الفصل الثلاثون

342 17 8
                                    

الفصل الثلاثين
بين الحياة والموت
تقدم ماك منه وقال "لقد انتهينا من كل شيء، معدو الحفلات سيكونون هنا بالموعد المحدد والمطعم سيرسل رجاله بكل اللازم للعشاء"
هز رأسه وقال "غدا سأقوم بجولة أخرى لتفقد قسمنا الخاص حتى نتجنب أي أخطاء، لم يعد هناك وقت"
ما أن تحرك حتى رأى جون يدخل قاعة الفندق الذي يقام به المعرض فقال "ظننتك لن تأتي"
تحرك معه جون وقال "تعلم أني أفضل العمل بالجيم الخاص بي ولكن من أجلك أفعل أي شيء"
لم تتبدل ملامحه كالمعتاد وهو يتقدم لصالة الجيم الخاصة بالفندق وقال "وأنا لا أفضل سواها ولكني أردتك أن تشاهد بعض الآلات الجديدة هنا ربما تريد إضافتها لصالتك"
ظل جون صامتا وهو يتحرك معه للمصعد وعندما فتح بابه دخلا بينما سأله جون "هل أوقفت البحث؟"
نظر له وقال "لا"
عاد جون يقول "كم عمر طفلكم الآن؟"
تنفس بعمق وهو يبعد وجهه وقال "ثمانية وعشرين اسبوع"
لمس جون ذراعه وقال "هي بخير ليث، عهد قوية وستحافظ على نفسها وطفلها جيدا"
حدق به وقد أعاد له كل الآلام، صافرة المصعد أعلنت عن الوصول فالتفت وتحرك خارجا وتبعه جون للصالة التي تجولا بها وقد أسرع المدير المختص للترحيب بليث، رن هاتفه وهو يتحرك مع الرجلان فأخرجه من الجاكيت ليرى رقم غريب فأجاب ليجد صوت عزيز يقول بنبرة سعيدة
"وجدتها يا ليث، وجدت عهد"
توقف عن الحركة بمكانه وجمدت الدماء بعروقه وشعر بأن الجدران الواسعة للمكان ضاقت عليه فجأة واختنقت أنفاسه بينما عاد عزيز يهتف "ليث هل تسمعني؟"
بصعوبة سحب صوته وهو يقول "هذه خدعة جديدة عزيز؟"
هتف الرجل "أقسم أنها الحقيقة سأرسل لك كل ما وصل له رجالي، هي تعمل بعيادة طبيب بواشنطن، بمجرد أن قام الطبيب بتسجيلها حتى أبلغني الرجل الذي وظفته لذلك، حسنا لقد أرسلت لك كل شيء على هاتفك، طائرتي الخاصة تنتظرك بالمطار لترحل بك بعد ساعة وهناك رجالي تنتظرك لتأخذك إليها، ثق بي ليث أنا لا أخدعك أقسم بحياة مي أني لا أخدعك"
أغلق الهاتف وفتح رسائل عزيز ولم يسمع جون وهو يناديه من مكانه ولكنه كان قد وصل للمصعد ودخل به وقلبه يعصف به من دقاته، فك ربطة عنقه وأزار قميصه العلوية باحثا عن الهواء وما زال يتساءل، هل حقا يمكنه تصديق عزيز؟
عندما وصل لسيارته بأنفاس لاهثة من السرعة التي تحرك بها خارجا من الفندق، لم ينتظر السائق الذي فتح له الباب الخلفي وإنما اندفع لباب السائق وداس على الوقود بسرعة جعلت السيارة تندفع قاطعة الهواء البارد بقوة اعترضت عليها الإطارات فحفرت آثارها على سطح الأسفلت بينما كان هو ما زال يعبث بهاتفه حتى وصل لرقم ألبير وهاتفه ليتأكد من صحة ما أخبره به عزيز
لم يوقفه شيء وهو يقتحم جراج المطار ليقف أمام سيارة رجال عزيز وقد لحق به ماك أيضا، فتح له مايك الباب وقال "نحن جاهزون للإقلاع سيد ليث تفضل فقط جواز سفرك من فضلك"
