الفصل الثالث والعشرين

413 20 5
                                    

الفصل الثالث والعشرين
عودة
لم تنظر له وهو يستلقي بجوارها على الفراش ليستعيد أنفاسه ويفكر بالسعادة التي شعر بها معها، سعادة لم يعرفها من قبل ورضاء شمل جسده وقلبه
التفت بالغطاء ولم تنظر له ولا تعرف ماذا عليها أن تفعل فانتبه لها، اقترب واحتضنها من ظهرها ليضم جسدها له بحنان وقال "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها دون أن ترد ولكنه جذبها لتلتفت وضمها لصدره وهو يقبل جبينها وقال "أشعر بسعادة لم أعرفها من قبل عهد"
رفع وجهها له الذي تلون بالأحمر وشفاهها المتورمة من قبلاته وعيونها التي تلمع بنظرات الحب والخجل مما زادها جمالا فابتسم وقال "متألمة؟"
هزت رأسها بالنفي فأبعد شعرها عن عيونها وقال "هل أنتِ سعيدة حبيبتي؟"
لم تترك عيونه ويدها على صدره وقالت "لم أظن أني سأكون سعيدة هكذا ليث ولكنك منحتني سعادة بحياتي كلها لم أعرفها، أنت الشخص الوحيد الذي اهتم بي وأراد حمايتي ووضعني على الطريق الصواب، أنت فقط من أخذ بيدي ليث أنا مدينة لك بالكثير"
جذب يدها لفمه وقبلها وقال "متعادلين عهد، كنت بالمثل بالنسبة لي، أعدتني للحياة بعد الموت والسعادة بعد الحزن والراحة بعد الألم، نحن متعادلان حبيبتي"
ثم أعادها للفراش ولم يبتعد وهو يقول "ولن أتنازل عن سعادتي هذه هل تفهمين؟"
أحاطت عنقه بيداها وقالت "نعم سيدي، أنا سأبذل كل جهدي لإسعادك حبيبي فليس لدي بالحياة سواك لأمنحه السعادة"
قبلها برقة وسعادة وكلاهم سعيد وراضي عن تلك الحياة الجديدة التي اندفعا لها بقلوبهم دون تفكير سوى بأنهم معا
لم يخرجا من الكوخ لأيام لم يعرفا عددها إلا بالصباح الباكر مع الفجر ليسبحا بالبحر سويا دون أي دخيل ويعودا للكوخ وغرفتهم ويستمتعا سويا ببعضهما البعض
بالإسبوع الثاني عرض عليهم عمر برنامج سياحة بالمدينة الإسلامية ولم يتركاها بل تجولا مع باقي الفوج وبالطبع لم ينسى شراء ما يعجبه من ملابس لها ومنح بعض الوقت لعمله عندما كانت تنام وتتركه وحده مع حاسوبه المتنقل أو هاتفه
الحفلات الليلية على الشاطئ كانت رائعة أخذتهم كثيرا ولم يشاركوا إلا بالرقص على الموسيقى الهادئة وحقا كانت السعادة هي رفيقهم الثالث
عادت من حمام المطعم إلى مائدتهم على الشاطئ وسمعت زوجها وهو يتحدث مع عمر وجلست وعمر يقول "لا، أنت لم تخبرني بالوقت ليث"
نظرت له بلا فهم بينما قال هو "أنا بالفعل لم أحدد أي وقت"
نظر عمر له بحيرة وقال "إذن لماذا تتحدث عن العودة الآن؟"
التفتت له بعيون متسائلة والخوف ينبض منها وقد استعادت بلحظة كل الذكريات التي تركها كلاهم خلفهم ولكن ها هي تندفع بوجهها، أبعد عيونه عنها وقال "أمضينا شهر هنا عمر وبالنهاية لابد أن نعود، لا تنسى أن لدي أعمال تنتظرني"
نظر عمر لها وقال "لا أرى عهد توافقك على ذلك"
انتبهت له فقالت برقة "لا أحد يريد ترك هذا الجمال عمر"
ضحك الرجل وقال "هذا هو الحديث والآن ماذا ستفعل معها؟"
لم ينظر لها وقال "هي تعلم أن لدي من الالتزامات ما يجعلني أترك ما لا يمكن تركه من أجله"
أخفضت عيونها وهي تذكر مي وعزيز بينما قال عمر "حسنا ليث أنا حقا تعبت منك، غدا ستكون الطائرة تحت أمرك"
رفعت عيونها له ثم لعمر الذي نهض وقال "حقا كنت سعيد جدا بالتعرف عليك عهد وسأنتظر زيارتكم القادمة مع أول مولود لكم"
وتركهم وذهب وحل الصمت بينهم وقد كان عليه مواجهة تلك اللحظة ومهما حاول تأجيلها فلابد من أن تتم، نظر لوجهها الذي حدق بالبحر وشعر بألم للحزن الذي سكن عيونها فقال
"أنا آسف عهد ولكن لابد أن نعود"
عادت له وحاولت أن تبتسم وهي تقول "بالتأكيد حبيبي لم أفكر أننا سنعيش هنا للأبد"
اعتدل على المقعد وجذب يدها ليده فتركتها له وهو يقول "بريهان خرجت من المشفى ويقيمون ببيت أعددته لهم مسبقا ولكن دولت تريد العودة لمصر وعلي تدبر الأمر عندما أعود، كما وأن العمل يحتاج وجودي فليس كل شيء يمكن تنفيذه بالهاتف"
لم يكمل فأكملت هي "وعزيز ومي؟"
تراجع بالمقعد وترك يدها وتنفس بعمق وسأل "ماذا عنهم؟"
أدركت أن عيونه تفر منها فقالت "بالتأكيد يبحثون عنك، أو ربما بلغهم خبر زواجنا"
