الفصل الثاني

34 3 0
                                    

الفصل الثاني

عندما بلغت الثامنة من عمرھا قرر والدھا الرسول صلى ﷲ علیھ وآلھ أن یترك مكة ویھاجر حفاظًا على الدین قبل أن یحافظ على نفسھ..
بقت فاطمة - التي صارت فتاة یافعة أكثر من كونھا صبیة صغیرة - مع باقي الفواطم في عھدة علي بن ابي طالب ابن عم والدھا الذي صار یرد أمانات رسول ﷲ إلى أھلھا بأمر من الرسول وبعد أن ردھا جمیعا صار ینادي بصوت رفیع من فوق الكعبة :
( یا أیھا الناس! ھل من صاحب أمانة؟ ھل من صاحب وصیة؟ ھل من عدة لھ قِبل رسول ﷲ؟)
فلما لم یأت أحد أخذ الفواطم الأربعة وھاجر إلى حیث إبن عمھ في المدینة المنورة.
بدأت فاطمة حیاة جدیدة في تلك البقعة التي تقدست بحلول رسول ﷲ وأھل بیتھ فیھا، استقرت في منزل والدھا سنة كاملة تبث الحب والعلم على كل من یزورھا من نساء المؤمنین، كانت النسوة في المدینة یتھامسن فیما بینھن عند رؤیتھن لھا ھل فعلاً عمرھا ثمان سنوات!!
إنھا تبدو ابنة الخامسة عشر حتى أن الرجال بدأوا یتنافسون على خطبتھا من والدھا الرسول صلى ﷲ علیھ وآلھ لما سمعوا من صفاتھا الجلیلة ولما عرفوا من قدرھا عند ﷲ تعالى وعند رسولھ.
كان ھناك رجلًا واحدًا لا یقوى على خطبتھا من أبیھا یحملھ الحیاء على السكوت وإخفاء تلك الرغبة التي تجتاح قلبھ..
إنھ ذلك الفارس الشاب ( علي ) ابن عم والدھا..
ذلك الغیور الشجاع الذي رافقھا مع بقیة الفواطم ( فاطمة بنت أسد الھاشمیة أمھ وفاطمة بنت الزبیر بن عبد المطلب وفاطمة بنت الحمزة بن عبد المطلب ) في طریق الھجرة إلى المدینة المنورة وعرض حیاتھ للخطر في سبیل حمایتھا وحمایة من معھ من الھاشمیات..
كان الذي یسوق الرواحل في وقتھا رجل یدعى ( أبو واقد اللیثي) وكان یتصرف بعنف عند سوق الراحلة التي صعدت علیھا كل واحدة من النساء فكانت الزھراء تسمع علي یلوم ذلك الرجل بالقول :
( إرفق بالنسوة یا أبا واقد ، إنھن ضعاف) حینھا علمت الزھراء بأن ھذاالشاب الفارس یشبھ والدھا في كثیر من الصفات أھمھا الرحمة والإنسانیة والرفق بالمرأة واحترامھا فھو لیس كباقي رجال قریش حین ینظرون للمرأة والفتاة على إنھا عار یجب دسھ في التراب قبل أن یرى النور!!
نعم فلقد علمت من والدھا الرسول بأن قبیلتھم قریش كانت تدفن الانثى حیةً بعد ولادتھا مباشرة لأنھم یرونھا مخلوقًا لا یستحق الحیاة!
علمت أیضًا بأن والدھا وبأمر من ربھ حَّرم علیھم وأد البنات في سورة قرآنیة واضحة (وَإذَِا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَت، بِأَّيَ ذَنْبٍ قتُِلَت)
لطالما روعھا ھذا الكابوس وكانت تتساءل مع نفسھا كیف یتجرأ اولئك الجھلة على قتل فلذات أكبادھم؟ بقت تلك اللوحة القاتمة لرجال قریش لاصقة في مخیلتھا لكن ھا ھو ( علي ) الیوم بصوتھ الحاني وإحساسھ العمیق یذیب قسوة تلك اللوحة وظلمتھا ویحولھا إلى خیوط من نور صارت تدخل لقلب فاطمة شیئًا فشیئا..
إنھ یطلب من ذلك الرجل الرفق بالنساء، وأخیرًا وجدت من لھ نورانیة تشبھ نورانیة والدھا الحبیب!
سمعت صوت الرجل وھو یرد على ابن عمھا علي بالقول:
( إني أخاف أن یدركنا الطلب) ھنا علمت الزھراء أن ثمة خطر یداھمھم وأن ھناك من لحق بھم لیؤذیھم..
جاءھا صوت علي مرة أخرى وھو یبث الأمن في القلوب الخائفة ( أربِع علیك، فإن رسول ﷲ قال لي : یا علي لن یصلوا من الآن إلیك بأمرٍ تكرھھ).
أخذ علي بزمام الرواحل وجعل یسوق بھن سوقًا رقیقًا وھو یرتجز ویقول :
ولیس إلا ﷲ فارفع ضنكا..
یكفیك رب الناس ما أھمّكا
ما أروعھا من كلمات تعلمنا التسلیم لأمر ﷲ بعد التوكل علیھ في كل أحوالنا!!
لامست تلك الكلمات شغاف قلب الزھراء فشعرت بأن قلبھا یردد مع علي كلمات التوكل والتسلیم ھذهِ إلى أن سمعت صوت حوافر خیول تقترب منھم ثم صوت أبي واقد وھو یخبر علیًا عن أمرٍ خطیر!!
إنھم ثمانیة من شجعان قریش یا علي!!!
جاءه الأمر من علي أن ینیخ بالابل ویعقلھا، ثم تقدم علي بنفسھ لینزل النسوة وبینما ھو كذلك حتى وصل اولئك الفرسان وصاروا یخاطبون علي بالقول:
ظننت أنك ناجٍ بالنسوة؟ إرجع لا أبا لك.
أجابھم: فإن لم أفعل؟!
قالوا: لترجعَّن راغمًا أو لنرجعَّن برأسك!
ودنا الفوارس من النسوة والإبل لیثیروھا، ھنا سحب علي سیفھ من غمده وصار یضربھم واحدًا تلو الآخر حتى ابتعدوا عنھ وھم ینادون : إغنِ عنا نفسك یابن ابي طالب، فقال لھم:
( فإني منطلق إلى ابن عمي رسول ﷲ، فمن سَّره أن أفري لحمھ وأھرق دمھ فلیتبعني) فرجع اولئك الرجال مخذولین منكسرین.
شھدت الزھراء كل ھذه المواقف من إبن عمھا بغیاب والدھا الرسول...قد تكون ھذه المرة الأولى التي تبتعد فیھا الزھراء عن إبیھا الرسول لكنھا ھي ترى نفس الرسول متمثلة بشخص ابن عمھ علي!! 

فراشة الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن