الفصل الثالث
أكمل علي سیره برفقة الفواطم وقد لحق بھ نفر من المستضعفین من المؤمنین وكانوا یصلوّن لیلتھم ویذكرون ﷲ قیامًا وقعودًا وعلى جنوبھم،فلم یزالوا كذلك حتى طلع الفجر ثم أكملوا السیر حتى وصلوا ( قبا ) حیث كان ینتظرھم رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ.
مكث النبي خمسة عشر یومًا مع ابنتھ فاطمة وابن عمھ علي وباقي من لحقھ من أھلھ وأصحابھ في مدینة قبا في إنتظار قدوم وفد المدینة، وفي ھذه الفترة أسس مسجد ( قبا) وكان أول مسجد یبنى في الإسلام ونزل فیھ قولھ تعالى ( لمسجد أسس على التقوى من أول یوم أحق أن تقوم فیھ) حینھا حثّ النبي على الصلاة فیھ واحیائھ وذكر الأجر الكبیر لمن صلى فیھ.
بعدھا رافقت الزھراء والدھا الرسول إلى حیث مكان إقامتھم الجدیدة (یثرب) أو كما صار یحلو لأھلھا بتسمیتھا بالمدینة المنورة بعد أن تنورت بقدوم رسول ﷲ إلیھا.
استقبلھم أھل یثرب بالأشعار والأھازیج وشعارات الترحیب وكل منھم یتمنى أن یأخذ بزمام ناقة رسول ﷲ لیتوجھ بھا إلى بیتھ، حتى أن زعماء یثرب كانوا یصرون على أخذ الناقة باتجاه بیوتھم فكان رسول ﷲ یقول لھم:
( اتركوھا فإنھا مأمورة ).
ثم بركت الناقة في أرض رحبة بجوار دار أبي أیوب الأنصاري فنزل رسول ﷲ ونزلت ابنتھ الطاھرة فاطمة مع باقي الھاشمیات ودخلن على أم خالد ( خالد ھو الاسم الحقیقي لأبي أیوب الأنصاري).
بقیت الزھراء مع أبیھا الرسول في ذلك المنزل زھاء سبعة أشھر حتى تم بناء المسجد النبوي ودار الرسول وبیتھ المتواضع البسیط المؤلف من
الأحجار وجرید النخل فعاشت فاطمة فیھ وھي تنعم بحنان ورعایة لم تعھدھا امرأة قبلھا ولا بعدھا.
كانت الزھراء تسمع عن علاقة والدھا الرسول بابن عمھا علي حتى إنھ آخاه ھو وحده عندما طلب من كل مسلم أن یؤاخي مسلمًا آخر یكون سندًا وعونًا لھ في الدنیا والآخرة.
لطالما دارت ھذه الأسئلة في خلدھا : لماذا اختار رسول ﷲ علیًا بالذات؟! أي خصوصیة لك یا علي في قلب الرسول؟! وھل بعد ھذه المؤاخاة أمرًا آخر سیخصك الرسول بھ وحدك دون غیرك من الرجال؟!
بعد استقرار الأوضاع تزوج رسول ﷲ من أم سلمة وعھد أمر الزھراء إلیھا فھي بالتالي أنثى لا تستطیع إدارة أمورھا غیر النساء أمثالھا ،صارت أم سلمة وبمرور الأیام تحكي لرفیقاتھا عن مسؤولیتھا تجاه الزھراء قائلة : ( تزوجني رسول ﷲ وفوض أمر ابنتھ فاطمة إلَّي، فكنت أؤدبھا وأدلھّا ،وكانت وﷲ أأدب مني! وأعرف بالاشیاء كلھا). في تلك الفترة صارالحدیث عن ابنة الرسول الوحیدة یزداد یومًا بعد یوم ، وكان علي یسمع بفلان وفلان قد قصدوا ابن عمھ الرسول لطلب ید الزھراء فاطم فیردھم رسول ﷲ ردًّا جمیلًا بالقول ( إني أنتظر فیھا أمر ﷲ ) وبعد أن یرى عدم رضا من الزھراء نفسھا بشأن كل من یتقدم لخطبتھا!!
سمع أیضا بأن أبا بكر خطب ابنة رسول ﷲ فقال لھ الرسول : ( إنھا مازالت صغیرة، وإني أنتظر بھا القضاء ) فلقیھ عمر فأخبره فقال: ردّك؟!
ثم خطبھا عمر فردّه أیضا.
فكان علي بعد أن تطرق أذنھ كل تلك الأخبار یصمت مستمعًا لدقات قلبھ وھي تردد: وأفوض أمري إلى ﷲ، إن ﷲ بصیر بالعباد.
وحاشا أن یترك عبده حائرًا في أمره وقد فوضھ كلھ إلیھ سبحانھ!!
وبعد إنتصار رسول ﷲ في معركة بدر جاء الأمر الإلھي إلیھ في شأن تزویج ابنتھ الزھراء..
ففي شھر رمضان المبارك نزل الوحي على الرسول یخبره بأن ﷲ قد زوج علي من فاطمة في السماء وحان الوقت لیعلن زواجھما في الأرض!
وما أن اختفى الوحي من أمام رسول ﷲ حتى سمع باب داره یطرق فنادى على زوجتھ أم سلمة أن افتحي الباب لعلي!
