ينظر لجون وهو يسمعه جيدا، يعاقب نفسه؟ هل هذا بالفعل ما فعله؟ هل هو المسمى الحقيقي لتصرفاته؟ هل قراره هذا كان نابعا من الغضب الذي عاد به من مصر بعد أن شعر بالضعف أمامها لأول مرة بحياته؟
حركة جون جعلته ينتبه إلى أنه أمامه ينظر بعيونه مباشرة وجون يعيد سؤاله "من هي؟"
ظل صامتا أيضا وبالنهاية قال "لا أحد جون، ليس هناك أحد ومي هي من كانت بطريقي منذ وقت طويل وأنت تعلم ذلك فدعك من كل ذلك وتوقف عن كلماتك هذه فلا داعي لها لأن ليس لدي شيء لأخبرك به"
وتحرك ليصعد ليوقف كل ما يحدث وربما الألم الذي يتربص داخل صدره ولكن جون قال "ألا تليق بمكانتك كبليونير؟ أم أنها ترفضك؟ أم أنت ترفض الاعتراف برغبتك بها؟"
توقف مرة أخرى قبل أن يلتفت له وقال محاولا ألا يجعل غضبه يلتهم ما بينه وبين جون "لم تكن لي رغبة بأي امرأة من قبل جون وأنت تعلم ذلك جيدا، وكوني بليونير فأنت أيضا تعلم ماذا يعني ذلك لي وكيف أتعامل معه"
والتفت ليذهب فأجاب جون "إذن هي ترفضك"
ثار رافعا ذراعيه لأعلى وهو يهتف "بحق الله جون ماذا تريد؟"
والتفت له والغضب واضحا على كل عضلة بوجهه فابتسم جون وقال "لا شيء ليث لقد وصلت لما أريد ربما هي تلك الممرضة التي ألقيت عليها مسؤولية جلطة والدتك ولكن كما تشاء ليث أنا أتراجع، فقط لا تعبث مع قلبك فأنت من سيجني النتائج وصدقني لن تكون جيدة"
ثم قرر إنهاء المعركة عندما تركه وتحرك ليختفي من أمامه تاركا ليث بمكانه يتابعه بنظراته ولكن كلماته رشقت بصدره وتسرب مفعولها إلى قلبه وعقله، لا تعبث مع قلبك، هل حقا فعل؟ هل أصبح قلبه الآن خصما بمعاركه بالحياة؟ لقد أبعد قلبه عن مضمار حياته منذ أن قرر أن يكون يتيما ومنح نفسه اللقب وعاش فقط بعقله فهل الآن هناك قلب يعاركه ويتنازع معه على الحياة؟ لا، لن يكون وما فعله هو الصواب ولن يتراجع عنه لقد انتهى دوره بمصر ولن يعود إلى هناك وسيجعل رجاله تتعامل معهم ويكفيه ما ناله ..
جلسات العلاج الطبيعي كانت مرهقة جدا لدولت ولكنها كانت مفيدة لجسدها الذي كانت عضلاته قد صدأة من عدم الحركة، أما القلب فشفي مما أصابه برعاية عهد والأطباء، معاذ ابتعد عنها ولم يعد يبحث بوجودها كما كان يفعل قبل كلمات ليث له هذا ما ظنته، بريهان توقفت عن صراعاتها مع عهد لأن الأخيرة تعلمت كيف توقفها
"مساء الخير آنسة عهد، هل نبدأ؟"
نظرت للمختص بالعلاج الطبيعي وقالت "نعم تفضل مدام دولت جاهزة"
تحرك لداخل الغرفة وقال "مساء الخير مدام كيف حالك اليوم؟"
ابتسمت دولت وقد تورد وجهها تلك الأيام وقالت "بخير يا بني، كيف حالك أنت؟"
ابتسم وهو يفتح حقيبته ويخرج أدواته ليبدأ العمل وقال "الحمد لله فقط كنت أريد إبلاغك أن اليوم آخر يوم لي معكم"
ساعدته عهد بعمله كالعادة بينما قالت دولت "لماذا؟"
قال "لدي عمل جديد بالخارج وسأسافر بنهاية الشهر وحصلت على اجازة كي انتهي من أوراقي"
لم تعلق عهد كعادتها طالما الأمر لا يخصها بينما قالت دولت "من أين حصلت على العمل؟"
عملت يده ببراعة على جسد المرأة وهو يقول "دكتور ذكي أخصائي العظام هو من رشحني للوظيفة وبصراحة كنت أنتظر الفرصة، لي سنتان خاطب والظروف لا تساعدني على إتمام الزواج"
