الفصل الثالث عشر

372 18 4
                                    

الفصل الثالث عشر
عشيقة
لم يهاتفها بعد تلك الليلة ولا هي وكأنها كانت النهاية وقد كتبها الاثنان بالاتفاق، هو أدرك أن هذا هو الصواب له ولها، لن يتراجع عن ما عاش عليه وأقنع نفسه أنها لا تمثل بحياته أكثر من مجرد مسؤولية ألزم نفسه بها وبوجودها هنا انتهت مسؤوليته هو الآخر يكفيه انشغاله بالفرع الجديد الذي يقوم بالإعداد له كما أدرك أنها كانت على حق لا يحق له إقحامها بحياته بعد اليوم ولكنه لن ينكر وجودها هنا وسيكتفي بذلك وربما يمكنه رؤيتها بأي وقت أراد كما تعقدت علاقته بمي وامتنع عامدا عن لقائها وربما كانت تفهم ولكنها لم تخبره بشيء
بينما وجدت هي نفسها تبذل كل جهدها بما تفعل لتدفن مشاعرها وضعفها بعيدا ولم يكن الأمر بالسهل ولكنها حاربت واشترك لها جون بمكان لتنمية اللغة الإنجليزية فزاد انشغالها وحرص جون على عدم ذكر اسمه أمامها
خمس شهور مرت تقريبا كانت قد أنهت الدورة التدريبية بنجاح عالي وتحسنت لغتها جدا فهي تفرغت تماما للدراسة وانتقلت لبيتها منذ وقت ولكنها كانت تقضي وقت كثير عند جون وجينيس
دخلت بالصباح وقالت "جينيس أنا هنا"
نادتها المرأة بالمطبخ فتحركت تجاهها فقالت "أين جون؟ لقد طلب مني الحضور"
دخل جون وقال "أهلا عهد ليث أخبرني أن لديك موعد بمشفى.. سيجرى لك مقابلة بالعاشرة لذا طلبتك هل أنت جاهزة؟"
تجمدت لذكر اسمه وقد أبعدته عن ذهنها مؤخرا وظنت أنها نجحت بذلك ولكن ها هو مجرد ذكر اسمه يثير كل شيء داخلها ويوقظ قلبها من سباته الزائف بينما لاحظ جون ذلك فقال "نتناول الإفطار وسنذهب بعدها"
عادت للواقع وهزت رأسها بالإيجاب ثم تحركت لتجلس بينما قالت جيس "إنها مشفى كبير عهد والعمل هناك صعب حقا"
لم ترد وهي شاردة به هل ما زال يذكرها ويفكر بها، سمعت جيس تقول "عهد، ألا تسمعيني؟"
رفعت وجهها لها وقالت "آسفة، ماذا قلت جيس؟"
كانت نظرات جون لها واضحة بينما قالت جيس "أخبرك أن العمل هناك سيحتاج منك لمجهود كبير"
فقالت بلا مبالاة "لا يهم أنا أحب العمل جيس"
رن هاتف جون فأخرجه ونهض به بعيدا وهي تتابعه وهو لم يعتاد على الخروج للرد بينما عادت جيس تقول "لابد أن تنتبهي لنفسك جيدا ليس كل من حولك يتمنى لك النجاح"
هزت رأسها ونصائح جيس تنهال عليها كالأم وهي لا ترد حتى عاد جون وقال "هل نذهب؟"
قاد جون بها عندما قال "أرى أنكم نجحتم بالأمر"
نظرت له وقالت "نحن؟"
قال دون أن ينظر لها "أنت وهو، كلاكم نجح بتدمير ما كان بينكم"
فهمت كلماته فأبعدت وجهها وقالت "هذا هو الصواب وأنت تعلم ذلك وإلا لأوقفتنا"
نظر لها ولكنها لم تنظر له فسمعته يقول "هل يتحملك قلبك عهد؟ حقا كيف أمكنك فعل ذلك؟"
التفتت له وقالت بألم وحزن "وماذا أردت مني أن أفعل وهو يطردني من حياته جون؟ هو من استبعدني رغم أنه هو الذي أصر على وجودي بها من البداية، ماذا كان علي أن أفعل وبحياته امرأة هي من تقف بجواره وتنال معه النجاح، امرأة أخرى هي خطيبته وهي الأحق، لن يمكنني أن أقتحم حياته وأدمرها وهو أدرك ذلك ولم يعترض وكلانا على نفس الطريق"
لم يحاول مواجهتها وهو يقول "لا عهد كل ذلك خطأ، ليث اعتاد على دفع أي امرأة خارج حياته ووجود مي غير صواب وأنا ظننت أن وجودك سيصحح الأمر، ألا تفكرين بأنه يحتاج خطوتك الأولى؟ هو لا يريد مي أنا أثق بذلك"
أبعدت وجهها وقالت "ولكنه اختارها جون، هو من وضع خاتمه بإصبعها باختياره دون أن يجبره أحد ولم يدفعها خارج حياته كأي امرأة أخرى كما قلت بل فعل ذلك معي أنا وهذا يثبت شيء"
نظر لها وقد أصابت بكلماتها ومع ذلك قال "ولكنه لا يحبها عهد"
أشاحت بيدها وقالت "أنت من أخبرني أنه لم يعرف الحب جون"
عاد ينظر لها ويرد "جمد قلبك عهد وقست كلماتك"