تناول بعض العصير وقال "لا، لا أحد عرف بزواجنا لكن عزيز بالفعل بدأ يبحث عني"
سألته "ومي!؟"
نظر لها بقوة وقال "عهد لا تبدئي إنها أنتِ زوجتي أنتِ من تنام بفراشي وبين أحضاني وليس هي"
أبعدت وجهها وقالت "ولكن بعودتنا ستعود هي خطيبتك وليس أنا"
أدرك صحة كلماتها فرفع يده لشعره ثم قال "أعلم وكل شيء وله حل عهد، فقط ذهني الآن مشغول بالعمل ولا أستطيع إجادة التفكير"
هزت رأسها وسألته فجأة "هل سيمكنك رؤيتي هناك؟"
تسرب الغضب له فقال "هل جننتِ؟ كنت لا أتحمل بعدك قبل زواجنا، كنت أنام ببيتك وأتناول طعامك فهل سأتوقف الآن وأنت زوجتي، ماذا أصابك عهد؟"
ترقرقت دموع نستها بعيونها وهي تلتقى بنظراته الغاضبة وقالت "الخوف ليث، أصابني الخوف من القادم، هناك الواقع والحقيقة التي فررنا منها وأنا أخاف من مواجهتها"
لم يذهب غضبه وقال "لست وحدك عهد لا تنسي أني ما زلت زوجك ومعك، لذا كفى لا تثيري غضبي أكثر من ذلك أنت تقللين من شأني"
هزت رأسها بالنفي وقالت "أبدا ليث أنا فقط أخشى عليك، على سعادتنا التي عشناها هنا، أنت تنسى أن هناك امرأة أخرى تنتظرك هناك، تنسى وعدك لوالدها، تنسى أنه لن يتراجع عن الانتقام لابنته ممن أصابها بأي ألم، أنا فقط أستعيد معك ما أغلقنا عليه الأبواب يوم زواجنا واليوم لابد أن تفتحه وتعيده وتبحث عن حلول له لأنه سيكون بوجهنا بعودتنا"
ونهضت وتركته إلى الكوخ بينما ظل هو ثابتا بمكانه وتحركت عيونه للبحر وكلماتها تعصف به وهي صائبة، هناك امرأة أخرى تنتظره وأب لن يقبل بتحطيم ابنته وعزيز لديه الكثير ليفعله، صحيح هو خصم لا يستهان به ولكن اسمه وسمعته لن تتحمل ذلك النوع من التشهير والمشاكل لذا كما قالت عليه أن يجد حلول لتلك المشاكل فقد تركها كثير دون حسم وهو لم يعتد ذلك، لا هو سيترك من سكنت قلبه ووجدانه ولا يمكنه الزواج من مي كما لا يمكنه أيضا فك وعده مع عزيز فالكلمة شرف بالنسبة له ولكن ولائه لقلبه أكبر من أي كلمة
رفع يداه لرأسه من الصداع الذي هاجمه فجأة من كثرة الأفكار التي دفعتها زوجته لرأسه وهو يبحث عن الحلول
جلست على طرف الفراش وهي تحدق في الفراغ وقلبها يدق بقوة وهي تستعيد خوفها القديم واليوم يزداد خوفها أكثر لأنها الآن لم تعد مجرد ممرضة بل زوجة، زوجة للرجل الذي تحارب مي من أجله والذي يدين لعزيز بكلمة شرف..
أغلقت عيونها فسقطت دمعة مسحتها لأن البكاء لم يعد يفيد بشيء وهي لا تعرف كيف يمكنه حل تلك الأزمة؟ فركت أصابعها ببعضها وتلمست خاتمه الماسي وكأنها تلتمس منه الهدوء
فزعت عندما سمعت صوته يقول "لم أظن أن تنتهي رحلتنا بالدموع"
مسحت دمعتها ونهضت لتلتفت له دون أن ترد فتحرك تجاهها حتى وقف أمامها ورفع يده لوجنتها وقال "بالتأكيد كنتِ تدركين أننا سنعود بيوم ما"
هزت رأسها وقالت "نسيت ليث، معك نسيت كل شيء، بل كل حياتي من قبلك ولم أذكر سوى من لحظة زواجنا"
جذبها له فأراحت رأسها على صدره كما اعتادت وأغمضت عيونها فقال "إذن علينا بمواجهة الأمور بهدوء كي يمكننا إجادة التفكير وإيجاد حل مناسب"
ردت دون أن تبتعد عن أحضانه "لن يمكنني التفكير بهدوء ليثت لأن مجرد تذكر مي يخرجني عن كل هدوء الدنيا"
ضحك وهو يبعدها ويبعد طرحتها ويطلق شعرها وقال "الغيرة تفقدنا العقل"
هزت رأسها وقالت "ولو، لا أستطيع تحمل وجودك معها ولا مع أي امرأة سواي ليث"
ظل يعبث بشعرها وعيونه تتجول على وجهها وقال "وأنا أحب تلك الغيرة حبيبتي ولا أمانع فقط مع الثقة بأني لك أنتِ، قلبي لا يهوى سواكِ وعيوني لا ترى امرأة أخرى لم أرغب بأي امرأة قبل أن أعرفك فهل أفعل الآن حبيبتي؟ فقط ثقي بي"
لم تبعد وجهها عنه وقالت "أنا أثق بك ليث لكني أخاف عليك من عزيز لن يتركك ولن يقبل بالهزيمة، وأنت، أنت تتأثر بمرض مي وأنا لا أعرف كيف ستحل الأمر"
جذب وجهها له وقبلها قبلة طويلة ثم همس "هل نترك هذا الأمر حتى نصل نيويورك، ما زال أمامنا باقي اليوم وأنا ما زلت أشتاق لك حبيبتي ولأحضانك"
عانقته بقوة وهي تهمس "وأنا ملك يداك حبيبي فالحياة لا تكون إلا معك"
وجذبها له لينال راحته التي لا يعرفها إلا معها بين أحضانها يستمتع بأنوثتها الفاتنة وتشعره برجولته بطريقة أحبها منها، كانت امرأته الأولى والأخيرة ولا يريد سواها..
تلك المرة الرحلة كانت صعبة والوقت لا يمضي والأفكار لا تتوقف وانشغل هو بالحاسب الآلي خاصته ولم تمنحه شعور بما داخلها مرة أخرى حتى نامت ولم تستيقظ إلا عندما سمعته يناديها
اعتدلت فقال "وصلنا اليونان حبيبتي"
قالت "ومتى سنرحل؟"
أغلق جهازه ووضعه بحقيبته وارتد بالمقعد وقال "طائرتي ستكون جاهزة بعد ساعتين ومنها لنيويورك"
ظلت تنظر له فتساءل "ماذا؟"
قالت والدهشة تعلو وجهها "سنعود سويا؟"
أبعد وجهه وقال "نعم، رجالي تقوم باللازم لا تقلقي، سأعيدك البيت وأرحل"
هزت رأسها فأمسك يدها فأراحت رأسها على كتفه والطائرة تهبط بسلام..
كان منتصف الليل عندما فتح باب بيتها وأضاء النور فدخلت وعاد هو ليجلب الحقائب ودخل فقالت "البيت نظيف"
نظر لها وقال "جون تولى الأمر، عهد لابد أن أذهب"
ظلت ثابتة بمكانها ولم تتحرك وهو يتحرك تجاهها وقال "تعالي"
تحركت له فجذبها لأحضانه ثم أبعدها وأحاط وجهها بيديه وقال "أحبك"
قالت بثبات بمحاولة ألا تمنحه سوى سعادة "وأنا أيضا ليث، لا تذهب الليلة"
ظل ينظر بعيونها التي امتلٱت بالرجاء فهز رأسه فابتسمت بسعادة وضمها له ولم يتركها
عندما شعرت بصوت حولها فتحت عيونها ورأت أول ضوء للنهار من نافذة غرفتها، أبعدت شعرها واعتدلت لتراه واقفا يغلق جاكته فقالت
"صباح الخير"
التفت لها وابتسم وهو يتحرك تجاهها وانحنى ليطبع قبلة على شفتيها وقال "صباح الخير حبيبتي لم أشأ إيقاظك اعتدت على الرحيل مبكرا"
هزت رأسها وقالت "لا تجهد نفسك كعادتك"
هز رأسه وتحرك ولكنها عادت ونادته وهي تقول "ليث سأعود المشفى على العاشرة مساء"
توقف وقد نسى عملها فالتفت لها لحظة ثم قال "لتكن العاشرة صباحا عهد، الليل لي حبيبتي لا تنسي"
ابتسمت له وتحرك ليذهب وهي لا تمانع طالما سيكون معها
بالعاشرة صباحا كانت تدخل المشفى ورحب بها الجميع بسعادة لعودتها ولم ترحل جين بموعد ذهابها بل تبعتها لغرفتهم وقالت "حقا الكل كان يفتقدك، الأطباء والمرضى وأنا بالطبع"
ضحكت وقالت "وأنا أيضا جين افتقدتكم جميعا"
خلعت بلوزتها وعلقتها فقالت جين "الاجازة فعلت بك الكثير عهد، تبدين جميلة وتبدل جسدك للأجمل"
ارتدت الرداء الأزرق وأبعدت وجهها وقالت "بالتأكيد جين الراحة تفعل الكثير، ماذا عنكِ وعن جيمس؟"
شحب وجه جين ولم ترد فتحركت تجاهها وهي تغلق الرداء حتى وقفت أمامها وقالت "ماذا حدث جين؟"
أبعدت جين وجهها وقالت "لا شيء مهم عهد لقد اكتشفت حقيقته ورأيته وهو يخونني فانفصلنا بالطبع"
رفعت يدها لفمها وهتفت بحزن "لا، لا يمكنه أن يفعل ذلك بكِ"
ابتعدت جين وقالت "لا عليكِ عهد لقد تجاوزت الأمر"
وضعت يداها بجيوب الرداء وقالت "وهل كان لجورج دور بتجاوزك الأمر؟"
لم تنظر لها وإنما هزت رأسها بالموافقة وقالت "نعم، طلب مني أن نمنح أنفسنا فرصة وبصراحة هو يستحق عهد"
التفتت جين لها فابتسمت ومدت يدها وأمسكت يد جين وقالت "أنا سعيدة من أجلك"
نظرت جين ليد عهد لترى خاتم ليث فرفعته لها فقالت بدهشة "ما هذا عهد؟ خاتم زواج؟"
ارتبكت عهد وأبعدت يدها وحمدت أنها خلعت دبلتها، تماسكت وهي تبتعد وقالت "لا، إنه هدية من"
قاطعتها جين "الجبالي، هذا تصميم لاموند، من لا يعرفه، متى منحه لك"
حاولت أن تبدو طبيعية وهي تجيب "قبل أن أسافر هو يعبر عن امتنانه لوجودي مع والدته وأخته ومن قبلهم عزيز"
كانت تتحرك للباب عندما قالت جين "عهد"
التفتت له فقالت جين "هل تزوجتم؟"
شحب وجه عهد وجف فمها وهي تقول "ماذا؟ لا، أنت مجنونة، ألا تعرفين أنه خاطب؟"
تحركت جين لها ولكن عهد أخفت عيونها عنها فقالت جين "تعدد الزوجات هنا جريمة عهد"
رفعت وجهها لها وهي تكمل "وأنا أخبرتك من قبل أن عزيز ليس برجل سهل فأتمنى ألا تكوني ألقيت نفسك بالجحيم"
لم ترد وهي تتحرك للخارج وكلمات جين تصيب الهدف الذي أصابته هي قبلها ولكن بلا فائدة فهو طالبها بالتماسك والهدوء كي يجيد التفكير، ترى كيف سيحل المشكلة؟
****
ما أن دخل مكتبه حتى تبعه مارك فقال "الجديد ماك؟"
أغلق ماك الباب وقال "الاجتماع بعد ساعة، البرازيل أعلنت موافقتها على طلباتك، عزيز"
وصمت، فتح جاكته وجلس خلف مكتبه وقال بهدوء "عزيز ماذا؟"
تحرك ماك تجاهه ووقف أمام مكتبه وقال "كان يحاول الوصول لأخبار عنك ولم يقتنع أنك بكندا ولولا رجالنا ما توقف ولكنه بالأمس حصل على معلومة عن طائرتك الخاصة"
كان يعبث بالحاسب الخاص به وقال "هل عرف؟"
لم يرد ماك فنظر ليث له فقال "لم نعرف"
ظل ليث ينظر له ثم أبعد عيونه وقال "إذن لننتظر ونعرف"
هاتف السكرتارية رن فأجاب "نعم"
قالت الفتاة "سيد عزيز هنا"
رفع وجهه لماك وقال "حسنا ماك سيستقبله"
لم يتحرك وهو يرتد بمقعده وقال "لم يتأخر الأمر كثيرا ماك، أريد القلادة"
قال ماك "بالخزينة، مبارك الزواج سيد ليث تبدو متألقا"
هز رأسه وقال "إذن لماذا لا تلحق بي؟ جورجينا تنتظرك"
ابتسم ماك وقال "رؤيتك اليوم تغير أفكاري ربما أمنحها الخاتم بالغد فهو عيد ميلادها"
لمعت عيون ليث وقال "والعشاء هدية مني"
اعتدل ماك وقال "شكرا سيدي"
هز رأسه وقال "عزيز انتظر كثيرا هيا دعه يدخل"
خرج ماك ولحظة ورأى ماك يفتح الباب وعزيز يدخل وهو يقول بحدة "وأخيرا عدت"
تأنى ليث قبل أن ينهض ويقول "أهلا عزيز تفضل، ماك القهوة من فضلك"
خرج ماك وليث يقف أمام عزيز الذي امتلأت عيونه بالغضب وهو يقول "أين كنت؟"
ظل ليث يتجول بعيون عزيز قبل أن يقول "أنت أخبرني عزيز ألم ترسل رجالك خلفي؟"
شحب وجه عزيز ثم التفت وهو يشيح بيده وقال "شهر كثير ليث وهي أيضا اختفت، كان لابد أن أبحث"
وضع ليث يداه بجيوب بنطلونه وقال بثبات "وهل وصلت لشيء؟"
التفت له وقال بنفس الغضب "كانت معك على طائرتك الخاصة ليث"
لم يتحرك ليث وعزيز يتحرك ليقف أمامه وقال "هل كنت معها؟ قضيت الاجازة معها؟ لا يهم أخبرتك أن بإمكانك البقاء معها حتى بعد الزواج والآن لنحل مشاكلنا الخاصة"
تحرك ليث لمكتبه وجلس خلفه وقال بغضب مكتوم "عزيز أخبرتك من قبل أن عهد ليست تلك المرأة ولا أنا ذلك الرجل فلماذا تصر على إشعال فتيل الغضب داخلي؟"
جلس عزيز أمامه وقال "الأمر لا يعنيني ليث أنا أهتم بابنتي، لقد أصيبت بالغيبوبة منذ اسبوعين لمدة اسبوع وهي تسأل عنك وحياتها تحولت إلى مأساة منذ تلك الليلة بالمطعم، ليث أوقف كل ذلك وتعالى معي لرؤيتها وتحديد موعد الزفاف"
أبعد ليث وجهه وقال "عزيز أنا حقا ظننت أنك أدركت أن زواجي من مي ليس صواب"
نهض عزيز وقال بغضب واضح "ماذا؟ لا تفعل ذلك ليث لأنك تعلم أن الثمن سيكون غالي جدا، أنا أحبك كابن لي حقا ولكن عندما يمس الأمر ابنتي وحياتها فلن يهمني أحد"
نهض ليث وتحرك تجاهه حتى وقف أمامه وقال "أعلم"
حدق به بذهول وقال "وماذا ليث؟ لا يمكنك أن تفعل بها ذلك أنت تعرف أنها تحبك وتحملت كل تصرفاتك معها وإهمالك لها لأنها تعيش على أمل أنها ستكون زوجتك"
شعر بالألم من أجل الأب فقال "عزيز لو تذكر يوم ألزمتني بالاتفاق أخبرتك أني لا أحب مي ولم أفكر بالزواج ومع ذلك أنت لم تسمعني وأجبرتني على الاتفاق"
عيون عزيز كانت تائهة لا تحمل أي معاني واضحة ربما فقط الحزن الذي غلف نبرة صوته وهو يقول "ظننتك ستحبها ليث"
ابتعد ليث من أمامه وقال "كانت معي طوال خمسة عشر عاما وأكثر ولم أفعل فهل عام أو اثنين أكثر سيغير شيء؟" ثم التفت له وقال "عزيز أنت تخدع نفسك وتريدني أن أخدع مي وأتزوجها وأنا لا أحبها فكيف سأمنحها السعادة التي تتمناها؟"
ارتد عزيز للخلف واصطدم بالمقعد فسقط عليه والصمت يأخذه فجلس ليث بالمقعد المقابل له وقال "كيف يمكنني أن أعيش معها وأنا لم أفكر بها سوى كأخت صغرى لي؟ عزيز أنت لا تريد سعادتها لأنها كامرأة ستدرك أني لا أرغب بها كزوجة ووقتها لن تجد السعادة معي بل التعاسة والحزن والألم فهل هذا هو ما تريده لها؟"
نظرات عزيز المتألمة جعلت ليث يتوقف ما زال يحتفظ لذلك الرجل بمشاعر خاصة لما قدمه له ببداية حياته
شعر أن عزيز يقاوم الدموع فتراجع بالمقعد تاركا إياه يستوعب كلماته فنظر له وقال "لا يمكنني أن أفعل بها ذلك ليث، أنا أفضل الموت على رؤيتها وأنت تضيع منها، على الأقل تزوجها ثم افتعل الشجار معها مما يجعلها تدرك استحالة زواجكم، لكن أن أقتل الحلم الآن فلا أستطيع"
أبعد ليث وجهه وقد نفدت طرقه مع الرجل وعندما لم يرد عاد عزيز يقول "تلك الفتاة ستنتظرك لأنها تحبك فتزوج ابنتي شهر ثم افعل ما شئت بعد ذلك"
أغمض ليث عيونه ليرى عيون زوجته تنظر له بسعادة وهي تضمه بين ذراعيها وفجأة رأى مي أمامه بفستان الزفاف فاختفت عهد فشعر بقلبه ينقبض بفزع ففتح عيونه وقال
"لا عزيز، لن يمكنني أن أخدعها، ألم تفكر يوما أنها لو ابتعدت عني وفقدت الأمل بي يمكنها أن تجد من يحبها ويمنحها ما لا أستطيعه أنا؟ عزيز أنا حقا لن أستطيع الزواج من مي"
هب عزيز واقفا والغضب يتناثر من ملامحه وقال بقوة "وأنا أحذرك ليث، إن لن تفعل فسوف تدفع الثمن غالي، أمامك يومان لتمنحني الرد"
وتركه وتحرك خارجا تاركا الباب خلفه بينما رفع ليث يده لشعره وهو يدرك أنه لم يصل لأي حل بل تعقدت الأمور أكثر مما كانت
لم يمنحه العمل أي وقت للتفكير ولم يشعر بالوقت وعندما رن هاتفه أجاب دون انتباه للاسم ليسمع صوت مي تقول "هل حقا تذكر أني خطيبتك ليث؟"
ارتد بمقعده تاركا جهازه الخاص ونظر لماك وأشار له ليذهب وقال "ما رأيك أنتِ مي؟"
قالت بتأني "أنا أرى أنك تتعمد تجاهلي ليث، أنت حتى لم تحاول مهاتفتي بعد تلك الليلة ورحلت وأغلقت هاتفك ولم تفكر أن هناك امرأة بحياتك"
نهض وتحرك للثلاجة وأخرج عصير وقال "مي أعتقد أننا بحاجة لحديث جدي حول ذلك الموضوع"
صمت أجابه وهو يتناول العصير فناداها فقالت "أنت على علاقة بها ليث أليس كذلك؟ الممرضة! منذ ظهرت بحياتك وتبدلت أحوالك ولم أعد أعرفك وتبخرت من عالمي وأصبحت أجدك حيث تكون هي"
كان يعلم أن كل كلماتها صواب ولكن ليس الأمر بيده، القلوب تختار ولا يمكن لأحد الوقوف بطريقها، وقف أمام نافذة مكتبه وقال "مي أخبرتك كثيرا أن حياتي مختلفة عن حياتك"
قالت "ولكني أخلصت لك ليث، لم أعرف أي رجل سواك طوال العامين الماضيين ربما خرجت مع أصدقاء ولكن لم أتجاوز بعلاقتي بهم، أنا لم أفكر برجل سواك"
نفخ بقوة وقال "مي هل نجعل حديثنا بمكان أفضل لأن الهاتف لن يمنحنا شيء"
صمتت قليلا ثم قالت "تعلم أن رؤيتك هو كل ما أتمنى المهم أنت، هل تفضل العشاء؟"
نظر بساعته ثم قال "لا، لدي اجتماع بوقت متأخر لم لا نتناول القهوة سويا بعد ساعة؟"
قالت بيأس "حسنا"
اتفقا على المكان فأغلق وظل واقفا دون حركة ورأسه لا تتوقف عن الأفكار ثم عاد للهاتف واتصل فأجابت بسرعة "ظننت أنك لن تذكرني، افتقدتك حبيبي جدا"
ابتسم لصوتها العذب وكلماتها الرقيقة وشعر بالراحة تعود له فتحرك لمكتبه وقال "وأنا أيضا روح قلب حبيبك افتقدتك بجنون حبيبتي، لم أظن أن البعد عنكِ جحيم"
دخلت غرفتها وضحكت بسعادة وقالت "هذا يعني العشاء سويا وسهرة ذهبية؟"
لم تذهب ابتسامته وهو يقول "لو لم يكن عملك هذا لكنت طالبت بالذهبي الآن، كم أشتاق لأحضانك حبيبتي"
جلست وقلبها يرتج داخل صدرها وقالت "وأنا أيضا ليث، اشتقت لكل لحظة لنا سويا أريد العودة لذلك الكوخ، أنا وأنت فقط، البحر والهواء والقمر يجمعنا سويا عشقت تلك الأيام معك حبيب الروح"
كلماتها تنساب داخله فتثلج قلبه وروحه وتمنح عقله السكينة والراحة فقال "سنعود إلى هناك مرة أخرى حبيبتي فأنا أيضا أشتاق لتلك الأيام"
لم تشأ أن تسأله عن مي فقالت "هل العمل بخير؟"
أدرك أنها تسأل بطريق غير مباشر فجلس وقال "نعم حبيبتي، لا تقلقي فقط الكثير كان ينتظرني"
كانت تعلم أنه لن يخبرها بشي فقالت "حسنا، المهم أنك بخير"
دق الباب فأذنت لترى فتاة تطلبها فهزت رأسها وقالت "حبيبي أحتاج لأن أذهب لا تتأخر بالمساء"
قال بهدوء "لن أفعل"
لم تكن مي تحب الظهور غير بالملابس الأنيقة واضحة الثراء ومع ذلك لم تكن تلفت انتباهه فهو لا يراها إلا أخت أو صديقة، نهض عندما وصلت لمائدته وقبل وجنتها وقال
"تبدين جميلة"
جلست وتبعها وهي تقول "ولكنك أبدا لم تراني"
تراجع بالمقعد وهو ينظر لها وقال "وكيف يكون ذلك؟"
أبعدت وجهها وقالت "لو كنت تراني لأحببتني وأردت البقاء معي باقي عمرك أليس هذا هو الحب ليث؟"
نعم هذا هو الحب ولكنه للأسف لا يحبها وهي تعلم ذلك فقال "لم أخدعك بأي يوم مي ولم أتحدث معك عن الحب"
ظلت تنظر له لوهلة ثم سالته "ولماذا ارتبط بي ليث؟ هل تدرك أننا لم نخرج سويا منذ خطوبتنا ولو مرة واحدة؟ لم نذهب للسباحة سويا أو نسافر لأي مكان فماذا تطلق على علاقتنا؟"
كان هجومها سريعا ولا تريد أن تمنحه فرصة حتى للرد ولكنه أوقفها بهدوء وقال "تعلمين ظروف عملي وعلاقتنا هي ما نناقشه اليوم سويا"
أحضر الرجل القهوة وابتعد فقالت مي "أنا لا أريد فرض نفسي على حياتك ليث فقط أخبرني أن لا مكان لي بحياتك وأعدك أن أنسحب بهدوء هناك من يتمنى قلبي"
أبعد وجهه وقال "أنا واثق من ذلك مي فأنت حقا امرأة جميلة وتستحقين رجلا يقدر جمالك وطيبة قلبك، مي أنا كل ما أريده حقا هو أن تحظي بذلك، بالسعادة التي لم أستطع منحها لكِ، أنا أعلم أنكِ حلمت بالكثير معي وأني لم أمنحك شيء ولم أكن الرجل الذي تمنيتِ ولكن صدقيني غصبا عني"
أبعدت وجهها وقالت "عهد؟"
ظل صامتا دون إجابة ونظراته ثابتة عليها حتى عادت له وقالت "تحبها؟"
لا مجال الآن إلا للصراحة لذا هز رأسه بالإيجاب وقال "نعم، بالبداية لم يكن هناك شيء سوى اهتمام مني بفتاة ضعيفة تحتاج المساعدة لكن مع الوقت وجدت نفسي مشغول بها ولا أستطيع إزاحتها من رأسي، ابتعدت عامين وقت قمت بالرحلة الطويلة ولكن أيضا كانت برأسي لا تفارقني رغم ظني أني نسيتها ولكن بمجرد عودتي ورؤيتها أدركت الحقيقة"
دموعها كانت واضحة فقالت بألم "أحترم صراحتك ليث، وهي؟"
أجاب بدون تفكير "رفضت كثيرا علاقتنا من أجلك، كانت تتراجع لأنها تعلم ما بيني وبينك ولا تريد جرحك ولم تكن تعرف بمشاعري تجاهها ولكن بتلك الليلة بالمطعم أدركت أنا أنني لن أستطيع أن أكمل بعيدا عنها، لقد قلتِ إما أنتِ وإما هي ووقتها كان علي الاختيار ولن أخبرك أنه كان أصعب قرار بحياتي مي فأنا أكن لكِ حب الصداقة والأخوة ولم أكن أريد أن أجرحك"
سقطت دموع على وجهها الذي شحب وقالت "أنا حقا لا أجد كلمات ليث"
تناول القهوة ليعيد الهدوء لنفسه ولكن مي ظلت تمسك القدح بأصابعها وتحدق بداخله فعاد يقول "عزيز يرفض ما يحدث"
هزت رأسها ومسحت دموعها وقالت "نعم أعلم تناقشنا كثيرا بالأمر، أنا أيضا أردت إيقاف تلك العلاقة ليث وهو كان يقنعني أن أتراجع فهو يحبك لكن هذه المرة لن أقبل أي جدال معه، أنا لن أرتبط برجل قلبه مع امرأة أخرى"
وأخيرا تركت القدح ورفعت يداها وخلعت منه خاتم الزواج ووضعته على المائدة وقالت "أنت أبدا لم تخدعني بيوم ليث ودائما كنت أدرك أنك لن تكون لي فقط دادي هو من جعلني أنتظر لكن الآن لم يعد هناك سبب لذلك، أتمنى لك السعادة من كل قلبي ليث"
ونهضت فنهض على الفور ولكنها قالت "لا، لن نذهب سويا، لم يعد طريقنا واحد وأنا معي سيارتي إلى اللقاء ليث"
وتركته دون أن تنتظر حتى الرد وتابعها هو بنظراته والحزن يملأ قلبه تجاهها
*****
عادت إلى المنزل وهي تسرع لإعداد العشاء وجهزته بالفعل ثم أخذت حمام واستعدت للقاء زوجها، سمعت صوت الباب يغلق فخرجت من غرفتها لتراه يدخل ويخلع معطفه فابتسمت وأسرعت إليه فتلقاها بين ذراعيه وهي تقول
"اشتقت لك حبيبي، خشيت أن يعطلك العمل عني"
تراجعت لترى عيونه تمنحها نظرتها المفضلة وهو يقول "لم أستطع أن أستسلم للعمل وأنتِ أمام عيوني تنتظريني بابتسامتك هذه لقد هزمتِ العمل حلوتي"
كانت سعيدة بكلماته وجذبها لقبلته والتي انتهت بفراشها وكلاهم يستمتع بالآخر
خرجت من الحمام وهي تلف الروب وتركت شعرها المبلل وهو يخرج خلفها بروب الحمام وقال "من الجيد أني تركت حقيبتي هنا"
ابتسمت وقالت "لقد جهزت لك بعض الملابس، سأجهز العشاء"
تابعها وهي تخرج وهو يفكر بما كان مع مي، ارتدى ملابسه وتبعها عندما كانت تجيب الهاتف، انتهت وابتسمت له وهو يجلس على المقعد فقالت "سأعد المائدة"
ولكنه قال "لقد كنت مع مي بعد الظهر، تناولنا القهوة سويا"
ثبتت بمكانها لحظة ولم تتحرك ولكنها استوعبت كلماته فارتدت إليه فنظر لها ولم يمنحها أي وقت لتفكر بأي شيء وقال وهو يخرج خاتم الزواج "لقد انتهى أمرنا"
وترك الخاتم على المائدة وعيونها تتبعه ورغم أن الأمر لابد أن يسعدها إلا أنها لم تشعر بالسعادة وبدت مضطربة فنهض حتى وقف أمامها وقال "هل تنصتين لي عهد؟"
رفعت وجهها له وقالت "وعزيز؟"
أدرك القلق الواضح بعيونها ويعلم أنها لا تزال تذكر تهديد عزيز فابتعد من أمامها ويضع يده بجيوب بنطلونه وقال "عزيز لم يكن قد عرف، بالصباح كان عندي بالمكتب ورفض الاعتراف بأن علاقتنا فاشلة ولكن مي ستتولى أمره هي ترفض الزواج من رجل قلبه مع امرأة أخرى وتقريبا بحياتها رجل آخر"
لم ترد أيضا فالتفت لها وقال بدهشة "عهد ما هذا الصمت الغريب؟ أنا لا أفهمك"
لم تنظر له وهي تقول "آسفة ليث لم أقصد إغضابك فقط"
ولم تكمل فتحرك لها حتى وقف أمامها ونظر لها من أعلى وقال "فقط ماذا؟ ألا تشعرين بالسعادة لانتهاء الأمر؟"
رفعت وجهها له وقالت "وهل انتهى بالفعل ليث؟"
ظل صامتا يحدق بعيونها ثم أخيرا قال "وماذا تظنين بعد عودة خاتمي لي؟"
ابتعدت وقالت "ليس الخاتم هو النهاية التي أعنيها ليث وأنت تعلم ذلك وإلا لأشهرت زواجنا"
التفت لها وبدا غضب مكتوم بعيونه مما قالته وهتف "ماذا تعنين؟"
ظلت بمكانها وقالت "ما سمعته ليث، أنت لم تعلن زواجنا لأنك تعرف أن الأمر لم ينتهي، أنت تنتظر رد عزيز لأنك تعلم أنه لن يتقبل الأمر وحتى لو تقبله فإعلان زواجنا يعني إشعال جهنم بداخله وبالطبع الانتقام سيكون رده"
عيونها لم تبتعد وهو ظل ساكنا وكلماتها تنطلق بوجهه دون تردد، لقد قلل من عقلها ولم يدرك أنها تفهم ما يدور حولها ولكنه لا يخاف من أحد لذا ظهر الغضب على ملامحه وصوته وهو يقول "احذري عهد أنا لست جبان ولا أخاف أحد حتى ولو كان عزيز"
التفتت مبتعدة وقالت "لا شك لدي بذلك ليث ولكن بالتأكيد لديك سبب"
صمت وقد شعر أنها ترفض التراجع عما بعقلها فقال "تعلمين أني أحب التخطيط لكل شيء وأمر زواجنا السري هذا مع فسخ خطوبتي من مي سيثير ضجة حولي وحول اسمي وسمعتي وأنا لست مستعد لمواجهة ذلك بظروفي الحالية بالعمل ولا أنكر أني أنتظر رد فعل عزيز وبعدها نتخذ إجراءات إعلان زواجنا"
هزت رأسها ولم تعلق فاندهش من استسلامها وقالت "سأعد المائدة"
كادت تتحرك عندما وجدته قد وصل لها وأمسكها من ذراعها ليعيدها أمامه فرفعت وجهها له وهو يقول "أنا لا أفهمك عهد، ماذا تريدين؟ إعلان زواجنا"
عيونها البريئة لم تتركه وقالت "لا ليث أنا لا يهمني أن تعلنه من عدمه طالما أنت معي، أنا فقط أريدك بسلام، أنت لا تخاف من عزيز ولكن أنا أخاف منه عليك وأريدك أن تحذر على نفسك، هو أب ولن يتحمل أن يصيب ابنته ألم وحزن ويقف صامتا هو كان صريح بتهديده معي ليث ولم يكن يمزح ولن يمزح بعد ما حدث"
أدرك أنها على حق وكل ما قالته هو بالفعل يدور بعقله فلانت ملامحه ورفع يده لشعرها ومرره به وقال "ربما ولكن على الأقل انتهيت من مي، عزيز لن يمكنه فعل الكثير لأن مصالحنا مشتركة وأن يضر بي فسيضر بنفسه أولا فانتقامه سيكون محدود، فقط خروج مي من حياتي كان أهم خطوة"
حاولت أن تبتسم لتمنحه الهدوء وهي تقول "معك حق ومع ذلك أنا قلقة عليها بسبب المرض الذي أخبرتني عنه ربما ما حدث يؤثر عليها"
لم يبعد يده عن شعرها وهو يقول "لا أعلم كيف تهتمين بامرأة كانت منافسة لكِ بوقت ما"
قالت وهي تسند يداها على صدره محاولة استعادة سعادتها بوجوده معها وأنه أصبح لها وحدها "لا منافس لي أبدا لأني أثق أن قلب حبيبي لي وحدي ولن يكون لسواي"
انحنى ليصل لوجهها وقال "أحب ثقتك هذه حبيبة القلب"
واستعاد هدوء قلبه بقبلتها التي تمنحه الراحة وربما تجعله ينسى القلق الذي يساوره فهو أيضا يعلم أن الحرب قد بدأت مع عزيز وباختياره لقلبه خسر شريك حياته..
دقات على الباب أبعدتهم فنظر لها وقال "هل تنتظرين أحد؟"
تراجعت وقالت "أنا لا أعرف أحد ليث"
ولكن صوت جون أعلن عن نفسه "ليث أنا جون"
تحركت لغرفتها واستبدلت ملابسها بينما تحرك هو وفتح لجون واحتضن كلاهم الآخر وقال "رأيت سيارتك فعرفت بوجودك، متى عدتم؟ وأين العروسة"
كانت قد انتهت من ملابسها وخرجت له بابتسامة جميلة وهي تقول "جون كم افتقدناك؟"
ابتسم وهو يجلس وليث أمامه وقال "وأنا افتقدتكم جدا عهد، أتمنى أن تكونوا أمضيتم وقتا سعيدا"
نظرت لليث الذي بادلها النظرة وقال "نعم جون كان وقت جميل كيف حالك؟"
قالت هي "سنتناول العشاء سويا"
لم يعلق أحدهم وهي تبتعد للمطبخ بينما قال جون "ماذا حدث بينك وبين عزيز؟"
التفت له باهتمام وقال "ماذا حدث؟"
قال جون بجدية ودهشة "ألم ترى الإعلان الذي نشره منذ ساعة؟"
نهض لجاكته وأخرج هاتفه وفتحه ليرى إعلان عزيز عن أنه سينفصل عن شركات لاموند وانتهاء العلاقات بينهم، أغلق الهاتف وقذفه على المائدة ونظر تجاه المطبخ وقال
"لن نتحدث الآن، لا أريدها أن تعرف شيء، فقط هي تعلم أني أنهيت علاقتي بمي اليوم"
تراجع جون وعيونه تتسع من الدهشة وهو يهتف "حقا!؟"
نظر له ليث بقوة فعاد جون لهدوئه وقال بصوت منخفض "هذا هو السبب إذن، هل أنت مستعد لذلك؟"
نظر لجون بنظرات ذات معنى وقال "مهما كنت مستعد جون عزيز يدخل على حرب غير معروفة واستعدادي مناسب أو غير مناسب هذا ما لن أعرفه الآن"
هز جون رأسه بتفهم وقال "معك حق وعهد!؟"
قال "تدرك ما أقوله وتخاف لذا لا أريدها أن تعرف شيء، ليس الآن على الأقل"
هز جون أكتافه وقال "ولكن الميديا سريعة الانتشار ليث فكن على حذر معها"
لم يرد وهي تخرج وتقول "هيا، العشاء جاهز"
نهض الرجلان وتناول الجميع الطعام بمرح وهم يحكون عن شهر العسل وجون عن أحواله ثم انتقلا لشرب الشاي والعصير حتى رحل جون متأخرا فتحرك تجاهها وقال "أنتِ بحاجة للراحة تبدين متعبة"
ابتسمت له وقالت "التعب يذهب بوجودك حبيبي"
ابتسم وتحرك تجاهها وأخرج علبة من جيبه ثم وقف أمامها وقال "كنت أنوي الاحتفال بذهاب مي من حياتي وأهديك هذا"
وفتح العلبة لترى القلادة ذات القلب الذهبي وعليه نحتت حروف عرفتها عندما قربها منه فهو حرف اسمها وحرف اسمه، كانت رائعة حقا فقالت بابتسامة جميلة "هذا هو القلب الذي كان على هاتفك ليث لم أظن أنه سيكون لي أنا، مفاجأتك رائعة حبيبي وكل تصميماتك رائعة مثلك، أنا أعشقها"
وضعها حول عنقها وقال "بكل واحدة أراك بها حبيبتي وأتخيلك وأنتِ ترتدينها"
ثم قبلها بسعادة واضحة ولكن عقله كان بمكان آخر من عزيز وما يدبر له للانتقام لو توقف الأمر على فض الشراكة فلا ضرر منه لكنه ينتظر أكثر من ذلك..
يتبع...

رواية وجهان لامرأة واحدة   بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن