الفصل السادس و السابع

25 2 0
                                        

الفصل السادس

بیت علي وفاطمة..
البیت الوحید الذي كان یضم بین جدرانھ زوجین معصومَین مطھرَین منزھَین عن إرتكاب الذنوب واكتساب المآثم.. فھل لنا أن نتخیل أي بیتٍ ھو؟! وھل لنا أن نتخیل أي محبة وعطف وحنان یغمر ذلك البیت؟ تعیش الزھراء في كنف زوجھا قریرة العین سعیدة النفس، لا تفارقھا البساطة ولا یبرح بیتھا خشونة الحیاة فھي لم تجد في ذلك البیت غیر رمل ناعم وفراش من صوف الأغنام ووسادة وبعض الأواني الخزفیة!!
لكنھا رغم ھذا راضیة قانعة فلقد ارتبطت بخیر الرجال مقامًا بعد مقام أبیھا الرسول..
منذ الیوم الأول في بیت علي تشعر فاطمة بحجم المسؤولیة الملقاة على عاتقھا، وأن علیھا أن تكون لعلي كما كانت أمھا خدیجة لرسول ﷲ تشاركھ في جھاده وتصبر على قساوة الحیاة ورسالة الدعوة الصعبة.
عندما تذكرت الزھراء أمھا خدیجة بكت فما أشد حاجة البنت إلى والدتھا في أیام زواجھا الاولى!!
صارت تسمع صدى حدیث والدھا الرسول عندما كان یبوح بمشاعره تجاه زوجتھ الأولى والوفیة الصابرة:
( خدیجة وأین مثل خدیجة؟ صدقتني حین كذّبني الناس و وازرتني على دین ﷲ وأعانتني علیھ بمالھا ).
بعد أن استرجعت الزھراء كلمات والدھا قررت أن تكون كأمھا خدیجة في تلك المؤازرة للزوج وأن تضحي بكل ما تملك لأجل إسعاد علي ولأجل نصرتھ في درب الرسالة الطویل.
تمنت أن تبقى معھ الحیاة كلھا! تقاسمھ صعوبة العیش وتشاطره لحظاتھ بكل تفاصیلھا.
في صبیحة العرس دخل رسول ﷲ بقدح فیھ لبن فقال :" اشربي فداكِ أبوكِ" ثم قال لعلي " اشرب فداك ابن عمك"
ثم سأل علي: كیف وجدت أھلك؟ فقال : نِعم العون على طاعة ﷲ..
وسأل فاطمة فقالت: " خیر بعل".
خرج علي من الحجرة تاركًا رسول ﷲ مع ابنتھ فاستغل الأب الكریم الفرصة وصار یحدث ابنتھ عن قدر زوجھا وفضلھ ومقامھ عند ﷲ تعالى فقال لھا:
زوجتكِ سیدًا في الدنیا والآخرة، وأنھ أول أصحابي اسلامًا وأكثرھم علمًا وأعظمھم حلما..
یا بُنیة إن ﷲ عز وجل اطلع إلى الأرض فاختار من أھلھا رجلین فجعل أحدھما أباكِ والآخر بعلكِ، یا بُنیة نِعمَ الزوج زوجكِ، لا تعصي لھ أمرا.
ثم صاح : یا علي!
فجاءه صوت علي: لبیك یا رسول ﷲ..
قال لھ : أدخل بیتك والطف بزوجتك وارفق بھا، فإن فاطمة بضعة مني،یؤلمني ما یؤلمھا ویسرني ما یسرھا، استودعكما ﷲ وأستخلفھ علیكم.
لم تمضِ فترة طویلة على إقامة الزھراء وعلي في تلك الدار حتى قرر رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ أن یبني لھما بیتًا ملاصقًا لمسجده، لھ باب إلى الشارع وباب إلى المسجد كبقیة الحجرات التي بناھا لزوجاتھ..
انتقلت السیدة الزھراء إلى ذلك البیت الجدید الملاصق والمجاور لمسجد و بیت أبیھا الرسول الذي لم یعد یحتمل فراقھا!

الفصل السابع

مضت الأیام وعلي وفاطمة یتشاركان الحیاة معًا بحلوھا ومرھا..
بدأت علامات الحمل بمولودھما الأول تظھر على الزھراء وآثار التعب والإرھاق ترسم خطوطھا على عیون تلك الحوراء الانسیة..
لم یكن زوجھا ذلك الشاب الرسالي لیتركھا وحدھا مع أعمال البیت وتعب الحمل، فصار یترك عملھ خارج المنزل لیبقى معھا مدةً أطول..
إن علیھا إعداد الطعام من طحن وعجن وخبز ، كما علیھا تنظیف البیت باستمرار خاصةً أنھا تقوم على الدوام بإستقبال نساء المسلمین فیھ فلا بدّ أن یظھر بالشكل اللائق دائمًا، رآھا تتلوى وتنحني على المكنسة لتكنس البیت بعد أن تعبت في إعداد الخبز فأخذ الزوج الرسالي المكنسة منھا وصار یكنس البیت ویرتب حاجیاتھ بعد أن طلب منھا أن تستریح قلیلًا..
صار یُنقي العدس بنفسھ ثم بعد أن اطمأن إلى نومھا خرج لیحتطب ویستقي ماءً ویعود إلى البیت لیجھز أمر إعداد الطعام.
یذكر لنا حفیده الإمام الصادق علیھ السلام حال ذلك البیت العلوي الفاطمي بالقول:
( كان أمیر المؤمنین علیھ السلام یحتطب ویستقي ویكنس، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز ).
مرت الأشھر الأخیرة من الحمل على فاطمة وعلي ثقیلة بثقل الرسالة الملقاة على عاتق مولودھما الأول!
جاء الحسن وأنار الدنیا والآخرة بنور طلعتھ الغراء ثم لم تمضِ سنة حتى أشرق نور الحسین فصار علي یلقب بأبي الحسَنَین!
ثم أطلت زینب ( زینة الأب) وللبنت الأولى في قلب الأب مكانة لا یعلمھا إلا ﷲ ورسولھ!
كانت الحیاة تزید بثقلھا على الزوجین الرسالیین فھما یتمنیان لو أن وقتھما كلھ ینقضي بتبلیغ الرسالة، لكن ھا ھما یتجرعان صعوبة العیش بلسان یلھج بالشكر والحمد..
وفي ذات یوم دخل رسول ﷲ على علي فوجده ھو وفاطمة یطحنان فقال لھما: أیكما أعیى؟ أي أیكما أكثر تعبًا من الآخر؟
فقال علي: فاطمة یارسول ﷲ.
فقال الرسول : قومي یا بنیة.
قامت الزھراء وجلس النبي موضعھا مع علي فواساه بطحن الحَب.
في مرة أخرى دخل النبي بیت علي وفاطمة فرأى ابنتھ تطحن بید وترضع مولودھا بالید الأخرى فدمعت عیناه وھو یواسي ابنتھ بالقول:
( یا بنتاه، تعجلي مرارة الدنیا بحلاوة الآخرة).
فقالت وھي تبتسم وتتمنى أن تمسح دموع أبیھا بیدیھا كما كانت تفعل في الصغر:
( یا رسول ﷲ، الحمد  على نعمائھ، والشكر على آلائھ ).
یا ترى لماذا دمعت عینا رسول ﷲ عندما رأى ابنتھ في ذلك الموقف؟!
ماذا جاء في بالك یا رسول ﷲ؟
ھل تذكرت خدیجة وكیف قامت بمواساتك وتحملت كل شيء من أجلك وأجل رسالتك؟!
أم ھل تساءلت مع نفسك وأنت تنظر لفاطمة بالقول: أھذه ابنة أكثر النساء اموالًا في زمنھا؟ أین حیاة العز والغنى الذي كانت تعیشھ والدتكِ وھي في عمرك؟!
أم ھل بكیت لأنك لا تستطیع أن تشتري لھا خادمة تعینھا في أعمالھا في الوقت الذي امتلأ مسجدك بالفقراء والمساكین؟!
أي مسؤولیة ملقاة على عاتقك یا محمد؟! وأي مسؤولیة ملقاة على عاتق ابنتك فاطمة؟!
فاطمة التي زفتھا إلى بیت زوجھا سبعون ألف حوریة ھي الآن تطحن ثم تعجن ثم تخبز، ترضع و تعتني بأولادھا، تستقبل النساء لتزودھن بتعالیم الرسالة الصحیحة، تتألم من شدة الفقر رغم أنھا سیدة نساء العالمین من الأولین والآخرین!!
كان علي یجلس مع أحد أصحابھ فتذكر معاناة فاطمة وأراد أن ینشرفضائلھا بین الناس ویخبرھم عن بعض معاناة فراشة الحب التي ملأت علیھ حیاتھ فقال لھ وھو یفضفض عن بعض تلك الحشرجة التي اختنقت في صدره :ألا أحدثك عن فاطمة؟...
إنھا استقت بالقربة حتى أثر في صدرھا، وطحنت بالرحى حتى مجلت یداھا، وكسحت البیت حتى اغبرّت ثیابھا، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثیابھا! 

فراشة الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن