الجزء الثاني
الفصل السادسقررت الزھراء الإعلان عن مظلومیتھا بالذھاب إلى المسجد وإلقاء خطاب مھم في الناس بعد أن رفضوا الأخذ بشھادة زوجھا علي علیھ السلام وشھادة أكثر نساء النبي صدقًا وكذلك شھادة أشد أصحابھ عدولا!
سرى الخبر في المدینة أن بضعة النبي وریحانتھ ترید أن تخطب في الناس في مسجد أبیھا صلى ﷲ علیھ وآلھ..
ھز الخبر أرجاء المدینة واحتشد الناس في المسجد لیسمعوا ھذا الخطاب المھم!
یروي لنا عبد ﷲ بن الحسن عن آبائھ علیھم السلام صورةً من ھذا الخطاب قائلاً :
إنھ لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة فدكًا وبلغھا ذلك ،لاثت خمارھا على رأسھا واشتملت بجلبابھا وأقبلت في لمة من حفدتھا ونساء قومھا وتطأ ذیولھا ما تخرم مشیتھا مشیة رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ حتى دخلت على أبي بكر وھو في حشد من المھاجرین والأنصار وغیرھم.
فنطیت دونھا ملاءة ،فجلست ،ثم أَّنت أنة أجھش القوم لھا بالبكاء ،فارتج المجلس ،ثم أمھلت ھنیئة حتى إذا سكن نشیج القوم وھدأت فورتھم افتتحت الكلام بحمد ﷲ والثناء علیھ والصلاة على رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ فعاد القوم في بكائھم ،فلما أمسكوا عادت في كلامھا، فقالت صلوات ﷲ علیھا:
الحمد على ما أنعم ولھ الشكر على ما ألھم والثناء بما قدم من عموم نِعم ابتدأھا، وسبوغ آلاء أسداھا، وتمام منن أولاھا، جم عن الإحصاء عددھا ونأى عن الجزاء أمدھا، وتفاوت عن الإدراك أبدھا، وندبھم لاستزادتھا بالشكر لاتصالھا، وأستحمد إلى الخلائق بإجزالھا، وثنى بالندب إلى أمثالھا.
وأشھد أن لا إلھ إلا ﷲ وحده لا شریك لھ، كلمة جعل الإخلاص تأویلھا، وضمن القلوب موصولھا، وأنار في الفكر معقولھا، الممتنع من الأبصار رؤیتھ، ومن الألسن صفتھ، ومن الأوھام كیفیتھ، ابتدع الأشیاء لا من شئ كان قبلھا، وأنشأھا بلا احتذاء أمثلة امتثلھا.. إلى أن قالت سلام ﷲ علیھا:
أیھا الناس: أعلموا أني فاطمة وأبي محمد صلى ﷲ علیھ وآلھ، أقول عودًا وبدءا، ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا، (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزیز علیھ ما عنتم حریص علیكم بالمؤمنین رؤوف رحیم) ، فإن تعزوه وتعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم...
وبعد أن تنتھي الزھراء من وصف أبیھا الرسول توبخھم بالقول:
فلما اختار ﷲ لنبیھ دار أنبیائھ ومأوى أصفیائھ، ظھر فیكم حسیكة النفاق وسمل جلباب الدین ونطق كاظم الغاوین ونبغ خامل الأقلین وھدر فنیق المبطلین ،فخطر في عرصاتكم واطلع الشیطان رأسھ من مغرزه ھاتفًا بكم ،فألقاكم لدعوتھ مستجیبین وللعزة فیھ ملاحظین ،ثم استنھضكم فوجدكم خفافًا وأحمشكم فألقاكم غضابًا، فوسمتم غیر إبلكم وأوردتم غیر شربكم.
ھذا، والعھد قریب والكلم رحیب والجرح لما یندمل والرسول لما یقبرابتدارًا زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإن جھنم لمحیطة بالكافرین.
فھیھات منكم وكیف بكم وأنى تؤفكون وكتاب ﷲ بین أظھركم، أموره ظاھرة وأحكامھ زاھرة وأعلامھ باھرة وزواجره لایحة وأوامره واضحة وقد خلفتموه وراء ظھوركم! أرغبة عنھ تریدون؟ أم بغیره تحكمون؟" بئس للظالمین بدلا"، "ومن یبتغ غیر الإسلام دینا فلن یقبل منھ وھو في الآخرة من الخاسرین."
وبعد الإكثار من التوبیخ لھم تبدأ الزھراء بالغوص في خضم المشكلة التي افتعلھا أبي بكر وعمر فتقرعھم بالقول:
وأنتم الآن تزعمون: أن لا أرث لنا، أفحكم الجاھلیة تبغون! ومن أحسن من ﷲ حكمًا لقومٍ یوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحیة أني ابنتھ! أیھا المسلمون أأغلب على إرثھ؟!
یا بن أبي قحافة أفي كتاب ﷲ أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شیئًا فریا؟ أفعلى عمد تركتم كتاب ﷲ ونبذتموه وراء ظھوركم إذ یقول:
(وورث سلیمان داود) وقال فیما اقتص من خبر یحیى بن زكریا إذ قال: رب (فھب لي من لدنك ولیا یرثني ویرث من آل یعقوب) وقال:
(أولوا الأرحام بعضھم أولى ببعض في كتاب ﷲ) وقال: (یوصیكم ﷲ في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثیین) وقال: (إن ترك خیرا الوصیة للوالدین والأقربین بالمعروف حقا على المتقین) وزعمتم أن لا حظوة لي ولا أرث من أبي ولا رحم بیننا، أفخصكم ﷲ بآیة أخرج منھا أبي صلى ﷲ علیھ وآلھ أم ھل تقولون : إن أھل ملتین لا یتوارثان؟أولست أنا وأبي من أھل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومھ من أبي وابن عمي؟ فدونكھا مخطومة مرحولة تلقاك یوم حشرك.
فنعم الحكم ﷲ والزعیم محمد " صلى ﷲ علیھ وآلھ " والموعد القیامة وعند الساعة یخسر المبطلون ولا ینفعكم إذ تندمون ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من یأتیھ عذاب یخزیھ ویحل علیھ عذاب مقیم.
ثم رمت سلام ﷲ علیھا بطرفھا نحو الأنصار فقالت:
یا معشر الفتیة وأعضاد الملة وأنصار الإسلام ما ھذه الغمیزة في حقي والسنة عن ظلامتي؟! أما كان رسول ﷲ صلى ﷲ علیھ وآلھ أبي یقول: " المرء یحفظ في ولده " سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا إھالة ولكم طاقة بما أحاول وقوة على ما أطلب وأزاول.
وساقت سلام ﷲ علیھا الخطبة الشریفة إلى قولھا:
ألا وقد قلت ما قلت على علمٍ مني بالجذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتھا قلوبكم، ولكنھا فیضة النفس ونفثة الغیظ وخور القناة وبثة الصدر وتقدمة الحجة، فدونكموھا فاحتقبوھا دبرة الظھر ،نقبةالخف ،باقیة العار موسومة بغضب ﷲ وشنار الأبد ،موصولة بنارﷲ الموقدة التي تطلع على الأفئدة ،فبعین ﷲ ما تفعلون وسیعلم الذین ظلموا أي منقلب ینقلبون.
وأنا ابنة نذیر لكم بین یدي عذاب شدید فاعملوا إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون.
![](https://img.wattpad.com/cover/351837841-288-k159399.jpg)