الفصل الرابع
دخل ذلك الشاب الخلوق والمھذب وھو یشعر بالحیاء فكیف سیتحدث مع إبن عمھ بشأن ابنتھ سیدة نساء العالمین؟!
كیف سیخبره بأنھ یرغب بخطبتھا وأن یكون شریكًا لحیاتھا؟! إنھ شاب رسالي ویتمنى أن یرتبط بفتاة رسالیة تحمل ھموم دینھا ومجتمعھا وتنجب لھ ذریة رسالیة أیضا لیس لھا ھم غیر إصلاح المجتمع ونشرتعالیم الدین الحنیف، وھو لا یرى من تحمل ھذه الصفات غیر فاطمة الزھراء!
لیتھ یستطیع التحدث بكل ھذا لأبیھا الرسول لكنھ كلما أراد التحدث بشأنھا تصبب العرق من وجھھ وزادت نبضات قلبھ وغلبھ الحیاء من رأسھ إلى أخمص قدمھ، وكأنھ لیس ھو نفسھ فارس الھیجاء وقاتل الشجعان في الوغى!!
قرر أن لا یتكلم بشيء وعاد لیُھَّدأ من روع نفسھ بتكرار : ( وأفوض أمري إلى ﷲ، إن ﷲ بصیر بالعباد )
وكأن الجواب قد أتاه ھذه المرة أسرع من البرق الخاطف حین قال لھ رسول ﷲ :
یا علي أأبشرك؟!
فأجابھ علي : نعم فداك أبي وأمي..
فقال لھ رسول ﷲ:
( أبشرك یا علي فإن ﷲ عز وجل قد زوجكھا في السماء من قبل أن اوزجكھا في الأرض، ولقد ھبط عليّ في موضعي من قبل أن تأتیني ملك من السماء فقال: یا محمد! إن ﷲ عز وجل اطلع على الأرض اطلاعة فاختارك من خلقھ فبعثك برسالتھ، ثم اطلع إلى الأرض ثانیة فاختار لك منھا أخًا ووزیرًا وصاحبًا وختنًا فزوجھ ابنتك فاطمة علیھا السلام، وقدإحتفلت بذلك ملائكة السماء، یا محمد! إن ﷲ عز وجل أمرني أن آمرك أن تزوج علیًا في الأرض فاطمة، وتبشرھما بغلامین زكیین طاھرین خیرین فاضلین في الدنیا والآخرة، یا علي فوﷲ ما عرج الملك من عندي حتى دققتَ الباب! ).
بعدھا قام رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ إلى ابنتھ فاطمة لیخبرھا بما نزل في شأنھا فلم یرَ منھا غیر الرضا والحیاء ، فردد والسعادة تغمره (سكوتھا رضاھا ) ثم خرج من بیتھ لیعلن للناس ما أمره بھ رب الجلالة في شأن تزویج ابنتھ الزھراء علیھا السلام، فجمعھم وأخبرھم قائلاً:
( إنما أنا بشر مثلكم ، أتزوج فیكم وأزوجكم، إلا فاطمة ، فإن تزویجھا نزل من السماء ) ..
ھنا اشرأبت الأعناق وساد صمت رھیب والكل یرید معرفة من ھو الذي سیكون زوجًا لھذه الحوراء الانسیة؟!
الجمیع یعلم بخبر خطبة فلان وفلان وفلان لھا وكیف أن رسول ﷲ رفضھم جمیعا!!
فمن ھو صاحب الحظ العظیم الذي ستكون تلك القدیسة الطاھرة من نصیبھ؟!
بعدھا توجھ بالكلام لعلي فقال والناس تسمع :
( یا علي! إن ﷲ أمرني أن أزوجك فاطمة، فقد زوجتكھا على أربعمائة مثقال فضة إن رضیت ) فقال علي علیھ السلام :
( قد رضیت یا رسول ﷲ ).
رأى الناس فرحة رسول ﷲ بادیة على وجھھ الشریف وابتسامة الرضا والسرور مرسومة على مُحیّاه المبارك ، وكان أول من استشعر تلك السعادة التي ملأت قلب رسول ﷲ ھو علي علیھ السلام فمال قلیلًا عن موضع إجتماع الناس لیخر ساجدًا الله تعالى وھو یردد :
( الحمد الذي حببني إلى خیر البریة محمد رسول ﷲ).
رفع رأسھ فإذا برسول ﷲ ینظر إلیھ ویرفع صوتھ بالدعاء لیسمع الجمیع: ( بارك ﷲ علیكما، وبارك فیكما وأسعدكما ، وأخرج منكما الكثير الطیب ).
باع علي درعھ لیدفع مھر ابنة رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ ثم صار ینتظر ما یقرره الرسول في أمر الزواج.
قبض رسول ﷲ الدراھم واعطاھا لبعض أصحابھ ونسائھ لیشتروا متاعًا للبیت الجدید.
ذھب الأصحاب لیشتروا ما یحتاجھ بیت علي وفاطمة ثم حملوه جمیعًا إلى رسول ﷲ ووضعوه بین یدیھ فلما نظر إلیھ بكى وجرت دموعھ، ثم رفع رأسھ إلى السماء وقال ( اللھم بارك لقوم جلّ آنیتھم الخزف!).
جھز علي داره وفرش بیتھ بالرمل الناعم ونصب خشبة من حائط إلى الحائط لتعلیق الثیاب علیھا وبسط على الأرض إھاب كبش ومخدة لیف.
مرت الأیام والأسابیع ثقیلة على قلب الفارس الشاب وھو ینتظر أمر رسول ﷲ في إتمام العرس حتى سخر ﷲ لھ بعض الصحابة ومنھم أم أیمن لیتوسطوا عند الرسول في أن یأذن لعلي بالزواج فقد طالت فترة الخطبة أسابیع عدیدة كانت على ذلك الشاب النوراني كأنھا أعوام!!
لطالما حاول فتح موضوع العرس أمام رسول ﷲ لكن الحیاء كان یمنعھ من ذلك وحتى رسول ﷲ لم یكن لیحدد وقتًا لذلك غیر إنھ كان یقول لعلي:
( یا علي ما أحسن زوجك وما أجملھا! أبشر یا علي فقد زوجتك سیدة نساء العالمین).
وكأن رسول ﷲ بھذه الكلمات یرید من علي أن یطلب منھ بنفسھ الاستعجال في أمر تحدید وقت ذلك الزواج المبارك لكن علي یستمع ویصمت استحیاءً من ابن عمھ الرسول!
إلى أن جاء ذلك الیوم الذي دخل فیھ أخیھ الأكبر عقیل وھو یقول: یا أخي ما فرحت بشيء كفرحتي بتزویجك فاطمة بنت محمد، یا أخي فما بالك لا تسأل رسول ﷲ یدخلھا علیك فتقر عینًا باجتماع شملكما؟!
أجابھ علي :
وﷲ یا أخي إني لأحب ذلك وما یمنعني من مسألتھ إلا الحیاء منھ .
تدَّخلَ عقیل وبمساعدة أم أیمن وأم سلمة في إیصال الطلب لرسول ﷲ الذي أمر بتجھیز فاطمة وأرسل بطلب علي لیخبره بأمر الموافقة على العرس طالبًا منھ أن یتھیأ ھو الآخر قائلًا لھ: " یا علي لا بد للعرس من ولیمة".
صار علي والرسول یتباحثان حول تلك الولیمة فكان القرار الأخیر أن یطبخا كبشًا ثم أرسل الرسول علیًا لیشتري تمرًا وسمنًا لیدقھما معًا بیدیھ الشریفتین وقد طلب من علي أن یدعو الناس لتلك الولیمة قائلا لھ :
" یا علي أدعُ من أحببت"