الجزء الثاني
الفصل الثامن عشرآذتھم ببكاءھا!!
اجتمع شیوخ أھل المدینة وأقبلوا إلى أمیر المؤمنین (علیھ السلام) وقالوا لھ: یا أبا الحسن إن فاطمة تبكي اللیل والنھار فلا أحد منا یھنأ بالنوم في اللیل على فرُشنا، ولا بالنھار لنا قرار على أشغالنا وطلب معایشنا، وإنا نخبرك أن تسألھا إما أن تبكي لیلاً أو نھاراً.
فقال عليّ (علیھ السلام): حبّاً وكرامة!!
فأقبل الإمام عليّ حتى دخل على فاطمة الزھراء وھي لا تفیق من البكاء، ولا ینفع فیھا العزاء ،فلما رأتھ سكنت ھنیئة فقال لھا: یا بنت رسول ﷲ إن شیوخ المدینة یسألونني أن أسألك إما أن تبكي أباك لیلاً وإمّا نھاراً.
فقالت: یا أبا الحسن ما أقلّ مكثي بینھم! وما أقرب مغیبي من بین أظھرھم فوﷲ لا أسكت لیلاً ولا نھاراً أو ألُحق بأبي رسول ﷲ (صلى ﷲ علیھ وآلھ).
فقال عليّ: افعلي یا بنت رسول ﷲ ما بدا لكِ.ألا یحق لنا أن نتساءل الآن وبعد أن نقلنا ھذه الروایة عن بحار الأنوار:
ھل بكاء امرأة جالسة في بیتھا یسلب الراحة ھكذا من رجال لایرونھا ولا یسمعوا صوتھا فھم لا یعیشون معھا أصلا؟ً! أم ھل یأتي أحد فیقنعني بأن صوت الزھراء كان یُسمع خارج دارھا؟!
فأنا لا أرى استھجانھم ھذا وتھكمھم إلا لأن بكاءھا كان على مستوى المجالس التي تنصب لیل نھار في بیتھا لإثبات مظلومیتھا سلام ﷲ علیھا، وبحضور نساء المدینة وفتیاتھا اللواتي صرن ینقلن ما تفعلھ الزھراء وتخطبھ في تلك المجالس..
نعم فلیس ھناك تفسیر منطقي لآذاھم من بكائھا غیر ھذا!
وبذلك تكون الزھراء علیھا السلام ھي المؤسسة لمجالس العزاء على رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ وإظھار مظلومیة أھل بیتھ الكرام.
بنى لھا الإمام أمیر المؤمنین (علیھ السلام) بیتًا نازحًا عن المدینةسُمّي (بیت الأحزان)، وكانت إذا أصبحت قدّمت الحسن والحسین أمامھا، وخرجت إلى البقیع باكیة فلا تزال بین القبور باكیة، فإذا جاء اللیل أقبل أمیر المؤمنین إلیھا وساقھا بین یدیھ إلى منزلھا.
كل ھذا فقط لیھنأ أوُلئك المنزعجون من بكاء فاطمة!! أو بالأحرى المنزعجون من مجالس فاطمة، ولترتاح ضمائرھم، ولیناموا على فرُشھم لیلاً نومة عمیقة ھنیئة بدون أن یشعروا بالأذى من بكاء فلذة كبد الرسول.
ونرى - ھنا - الشعراء یشیرون إلى ھذه المأساة التي یظھر فیھا الجفاء بأسوأ منظر ،یقول أحدھم:
منعوا البـــــتول عــــــن النیاحة إذ غدت
تبـــــــكي أباھا لیلھا ونھارھا قالوا لھا: قَــــــــرّي فــــــقد آذیتنا
أنّـى؟ وقد ســــــلب المصاب قرارھا
ویقول الآخر:
والقائلین لفاطم: آذیتنا..
في طول نَوحٍ دائمٍ وحنین.