كانت تعلم أنه على حق ولكن هذا هو الحل لإيقاف ألم قلبها وهذه هي الحقيقة التي واجهت بها نفسها، قالت "كان علي أن أفعل وإلا لتدمرت حياتي جون، لا أحد يدرك مقدار الألم الذي يسببه جرح القلب والكرامة وليث لم يكتفي بواحد"
من صمته أدركت أن لا كلمات لديه للدفاع ولا للجدال ولحظات وكان يقف أمام المشفى وقال "فقط أتحدث عن فرصة واحدة عهد، فقط لو طلب تلك الفرصة فلا تصفعي الباب بوجهه كلاكم يستحقها، هيا انزلي لن أدخل معك، سأنتظرك هنا"
ظلت تحدق به وهي تستوعب كلماته ثم هزت رأسها هي بالفعل تتمنى لو طلب تلك الفرصة فهي أيضا تريدها، بالنهاية نزلت وهي تنفض حديثه عنها بثقة فالعمل هو الشيء الوحيد الذي تجيد عمله على الوجه الصواب وهو ما تبقى لها
المقابلة كانت صعبة ومرهقة واللغة أعاقتها قليلا وأخبروها بالرد خلال يومين فتحركت للخارج لتبحث عن جون ولكن بدلا منه رأته ينزل من سيارة زرقاء فتسمرت بالأرض وأدركت أن قلبها الجبان ينهار بضعف لرؤيته، حتى عيونها تعلقت به وهو يتحرك تجاهها وكأنها تتمتع برؤيته بعد الغياب وقد كان بعده هو العذاب بكل ما يحمله من ألم، وللحظة تذكرت جون وكلماته لقد كان يعرف لذا طلب منها فرصة أخرى
توقف أمامها وعيونه تنساب على وجهها الرقيق وملابسها الأنيقة والبسيطة ولم تتنازل عن طرحتها رغما عن مكانها هنا، ولمح خاتمه بإصبعها فعاد لوجهها وقال
"افتقدتك"
تجولت هي الأخرى بملامحه التي افتقدتها وقالت بصدق "وأنا أيضا ليث افتقدتك"
لم يترك عيونها وقال "جون رحل أخبرته بأني سأنتظرك كيف كان اللقاء؟"
ابتسمت كما تعلمت مؤخرا وقالت "ألا تعلم حقا؟"
لمس ذراعها برقة فارتجفت وهو يقودها للسيارة ويقول "لا، لا أعلم، لابد أن تجتازي اللقاء بدون واسطة"
فتح لها الباب فركبت ثم ركب بجوارها وقاد السيارة وحل الصمت بينهم وهي تختلس نظرات له ولوجهه وقد اشتاقت له ولملامحه ولمساته وحتى صوته افتقدته
توقف بمكان فاخر كالعادة ولكنه أيضا قديم الطراز وقال "أحتاج قهوة"
كانت ترى التعب على وجهه فلم ترد وهو ينزل وهي أيضا، دخلا المكان وقد كانت ثابتة تلك المرة، أشار لهما الرجل بمائدة خالية تحركا لها وطلب قهوة لهما ثم نظر لها وقال " تبدين بخير"
أبعدت وجهها وقالت "جون وجيس يهتمون بي جيدا وكأني ابنتهم"
صمتت وهي تتجول على وجهه المتعب وقالت "لكنك لا تبدو بخير؟"
أبعد نظراته للحظة عنها وهو انتظر أي فرصة ليبرر لنفسه رغبته لرؤيتها لذا كانت تلك المقابلة بالعمل هي فرصته، عاد لها وقال "نعم العمل مرهق وعرفت مؤخرا أن معاذ"
وصمت قليلا قبل أن يكمل "معاذ أصيب بحادث سيارة كان بصحبة امرأة وليس بوعيه وكان حادث كبير ولم ينجو منه"
شهقت وهي ترفع يدها على فمها وهتفت "لا"
أبعد وجهه فقالت "وكيف حال والدتك؟"
عاد لها ثم قال بنبرة خالية من أي تعبير "لا أعلم، لا أملك وقت لنزول مصر ولابد من سفري بعد الغد"
وضع الرجل القهوة فاستعادت نفسها وقالت "ولكنها بحاجة لك بالتأكيد"
هز رأسه وقال "أنا آخر من ستحتاج له، عموما لقد هاتفتها، رجالي هناك قامت باللازم لذا لا أظن أن لوجودي داعي"
أبعدت وجهها وهي لم تفهم حقيقة ما بينه وبين أسرته، رغم ما حكاه إلا أن هناك حلقة ناقصة وهو لم يضعها بمكانها، قالت "أنت لم تحبه بأي يوم؟"
قال بجدية "ولا هو، أنا لم أحبه ولم أكرهه ولم أظلمه بيوم ولم أعاقبه بذنب أحد عهد"
عادت له وقد احمرت عيونه من كلماتها فقالت "لم أقصد"
نفخ وقال "الجبالي زرع داخلهم أني سبب سقوط محلات الذهب وجعلهم يصدقون أنني سببت له مشاكل كثيرة أثرت على سمعته منها أني سرقت تصميماته ونسبتها لنفسي"
هتفت "ماذا؟"
ابتسم بسخرية وقال "ماذا تظنين عهد؟ هل اعتقدت أن الجبالي تركني حتى بعد رحيلي؟"
ظلت تنظر له والحلقة تكاد تكتمل وهي تسأله "من هو بالنسبة لك؟ قلت أنهم إخوة غير أشقاء"
ظل يحدق بها وهو يجد قوة تدفعه ليتحدث عن الظلام الراكد داخله ولكنه لم يجد نفسه جاهزا ليفعل، لم يخرج ما بداخله لأحد من قبل فقط جون وهو سيكتفي به لذا تنفس بعمق وقال
"لا يهم"
تنفست بعمق وهي تدرك أنه لن يخبرها بشيء، ما زالت بلا مكانة عنده فاستسلمت وقالت "ولماذا رحلت وتركتهم؟"
لوى شفته بألم لم يظهره وهو يتذكر الأيام التي فر منها وقال "تقصدين لماذا طلبت دولت مني الرحيل؟"
هزت رأسها وهي لا تصدق أن أم تلفظ ابنها خارج حياتها، سمعته يقول "حتى تنقذ نفسها"
احمرت عيونه من الذكريات التي هاجمته وبدون رغبة بتذكرها نهض وقال "هل نذهب؟"
لم تتردد بالنهوض وهو يلقي بعض المال على المائدة فتقدمت أمامه للخارج وركبا السيارة واحترمت صمته وهو يقود إلى بيتها وأوقف السيارة فالتفتت له وقالت "ألا تأتي ربما أصنع لك بعض الشاي"
نظر لها وهز رأسه فنزلت ونزل هو الآخر وفتح لها الباب فدخلت وتبعها وهو يخلع جاكته وجالت نظراته بالبيت الجميل وقال "جون لم يبالغ بوصف البيت هل أعجبك؟"
جلس وهي تعد الشاي وسخنت بعض الكعك الذي تصنعه جيس وقلبها يدق من وجوده هنا معها وبمفردهم لأول مرة منذ وصولها نيويورك، أبعدت أفكارها وقالت
"جدا، هو أول بيت أحصل عليه"
سمعت هاتفه يرن فأكملت ما تفعل ثم خرجت له فكان يقف أمام النافذة واضعا يداه بجيوبه فوضعت الصينية وقالت "جينيس أهدتني ميكروويف"
رفعت قدح الشاي له فتحرك تجاهها وتناوله منها ناظرا بعيونها وقال "جيس هي المخدر الذي يوضع على الجراح فيزيل الألم"
نظراته كانت تضعفها تجعلها كالورقة الهزيلة تطير من نفخة وتتهاوى من نسمة فابتعدت من أمامه وقالت "لها قلب من ذهب"
تناول بعض الشاي ثم وضع القدح وقال "نعم"
جلست وقالت "هل سترحل للوس أنجلوس؟"
هز رأسه وهو يتناول بعض الكعك وقال "نعم"
أخفضت وجهها وقالت "متى الافتتاح؟"
رفع عيونه لها وقال "أول الشهر"
لم تنظر له فقال "هل انتهت دورة اللغة؟"
عاد للشاي وتناوله فقالت "لا، لقد بدأت أخرى من اسبوع وستنتهي الاسبوع القادم"
عاد للنافذة وقال "غدا الأحد لم لا تمضيه معي؟"
رفعت وجهها له بدهشة دون أن ترد فالتفت بنفس اللحظة والتقى بعيونها الحائرة وهي تقول "لا"
تحرك حتى وصل لها ورفضت أقدامها أن تنهض فهي أضعف من أن تواجهه ولكنه انحنى عليها حتى اقترب وجهه منها وعيونه تسقط على عيونها وهو يقول
"سأمر عليك بالثامنة، لا تتناولي الإفطار"
ثم سقطت نظراته على فمها وبدون إنذار ترك قبلته على شفتيها وجذب جاكته وتحرك وهو يقول "شكرا للشاي ولأنك ترتدين خاتمي"
وتحرك للخارج وهي لا تفهم ذلك الرجل كما ابتعد من حياتها الآن يعود ولا يهتم حتى لرأيها وكأنه بل هو يدرك أنها تريد أن تكون معه ولا تقوى على الرفض، سقطت رموشها على عيونها لتخفي الألم داخلها ولكن كيف توقف الألم وهو لا يتوقف بل يزداد بقربه وبرؤيته فهو يسحقها ينسيها من هي يضعف قوتها بإبعاده عنها بعد أن أدرك أنها لم تعد تلك الفتاة الجبانة الضعيفة بل أصبحت امرأة أخرى تتذرع القوة أمام الجميع وكلهم لا يدركون كم الضعف والخوف الذين يسكنون قلبها وتلك القوة ستار واهي لن يصمد كثيرا، تنهدت بقوة ولمست خاتمه بيدها الأخرى ثم ضمته لصدرها
بالصباح كان ينتظر أمام البيت بنفس السيارة دون بدلته الرسمية بل جينز غامق احتضن ساقاه الطويلة براحة وقميص أبيض ضم عضلات صدره خلفه بقوة وبدا رائعا أكثر مما هو وأصغر سنا مما هو، هي الأخرى خرجت له بملابس خفيفة وأنيقة أظهرت منحياتها التي تألقت مؤخرا والجينز يحكم على وسطها وبلوزة وردية التفت حول نصفها الأعلى وطرحتها تستكين حول وجهها تمنحه رونقا خاصا بها وحدها مما لفت انتباهه وقد تدلى جاكيت على أكتافها فمنحها لمحة رائعة، ركبت بجواره وقالت
"صباح الخير"
منحها ابتسامة هادئة وقاد وهو يقول "صباح الخير، فكرت بزيارة تمثال الحرية كبداية ونتناول الإفطار هناك على الجزيرة ثم نكمل"
لم تعترض وهو يقود إلى جزيرة الحرية التي يوجد بها التمثال وهو رمز للحرية ويعتبره البعض هدية الشعب الفرنسي للشعب الأمريكي وهو من الطول بحيث يمكن مشاهدته من أماكن عديدة في المدينة بشكل واضح
ما أن وصلا حيث انبهرت به وبجماله وروعة الفن ودقة تصميمه وتوقفا بالساحة المميزة التي تحيط بالنصب التذكاري وقد ازدحم بالزوار والجميع يلتقط الصور التذكارية، لم يتركا المتحف الموجود أسفل التمثال وبه الكثير من الآثار القديمة وصعدا إلى أعلى التمثال بالمصعد وكانت مبهورة بالمنظر من الأعلى
واخيرا جلسا على أحد المقاهي بعد أن نزلا وطلب الإفطار تناولاه وهما يتحدثان عن التمثال وكم بدا غاية في الوسامة تحت أشعة الشمس ونظارة الشمس تزيده جمالا وابتسامته تذيب قلبها وتضعفها بدون رحمة
تناول الشاي وقال "رأيته لأول مرة عندما استقريت مع جون بالصالة الرياضية وقتها كنت أعمل بأحد المقاهي الليلية فترة المساء كنت مبهور به وبقدرة الفنان الفرنسي 'فريدريك أوغست بارثولدي' عشقت المكان والمتحف وكل ما له علاقة بالفن هنا"
ابتسمت وقالت "ولم تعشق أي فن بمصر؟"
ثبت عيونه عليها وقال "ومن تحدث عن مصر؟ فن المصريين القدماء لا يقارن بفن العالم كله عهد، لقد زرت الأقصر وأسوان مرة واثنان وتمتعت بكل جزء بهم الفنان لا يعبأ بالمكان عزيزتي"
هزت رأسها وقالت "نعم ولكن الشخص يهتم"
أبعد وجهه وقال "لا أكره مصر إذا كان هذا هو سؤالك"
ابتسمت وقالت "ولكنك لا تحب التواجد هناك"
تراجع بالمقعد وقال "ربما"
اعترفت بالأمر وقالت "لكن لماذا تكره التواجد هناك"
ابتسم وقال "لم أفعل وإلا لما سافرت لها مرات عديدة من أجل السياحة ورؤيتكم مؤخرا"
ظلت تنظر له وقالت "متى أقمت ذلك البيت وتركته؟"
فهم كلماتها فتناول الشاي ثم قال "بعد خمس سنوات من رحيلي كنت قد حققت نجاحي الأول عندما أنشأت أول شركة خاصة بي وقتها دعيت لحضور مؤتمر رجال أعمال هناك بشرم الشيخ ولم أرفض وعندما عرفت دولت من الميديا بوجودي طلبت رؤيتي ولكنه عندما عرف الجبالي هاج وماج وتصرف بشكل حيواني معها وأخبرها أنه بيته وأني غير مرحب بي عنده وأن شخص مثلي لا ملجأ له ولا بيت لن يسمح لي بدخول بيته وقتها تملكني التحدي فاشتريت البيت ليكون أفضل من بيته بعشر مرات وكنت كلما أقتنى قطعة فنية أرسلها للبيت حتى صار كما رأيته"
لم تفهم أسباب ما يقول فقالت بهدوء "علاقتك بهم معقدة ليث، أنت حتى لا تقول أمي"
أبعد وجهه وهو يدرك كلماتها وقال "علي أن أشعر أولا بأمومتها حتى أنطق بها"
تراجعت وقالت "ماذا تخفي وراء قناعك هذا ليث؟"
حدق بها وهو يدرك أنها تتساءل وأنه بيوم ما سينجرف وراء نظراتها البريئة تلك وسيخبرها بكل شيء ولكن حتى يأتي ذلك الوقت هو لن يضعف، أبعد عيونه وقال "هناك أمور يفضل أن تظل بالخفاء عهد لأن بخروجها ستفتح جروح لا داعي لها"
ظلت تنظر له وهي تحاول أن تفهمه ثم قالت "وربما بخروجها تزيح ثقلها"
أبعد وجهه وقال "ربما"
استسلمت وبدلت الحديث "بيتك بمصر رائع حقا وكأنك تحيا بمتحف ومع ذلك ترفض أن تقيم به"
اعتدل وقال مستجيبا لتغيير الموضوع "لأنه ليس بيتي، أنا اشتريته كي أخبره أن لا شيء أصبح صعب بالنسبة لي ولكنه لم يكن اختياري وما لا أختاره لا أفضله"
سألته "وليس لك بيت تفضله؟"
قال بهدوء "بمصر لا ولكن هنا بالتأكيد بيتي الذي لا أرتاح سوى به وسوف أدعوك لزيارته بالتأكيد، هيا دعينا نكمل جولتنا لنعود لمتحف المتروبوليتان للفنون"
ترك أموال على المائدة ثم أمسك يدها وجذبها وهي معه بسعادة رغم رفضه الإفضاء لها بأسراره، قاد السيارة إلى المتحف وهو من أكبر المتاحف في العالم ويوجد بالجادة الخامسة بالمدينة ويضم آثارا من جميع الحضارات المختلفة كالحضارة المصرية والآشورية وغيرها واستمتعت معه بكل ما هو موجود وقد أدركت عشقه للفن والنحت والتماثيل وكل ما له علاقة بالرسم والفن القديم
ومنه إلى متحف الشمع، متحف مدام توسو صاحبة الفكرة وبه منحوتات شمعية دقيقة ومثيرة للإعجاب حقا حيث يضم تماثيل شمعية شخصية لأشهر الموسيقيين والممثلين والممثلات بالإضافة لأشهر الفنانين المغنيين ونجوم الرياضة كما عرض المتحف تماثيل شمعية ناطقة لقادة وشخصيات تاريخية وعلماء ومفكرين او حتى بعالم السياسة، كما يوفر المتحف تماثيل لشخصيات كرتونية مشهورة او حتى كائنات فضائية
لم تصدق نفسها عندما أمكنها الحصول على ذكرى من المكان بالمجسم الشمعي لكف يدها وقد كانت تجربة رائعة وفريدة جعلتها تطير من السعادة
وأخيرا عادا إلى ميدان تايمز سكوير وهو يعود للقرن العشرين وسمي بذلك نسبة لجريدة كانت هناك تسمى نيويورك تايمز وكانت النوافير الجميلة والفنون المعمارية القديمة بل وملاحظة التماثيل والمنحوتات المتفرقة بالمكان مثل تمثال الأب دافي وجورج كوهان
المحلات جذبتهم لشراء هدايا وتذكارات واخيرا سقطا على أحد المقاهي بتعب لذيذ وطلبا الغداء وتناولاه بمرح كبير ثم عاد وقاد إلى جسر بروكلين واستأجرا دراجات وقادا على الجسر حيث تمتعا بزرقة مياه النهر والمساحات الخضراء التي تقع ضمن حديقة جسر بروكلين والجسر يربط بين منهاتن وبركلين ولم يكملا المسافة حيث عادا إلى حيث بدأوا
الليل كان رائع حقا على الجسر والمنظر غاية في الروعة والجمال حتى استقرا بالسيارة بطريق العودة وكلاهم شاردا بذلك اليوم الرائع ولم تنسى قربه منها طوال اليوم وقد التصقت رائحة عطره بجسدها وعندما نظرت لخارج النافذة كانت تفكر أنها ستعيش ما تبقى من عمرها على ذكرى ذلك اليوم وتشعر أنها المرة الأخيرة التي ستكون معه وأدركت أنها ستعود لتلك الحياة التي عاشتها بدونه الشهور الماضية فتملك الألم منها
عندما توقف بالسيارة عادت من شرودها لترى مكان هادئ لا ضوضاء ولا مباني فقط بيت كبير لم تلاحظ أنهم وصلوا له فانتبهت وقالت "أين نحن؟"
قال دون أن يدرك سبب مجيئه بها إلى هنا ولكنه أرادها أن تشاركه كل شيء حتى بيته الذي لم يدعو أي امرأة له من قبل وحتى مي هي من فرضت نفسها عليه بذلك اليوم قبل خطوبتهم وهو لم يسمح لها بتكرار الأمر أما عهد فأرادها أن تكون هنا معه وكأنه هو الصواب
"بيتي، أخبرتك أني سأدعوك له واليوم هو موعد الدعوة لتناول العشاء معي"
نزل ولكنها لم تتحرك وقلبها يقفز داخل صدرها معترضا أو خائفا وعقلها يرفع كل إشعارات التحذير، عندما فتح بابها ووقف أمامها قال "لم أحضرك لأغتصبك عهد تعلمين أني لست ذلك الرجل، هيا انزلي"
نظراتها كانت تفضحها وهي تقول "أعدني لبيتي ليث لا يمكنني الدخول، ليس مكاني"
انحنى وقبض على يدها وجذبها للخارج حتى وقفت أمامه فقال "لا أريد ذلك الحديث اليوم، لا تفسديه عهد، أنا فقط أردتك أن تشاهدي بيتي"
ظلت صامتة لا تقوى على جداله فهي دائما أضعف منه وهو يعلم ذلك، أحاطها بذراعه وتحرك بها للمبني الهائل الذي أضيئت أنواره ورأت تمثالين على جوانب السلم كلا منهما لفتاة ترقص وترفع يدها على وجهها وتغمض عيونها وبدا على الوجه معالم الحزن
كان أحد الخدم يقف بانتظارهم وأخذ منهم الجاكيت وقال هو "هذا بهو الاستقبال"
كان المكان هائل وشاهق ولم تقو على الحركة وهي تلتفت لمشاهدة الفن الموجود بكل مكان، تماثيل رائعة هنا وأباريق قديمة هناك، آنيات فخارية من القرون القديمة على موائد خشبية أيضا قديمة، نجف نحاسي رائع يتدلى من الأعلى أما الجدران فاختفت خلف اللوحات الناطقة وعندما اقتربت لاحظت توقيع أصاحبها عليها تحرك بجوارها إلى باب خشبي كبير فتحه لترى غرفة أخرى كبيرة كانت مقاعدها من تلك التي تفترش القصور القديمة وعليها نقوش روميو وجولييت وموائد خشبية بأرجل مطعمة بقطع نحاسية مزخرفة وأكواب فنية بجوارها
تحرك تجاههم وقال "هناك غرفة الطعام سندخلها على العشاء، وبالجانب الآخر قاعة كبيرة للحفلات لم أستخدمها، بالطبع لم أفكر بدعوتك للأعلى حيث غرف النوم"
احمر وجهها ولم ترد وهو يسكب العصير لكلاهم وعاد لها بالكوب حتى توقف أمامها ووجها الأحمر ينطق بما داخلها وقال "هل تعلمين أني لم أصحب أحد بزياراتي السياحية من قبل؟ أنت الوحيدة التي أردت أن أكون معها"
تألم قلبها رغم أن كلامه لابد أن يسعدها لا يؤلمها ولكنها تألمت، ابتعدت من أمامه وقالت "الوحدة هي أفضل صديق لمن هم مثلنا، أقصد مثلي"
ظل واجما أمامها قبل أن يبتعد ويقول "لست وحدك من ذاق المرار أخبرتك بذلك من قبل"
التفتت له ولكنه ابتعد من أمامها فشعرت بأنها تائهة بمتاهة لا تعرفها  فتحركت حتى وقفت خلفه وقالت "تعلم أن ليس لي أحد"
التفت لها ونظر بعيونها وقال "وتبخرت أنا فجأة؟"
أخفضت وجهها فرفعه بطرف يده ليلتقي بالذهب الخالص بعيونها وقال "حتى لون عيونك يخبرني أنك تنتمي لي"
تراخى جسدها من كلماته ولمسته وقربه ولكنها قالت "خطأ"
همس "ومن يهتم؟"
ثم انحنى وقبلها قبلة لم تتوقف ككل مرة بل وشعرت بيده تنساب حول خصرها ويجذبها له بقوة ويداها التي استقرت على صدره ارتفعت لعنقه واستسلم كلاهم للعشق الذي نبض من قبلتهم ولم يحاول أيا منهما مقاومة تلك الرغبة بالرحيل عن الواقع للحلم والخيال ولم يفكرا لحظة إلا بالسعادة التي أسرعت لقلوبهم ونسى كلاهم أين هم وماذا يدور حولهم فقط اختلاط الشفاه والأنفاس هو كل ما شغلهم، يده التي تقبض عليها بتملك رافضة تحريرها من قربه، يداها التي تعلقت بعنقه تعني رضاها عن قبلتهم ورغبتها به كرغبته بها، أنفاسهم المختلطة عنت معنى واحد أنهم قلب واحد بجسدين، روح واحدة بنفس المشاعر، حلم واحد لعقلين التقيا بلحظة عشق تمنى كلاهم لو طالت للأبد
ترك شفاهها ولكنه لم يبتعد وهو يهمس "أنا"
كان يبحث عن كلمات تعبر عما شعر به الآن ولكن قبل أن يكمل اعترافه افترقا بفزع من صوت مي وهي تهتف "هل ستخبرني ما الذي يحدث هنا؟"
الخوف الذي هاجمها ذكرها بتلك الأيام التي كان الخوف هو الملك على حياتها مما جعلها تنكمش ويشحب وجهها وهي تحدق بمي، تلك الفاتنة التي كانت أجمل من الصور بكثير، الملكة على حياته، صاحبة الحق بأن تكون مكانها
ظل الثلاثة بمكانهم كمثلث الرعب لا ينطقون حتى تقدمت مي لتقرب المسافات وقالت "أخبرتني من قبل أن العلاقات غير المشروعة لا تستهويك ولكن"
صوته القوي أوقفها وهو يقول "مي، لا تجرؤين على قول المزيد"
أبعدت نظراتها عنها إليه والغضب يسيطر عليها وهي تقول "وما المسمى لما رأيته الآن ليث؟"
لم يتراجع وهو يقول "لست مطالب بتقديم أي تفسير مي، هي حياتي وليس من حق أحد حسابي"
التفتت عهد له وهي لا تصدق ما يقول، بالنهاية مي خطيبته ولها كل الحق بطلب تفسير، هي فقط من ليس له الحق بالتواجد هنا
سمعت مي تقول بعصبية وهي تكتم دموعها "لا ليث، أنا من حقي حسابك لأني خطيبتك أم أنك نسيت؟ تماما كما لو أنك وجدتني بأحضان رجل آخر سواك"
ابتعد وقال "مي كفى"
التفتت مي لها فانقبض قلب عهد وهي لا تجرؤ على مواجهة تلك المرأة فبأي حق تواجها؟ ولكن مي قالت "هل أخمن أنكِ تلك الممرضة التي أتى بها من مصر؟"
تجمدت كل حواس عهد ولم تعرف ماذا تفعل أو تقول وهي تخفض وجهها محاولة الفرار من المواجهة وقد حلت عهد الممرضة الجبانة مكان المرأة القوية التي رحلت فجأة بينما ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتي مي وهي تقول
"بالتأكيد هي، تغطين شعرك كباقي المصريات هل هذا هو ما أعجبك بها ليث؟ أم لأنها رخيصة لا ثمن لها"
رفعت رأسها بقوة الإهانة وهي تنظر لمي ثم التفتت له وهو أيضا التفت لمي وقال "كفى"
كفى!؟ هل هذا فقط ما أمكنه أن يقول؟ ولكن مي لم تتوقف وهي تقول بغضب "لا لن أتوقف ليث، لن أتوقف إلا عندما تخبرني ماذا تفعل هي هنا؟"
تراجعت عهد عندما ظل هو صامتا ولم يتحدث ونظراتها التي امتلأت بالدموع تنظر له تنتظر أن يخبرها أي شيء يقوي موقفها، يثبت أنها ليست تلك المرأة الرخيصة ولكن أي كلمات تشرح وجودها هنا؟
سمعته وهو يقول "تعلمين أني من طلب حضورها من مصر لذا أنا المسؤول عنها مي"
ولكن مي قالت "مسؤول عنها لدرجة أن تقبلها وتعانقها بتلك الطريقة؟ أم أنها نجحت بخطتها للوصول لما أرادت وهو أن تسقطك بالفخ وتجعلك تنقاد وراءها لتنال ذلك البليونير؟ هيا ليث لم لا تملك الشجاعة وتخبرني أنها نجحت بأن تكون عشيقتك"
اتسعت عيون عهد ولم يمكنها التحمل أكثر من ذلك فأسرعت بكل قوتها لتخرج من ذلك البيت الذي أدركت أن لا مكان لها به ولم تتوقف وهي تجري بالشارع المظلم الذي لا تعرف لأين يؤدي حتى وصلت لمكان لا تعرفه والدموع تغطي كل وجهها فأخرجت هاتفها واتصلت بجون الذي طلب منها أن تنتظره حيث هي
تملكه الغضب من كلمات مي ورآها وهي تسرع خارجة ونظر لمي بقوة وهتف "أخبرتك ألا تفعلي مي"
وتحرك ليتبعها ولكنها وقفت أمامه ورفعت يداها لصدره لتوقفه وهي تقول "وأنا طالبتك بتفسير ليث"
أمسك يداها ليبعدهم والغضب ينهشه وهو يقول "ليس لدي أي تفسير مي هي بحياتي ولن تخرج منها"
لم تمنحه فرصة ليتركها وهي توقفه "أنت لا تعي ما تقول ليث، إنها مجرد ممرضة وأنت البليونير ليث الجبالي، ألا تدري ماذا سيفعل وجودها بحياتك؟ ألم تفكر لحظة بأنها أرادت كل ذلك؟ أموالك واسمك وكل ما ستحصل عليه من ورائك؟ ألم تفكر ماذا لو عرفت الصحافة بعلاقتكم وانتشرت على الميديا وتشوه اسمك وسمعتك لوجود عشيقة مثلها بحياتك؟ أين عقلك ليث؟ ألم تدرك لعبتها بعد"
ظل يحدق بها وما زال يقبض على يداها وهي أدركت أنها تلاعبت بأفكاره فأكملت النفخ بالنيران وقالت "لا يمكن لأي فتاة شريفة أن تترك بلدها وترحل مع رجل غريب لبلد غريبة وتأتي معه لبيته دون أن يكون لها غرض خفي ولا تخبرني أنها لم تطالبك به"
كان يبحث بعقله عن صحة كلماتها، ربما جزء كبير من كلامها صحيح ولكنه يعلم أنه من أجبرها على الرحيل معه لكنها بالنهاية وافقت وبالفعل ها هي كانت معه ببيته بل وبين أحضانه ولم ترفضه وبسرعة البرق اندفع الماضي له ليردعه وينزع الجيد من قلبه ويعيده للحقيقة التي نساها لحظة
قطعت مي أفكاره وهي تكمل "ما رأيته بينكم كان يعني شيء واحد ليث، أنها كانت تريدك ولم تكن لتعترض على الذهاب معك للفراش"
زادت قبضته على يداها وهتف "كفى"
ولكنها لم تتوقف وهي تقول "سأتوقف ولكن بعد أن تفكر جيدا بما قلته لك وستجد أني على حق، لو رحلت معك للفراش وهي تعلم أنك رجل شريف وقتها ستلزمك بالزواج منها وربما تحمل طفل غير شرعي منك وأنت وقتها لن تتراجع عن الصواب كما هو أنت دائما هل أدركت خطتها ليث؟ تلك الفتيات يدركن تماما ما يفعلن صدقني ما أن تتركها ستعود لتبحث عنك لتكمل خططها ووقتها ستدرك أني كنت على صواب"
زاد ضغط يداه وقد تسربت كلماتها كالسم داخل شرايينه وبدلا من أن يسرع خلفها أبعد يد مي وابتعد والأفكار السوداء تتصارع داخل عقله وهي تهاجم قلبه الذي يدافع عنها بضعف، ابن غير شرعي، تردد صدى الكلمة بعقله مرات عديدة وأظلم الكون من حوله والشكوك تندفع له لتوقف دقات قلبه وتحولها لبرودة سرت بعروقه وكأنه يتهم عهد أنها هي من فعل كل ذلك وليس هو من أجبرها على الرحيل معه وترك بلدها وحياتها بسببه، ليس هو من دفعها لتأتي معه إلى هنا
شعر بمي تقترب منه وسمعها تقول "عليك بإعادة التفكير ليث قبل أن تخسر كل ما أمضيت حياتك في بناؤه"
وتركته بكل ثقة ورحلت وهي تعلم ما زرعته وما ستجنيه بعد ذلك وتحرك هو لأقرب مقعد وترك جسده يتهاوى عليه ثم ضم راحتيه على رأسه وكأنه يريد إيقاف كلمات مي عن الضرب بكل ما كان يحيا به مع عهد فقط 'ابن غير شرعي' هي ما ظل يتردد صداها من حوله كطلقات قاتلة موجهه لصدره
****
وصل جون بأسرع ما أمكنه ووجدها منهارة على الرصيف والظلام يحيطها والمكان منعزل بلا أحد فأسرع ليحيطها بيديه وهو يهتف "عهد، عهد هيا تعالي"
انتبهت له فنهضت معه وما أن ركبت حتى انهارت بالبكاء وجون يقود دون أن ينطق بكلمة واحدة منتظرا أن تهدأ لتخبره ماذا حدث؟
تلقتها جينيس بفزع من مظهرها وساعدها جون على الجلوس وجينيس تمنحها بعض الماء حتى هدأت فجلس الاثنان أمامها وقال جون "هل ستخبرينني ماذا حدث بينكم؟"
لم ترفع عيونها وهي تحكي كل ما كان، لم تستطع أن توقف الكلمات ولا الألم ولا تأنيب نفسها على ما فعلت ولا تلقي اللوم على مي فهي من فعلت كل ذلك بنفسها
عندما توقفت حل صمت ثقيل عليهم بينما رن هاتف جون فرأى اسمه فتحرك للخارج وأجاب "كيف تركتها هكذا ليث؟"
كان يعلم أنها ستلجأ لجون فأغمض عيونه وقال "كنت أعلم أنها ستلجأ لك"
نفخ جون بغضب وقال "وماذا ليث؟ هل ستتركها؟ هل هي حقا عشيقة وما أن هددت حياتك ستتركها؟"
ضرب ليث ذراع المقعد بقوة وقال "كفى جون هي كانت بكامل قواها العقلية عندما تبعتني لكل مكان"
تراجع جون وهتف "حقا؟ هل أنت جاد بما تقول ليث؟"
نهض بغضب وقال "أنا لا أمزح بأي شيء جون والآن اسمعني جيدا أنا راحل غدا ومكتبي سيظل متابعا لكل ما يخصها وأظن أنك تجيد الاهتمام بها"
حدق جون بالظلام وقال وهو لا يصدق ما يسمعه "والفتاة وقلبها الذي"
قاطعه بحزم "لا مكان للقلوب عند أمثالها جون هي أرادت القمة ولم تكتفي بالوسط وعليها أن تدرك ما تنتمي له"
أبعد جون الهاتف ونظر ليتأكد أن اسم ليث هو من يتحدث معه ثم عاد وقال "هل ليث هو من يهاتفني حقا؟ أنت من تتحدث عنها بهذا الشكل؟ لا ليث عهد ليست كذلك، أنت بالتأكيد لا تعي ما تقول"
الغضب وصل لذروته لديه وقد ملأته مي بالكثير دون أن يدري وربما تجاوزه هو مع نفسه زاد من تبعة الأمر ووجد أن ما يحدث سبب كافي لإبعادها عنه وعما كان ينجرف إليه معها، لا هو يصلح لإقامة بيت وأسرة وهي أثبتت أن كل ما آمن به كان صواب لذا أكمل
"أنا واعي جيدا جون، ووجودها ببيتي أكد أني كنت على حق وإلى هنا وكفى انتهينا ولا أريد أن أعرف عنها شيء بعد اليوم إلى اللقاء"
وأغلق الهاتف واعتصره بأصابعه وامتلأت عيونه بنظرة لم يعرفها من قبل وقد شعر بأن فتاة مثلها تلاعبت به وقد جعلته للحظة يفقد نفسه وينحدر لذلك المستوى وهو الذي ظن أن هناك مشاعر تحركت داخله أحيت ما مات به منذ سنوات ولكنه كان مغيب عن الحقيقة حتى رآها وأدرك أنها لم تختلف عنها وعن كل ما عاش تلك السنوات مؤمن به وها هو يعيد حساباته ويوقف الوهم الذي عاش به
****
دخل جون ونظر لها وقد بدت بأسوأ حالاتها فنظرت له وقالت "ماذا أخبرك؟"
توقف جون مكانه وهو لا يعرف بماذا يجيب فنهضت وتحركت تجاهه وقالت "تحدث جون، هل حقا اعتبرني عشيقته؟"
هز جون رأسه محاولا إيجاب ردود وقال "لا عهد، ليث ليس له علاقات من هذا النوع ولا أنت"
ثم ابتعد من أمامها ولكنها التفتت تتبعه بعيونها الباكية وتساؤلاتها التي لا تنتهي وقالت "إذن هو دافع عني أمام مي وأخبرها أني لست كذلك وهو يريدك أن تخبرني بذلك أليس كذلك؟ لماذا لا ترد جون؟ ليث يعلم أني لم أفكر يوما بأن أكون تلك المرأة ربما أخطأت بما حدث اليوم ولكني"
التفت لها جون وهي تعود للبكاء بقوة فعاد لها وأحاطها بيديه وقال "أعلم عهد، أعلم أنك تحبينه وهذا ما دفعك لتكوني معه"
نظرت له من بين الدموع وقالت "ولكنه لا يعرف ذلك جون أليس كذلك؟ هو يظن أني خدعته كما قالت مي وخططت لكل ذلك؟"
سقطت ذراعي جون بجواره وأبعد وجهه عنها فاتسعت عيونها وأدركت أنها الحقيقة التي يصدقها ليث فرفعت يدها لفمها والبكاء يصل لدرجاته القصوى وهي تهتف "ظلم، هذا ظلم، هو من، أنا، لا، كذب كل ذلك كذب، أنا بريئة، أنا لم أخدعه، لم أخدعه جون، أنا فقط، فقط أحببته، أحببته جون، أحببته"
وزاد بكائها ودفنت وجهها بين يديها وأسرعت جينيس إليها وضمتها لها بقوة وهي تحاول أن تهدأ منها ولكن لو هدأت الدموع فكيف سيهدأ ألم قلبها؟
يتبع..

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن