الفصل الواحد والثلاثين والأخير

499 33 23
                                    

الفصل الواحد والثلاثين والأخير
تسامح
امتلأت عيونها بالدموع وهي تجلس بالحضانة وتضم ابنها بين ذراعيها، شعرت بيد زوجها على كتفها فرفعت رأسها له فالتقت بابتسامته وهو يقول "يملك لون عيونك"
هزت رأسها وقالت "والتي هي عيونك أيضا ليث"
قبلت وجنته الصغيرة ولمست بشرته الناعمة وكان شعور رائع ذلك الذي عرفته عندما ضمت صغيرها لصدرها وأطعمته بسعادة لم تعرفها إلا عندما تكون بين ذراعي زوجها الذي كان ذلك المشهد لزوجته تطعم ابنه من أجمل ما رأت عيونه، لم يصدق أنه سيراه بيوم ما وعندما حلم به سرق عزيز حلمه لذا الآن هو يشعر بسعادة لا تقارن بأي سعادة مرت عليه بحياته
عادت لغرفتها بمساعدة الممرضة واعتذر هو لمتابعة بعض الاتصالات بالخارج ثم تركتها الممرضة وذهبت عندما دق الباب فأذنت لترى عزيز يفتح وينظر لها ويقول "هل يمكنني الدخول؟"
ظلت تحدق به واندفعت الذكريات المؤلمة لها ولكنها تذكرت كلماتها لزوجها فهزت رأسها بالموافقة فدخل الرجل وقد بدا متعب حقا والإجهاد على ملامحه، تقدم من فراشها حتى جلس أمامها وقال "شكرا لأنكِ سمحتِ لي بالدخول كنت أتوقع أن ترفضي لقائي"
أبعدت وجهها وقالت "لم أعتد على فعل ذلك سيد عزيز، سوء المعاملة ليس من صفاتي"
أخفض رأسه لحظة ثم قال "نعم عرفت عهد، عرفت بنفس اليوم الذي طالبتك فيه بالرحيل، لماذا لم تتركيني لأموت كنتِ تخلصتِ مني ومن تهديدي لك"
نظرت له وقالت "أنت نسيت أني ممرضة سيد عزيز وواجبي وقسمي يفرضان علي الكثير والأهم من كل ذلك هو ديني، فهو يأمرني بذلك لم يكن بإمكاني تركك وأنا أستطيع مساعدتك"
شحب وجهه أكثر وقال "لقد قللتِ من شأني بما فعلتيه معي وهو ما جعلني أندم وزاد على ذلك خسارتي لليث، هذا ما لم أستطع التعامل معه عهد"
قالت "أنت طعنته بقلبه سيدي"
رأت ليث يقف عند الباب دون أن يشعر به أحد وعزيز يقول "أعلم عهد وصدقيني تألمت كثيرا من أجله، أخبرتك من قبل أني أحببته كابن لم أحصل عليه وما زلت أحبه وسأظل أحبه رغم كل شيء فقط حزني على ابنتي أعماني وجعلني لا أجيد التفكير ونسيت بانتقامي أني أحرق نفسي قبله ولم أفهم كلمات ليث عندما أخبرني أن مي قد تنال السعادة بعيدا عني ولكن مؤخرا فهمت عندما وجدت هي الحب مع رجل آخر حتى أن حالتها الصحية تحسنت ونوباتها تكاد تنعدم، عهد أنا فقط أردت الاعتذار وطلب منك السماح"
عادت لعزيز بعيونها وقالت "سامحتك سيد عزيز لأنني تفهمت مشاعرك كأب ولأنك كنت سبب في إنقاذ حياتي أنا وابني"
هز رأسه ونهض وقال "شكر يا ابنتي حقا تمتلكين قلبا عظيما، فقط لو أمكنك إخبار ليث أني لن أيأس من طلب السماح منه لأني بحاجة له كابن أحبه وأحتاج لوجوده بجواري فهو بالنسبة لي الظهر الذي أستند عليه"
قالت بهدوء "لقد أخبرته أنت بنفسك سيد عزيز"
وتحرك وجهها تجاه ليث فالتفت عزيز إلى حيث عيونها فالتقى بعيون ليث التي تواجهه بقوة ولم يتوقف عزيز وإنما تحرك تجاه ليث حتى وقف أمامه وقال "أنا عنيت كل كلمة من كلماتي ليث، أنا لن أتركك حتى تعود لي، أنا لست الأب السيء الذي تحدثت عنه والذي لا أريد أن أعرف قصته بل أنا عزيز الرجل الذي عرفته ونشأت معه ومن حقي أن أخطئ مرة ومن حقي عليك أن تغفر لي"
ظل ليث صامتا وتحرك عزيز ليذهب ولكن ليث قال "ألن ترى أحمد الصغير؟"
ابتسمت عهد بينما جذب عزيز ليث لأحضانه فلم يبعده ليث وإنما استجاب له لأنه أخيرا قرر إغلاق أبواب الألم والحزن والغضب كما أخبرته هي
****
دولت لم تصدق نفسها وهي تضم حفيدها بين ذراعيها وقبلته بسعادة وهي تقول "ما شاء الله، إنه رائع عهد ألف مبروك حبيبتي والحمد لله على عودتك سالمة لبيتك وزوجك"
ابتسمت عهد وهي تجلس على المقعد بصالة الاستقبال بقصر زوجها وقد كانت دولت بانتظارهم فقالت "شكرا ماما، سعيدة برؤيتك، أين بريهان؟"
دخل ليث بعد أن أنهى اتصاله وقال "أهلا ماما، أين بريهان؟"
نظرت له دولت وقالت "أهلا حبيبي الحمد لله على سلامة زوجتك وابنك"
تحرك لمائدة العصير وسكب للجميع وعاد لهم وقال "الله يسلمك، بريهان أخبرتني أنها آتية"
قالت دولت "نعم هي مرت على تلك الشركة التي أجرت المقابلة الشخصية معهم من قبل لقد طلبوها بالصباح وهي ذهبت متضررة"
منح زوجته العصير فابتسمت له فبادلها الابتسامة ثم قال "متضررة؟ لا أفهم، زاهر الأسيوطي اسم لامع بتجارة الأخشاب ويختار موظفيه بنفسه فما الضرر بالعمل لديه"
سمع الجميع صوت بريهان وهي تدخل وتقول بعناد واضح وكأنها اكتسبته من أخيها "لا ضرر ليث فقط لا أريد،  عهد الحمد لله على سلامتك"
احتضنتها بقوة وسعادة ثم التفتت للصغير وهتفت "يا له من رائع ماما دعيني أحمله"
وبالفعل حملته بسعادة عندما رن هاتف ليث برقم غريب فأجاب وللحظة ظل صامت ثم ابتعد وبريهان تداعب الطفل وهي تضحك مع دولت حتى عاد وقال "ماذا حدث مع زهير بريهان؟"
نظر له الجميع وقد كانت ملامحه جادة فقالت بريهان بعصبية "لا شيء ليث، هو عرض علي العمل وأنا رفضت"
هز رأسه وقال "هل تطاول؟"
هزت أكتافها وتاهت عيونها من مواجهته وقالت "لا"
جلس بالمقعد المجاور لزوجته التي كانت تنظر له بدهشة فقال "ولماذا ترفضين العمل لديه"
قالت وهي تبتعد بالطفل "لا شيء محدد ليث فقط لم ارتاح بفترة التدريب الماضية، لماذا أشعر أنني بتحقيق؟"
نظرت لها عهد وقالت "ماذا تعنين بذلك بريهان؟"
لم تنظر بريهان لأحد وقالت "إدارة الأعمال هنا مختلفة عن مصر عهد ورغم الدورات التي حصلت عليها هنا إلا أنها ليست كافية للعمل لدى زاهر لذا أريد مكان أقل شهرة"
ظل ليث صامتا ثم قال "ولكن على حديث ماما الشركة وافقت عليكِ"
احمر وجهها ومنحت عهد أحمد الصغير ونظرت لليث وقالت "ولكني لا أوافق ليث ومن فضلك لا تضغط علي"
ظل يحدق بها دون فهم ثم قال "هل رفضك له علاقة بسمعة زاهر؟"
تراجع التورد من وجهها وهي تواجه ليث بنظراتها ثم انسحبت ببطء وقالت "أعتقد أنه أمر يمكنني التعامل معه حاليا ليث، اعتدت على التواجد مثل أولئك الرجال"
نهض وتحرك تجاهها حتى وقف أمامها وقال "هل قابلك شخصيا؟ "
ارتجفت عهد من نبرة ليث كما حدث مع بريهان التي جفت الدماء من عروقها وقالت "بالطبع، هو، هو من يقوم باللقاء بنفسه"
ابتعدت ولكنه قبض على ذراعها بقوة وقال بنبرة حاول أن تكون غير مخيفة "هل تجاوز؟ "
رفعت وجهها له وهزت رأسها بالنفي وقالت بتلعثم "لا، لا يجرؤ ليث، ولو فعل، لم أعد تلك الفتاة"
لا يعلم لماذا رأى الخوف بعيونها وأقسم لو أن زاهر تجاوز مع أخته فسيذيقه من العذاب الأمرين ولكنها تنكر
سمع بريهان تقول "ليث ذراعي"
أبعد قبضته عنها فابتعدت من أمامه إلى حيث عهد وأحمد بينما قالت دولت "لم لا تأخذها معك ليث؟"
عاد لزوجته وطلب ابنه فمنحته له بابتسامة رقيقة وهو يقول "دعيه لي، أنتِ متعبة لم لا تذهبي للراحة؟"
قالت برقة "أنا بخير حبيبي"
قبل ابنه وهو يحب أن يحمله بين ذراعيه وقال "يمكنها أن تفعل هي من رفضت"
جلست بريهان باستسلام وقالت "حسنا ليث لقد استسلمت متى يمكنني أن أبدأ؟"
ابتسمت لها عهد وتنهدت دولت براحة بينما داعب هو وجنة ابنه وهو يجلس به وقال دون أن يرفع عيونه عنه "من الغد، ماك سيخبرك بمكانك، أنا لا أتعامل بتهاون بريهان لا مع الغريب ولا القريب، العمل هو العمل"
هزت رأسها ولم ترد
****
تحركت العروسة بالممشى الخاص داخل قاعة الكنيسة وهي تتقدم بفستانها الأبيض وبيدها الورود البيضاء ووجهها مغطى بالوشاح الأبيض وتحركت وهي تضع يدها بذراع والدها حتى وصلت للمذبح حيث تلقاها خطيبها الذي سرعان ما سيكون زوجها، قبل العريس عزيز والد العروسة بسعادة ثم أمسك بيد عروسته وجذبها ليقفا أمام القس الذي بدأ مراسم الزواج وتلى كلماته وعهود الزواج بين العروسين حتى وضع العريس خاتم الزواج بيدها فقال القس
"والآن أعلنكما زوجا وزوجة، يمكنك تقبيل العروسة"
تعالت التصفيقات من الحضور ورفع عنها وشاحها فبدت مي جميلة بابتسامة رائعة وزوجها يقبلها بحب وسعادة ثم التفتت مي وزوجها للجميع وخرجا من الكنيسة وركبا السيارة إلى القصر حيث الحفل الذي أقامه عزيز احتفالا بزواج ابنته ولف ليث ذراعه على كتف عهد وقال وهو يقودها لسيارتهم
"لم أفكر يوما بأني سأرى زفاف مي"
فتح لها السائق فركبت وهو بجوارها وقالت "ولماذا؟ هي جميلة وتستحق أفضل حياة"
أمسك يدها وقال "أحب طيبة قلبك عهد ولكن مي كانت توقف حياتها عندي"
ضحكت وقال "أنت مغرور زوجي هناك رجال أخرى سواك بالبلد"
جذبها له بغضب مصطنع وقال "حقا؟ وأين زوجي الجذاب الوسيم؟"
ضحكت مرة أخرى وقالت "أنت أكثر الرجال جاذبية ووسامة حبيبي ولكنك لي أنا وحدي ولا أسمح لسواي بالتغزل فيه ولن أسمح لامرأة أي امرأة أن تنظر حتى له"
رفع يدها لفمه وقبلها وقال "وأنا أعشق غيرتك حبيبتي"
كان الحفل رائع حقا واستقبلهم عزيز بسعادة وهو يضم ليث له ويبتسم لعهد بحب وتحركت مع زوجها إلى مي وزوجها حتى وقفا أمامهما فقالت عهد "مبروك مي تبدين فاتنة"
ابتسمت مي بسعادة حقيقية وقالت "شكرا عهد، لم أهنئك على طفلكم مبروك"
تحرك ليث تجاهها وقبل وجنتها كعادته وقال "مبروك مي، مبروك جاك"
حياه جاك بينما اقترب هو من مي وقال "تبدين جميلة مي"
زادت ابتسامتها وقالت "شكرا ليث وشكرا لوجودك"
****
تعالت التصفيقات عندما ثبتت القاعدة الزجاجية التي تحمل عليها طاقم الماس الجديد الذي افتتح به المعرض لهذا العام وقد كان لاموند وبيد صاحبها ليث الجبالي كالعادة يتصدر المنافسة
تلقت التهنئة من الموجودين بابتسامة رائعة تعلن عن السعادة التي تسكن كل خلاياها لوجودها معه بذلك المعرض لأول مرة لها وكما كانت تحلم أن تكون هي بجواره وليس أي امرأة أخرى
تأملته وهو يقف بأناقة وكبرياء ورجولة تفوق كل الرجال الموجودة من حولها وكأن السنة الماضية زادته وسامة وجاذبية، كم تحبه وكم زادتها الأيام عشقا له وكم هي فخورة بنجاحاته المتتالية واليوم تذكر كيف كانت عهد الممرضة الجبانة والمتخفية وراء ردائها الأبيض ولكن اليوم هي مع من أخرجها من خلف، دفعها للحياة بقوة ومنحها الشجاعة والأمان واليوم لا تذكر سوى حبه وحنانه ونجاحه وهي معه ولا تريد من الله أكثر من ذلك
"تبدين فاتنة عهد"
التفتت لصوت عزيز الذي أعادها من ذكرياتها ولم تذهب ابتسامتها وقالت "وأنت غاية في الأناقة عزيز كيف حال قلبك؟"
ابتسم وقال "لست قلق وزوجة ابني أفضل ممرضة، كيف حال حفيدي؟"
قالت "بخير يتلهف لوجودك أنت وجون، ألا تفكر مي بالإنجاب؟"
ذهبت ابتسامته وقال "لا، الاثنان يرفضان وأنا تقريبا لا أراها تعلمين أنها لا تستقر ببلد، متى سيكون لأحمد أخ؟"
صوت ليث هو الذي أجاب وهو يتقدم بجوارها "هل مللت من أحمد؟ أنت تقريبا لا تفارقه"
ضحك عزيز وابتسمت هي له بحب كما فعل معها وأجاب عزيز "وسأظل رغما عن أنفك، فقط أفكر بأنانية عندما تنجبان طفل آخر أتركه لكم وأحصل أنا على أحمد"
ضحك الثلاثة وبدأت الموسيقى بالعزف ليبدأ الرقص فأحاطها بذراعه وقال "لنرقص حبيبتي"
لم تتردد فهي تعشق عندما يأخذها بين ذراعيه وتحيطه بيداها وكأنها تضم الجنة بين ذراعيها، التقت بذهبية عيونه التي كانت تلمع ببريق الحب والسعادة وهي يقول "ألا تجدين أن عزيز على حق؟"
قالت ببراءة "على حق بماذا ليث؟"
ضمها له ولم تمانع وهو يهمس "ألا يستحق أحمد أخ أو أخت؟ العمر يسرقنا عهد"
ابتسما وداعبت شعره وهي تقول "أي عمر الذي تتحدث عنه أيها الشقي وأنت تعلم أنك أكثر الرجال شبابا وقوة وجاذبية"
اقترب بوجهه من وجهها وهو يمنحها حبه بعيونه ويقول "وأنتِ امرأة تقودني للجنون"
ضحكت بسعادة فأكمل "هل نأخذ اجازة ونذهب للمالديف ربما نحقق ما نريد؟"
تهلل وجهها وهتفت "حقا؟ بالطبع أوافق هكذا يمكننا أن نتناقش بأمر أخ أو أخت لأحمد فعام كافي لنختبر أمر الأخوة"
ضحك وقال "أيتها الطماعة الآن تساومين"
لم تكف عن الضحك وقالت "وكيف لا وستكون وقتها لي وحدي أنا وأنت وأحمد والبحر والقمر حبيبي"
ضمها له فأراحت رأسها على صدره وهو يقول "منذ عرفتك وأنا لك وحدك عهد ولن أكون لسواك"
دق قلبها ينطق بحبه وقالت "وهذا أجمل هدية لي من الله حبيبي ولا أتمنى من الحياة إلا أن أكون امرأتك التي لم ولن تحب سواك لآخر العمر"
تمت بحمد الله
داليا السيد محمد

اتمنى تكون روايتي عجبتكم واسعدتكم زي ما انا سعدت معكم وبكم
حتوحشووووني
إلى اللقاء ان شاء الله

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 17, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن