الجزء الثاني
الفصل السابعفأجابھا أبو بكر فقال: یا بنت رسول ﷲ لقد كان أبوك بالمؤمنین عطوفا كریما، رؤوفا رحیما، وعلى الكافرین عذابا ألیما وعقابا عظیما، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء وأخا لبعلك دون الأخلاء، آثره على كل حمیم وساعده في كل أمر جسیم ،لا یحبكم إلا كل سعید ولا یبغضكم إلا كل شقي، فأنتم عترة رسول ﷲ، الطیبون والخیرة المنتجبون ،على الخیر أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا وأنت یاخیرة النساء وابنة خیر الأنبیاء صادقة في قولك ،سابقة في وفور عقلك ،غیر مردودة عن حقك ولا مصدودة عن صدقك.
وﷲ ما عدوت رأي رسول ﷲ ولا عملت إلا بإذنھ، والرائد لا یكذب أھلھ!! وإني أشھد ﷲ وكفى بھ شھیدا، إني سمعت رسول ﷲ یقول:" نحن معاشر الأنبیاء لا نورث ذھبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا،وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن یحكم فیھ بحكمھ" وقد جعلنا ما حاولتھ في الكراع والسلاح یقاتل بھ المسلمون ویجاھدون الكفار ویجالدون المردة الفجار وذلك بإجماع من المسلمین!! لم أنفرد بھ وحدي ولم أستبد بما كان الرأي فیھ عندي وھذه حالي ومالي، ھي لك وبین یدیك!!! لا تزوى عنك ولا تدخر دونك وأنت سیدة أمة أبیك والشجرة الطیبة لبنیك ،لا ندفع ما لكِ من فضلك، ولا یوضع من فرعك وأصلك ،حكمك نافذ فیما ملكت بیداي!!! فھل ترین أن أخالف في ذلك أباك صلى ﷲ علیھ وآلھ.
فقالت علیھا السلام: سبحان ﷲ ما كان أبي رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ عن كتاب ﷲ صادفا ولا لأحكامھ مخالفا بل كان یتبع أثره ویقفوا سوره أفتجمعون إلى العذر [الغدر] إعتلالا علیھ بالزور وھذا بعدوفاتھ شبیھ بما بغي لھ من الغوائل في حیاتھ، ھذا كتاب ﷲ حكما عدلا وناطقا فصلا یقول:
(یرثني ویرث من آل یعقوب) ، ویقول: (وورث سلیمان داود) فبین عز وجل فیما وزع علیھ من الأقساط وشرع من الفرائض والمیراث،وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح بھ علة المبطلین وأزال التظني والشبھات في الغابرین ،كلا بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبرجمیل وﷲ المستعان على ما تصفون.
فقال أبو بكر: صدق ﷲ وصدق رسولھ وصدقت ابنتھ، أنت معدن الحكمة وموطن الھدى والرحمة وركن الدین وعین الحجة، لا أبعد صوابك ولا أنكر خطابك ،ھؤلاء المسلمون بیني وبینك قلدوني ماتقلدت وباتفاق منھم أخذت ما أخذت ،غیر مكابر ولا مستبد ولامستأثر وھم بذلك شھود.
فالتفتت فاطمة صلوات ﷲ علیھا [إلى الناس] وقالت:
معاشر الناس المسرعة إلى قیلِ الباطل، المغضیة على الفعل القبیح الخاسر، أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالھا؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ،فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأولتم، وساء ما بھ أشرتم، وشر ما منھ اغتصبتم ،لتجدن وﷲ محملھ ثقیلا، وغبھ وبیلا، إذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراءه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون وخسر ھنالك المبطلون.بعد انتھاءنا من نقل اھم ما جاء في الخطبة الفدكیة لنقف الآن عند كلام أبي بكر وھو یدعي أن قراره في منع إرث فاطة حسب حدیث رسول ﷲ ( نحن معاشر الأنبیاء لا نورث ...) جاء بإجماع من المسلمین!
یقول إبن أبي الحدید في شرح نھج البلاغة : إنھ لم یروِ حدیث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده!
وعن السیوطي وأبو بكر الشافعي وابن عساكر ( وكلھم من علماء أھل السنة والجماعة) عن عائشة قالت:
( اختلفوا في میراثھ "صلى ﷲ علیھ وآلھ" فما وجدوا عند أحد من ذلك عِلما، فقال أبو بكر : سمعت رسول ﷲ یقول: إنا معاشر الأنبیاء لانَّورِث ،ما تركناه صدقة).
وبھذا وباعتراف زوجة الرسول وابنة الخلیفة نفسھ وبنقل حدیثھا من اكبر علمائھم یتضح لنا بأن قرار منع الزھراء علیھا السلام من ارثھا كان قرارًا شخصیًا انفرادیًا ولم یكن بإجماع من المسلمین أبدا!!