أشار برأسه لماك فقال "سأقوم باللازم"
تحرك هو للطائرة وتبعه مايك وهتف "دقائق حتى ينتهي الرجال من الإجراءات"
رن هاتفه باسم جون فتذكره وأجاب ليخبره عن الأمر حتى عاد الرجل ومنح مايك الإذن بالإقلاع وارتفعت الطائرة به في دقائق قليلة وجلس محاولا إيقاف دقات قلبه وأخرج هاتفه وفتح تلك الصور لهما سويا والتي كان يحيا بها طوال تلك الشهور
توتر رجال عزيز من حوله بسبب الغضب الذي تملكه والسيارات تحارب الزحام وتمنى لو نزل وهرع إليها رغم أن الوقت تجاوز منتصف الليل وقبل أن تتوقف السيارة أمام المبنى كان قد فتح الباب واندفع خارج السيارة وهي ما زالت تتحرك دون أن يهتم ولم ينتظر حتى المصعد وهو يصعد الأدوار الواحد وراء الآخر دون تفكير أو الشعور بالتعب فقط صورتها كانت أمامه وذهنه معلق بها خاصة بعد أن أخبره ألبير أنها كانت متعبة
أكله الخوف عليها وحاول ألا يفكر بالأسوأ وهو يقفز على الدرجات حتى وصل للطابق العاشر واندفع للممر وبحث بجنون عن رقم الشقة حتى وصل وأسرع يدق على الباب وهو يحاول التقاط أنفاسه، عندما لم تجيب تملكه الجنون، هل أخطأ الرجال أم أن الوقت متأخر وهي نائمة أم ماذا عهد؟ اللعنة أين أنتِ؟
عاد يدق بغضب مرة أخرى ولكن تلك المرة سمع صرخة تأتي من الداخل فانخلع قلبه وهتف وهو يدق بقوة أكثر "عهد افتحي، عهد أنا ليث"
الصرخة تكررت فجن جنونه فتراجع ثم اندفع بجسده ليكسر الباب مرة وراء الأخرى بقوة الخوف والفزع عليها حتى استسلم الباب لقوة دفعاته واندفع جسده معه للداخل واستعاد توازنه وعيونه تبحث عنها ولكن صوت تألمها دله عليها وهاله ما رأى من مظهرها وهي ملقاة على الأرض وتضم ساقيها على بطنها التي تحيطها بيداها والدماء تحيط بها والدموع تلطخ وجهها وهي تتألم فهتف
"عهد"
أسرع إليها ورفعها لصدره وقد نظرت له من بين الدموع والألم وهي تكاد لا تصدق أنه أمامها وأن الله استجاب لدعواتها فتهتف بألم "ليث، أنقذني وأنقذ ابننا، بسرعة ليث لقد فقدت المياه"
بدون تفكير أو تردد بحث عن غطاء ولفها به ثم حملها وهي تحاول أن تكتم صرخاتها من الألم المتصاعد حتى وصل للسيارة، فتح له رجال عزيز الباب فوضعها وهو يصرخ بهم
"المشفى، بسرعة"
ضمها لصدره وهي تتألم وتمسك يده بقوة فهتف بها "تماسكي عهد، أرجوك تماسكي كدنا نصل حبيبتي"
كان الألم قوي حقا يكاد يفتك بجسدها وقد كانت حقا بين الحياة والموت هي وطفلها ومع ذلك زال الخوف بوجوده معها، عاد الأمن والأمان بعودته ولم تحاول أن تفكر ماذا سيفعل بها المهم أنه هنا وسيكون معها بلحظة ميلاد طفله، ضغطت على يده وقالت بتعب وألم
"ولد ليث، هو ولد"
قبل جبينها بألم من أجلها وقال "لا يهم حبيبتي المهم أن تكوني بخير، فقط تحملي حتى نصل"
تألمت مرة أخرى وتصبب العرق على جبينها مختلطا بدموع الألم فزاد ألمه لرؤيتها بتلك الحالة ولكن السيارة توقفت ومايك يقول "لقد وصلنا سيدي الجميع بانتظاركم"
نزل من السيارة وحملها ولكن المشفى كانت تنتظرهم بالفعل وأسرع الجميع له فوضعها على الفراش المتنقل وتحرك معهم للداخل دون أن يترك يدها وما زالت تتألم ولكن عيونها ظلت تنظر له وكأنها تستمد منه قوتها أو تجبر نفسها على تصديق أنه معها بالفعل وليس حلم أو خيال وكلمة حبيبتي تزيدها سعادة لأنها ما زالت حبيبته
بصعوبة ترك يدها عندما وصلت غرفة العمليات وهي بالأساس بدأت تفقد الوعي من النزيف ومما جعل الأطباء بالداخل لا يتراجعون عن إجراء جراحة قيصرية لإنقاذ الطفل الذي التف الحبل السري حول رقبته مما كاد يخنقه وبالطبع تقدم موعد الولادة زاد من صعوبتها والدماء التي فقدتها كانت أسوء
توقف أمام باب العمليات وقد تلطخت ملابسه بالدماء ولكنه لم يشعر بشيء وهو يعلم أن زوجته وابنه أيضا بأيادي الله بين الحياة والموت، لحظات وكان عزيز وجون يسرعان إليه، وضع جون يده على كتفه فالتفت له بعيون تلونت بالأحمر 
سأله جون "كيف حالها؟"
أبعد وجهه وقال "حياتهم بخطر جون، هي والجنين"
تألم له جون وقال "لا تيأس ليث، لقد أرسلك الرب لها بالوقت المناسب فاجعل أملك به"
هز رأسه وهتف "ونعم بالله"
تحرك عزيز تجاهه وقال "ستكون بخير هي والطفل ليث، عهد ملاك والملائكة دائما تحظى برعاية الرب"
التفت لعزيز الذي اختلفت ملامحه وكأنه أصبح بأواخر السبعينات فجأة وامتلأت عيونه بنظرات الحنان التي عرفها ليث قديما، أبعد وجهه ولم يرد وابتعد محاولا الاختلاء بأحزانه وخوفه بعيدا واستند إلى الحائط وهتف من داخله بقوة
"يا رب"
مر الوقت بصعوبة ولم يتحرك أحد من مكانه حتى خرج الطبيب فأسرع إليه الرجال الثلاثة وليث يهتف "زوجتي؟"
قال الطبيب "بخير"
أغمض عيونه وتنفس بقوة وكأنه لم يحصل على الهواء من قبل وهتف من داخله "الحمد لله" وسمع عزيز يقول "والطفل؟"
أجاب الطبيب "بالحضانة، صحته ليست جيدة ولد مبكرا جدا وطبيب الأطفال معه حاليا"
فتح عيونه وقال "زوجتي، أريد أن أراها"
نظر له الطبيب وقال "هي بالإفاقة، ساعة أخرى ويمكنك رؤيتها وبعدها تخرج لغرفة عادية"
وتحرك الطبيب مبتعدا فربت جون على كتفه وقال "اطمئن يا صديقي هي بخير والطفل أيضا سيكون بخير"
نظر لجون بينما قال عزيز "حفيدي لابد أن يكون بخير جون وأنا من سيجد له اسم"
ولكن ليث التفت له بقوة وقال "أنت لن تمس ابني عزيز"
ثم تحرك مبتعد لباب العمليات وما زال الغضب يأخذه فلولا ما فعله لما كانت هي هنا وحدها وقد كاد يفقدها هي وابنه، لمسة يد جعلته يأخذ رد الدفاع دافعا اليد بقوة وكاد يتهور لولا أن رأى وجه جون أمامه وقبضته توقف قبضة ليث وهتف
"اللعنة ليث هل تهدأ؟"
ظلت قبضته عالقة بيد جون لحظة ثم حررها منه وابتعد ولكن جون تبعه وقال "لنوقف كل ذلك ليث، زوجتك وعادت لك وابنك بخير"
التفت له بغضب واضح وقاطعه "وماذا جون؟ أليس هو السبب بكل ذلك؟ هي هنا بسببه كادت تضيع هي وما تحمله بسببه فماذا تريد جون؟ ماذا تريد؟"
كانت الحمم تتقاذف من نظراته والغضب يعلو صوته الذي حاول جاهدا ألا يصرخ به بالمشفى ومع ذلك لم يتراجع جون وهو يقول "أنت تعلم أن أيا منا لا يمكنه إيقاف القدر عن تنفيذ أحكامه ليث، عزيز كان سبب ليحدث كل ذلك ولو لم يكن عزيز كان سيكون هناك سبب آخر ومع ذلك هو يدرك خطؤه واعترف به وحاول جاهدا إصلاحه وقد نجح ولولاه لما وصلت لها بتلك اللحظة الحرجة لتنقذها"
كان يحدق به بقوة والكلمات تأخذ مكانها الصواب بما يحدث حوله، رفع جون يده لكتف ليث وربت عليه وقال "كفى ليث، كفى غضب وحزن وألم أنت تعبت من كل ذلك وهي بحاجة لحبك وحنانك بعيدا عن غضبك وانتقامك، عزيز ليس بهذه الدرجة من السوء ليث، هو ليس إبراهيم الجبالي فلا تعاقب الجبالي بشخص عزيز لأن ذلك ليس عدل"
التفت ليث بعيدا عن وجه جون وقد لمست كلماته جزء داخله ربما هو صواب، أكمل جون "أنت لم ترحم عزيز ليث الرجل خسر خسارة فادحة وأغلقت له عدة معارض وكدت تدمر سمعته وهو راضي عن العقاب ولم يوقفك بل وبحث عنها وأعادها لك فأوقف تلك الحرب لأن لا فائدة منها بعد اليوم إن العفو عند الإساءة هو انتقام رقيق"
التفت ليث له ونظراته لم يغادرها الغضب وهو يقول بقوة "ولكني لست رقيق جون"
وابتعد وصمت رهيب حل بعد كلمات جون الذي ابتعد وقد اختفى عزيز وظل هو واقفا أمام غرفة العمليات وقد تلطخت الأفكار برأسه وأصبحت متشابكة ولم يعد بإمكانه الوصول للصواب خاصة وقلقه على من يحب يبعده كثيرا عن صوت العقل
أقنعه جون برؤية الصغير من وراء زجاج الحضانة وعندما فعل وجد الطفل رائعا، خطف قلبه وأنفاسه وبدا صغيرا جدا وسط الأجهزة المتصلة به، شعر بوخزة بقلبه عندما تجولت عيناه على ملامحه الصغيرة، بدا شبيها به ولم لا أليس كما قالت هي جزء منه؟ نعم جزء منه خرج إلى الحياة وهو يرقد أمامه بين الحياة والموت ولا يمكنه أن يفعل له أي شيء، رفع يده على الزجاج وكأنه يلمس وجه الصغير وتمنى لو استطاع أن يأخذه بين ذراعيه ويضمه لصدره، لقد أخبرته أنه سيكون أفضل أب وسيحبه كما أحبها وهي كانت على حق ودائما هي على حق
****
سمعت صوت يناديها ففتحت عيونها تبحث عنه ثم تذكرت الألم الذي كان يمزقها ولكنه رحل فاستوعبت ما يدور حولها ورأت المكان والطبيب بجوارها مبتسما وهو يقول "تبدين بخير مسز جبالي"
هزت رأسها وحلقها جاف وهي تحاول أن تنطق "ابني؟"
قال "بالحضانة، تعلمين أنها ولادة متعثرة، التف الحبل حول عنقه وانقباضات الرحم كانت قوية وفقدت كثير من الدماء فكان القرار هو أن نفتح لإنقاذكم وهو بالطبع يحتاج لرعاية طبية"
أغمضت عيونها بتعب وقد ارتاحت لوصول ابنها للحياة بخير وهو مع والده وسيكون بخير فلم تهتم بأي شيء وهي تستسلم للظلام مرة أخرى، عادت تسمع نداء باسمها ولكنها لم تهتم، ربما رحلت من العالم، عادت تسمع النداء مرة أخرى فكان عليها أن تستجيب لتستوعب ماذا يحدث لها، فتحت عيونها بصعوبة من ضوء النهار حتى اعتادت عليه ثم التفتت لترى ذلك الوجه الذي اشتاقت كثيرا لرؤيته وتلك العيون التي عشقتها وعشقت صاحبها وتمنت ألا تبتعد عنه لولا القدر
همست بتعب "ليث"
انحنى وقال بلهفة واضحة بنظراته ونبرة صوته، واضحة حتى بلمسة يده التي احتضنت يدها "أخيرا عهد، اشتقت لكِ حبيبتي"
قبل يدها بقوة جعلت الدموع تهاجمها وهي لا تبعد عيونها عنه وقالت "آسفة"
ضغط على يدها بقوة وقال بحنان "لا تفعلي حبيبتي"
عادت تقول "أنا لم أرد المال ليث، لم أخنك أبدا"
وضع اصبعه على فمها وقال "الخمسة ملايين التي لم تمسهم يدك حتى اليوم"
هزت رأسها فزاد قربه من وجهها وقال "كيف ظننتِ أني سأصدق ما كتبت عهد؟ أنا أعرفك جيدا حبيبتي، أعرفك حتى أكثر من نفسك، أنتِ تركت خلفك مجوهرات بملايين حبيبتي فهل تلك امرأة تسعى للمال؟"
قالت بحزن "لم أفكر بأي شيء سوى أن أرحل"
هتف بألم للذكرى "لماذا عهد؟ كان عليك إبلاغي"
قالت بنفس الألم الذي يجتاحه "الخوف ليث، الخوف عليك مما أراد أن يفعله بك عزيز وأدركت أن برحيلي لن يمكنه أن يضرك"
مرر يده على وجهها الشاحب وقال "أي ضرر كان يمكنني تحمله عهد إلا رحيلك، لم أستطع التعايش معه ألقيتي بي بجهنم وتركتيني لأتعذب بها"
مسح دموعها وهي تقول "اخطأت برحيلي ليث فأنا لم أنال لحظة سعادة واحدة أو راحة في بعدي عنك، أنا أحبك ليث، أحبك جدا"
انحنى وقبل رأسها وهمس "وأنت قلب حياتي عهد، تعرفين أني أفقد الحياة ببعدك حبيبتي"
ابتسمت لكلماته الجميلة وهو يمسح دموعها بحنان فقالت "ابننا، هل رأيته؟ هل هو بخير"
هز رأسه وقال "نعم، هو بخير، صغير وجميل مثلك حبيبتي"
أغمضت عيونها لتحمد الله بين نفسها ثم فتحتها وقالت "كيف وجدتني؟"
اعتدل وساعدها على الاعتدال ولكنها تألمت من جرحها وظل بجوارها دون أن يترك يدها وقال "رجال عزيز عرفت يوم قام ألبير بتسجيل اسمك"
نظرت له بدهشة وقالت "عزيز!؟"
هز رأسه وترك يدها جاذبا مقعد بجوار فراشها وجلس وقال "نعم، هو من فعل، أراد التكفير عن ذنبه كي أسامحه"
سألته "وهل فعلت؟"
احتدت نظراته وهو يحاول إيقاف الغضب كما طالبه جون ولم يرد فقالت "ماذا حدث بينكم بعد رحيلي؟"
أبعد وجهه وقال "ليس الآن عهد، أنت متعبة فقط نامي وارتاحي وأكيد لدينا الكثير لنتحدث به عندما تستعيدي نفسك"
ولكنها قالت "كان لابد أن يفعل ذلك ليث"
أبعد وجهه وقال بضيق وغضب مكتوم "عهد"
لم تتوقف وهي تقول "هي ابنته من انكسر قلبها بسببي ليث، هي ابنته من انتظرتك سنوات كثيرا وقلبها يتمنى حبك وأنت تعلم معنى الحب وانكسار القلب حبيبي"
نهض وتحرك مبتعدا وقال بقوة "وهو كسر قلبي ودمر حياتي برحيلك عني عهد" ثم التفت لها وأكمل بغضب "دفع بك للمجهول وحدك وأنت تحملين ابننا دون سند أو رفيق، ماذا لو لم أصل لكِ بالوقت المناسب؟ كنتِ بين الحياة والموت، كان من الممكن أن أفقدكم للأبد عهد"
قالت بحنان "ولكنك وصلت حبيبي ونحن هنا معك وعزيز هو من ساعدك للوصول لنا"
التفت مرة أخرى بعيدا عن عيونها وقال "لا فارق لقد نفد السهم"
لم تستسلم وهي تقول "ولكنه لم يقتل ليث، أنت شاركت بالأمر ليث، لم يكن عليك خطبتها حبيبي ومنحها الأمل بأنك قد تكون لها بيوم، أعلم ماذا كان وضعك وقتها ولكن عليك بالتماس الأعذار لكلاهم"
عاد ينظر لها فأكملت "فقط اهدأ وأوقف غضبك وبعدها أعد التفكير جيدا قبل أن ترفض أو توافق على إغلاق كل ما تسبب بإيلامك أو جرحك، أبعد غضبك كي يمكنك أن تستمتع بعودتنا سويا ومعنا ابننا، سمعت مقولة تقول 'قد يرى البعض أن التسامح انكسار، وأن الصمت هزيمة، لكنهم لا يعرفون أن التسامح يحتاج قوة أكبر من الانتقام وأن الصمت أقوى من أي كلام' هل تدرك أن القوة بالتسامح وليس بالغضب والانتقام؟"
أبعد وجهه لحظة فقالت "عزيز يحبك ليث، لكنه يحب ابنته أيضا كان عليك توقع ما فعل لأن الغضب يعمينا جميعا حبيبي لكن ما أن استعاد هدوئه حتى أدرك الخطأ الذي ارتكبه فأراد تصليح ما أفسده وإعادتك له"
لم يلتفت لها وهو يقول "ولكن أي جرح يترك أثره عهد"
قالت "هناك الكثير مما تدين به له يزيل ذلك الأثر ليث"
التفت لها فأكملت "أنت مدين له بنجاحك وشهرتك، مدين له بالأبوة التي منحها لك، واليوم مدين له بإعادتي لك، لن يمكننا أن نعيش بعالم معصوم من الخطأ حبيبي فهكذا خلق الله الخير والشر وسيظل الصراع بينهم إلى أن يشاء الله"
حدق بها كثيرا قبل أن يتحرك تجاهها وينحني عليها ويمرر يده على وجنتها ثم يقول "كيف تفعلين ذلك عهد؟"
لم تفارق نظراته وهي تقول "أفعل ماذا؟"
اقترب منها وقال "تحولين الصعب سهلا وتبددين غضبي بلحظة، كيف تفعلين ذلك؟"
قالت بصدق "بحبي لك ليث"
زاد قربه وهمس "ليس كحبي لك ذهبية العيون، عقلي يسقط مهزوما أمامك حبيبتي وقلبي أسيرا لحبك"
وأخذ شفتيها بين شفتيه وقد اشتاق لقبلتها بجنون والتمس فيها الراحة التي لم يعشها إلا بقربها منه، أبعدها وهمس "ليتني عرفتك منذ الأذل عهد لما سكن الألم والحزن قلبي بأي يوم"
رفعت يدها لوجنته بحنان وقالت "كما هو أنا ليث ولكني مؤمنة أن كل شيء مكتوب ونحن لن نغير الأقدار وربما لو تقابلنا من قبل لما كان الحب مصيرنا"
قبل جبينها وقال "معك حق، لنسميه أحمد من الحمد لأنني أحمد الله بكل لحظة على عودتكم لي سالمين"
هزت رأسها ولم تعترض فليس هناك أجمل من الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى
يتبع..

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن