الفصل الرابع والعشرين
البيت
مرت أيام كثيرة لم يعرف كلاهم عددها، بالبداية انتظم بالحضور لبيتها ولكن سرعان ما انشغل كلاهم بالعمل جدا وأصبحا يلتقيان بسرعة دون التقليل من مشاعرهم ولكنها كانت تشعر بتغيير يجتاحها وهو ما كان يثير قلقها لأن الأمر لو تأكد فلابد من اتخاذ ما يلزم.
رن هاتفه فرفع رأسه من الجهاز الآلي فرأى اسمها فاعتدل وأجاب "أهلا حبيبتي"
قالت بسعادة "اشتقت لك حبيبي، لم أعد أراك كثيرا هذه الأيام"
أغمض عيونه ورفع أصابعه لهم وعبث بهم ليبعد الإحساس بالتعب وقال "معك حق حبيبتي، العمل كثير ومرهق وأنا بالفعل بحاجة لك"
قالت "أنا اجازة غدا حبيبي هل تبقى معي لتناول الغداء؟"
فتح عيونه بصعوبة من الصداع وقد كان قراره نهائي ولو أنه تأخر باتخاذه فقال "لا عهد، طالما أنتِ اجازة لتعدي نفسك للانتقال لبيتي"
صمتت، منذ بداية زواجهم لم يدعوها يوما لبيته وهي أصلا نست الأمر ولم تفكر به، هي تحب بيتها فهو المكان الذي بدأت علاقتهم به، عندما لم ترد ناداها بدهشة "عهد أين ذهبت؟"
انتبهت وقالت "هنا ليث، لماذا بيتك؟"
اعتدل على المقعد وقال "لأنه بيتي عهد وأنتِ زوجتي وهذا أمر طبيعي"
تحركت خارج سيارتها وأغلقت الباب وقالت "ولماذا الآن؟"
أخذت البقالة من حقيبة السيارة وهي تسمعه يقول "لأني استكفيت عهد وسأعلن زواجنا اليوم"
توقفت أمام باب بيتها والمفاجأة تأخذها وهي تقول "اليوم!؟"
قال بجدية "نعم، أعدي حقائبك وسأكون عندك بالثامنة"
كانت تحاول تصديق كلماته وهي تقول "ولكن، عزيز؟ الصحافة؟ والجميع؟"
نهض من وراء مقعده وقد ضاق صدره من كل ما يحدث وقال "لا يهم، المهم أن تكوني معي عهد أنا تعبت من بقائك بعيدا عني والأفضل أن تتوقفي عن العمل"
كانت تضع الأشياء على مائدة المطبخ ثم جلست بتعب وقالت "ربما نؤجل الحديث عندما تعود"
وافقها وقال "نعم، أعدي حقائبك أو اتركيها وسأرسل من يفعل فيما بعد، المهم تكوني جاهزة بالثامنة"
لم تشأ أن تجادل بالهاتف بالتأكيد هو يدرك ما يفعل، لقد عرفت بانفصاله عن عزيز وحمدت أن عزيز لم يفعل أكثر من ذلك ربما هذا هو السبب الذي جعله يتخذ تلك الخطوة، عاد التعب لها فنهضت للحمام لتتأكد مما يشغل عقلها..
ما أن دخلت بيته وهو يحيطها بذراعه حتى اندفعت الذكرى القديمة لعقلها ولكنها استبعدتها وهي تنبهر مرة أخرى بجمال القصر فقال "ما زلت تنبهرين به؟"
ابتسمت وقالت "هو رائع حبيبي، أنت تستمتع بتلك الهواية"
جذبها أمامه محيطا إياها بذراعيه وقال "جدا وأنت دليل على ذلك ألم أحصل على أجمل امرأة بالعالم؟"
رفعت يداها لعنقه وعيونها تتراقص بسعادة "أنا كذلك لأني زوجتك حبيبي منذ عرفتك والجمال سكن كل خلية من جسدي"
قبلها برقة ثم أبعدها وقال "أعلنت خبر زواجنا اليوم"
لم تبتعد وهي تقول "وأنا لدي خبر لك"
قبلها مرة أخرى وقال "أسمعك"
كان يقبل وجنتيها فقالت برقة "ستكون أب قريبا جدا"
توقف لوهلة ثم تراجع لينظر بعيونها المتألقة بالسعادة وقلبه يدق بقوة، لقد كان يسخر من كلمات جون عندما يخبره بالأولاد ولم يظن يوما أنه سيكون أب ولديه ذرية تحمل اسمه وترث أملاكه، لكنها الآن تخبره أن ذلك لم يكن بعيدا كما ظن بل ها هو يقترب لدرجة أنه بين يديه الآن..
نظر لعيونها بعيون لا تصدق وهتف "أب!؟ أنا سأكون أب؟ عهد أنت متأكدة؟"
هزت رأسها وابتسامتها تملأ وجهها وأجابت "تأكدت اليوم قبل أن أخبرك لذا طلبت رؤيتك"
قبلها بسعادة ثم أبعدها برقة وركع على الأرض ووضع يده على بطنها ونظرات الدهشة تتحرك من عيونها إلى بطنها وهو يقول بصوت مبحوح من المفاجأة "حقا سأكون أب!؟ بعد هذا العمر الطويل وقد ظننت أنه لن يكون لي ذرية من بعدي هنا طفل ينمو مني؟ هنا يسكن ابني"
ثم وضع رأسه على بطنها وهتف "متى سأسمعه ينبض عهد؟ متى سأشعر بحركته؟"
وضعت يدها على رأسه وداعبت شعره بحنان ودموعها تشاركها سعادتها وهي تقول بحنان "أعتقد أنه بعد سبعة أشهر أقل أو أكثر بأيام قليلة حبيبي"
نهض وأحاط وجهها براحتيه وعيونه تنبض بالسعادة والحنان وهتف "لم أفكر يوما بكل ذلك عهد"
ثم تبدلت ملامحه فجأة وابتعد فاندهشت وقالت "ماذا بك ليث؟"
لا يعلم لماذا اندفعت الذكريات لرأسه فجأة وذكرى إبراهيم وظروف نشأته، هل حقا سيصلح كأب؟ لقد افتقد مشاعر البنوة، لم يهتم به إبراهيم يوما فلم يتعلم كيف يكون أب
لمسة رقيقة على ظهره جعلته ينتبه لها وهي تقول "هل أنت غاضب لأني حامل ليث؟"
التفت لها وذهب اللون الذهبي من عيونه وكأنها أظلمت فجأة وهو يحدق بها فرفعت يدها لوجنته والقلق دق أبواب قلبها فقال "لا يمكنني أن أكون أب عهد، لن ينجح ذلك"
وابتعد وسقطت يدها وسقط معها عقلها غير مستوعب ما يقوله وعجز لسانها عن النطق لحظة ولكن سرعان ما استعادت نفسها وقالت "بل ستكون أفضل أب"
لم يلتفت لها وقد كان يسبح بمياه عميقة من الذكريات، عيونها واجهته لتعيده للواقع والقوة بها وهي تقول "أوقف الماضي ليث لم يعد له مكان"
ظل يحدق بها حتى قال "الماضي بكل مكان عهد وسيظل كما هو، لا شيء سيغير ما فعلته دولت ولا الجبالي ولن تسقط عني صفة عدم الشرعية"
طار الغضب لعقلها وقالت "لقد انتهى ذنب دولت ليث، انتهى حين اعترفت بالخطأ والله غفور رحيم والجبالي مات ليث مات واندفن معه قسوته وطمعه وجشعه واستغلاله لك ولأمك"
التفت ليبتعد ولكنها أوقفته بيدها وأكملت "نعم ليث لست المذنب لأنك لست ابنه بل هو شخص حاقد، طماع، امتلأ بالجشع والصعود على سرقة موهبتك ولولا تهديدك لنجاحاته لظللت ابنه ليكسب من وراءك، ليس الجبالي المقياس الذي تقيس عليه صلاحيتك للأبوة من عدمها ليث"
ثار الغضب داخله من اشتعال الذكرى والألم وقال بغضب جعلها ترتجف "ومن بنظرك المقياس عهد؟ الجبالي هو من نشأت ببيته وبالتأكيد شربت قسوته وحقده وأنا لن أفعل ذلك بابني"
فك ربطة عنقه وأزرار قميصه وقد خنقته الأحزان بينما هزت رأسها وقالت "هذا هو ما أتحدث عنه ليث، لن تفعل ذلك بابنك لكنت فعلت بوالدتك وقت الحادث وتركتها هي وبريهان، أنت لست ابنه حبيبي كي ترث منه أي شيء، ستخاف على ابنك وتحبه وتمنحه ما لم تناله بحياتك، ستعيش معه ما لم تعيشه ليث، ستلعب معه وتصحبه للمدرسة وزيارة المتاحف وربما يرث عنك موهبتك"
رفعت يدها لوجهه مرة أخرى وما زال يحدق بها وقد تلونت عيونه بالأحمر وتعالت أنفاسه وسمعها تقول "ستحبه ليث كما أحببتني، قلبك أكبر من كل القسوة التي نلتها بحياتك حبيبي، سنجتاز الأمر سويا فقط دعنا نخوض التجربة وأنا واثقة أنك ستحبه"
هدأت أنفاسه والتفت بعيدا وهو يغلق عيونه كي تتوقف الأفكار وكلماتها تنساب داخله، أحاطته بذراعيها ووضعت رأسها على ظهره وقالت "ما أن تراه على الشاشة ستتمنى لو يصل للحياة"
التفت لها وهي لم تبعد ذراعيها وقد عادت عيونه للونها الذهبي النقي وارتخت عضلاته وهدأت أنفاسه وعيونها تمتلأ بالحنان وهي تكمل "لن أذهب للطبيب وحدي، هل سأفعل؟"
رفع يده لوجهها وتنفس بعمق قبل أن يقول "لا"
ابتسمت ثم أراحت رأسها على صدره فضمها له ولم يتحدث وهو يغمض عيونه محاولا إبعاد شياطين الماضي عن رأسه فهو حقا ليس ابنه ليرث منه أي شيء
سمعها تهمس "أحبك ليث، أحبك وسأحبك لآخر عمري"
أبعدها ورفع وجهها له وقال "وجودك بدل حياتي عهد"
عيونها الباسمة أشرقت كالشمس بحياته وقالت "أنا مدينة لك حبيبي"
قال "متعادلان حبيبتي، أخبرتك أننا متعادلان"
قالت "أنا لم أشاهد باقي البيت ليث، متى سأفعل؟"
تفاجأت عندما أبعدها قليلا ليرفعها بين ذراعيه وهو يقول "بالفعل، هناك مكان هام جدا لم تشاهديه ولابد أن تفعلي الآن"
ضحكت وهو يصعد الدرجات برشاقته المعتادة وهي تحيطه بيداها وتنظر لوجهه بعشق وقالت "كان يمكنني أن أصعد"
توقف أمام باب ففتحته هي ودخل بها وهو يتركها برفق واقفة أمامه وقال "تُحمل العروسة بأول يوم لها ببيتها عهد وهذا أول يوم لك ببيتك وغرفتك أهلا بك ببيتك حبيبتي"
كان ما زال يضمها بذراعيه وهي لم تترك عنقه وقالت "بيتك الذي لم يدخله سواك ومي"
انحنى وطبع قبلة على وجنتها وقال "مي أتت مرتين واحدة منهما عندما كنتِ معي، لم يدخل امرأة أخرى سواكِ حبيبتي"
لم تشاهد غرفتهم التي كانت قطعة فنية بمتحف وهو يضمها له بحب وحنان وسعادة أكثر وقد نسى كلاهم ما كان وأخذها وكأنها أول ليلة لهما سويا، عندما انتهى وتمدد بجوارها قليلا ثم جذبها لصدره وقال بانتباه
"عهد أنت بخير؟ لقد نسيت أمر الحمل"
قالت بصدق "أنا بخير حبيبي اطمئن"
قبل جبينها وقال "مكتبي سيقوم بالحجز لطبيب لرؤيتك"
أبعد وجهه ونظر بعيونها وقال "أظن أن لا داعي للعمل بعد اليوم عهد"
رفعت وجهها له ورغم أنها تمنت لو تظل بعملها إلا أنها لم تعترض وقالت "لماذا لا تجعلها اجازة ربما"
قاطعها بجدية "لماذا؟ أنتِ لست بحاجة للعمل عهد، أنتِ زوجة بليونير وسواء كان هناك حمل أم لا كنت سأطلب منك التوقف عن العمل، كفى عهد، أنا لا أريد أن أعود البيت فلا أجدك به تنتظريني وأحضانك تتلقاني بعد يوم عمل مرهق"
بالطبع كلماته جعلتها تستسلم ولا تجادل، هي أيضا أرادت أن تتوقف عن العمل خوفا على طفلها فهي تتمنى أن تمر شهور الحمل بسرعة لتراه، لم ترحل ابتسامتها وقالت
"كما تشاء رغم أنك لا تعود للبيت بالأيام"
نظر لعيونها وقال "كاذبة حبيبيتي، لم أتوقف يوما عن العودة للمنزل منذ زواجنا بل ومن قبلها"
داعبت صدره بأصابعها وقالت "أريدك معي بكل وقت ليث، لا أريد الوحدة من جديد خاصة عندما أترك العمل"
قبل رأسها وهو يضمها له أكثر وقال "الوحدة نار أحرقتنا نحن الاثنان لذا أشعر جيدا بك عهد وأعلم أني لن أذيقك إياها بأي يوم"
لم ترد وهي تدرك كلماته وقد شعرت بالراحة لحظات وانجرفت بالنوم فشعر بها وظل يضمها له وهو يقول "لن نتألم من الوحدة عهد طالما نحن سويا، وابني لن يعاني كما عانيت بحياتي، أعدك عهد"
شعرت بنسمة دافئة على وجهها ففتحت عيونها لتراه يبتسم لها وهو بكامل ملابسه، طبع قبلة على وجنتها واعتدل فاعتدلت هي الأخرى وهو يتحرك ويقول "أحب رؤية عيونك قبل الذهاب للعمل حبيبتي"
ابتسمت بنعاس وقالت "لن تتناول الإفطار؟"
قال "سأفعل بالأسفل"
كادت تنهض عندما قال بسرعة "إلى أين؟ عودي للنوم واستيقظي براحتك سأخبرك بموعد الطبيب"
وتحرك تجاهها وقبلها برقة ثم تحرك تاركا عطره خلفه وبالفعل عادت للنوم مرة أخرى
استيقظت متأخرة وأعراض الحمل تهاجمها، بدلت ملابسها ونزلت لتجد الإفطار تناولته ودارت بالبيت الرائع ثم جلست بالحديقة مستمتعة بالشمس الدافئة وعندما تفحصت هاتفها وهي تتناول القهوة رأت خبر زواجهم على الميديا والتعليقات ما بين مهنئ ومندهش ولكن الجميع لم يذكر مي بأي كلمة وصورتها معه بالفستان الذي ارتدته يوم زواجهم ولا تعرف متى أخذت الصورة ولكنها كانت جميلة
بالطبع تليفونها لم يهدأ خاصة ماديسون الذي هنأها بالزواج وبالطبع أخبرته عن اعتذارها عن العمل وتقبل هو الأمر
باليوم التالي أخذها لطبيب مختص ومنذ أول لحظة بطريقهم للطبيب أدركت توتره فلم يتحدث معها ولم يقود السيارة بل جلس بجوارها ورأسه لا تفارق النافذة ويده جامدة على ركبتيه، لم تحاول التحدث معه ولكن عند الطبيب تسمرت عيونه على الشاشة وهو يرى التكوين الصغير لطفلهم وظل يحدق بالصورة حتى شعر بيدها تتسرب ليده فالتفت لها وهي على الفراش وابتسامتها تمنحه شعور بالرضا والراحة فلانت ملامحه وهدأ توتره وقبض على يدها
طمئنهم الطبيب على طفلهم وعليها وبالطبع منحها التعليمات اللازمة، وما أن نزلا حتى هدأت أعصابه وارتخت عضلاته، فتح لها السائق فركبت وهو بجوارها فنظر لها وقال "لنتناول الغداء بمكان ما"
لفت ذراعها بذراعه وقالت "كما تشاء فقط عملك"
جذب يدها وقبلها وقال "فشل أمامك عهد، أنتِ ربحت"
ضحكت وقالت "هذا يعني أن اليوم كله لي؟ "
رفع وجهها بأصابعه ليتجول بعيونها وقال "بالذهبي؟"
ضحكت مرة أخرى وقالت "بالذهبي حبيبي"
تناولا الغداء بمطعم هادئ على ضفاف النهر وهو يتأمل ملامحها وقال
"تبدين متعبة؟"
ابتسمت وقالت "لا، أنا بخير"
اقترب ومد يده على المائدة فمنحته يدها فقبض عليها وقال "لا أريدك أن تتألمي بصمت كعادتك عهد، أريد أن أشاركك به، أريد أن أشعر أني معك بكل شيء"
ابتسمت وقالت "أنت بالفعل معي حبيبي والآن جزء منك يسكن داخلي يجعلك تسكن بعروقي ليث"
رفع يدها لفمه وقبلها وقال "تنتصرين علي دائما بكلماتك عهد، كنت أعلم أن داخلك امرأة رائعة تذهب بالعقول"
قالت بسعادة "أنت فقط من منحني الثقة والقوة على مواجهة الصعاب، أنت سبب نجاحي ليث، أنت كل جميل نبض بحياتي أنت من جعلتني وجه واحد لامرأة واحدة"
لم يتركها بالفعل ومنحها كل اهتمامه وقد كانت سعيدة جدا لحياتها الجديدة، لم يذكر دولت ولا بريهان طوال الوقت ولكن يأبى الماضي أن يظل ماضي
أنهت اتصالها بدكتور منصور وقد كانت سعيدة جدا لأنه هاتفها عندما وصله خبر زواجها وأعلن عن سعادته، نهضت عندما سمعت صوت سيارة زوجها تدخل القصر وسرعان ما رأته يدخل بأناقته وجسده الرشيق الرائع، قابلته بابتسامة رائعة وهو أحاطها بذارعه ومنحها قبلتهم المعتادة ثم أبعدها وقال
"تزدادين جمالا ذهبية العيون، الحمل يليق بكِ"
ضحكت وهما يتحركان لغرفة الجلوس وقالت "يبدو أنها فتاة، يقال بمصر أن الفتاة تزيد والدتها جمالا"
تحركت لتصب به العصير وفك ربطة عنقه وأزرار قميصه وقال "وقد يكون ولد ويزيدك جمالا أيضا"
وقف أمام النافذة فتحركت تجاهه ومنحته العصير وقالت "هل تريد ولد حبيبي؟ "
لم ينظر لها وقال "ربما"
رن هاتفها برقم غريب فرفعته وأجابت لتسمع صوت تعرفه يقول "عهد؟"
نظرت لعيونه التي كانت تتابعها ودق قلبها وهي تقول "نعم"
قالت المرأة "أنا دولت عهد، كيف حالك؟"
لم تعرف ماذا تفعل وهو تقريبا يسمع الصوت لأن عيونه ضاقت وارتبكت وهي تجيب "نعم أهلا حضرتك"
قالت دولت "كان من الصعب الوصول لرقم هاتفك عهد أردت تهنئتك بالزواج عرفت بالمشفى"
كادت تبتعد ولكن يده التي لمست ذراعها أوقفتها وهي تقول "شكرا لك"
ظلت عيونها ثابتة على عيونه ودولت تتحدث "أريد رؤيتك عهد هل يمكن ذلك؟"
لم تجد رد وعيونه جامدة لا تمنحها أي إجابة فقالت "حضرتك ما زلتِ هنا بنيويورك؟"
أجابت دولت "نعم ببيت رجال ليث أحضرونا به بعد خروج بريهان من المشفى وهي ما زالت تخضع للعلاج الطبيعي لذا لم نرحل بعد ولكن أوشكنا أن نفعل لذا أردت رؤيتك قبل رحيلي"
فكت اتصال عيونهم وقالت "حسنا ولكن لابد أن أخبر ليث"
صمت قابل جملتها للحظة ثم عادت دولت تقول "لن يوافق عهد تعلمين ما بيننا"
رفعت عيونها له فرفع رأسه بعناد واضح فقالت عهد "لابد أن أخبره حضرتك، ريما يوافق"
تراخى صوت الأم وقالت "أحتاج للتحدث معك عهد أنت الوحيدة التي يمكنها إصلاح الأمور"
شحب وجهها وما زالت ملامحه جامدة وقالت بارتباك "سأفعل ما أستطيع"
تنهدت المرأة وقالت "حسنا يا ابنتي أتمنى أن يوافق سأنتظر اتصالك"
أخفضت الهاتف وما زالت تحدق بوجهه منتظرة أن يجيب ولعنت صوت هاتفها المرتفع الذي جعله يسمع كل شيء، نظراته النارية أحرقتها بمكانها فخرج صوتها واهنا
"ليث"
صوته النابض بالغضب جعلها ترتجف وتتراجع وهو يقول "إياكِ عهد"
وتحرك مبتعدا وأدركت مدى غضبه ولكنها لم تستطع الصمت فالتفتت لظهره المواجه لها وابتلعت ريقها وقالت "فيما اعتراضك؟"
التفت لها وتراجعت من وجهه الذي تنبض كل عضلة به بالغضب ويده تعتصر الكوب بقوة ولم تمنحه فرصة للرد وقلبها يعصف بها من الخوف وهي تكمل "لو استمريت بالعمل بالمشفى كنت سأراها ليث فما الجديد؟"
هتف بقوة "ألا تعرفين الجديد عهد؟ الجديد أنكِ أصبحتِ زوجتي"
تحركت تجاهه محاولة التظاهر بالقوة وقالت "وماذا ليث؟ هذا لا يمنع أن علاقتنا كانت جيدة"
زادت قبضته على الكوب وقال "كانت عهد، وإلى هنا وانتهينا زوجتي ليست الذراع التي تلويني عهد"
كانت قد وقفت أمامه وقالت "أنا لا أفهم كلماتك ليث، ما المغضب بسماعها ومحاولة"
صوته هز جسدها "لا، هل تسمعيني؟ لن تفعلي ولا مجال للنقاش عهد"
كاد يتحرك ولكنها أمسكت ذراعه وقالت بقوة بدلتها بالضعف والخوف "لماذا؟ ما الذي تخشى من مواجهته من سماعها ليث؟"
لم يمكنه التماسك وهو يقذف بالكوب بقوة غضبه ليسقط محطما على الأرض وجسدها ينتفض معه وهو يلتفت لها ويهتف بغضب "أنا لا أخشى شيء عهد، أن لا أعرف الخوف، حذفته من حياتي منذ أول يوم ألقت بي هي بالشارع، لو استسلمت للخوف لضعت وانتهيت وسط إعصار الضياع الذي كنت به وقتها وأيضا بسببها، والآن تطلبين مني أن أسمعها؟ ما الذي سأسمعه عهد؟ طلب السماح؟ لا داعي له لأني لن أفعل هل تسمعيني؟ لن أفعل ليس لديها حتى الحق لتطلبه"
كان الغضب الذي بعيونه ساحق، مدمر، جعلها ترتجف وتخاف وتندم على كلماتها لذا قالت بصوت يكاد يسمعه "أنا آسفة"
ابتعد من أمامها وقال "لن تذهبي عهد ولن نتناقش بذلك الأمر مرة أخرى"
وتابع مسيرته لخارج الغرفة وسمعت باب مكتبه يغلق بقوة فأدركت أن الماضي يحمل داخله قنابل موقوته كلما فتح باب منه انفجرت واحدة تاركة وراءها أحزان وأوجاع لا حصر لها
يتبع..
أنت تقرأ
رواية وجهان لامرأة واحدة بقلمي داليا السيد
Romanceسكنت داخل ردائها الأبيض تحتمي خلفه من مواجهة العالم من حولها، اختارت أن تكون الممرضة الصامتة ، الضعيفة ترفض خروج المرأة القوية التي هي عليها متجاهلة وجودها بل لا تعترف بها، لكن يوم سقطت عيونها عليه تمزق الرداء الأبيض بقوته الهائلة وإيمانه بها، دفعها...