CH14| الأَحيَاء وَالأموَات

546 51 9
                                    

[اسكتلندا، إدنبَرة، حي فيكتوريا، الثَّامِن عشَر مِن ينَاير، مِن سنَة ألفَي وعشرُون]

الأموات.

جينِي لا تخشَاهُم، هي تراهُم على أيِّ حالٍ أكثر من الأحيَاء، وهذَا بتَاتًا ليسَ تذمُرًا بل مواجهةٌ بحقِ هذه هي الحياة التي إختارتهَا بيديهَا هاتينِ. حيثُ الدكتورة كانت ولا تزالُ تملكُ ذلك الطموحَ في مواجهةِ هذا الشيء الغامضِ من مصير الإنسانِ الحَيِ، لذلكَ كما قد أخبرَت المحققةِ أمس، هي فعلاً لا تخشى الموت، بل تمقتهُ. لا شيء حيالهُ يجعلها ترغبُ بهِ. بل تريدهُ يملكُ من يوقفهُ، حيث مهما كانت الحياة شاقة، جيني تؤمِن الموتُ لا عدالةَ بهِ.

وفي الحقيقةِ لديها سر صغيرٌ قد يجعلها حتمًا تناقضُ نفسها. فهذا السِّر الصِّغيرٌ يقتصرُ على قدرةِ الحَيَاةِ بقواها تسخرُ منهَا وتؤلمهَا من جديدٍ بجعلها تشعر ولو قليلا كغيرهَا، أنَّ لديهَا قابليةُ تخشى الموت حقا بيومٍ من الأيام وتصبحُ تحتَ إمرتهِ. لكن كيف؟ ماذا سيدفعها للحافة ويجعلها ترَى الحياة الحقيقية التي تجهلُها والتي دوما تشكك عن تواجدها لمجرد تغمضُ الأعيُن؟ الإجابة ستكونُ دوما ودونَ شكٍ: دارا.

وبطريقةٍ ما، منذُ سماعها عن موت والدَة تشايُونغ 'فيكتوريا' وعدم نجاتها من تلك الغيبوبةِ لسنواتٍ منَ الكفاحِ والمحاولاتِ في المقاومةِ، ها هي ذا الآن تتخيلُ نفسها نائمة فوق سريرهَا الباردِ المليء بوحشيةِ الوحدةِ التِّي رسمتها بيديهَا، وكذلكَ لا تزالُ تفوح برائحة سجائرها (بالرغم إستحمَّت وغسلت أسنانها) تستيقظُ وتسمعُ الشخص الوحيد الذي يجعلها تتماسكُ ولا تظهرُ ما يجولُ ببالها علنًا، يذهبُ لعالمٍ لا رجعَةَ مِنهُ.

جيني لا تريدُ من الوحدة تلمسُها أكثَرَ مِن هذَا، على الأقلِ ليسَ بهذا الأسلوبِ الفظيعِ الذِّي تشككُ دومًا أنه قد يسمحُ لها بإقترافِ الأسوءِ وتحريرِ المُقيَّدِ، الدكتورة تأمل الحياة لن تكونُ أسوء من ما هيَ عليهِ وستكونُ دون ريب عادلة وتجعلُها تعاني سوى مما يحدثُ الآن دون إضافة.

ليكن الموت بمسافةٍ بعيدة للغايةِ عن منزلِها وعن دارا بالتحديدِ.

ولعل هذه الأفكار وهذه المخاوفِ تواصل تتولد وتتولد، والآن بموت فيكتوريا، بات الخوفُ من خسارة دارا حقيقي، والأمرُ يحدثُ عفويا، هي ليست تقصِد. لكن (وإن لَم تعترف بهذَا) قد خافت. أجل الدكتورة شعرَت بالخوفِ قد تعيشُ اي لحظةٍ دون شخصٍ تعرفهُ ومألوفةٌ معهُ وتحبه. فهي قد رأت تأثيرَ ذلكَ على تشايُونغ ولو سطحِيًا قلم يرُق لها.

وجيني تحاولُ أحيانا تقولُ لنفسها، ستتعافى، هي ستتذكَّر، سيجلسُ كلاهمَا سويًا من جديدٍ وتتذكرُ دارا من تكون، بل ستضعُ دارا يدها النحيلة الباردةِ فوق يدها وليس فوق رأسها، لن تنظُر من جديدٍ إليهَا بذلك الإستغراب والحيرَةِ، بل ستتذكَّر، ستتحدثُ إليها كمَا كانت دومًا تفعل. جيني حتى لا تترك الحلول المنطقية والممكنة دون تجربةٍ كي تتعافى دارا، لكن مع ذلك، هي تدرِي كل شيء بلا فائدةٍ والوقت يدأ يهربُ منها وينتهي.

S H E || JLحيث تعيش القصص. اكتشف الآن