الجزء الثاني
الفصل الثالث والعشرون
حزن علي لفقد الزھراءلما نفض یده من تراب القبر ،ھاج بھ الحزن ،فأرسل دموعھ على خدیھ، وحول وجھھ إلى قبر رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ وسلم فقال:
" السلام علیك یا رسول ﷲ مني، والسلام علیك من ابنتك وحبیبتك وقرة عینك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار لھا ﷲ سرعة اللحاق بك ،قَّل یا رسول ﷲ عن صفیتك صبري، وضعف عن سیدة النساء تجلدي إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي بفراقك موضع التعزي ،فلقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمضتك بیدي ، وتولیت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب ﷲ أنعم القبول : " إنا لله وإنا إلیھ راجعون. "
لقد استرجعت الودیعة ، وأخذت الرھینة، واختلست الزھراء ،فما أقبح الخضراء والغبراء ،یا رسول ﷲ! أما حزني فسرمد، وأما لیلي فمُسَّھد ،لا یبرح الحزن من قلبي ، أو یختار ﷲ لي دارك التي أنت فیھا مقیم ،كمد مقیح، وھم مھیج سرعان ما فرق بیننا، وإلى ﷲ أشكو.
وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك علَّي وعلى ھضمھا حقھا، فاستخبرھا الحال ،فكم من غلیل معتلج بصدرھا لم تجد إلى بثھ سبیلا وستقول ، ویحكم ﷲ وھو خیر الحاكمین.
سلام علیك یا رسول ﷲ سلام مودع ،لا سئم ولا قال ،فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد ﷲ الصابرین،الصبر أیمن وأجمل، ولولا غلبة المستولین علینا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، وللبثت عنده معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلى على جلیل الرزیة، فبعین ﷲ تدفن ابنتك سرا، وتھتضم حقھا قھرا، وتمنع إرثھا جھرا، ولم یطل العھد، ولم یخل منك الذكر ،فإلى ﷲ یا رسول ﷲ المشتكى، وفیك أجمل العزاء ، وصلوات ﷲ علیك وعلیھا ورحمة ﷲوبركاتھ .
(الأمالي للمفید ص281) .فما ھي الظلامات التي وقعت على الزھراء والتي ھدّت ركن أمیر المؤمنین وھو ذلك الجبل الشامخ وجعلتھ یتحدث بھذه الطریقة عند رحیل الزھراء وشھادتھا سلام ﷲ علیھا؟!
یجیبنا عن تلك التساؤلات القاضي أبي بكر بن (أبي) قریعة حیث قال:ولرب مستور بدا * كالطبل من تحت القطیفة
إن الجواب لحاضر * لكنني أخفیھ خیفة
لولا اعتداء رعیةٍ * ألقى سیاستھا الخلیفة
وسیوف أعداء بھا * ھاماتنا أبدا نقیفة
لنشرت من أسرار * آل محمد جملاً طریفة
تغنیكم عما رواه * مالك وأبو حنیفة
وأریتكم أن الحسین * أصیب في یوم السقیفة!
ولأي حال لحُدَت * باللیل فاطمة الشریفة؟!
ولمِا حمت شیخیكم * عن وطئ حجرتھا المنیفة؟
أوهٍ لبنت محمد * ماتت بغصتھا أسیفة