عادت دولت تبتسم وقالت "هذه فرصة رائعة وأين ستعمل أقصد بأي بلد؟"
قال بلا مبالاة "نيويورك"
كاد الزيت الطبي ينسكب من يد عهد عندما فقدت أعصابها وارتجف جسدها كله وكأنه ألقى عليها قنبلة انتزعتها من تحت تراب الحزن والألم لتعيدها لسطح الواقع المؤلم، انتبهت دولت لها ولكنها لم تعلق وهي تتراجع لتخفي ارتباكها ودولت تجذب انتباه المختص بكلمات لم تعد عهد تسمعها فقد تشتت ذهنها عندما اندفعت كل الأفكار الصاخبة مرة أخرى لرأسها لتفتح ما أغلقته منذ أن رحل دون أن تحاول التفكير به مرة أخرى وتحلت بقوة زائفة جعلتها تحيا دون أن تشعر، فارغة، كصحراء جرداء لا تجد بها إلا سراب لا وجود له، التمست السكينة وراء عملها الذي دفنت نفسها به وظنت أنها نجحت ولكن تأبى الظروف أن تتركها لحالها
عندما انتهى الرجل ورحل ساعدت دولت على الاغتسال وتبديل ملابسها ووضعتها بالكرسي المتحرك ونزلت بها للحديقة حيث اعتادت أن تفعل مؤخرا
جلست أمام دولت التي قالت فجأة "عهد ألا تفكرين بالبحث عن عمل أفضل من هنا؟ ربما فرصة كتلك التي حصل عليها سعيد"
احمر وجهها الرقيق بين طرحتها البيضاء وقالت "هل حضرتك تريدين تبديلي؟"
ضحكت دولت وقالت "حقا لا، لن أجد فتاة مخلصة ومجتهدة مثلك عهد فقط ظننت أنكِ ربما تريدين الرحيل"
نظرت لها دون فرار من النظرات وربما كانت تدرك تلميحات المرأة ولكنها قالت "ما الذي أوحى لكِ بذلك؟ هل قصرت بشيء؟"
قالت دولت بجدية "لا عهد ولكن الألم الذي أراه بعيونك بكل مرة يذكر بها الخارج يجعلني أشفق عليك"
شحب وجهها وذهب تورده وأخفضت عيونها لأصابعها البيضاء التي تشابكت ببعض من توترها ولم ترد وعلقت أنفاسها وكأن لا هواء حولها ولكنها سمعت دولت تقول "هل تعلمين أنها كانت المرة الأولى التي رأيته بها منذ ثمانية عشر عاما؟"
رفعت وجهها لها وهي تعلم ماذا تقصد واندهشت لأنها أول مرة تذكر أي شيء عن حياتها ونفسها، أكملت دولت بعيون حزينة "يوم الحادث وقت وفاة إبراهيم، كانت أول مرة أراه على الحقيقة، كنت أرى صوره على الميديا فقط ولم يفكر أيا منا بالاتصال أو اللقاء وأعترف أني صدمت لرؤيته"
عندما طال صمت دولت سألتها هي "لماذا؟"
كانت دولت شاردة بعيدا وكأنها سافرت عبر الزمن وطوتها الذكريات وسؤال عهد أعادها للحاضر وهي تواجه عهد وتقول "كان يعتبرني مع الأموات"
تذكرت كلماته لها عندما قال أنهم يتفقون في اليتم وقتها لم تفهم كيف وما زالت أمه على قيد الحياة ووالده مات بالحادث، قالت بدهشة "يعتبرك مع الأموات؟ هذا صعب جدا حضرتك"
دمعت عيون دولت وقالت "بل مؤلم عهد مؤلم للأقصى الحدود ولا يمكنك تخيل معنى أن تتخلي عن ابنك أول من رأت عيونك وتلقي به للمجهول دون رحمة وهو يعود لينقذك ولكن يعاملك وكأن لا وجود لكِ"
صمتت المرأة وهي تمسح دموعها ورن هاتفها ليقطع شريط الذكرى وقد كان معاذ فهو الوحيد الذي يهاتفها أما ليث فلم يفعل ولا مرة، منذ سفره ولم يعد يذكر أحد اسمه ولكنها كانت تعلم أن صفاء تراسله ومع ذلك ترفض ذكره أمام أحد وبخاصة هي، إخلاصها له نادر الوجود حقا
طال حديث دولت وقد تركتها هي وتحركت بالحديقة عندما رن هاتفها باسم رحمة فأجابت "رحمة كيف حالك؟"
أجابت رحمة بحماس غريب "عهد لن تصدقي ما حدث"
توقفت عن الحركة وقالت بفضول "ماذا رحمة لقد أثرت فضولي؟"
ضحكت رحمة وقالت "مس نعمة، لقد انتقم الله لك حبيبتي"
تجولت بعيونها حولها ولمحت دولت بمكانها وقد انضمت لها بريهان فعادت لرحمة وقالت "هل ستخبرينني ماذا حدث؟"
ضحكت رحمة وقالت "لقد سمعتها ولاء وهي تتحدث مع أحدهم وقد كان يهددها بطلب أموال وعندما رفضت تشاجرا بصوت مرتفع وبالطبع هددها الرجل بفضحها عن كل ما يعرفه عنها"
دارت حول نفسها وهتفت "لا تخبريني أن ذلك الرجل هو من حاول معي!؟"
هتفت رحمة "بلى هو عهد، لقد طلبت ولاء دكتور عزت والأمن واعترف الرجل بأن نعمة هي من طلبت منه فعل ذلك بك وسرقة الأدوية وعرفنا أيضا أن نورهان كانت شريكة لها بكل شيء، لقد طردها دكتور عزت هي ونورهان، عهد دكتور عزت يسأل عنك ويريد عودتك هل تفعلي؟"
تلجم لسانها وهي لا تفهم ، مال الجميع اليوم يطالبها بترك مكانها هنا هل انتهى وقت وجودها هنا؟ ولكنها لا تريد الرحيل، لا تريد أصلا أن تعود للمشفى ولا أن تترك دولت
صوت رحمة أعادها فقالت "لا رحمة أنا بخير بعملي الحالي ولست بحاجة لعمل جديد"
تذمرت رحمة وقالت "لا عهد، من أجلي لم أجد صديقة مثلك فلم لا تعودين؟"
تحركت بدون هدى وقالت "وأنا ما زلت صديقتك رحمة وليس مكان العمل هو ما سيربطنا"
أجابت رحمة "نعم معك حق، لابد أن أذهب سأهاتفك بالليل لأحكي لك عن عاطف مختص الأشعة"
شعرت بسعادة صديقتها فقالت "وأنا سأنتظرك"
أغلقت وشكرت الله أنه أظهر براءتها وتمنت لو كان معها لتخبره بسعادتها ولكنها تذكرت أنه رحل دون عودة وأغلق صفحتها للأبد وربما مزقها وقذف بها بعيدا
عادت لدولت التي نظرت لها وقالت "عهد بريهان تريد إقامة عيد ميلادها الاسبوع القادم"
صرخت بريهان بأمها "ماما لماذا تخبريها؟ الأمر لا يخصها"
جلست عهد وقالت ببرود "حضرتك بحاجة لمثل تلك الأمور ستدخل البهجة عليك"
نظرت بريهان لها وقالت بنفس الغضب "وهل طلب أحدهم رأيك؟"
نظرت لها وقالت "بدون طلب أنا المسؤولة عن حالة والدتك وكل ما يضرها علي أن أمنعه عنها وما بصالحها سيكون على الرحب والسعة"
لم تتبدل نبرة بريهان الغاضبة وهي تقول "لستِ المسؤولة عن أمي أنت مجرد ممرضة عندنا ولا دخل لك بأمورنا الشخصية ولا تظني أنه لأن ماما عاجزة"
أوقفتها عهد بقوة هذه المرة "كفى، والدتك بخير وبأفضل حال، عقلها أفضل مني ومنك، لسانها ليس عاجزا عن قول رأيها وليست قدماها هي التي ستغير أي شيء وكفي عن كلامك هذا لأنه دليل على ضعف كلماتك"
نهضت بريهان وكأنها ستتهجم على عهد وهي تصرخ بها "كيف تجرؤين على التحدث إلي هكذا؟ أنت مطرودة هل سمعت؟ اخرجي من هنا لن تعملي عندنا بعد اليوم"
لم تتبدل ملامح عهد وصدى كلماته يتردد داخله وهي تأخذها وتستعين بها بينما قالت الأم بغضب "بريهان كفى"
نظرت بريهان لأمها وقالت "لا لن أكف وهي لن تنتظر هنا لحظة واحدة"
قالت دولت "هذا أمر يخصني بريهان ولست أنت من يقرر"
تراجعت بريهان وقالت "ولكن ماما كيف؟"
قاطعتها دولت "هي لا تعمل لدينا بريهان ليث هو من يدفع لها وهو فقط من يمكنه إخراجها من هنا لذا كفي عن تصرفاتك هذه واذهبي لتهدئي بمكان آخر"
رمقت عهد بنظرة غاضبة وقالت "لن أتركك هل تفهمين؟"
وتحركت ذاهبة والغضب يأكلها بينما التفتت هي إلى دولت وقالت "أنا آسفة حضرتك ولكن لم أكن لأسمح بتكرار الأمر مرة أخرى"
هزت دولت رأسها بتفهم وقالت "أعلم عهد، هي متهورة ولا تعي تصرفاتها ولولا ما فعله ليث لما توقفت عن فعل المصائب الواحدة تلو الأخرى"
بالطبع تجنبت لقاء بريهان كالعادة ولم تهتم بما قالته لها آخر مرة فبالفعل هو من وظفها هنا وهو من يمكنه إبعادها، هذا إذا ما كان يذكرها وإن كانت تعلم أنه لم يعد يفعل
ظلت صامتة وتلك الشهور التي مضت عليها هنا جعلتها تشعر أنها لأول مرة لها مكان تستقر به، دولت ليست سيئة رغم أنها كتومة وتحتفظ بأسرارها لنفسها، وحتى سلوك بريهان معها لم يجعلها تكرهها بالحقيقة هي لم تتعلم أن تكره -حد بل كانت مسالمة تلتمس الأعذار لكل من حولها وقد أحبت دولت بالفعل ربما لأن7ا كانت تريد أن ترى بها الأم التي لا تذكرها لذا ليس من السهل عليها الآن أن ترحل خاصة وأن قلبها أصبح رغما عنها عالقا هنا
بالطبع نفذت بريهان رغبتها بعيد الميلاد ورأت الإعدادات التي كانت تتم من أول النهار بالحديقة وشعرت أن الأجواء مختلفة بكل ما يدور حولها ومع ذلك لم تتسرب السعادة لها وقد كانت تعلم أنها رحلت برحليه وقد سرق سعادتها وروحها وحتى أحلامها
انتهت من ملابس دولت التي نظرت لها وقالت "ألم تبدلي رأيك عهد؟"
قالت دون تردد "لا حضرتك أنا لا أحب تلك الحفلات سأكون بغرفتي ولو أي شيء حدث مدام صفاء ستقوم بإبلاغي"
استسلمت دولت لرغبة عهد بعدم حضور عيد الميلاد ودقت عهد زر الخدم ولحظات ووصلت صفاء لتأخذ دولت تاركة ابتسامة رقيقة لعهد التي لم تتبدل ملامحها وكانت كثيرا تتذكر كلماته عن الابتسامة التي لم تعرفها بيوم وهو زاد من أحزانها فكيف ستجد البسمة طريقها لفمها؟
عادت غرفتها وأخرجت هاتفه وفتحته وعادت ترى صوره مع مي خطيبته التي كانت تنظر له بعيون حالمة ظهر بها الحب بينما كانت ملامحه جامدة لا تظهر أي مشاعر وعلى قدر الألم الذي يصيبها من رؤية صوره إلا أنها كانت الشيء الوحيد الذي تبقى لها منه واكتفت به
كانت الضوضاء تعم المكان والموسيقى الصاخبة تثير الجنون وبالطبع لم تفكر بالنوم بل ظلت تعبث بهاتفها وتأملت تصميماته الرائعة وعرفت بنجاحاته المستمرة دون منافس حتى دق بابها فانتبهت وتحركت للباب وفتحته دون تفكير بالطارق لترى معاذ أمامها فارتبكت من رؤيته وهي لم تتوقعه أصلا، شحب وجهها بينما أطلق هو ابتسامة لمعت فيها عيونه كالعادة وهو يقول
"ظننتك ستشاركين بالحفل"
حاولت أن تبدو ثابتة وهي تقول "لا، لم أفعل"
اختصارها كان له معنى بالتأكيد وصله ولكنه قال "فكرت بأن أدعوكِ بنفسي"
ظلت تنظر له دون أن تفهم ثم قالت "شكرا ولكني حقا لا أهوى الحفلات، اسمح لي"
حاولت أن تغلق الباب ولكنه وضع يده عليه ليمنعها من أن تغلقه وهتف بنبرة تحذيرية "لا، لا أسمح لك"
ودفع الباب بقوة ورأته يتقدم للداخل ولكنها حاولت إغلاق الباب ولكن بالطبع هو دفعه بقوة تضاعف قوتها وهو يقول "لن تفوتني فرصة كهذه، دعوتك كانت واضحة"
تركت الباب وتراجعت بذهول وقلبها يرتجف والفزع يهرع لها وهي تقول "دعوة؟ أي دعوة؟"
ابتسم وهو يتقدم أمام تراجعها وقال "وجودك هنا بعيدا عن الجميع هذا يعني حريتنا بقضاء أمسية رائعة"
هتفت به بغضب حاولت أن تخفي به خوفها "أنت مجنون، أنا لم أفعل ذلك، اخرج من هنا، اخرج الآن"
توقفت وهو كان قريبا ورفع ذراعيه ليطبقهم عليها ولكنه أطبقهم على الهواء عندما انحنت هي وفرت من تحت ذراعيه وأسرعت للباب وهو يسب ويشتم من هروبها وقد أسرعت خارجة ولكن ما أن وصلت لنهاية الممر حتى وصل لها وشعرت به يقبض على طرحتها ويجذبها للخلف بقوة فرفعت يداها لرأسها لتثبت طرحتها وتبعد يده ولكنه كان قابضا عليها بشدة فصرخت بأقصى ما لديها ولكنها لعنت حظها لأن الحفل كان بالحديقة ولن يسمع صراخها أو يراها أحد وهي وتمسك يده لتبعدها عن رأسها وتقول
"اتركني، ابتعد عني أيها النذل الجبان، اتركني"
ولكنه احنى رأسه حتى وصل لأذنها وقبضته القوية تمنع عنها الفرار وهتف "لن يكون، لن أتركك، لن تكوني له وكما سرقت منه تصميمه سأسرقك منه، هل ظننت أنني لم أكتشف مشاعرك تجاهه؟ وأنه يبعدك عني، كنت أظن أنه لن يتركك ولكن يبدو أنه نال ما يريد منك ثم ألقاك بعيدا وخطب المرأة المناسبة له، الأموال تتحدث حبيبتي، ومع ذلك لا مانع عندي من أن أتذوق ما تذوقه أخي الأكبر فأنا أثق بذوقه"
وجذبها لمواجهته وهو يدفع طرحتها بعيدا لينساب شعرها الذهبي وهي تصرخ "أيها الجبان اتركني أنا أشرف مما تظن ولن يمكنك أن تفعل بي شيء"
ولكنه أطلق ضحكة شيطانية هزتها وهو يقول "الشريفة العاهرة، دعينا نكتشف أيهم أنت"
وهجم بوجهه عليها فقاومته ودفعت قبضتيها بصدره ولكنها كانت أضعف منه وشفتاه تقتحم وجهها بوقاحة وهي تحاول إبعاد وجهها عنه وهو لم يتوقف وهي تتراجع ورفعت يديها ونشبت أظاهرها بوجهه بكل قوتها فصرخ متألما دون أن يفلتها مبعدا وجهه الذي امتلأ بالجروح من أظافرها وتفاجأت به يصفعها بقوة على وجهها مرة وراء الأخرى بطريقة جعلتها تكاد تفقد الوعي وهو يصرخ بها
"أيتها السافرة ستندمين ولن يخلصك مني أحد"
وعاد لينتهك حرمة جسدها ويمزق ملابسها دون رحمة ولكنها استعادت نفسها بقوة الادرينالين الذي ضخه عقلها بكل جسدها من أجراس الخطر التي انتشرت تحذرها مما سيفعله بها وككل تفكير البنات بتلك اللحظة رفعت ركبتها بكل قوتها بين ساقيه فصرخ بقوة وهي تحاول أن تفلت من قبضته وبالفعل أفلت قبضة وأمسك نفسه مكان الإصابة بيد وهي تحاول أن تهرع منه ودموعها تصاحبها ولكنها هي وهو لم ينتبها أنهما كانا قد وصلا لطرف السلم عندما وجدت نفسها تندفع بقوة في الفراغ ويداها تلوح بالهواء وتتهاوى على السلم وتبعها هو الآخر وكلاهم يصطدم بالدرجات بقوة مؤلمة وعندما استقر جسدها على الأرض كانت قد فقدت الوعي وهو بجوارها وكلاهم مضرجا بالدماء
يتبع..
أنت تقرأ
رواية وجهان لامرأة واحدة بقلمي داليا السيد
Romanceسكنت داخل ردائها الأبيض تحتمي خلفه من مواجهة العالم من حولها، اختارت أن تكون الممرضة الصامتة ، الضعيفة ترفض خروج المرأة القوية التي هي عليها متجاهلة وجودها بل لا تعترف بها، لكن يوم سقطت عيونها عليه تمزق الرداء الأبيض بقوته الهائلة وإيمانه بها، دفعها...