مع عتمة سواد الليل، سكون الحي ونشاط الكلاب، تقف مصدومة من كلام والدها دون حراك، نسيم الهواء الخفيف الداخل من النافذة يداعب شعرها مواسيًا إياها على ما أتاها، لتقول بصوت مخنوق يكاد لا يسمع:
"هذا غير معقول! هذا مقلب صحيح؟!"
نفى الأكبر برأسه يمنة ويسرى ثم قال بصوت خافت هو الآخر محاولًا طمأنتها:
"هذا لحمايتك، أعدك ستكونين بخير، على الأقل في مأمن ليتما أسدد ديوني، وحين نتخلص منهم ستعودين إلي!"
غدرتها بنت عينها لتقول بانفعال:
"من أجل ديونك تبيعني للمافيا؟! هذا لا يصدق!"
تنهد بثقل ثم أخفض رأسه للأسفل بينما يقول بهمس:
"هذا أفضل من بقائك هنا وتعرضك الدائم للخطر، المافيا ستحميك مهما كلفها الأمر، بيد أنني أعرف قائدها وأثق به كما أثق برؤيتي لك أمامي الآن"
تراخت عضلاتها لتسقط أرضًا من هول ما تسمع ثم قالت:
"ومن قال لك أنني موافقة على صفقتك هذه؟! أنت لم تأخذ رأيي حتى!"
انفعل هو الآخر وقال مقتربًا منها:
"لم لا تفهمين؟! هذه الصفقة تصب لصالح الجميع، ستعودين عاجلًا أم آجلًا بعد أن تحل مشاكلي وستكونين بأمان للأبد"
حاولت الأخرى الوقوف والهرب من المنزل بعقلها الفارغ غير المستوعب لما يجري، لكن يده كانت أسرع منها حين ضربها على مؤخرة عنقها لتسقط أرضًا تنام بسلام.
"أنا آسف!"
قالها من بين شهقاته ودموعه اللامتناهية، ثم نادى ملتفتًا للخلف:
"بإمكانك أخذها!"
ليدخل شاب طويل بشعر أسود قاتم وعينين زرقاوين بينما يقول:
"أهذا ما كان عليك فعله؟!"
أخفض الأكبر رأسه للأسفل ثم قال:
"ما كانت لتقتنع! شكرًا لك، لن أنسى لك هذا أبدًا!"
ابتسم الأطول بينما يقول:
"لا تنسى أنك ستكون مدينًا لي الآن!"
أومأ صاحب اللحية البيضاء بهدوء ليدخل شابين آخرين ويحملان الفتاة آخذين إياها معهم.
استيقظت بعد عدة ساعات، أمسكت رأسها بخفة محاولةُ إدراك المكان المتموضعة فيه، لتستوعب أخيرًا ما يجري. نظرت حولها بسرعة محاولةً إيجاد مخرج قبل أن يلاحظها أحد، فلم تجد إلا تلك النافذة المقابلة للسرير. اقتربت منها ونظرت للأسفل، لتجد نفسها في الطابق الثاني. فكرت قليلًا ثم قررت القفز، لكنها أولًا ربطت غطاء السرير مع أغطية أخرى وجدتها في الخزانة لتشكل منها حبلًا بطول لا بأس به. ربطته بقدم السرير ثم قامت بتدليته للأسفل. انتبه لها أحد الرجال وراح يصرخ بصوت عالٍ:
"إنها تهرب"
لكنها تمكنت من النزول أخيرًا، فراحت تركض هنا وهناك بعد أن وجدت بوابة مفتوحة بين علو ذلك السور المحيط بالمكان وخلفه الغابة. ركضت في الغابة الغريبة علّها تصل إلى المدينة أو لشخص بإمكانه مساعدتها.
ازداد معدل تنفسها وخرج عن الطبيعي، ألم في صدرها يعتصرها حد الجنون وصوت سعالها يجعلها في منطقة الخطر، سيسمعونها ويهرعون نحوها.
ما خشيته حصل، بعد أن جلست أرضًا في محاولة لتخفيف أعراض نوبة الربو، وبينما تبحث في جيبها هنا وهناك علها تجد جهاز التنفس، لم تتمكن من إيجاده وعوضًا عن ذلك، وجدها رجال المافيا. أمسكوا بها مجددًا ثم حملوها للمقر مرة أخرى بينما لا تزال تحاول الهرب بيأس، حتى وصلوا المقر وأدخلوها ذات الغرفة، قاموا بتثبيتها حتى تعبت فارتخت عضلاتها لتجلس بهدوء أخيرًا.
سمعت أحدهم ينادي الآخر بينما يقول:
"هي إلياس، أين المهدئات؟! لا أظنها ستظل بهدوئها هذا طويلًا!"
خرجت عيناها من جحرها ثم قالت بسرعة:
"كلا! ليس المهدئات!"
حوّل الآخر نظره لها ببرود بعد أن لم يعجبه الأمر وقال:
"ومن سألك عن رأيك؟!"
نظرته كانت باردة متجردة من أية مشاعر، ارتبكت وابتلعت ريقها ثم قالت بتوتر:
"لدي ربو، أحتاج جهاز الاستنشاق والمهدئات ستزيد وضعي سوءًا وقد تقتلني، ألست أمانة هنا؟!"
ناول المدعو بإلياس الأطول جهازها ليقترب الآخر منها بينما يعطيها إياه يقول بنبرة لا يمكن تفسيرها:
"وهل تقوم الأمانة بالهرب؟! لم أفهم لم هربتِ حتى! أولستِ هنا لنحميك؟!"
لكنها تناولت جرعتها ثم قالت بسخط غير مبالية لما سيجري لاحقًا:
"لم أطلب منكم هذا، والدي لم يأخذ رأيي وأنا لن آخذ بأقوالكم!"
قهقه الأطول بقوة على كلامها ثم قال بينما يمسح بنت عينه:
"كلامك هذا لا يصدق! لم تضعيننا في واجهة خلافك مع والدك؟ في النهاية نحن لا نقوم إلا بعملنا!"
تأففت بانزعاج ثم قالت:
"أنت مزعج"
تفاجأ الآخر من كلامها ليقول بتعجب:
"هييييه، هذه الفتاة لا تعرف معنى كلمة مافيا! على كلٍّ، ستعرفينها قريبًا"
ومن لا يعرف ما معنى المافيا أيها الأحمق؟! علي تمالك نفسي والا تهالكت هنا دون أن أجد سبيلًا للنجاة! فكرت.
خرج الأطول من هناك، فانتبهت لبقاء الأصغر الذي راح يضغط ازرار حاسوبه بسرعة لا تصدق، من مظهره لا يبدو أنه شخص قد يؤذيها لذا قالت:
"ستبقى هنا إذًا؟!"
لم ينظر الآخر لها بل تابع ضغطه على حاسوبه بينما يقول:
"هذا صحيح، مهمتي هي مراقبتك حتى عودة الزعيم"
اقتربت منه بهدوء ثم قالت باندهاش:
"سرعتك لا تصدق! لم اخترت العمل في مجال المافيا بينما بإمكانك العمل في مكان آخر؟!"
توقفت أصابعه عن الحركة، يبدو أنه يفكر في سؤالها، نظرت له بتعجب ثم قالت:
"أعتذر لو ازعجتك، لم أقصد!"
لكنه اغلق حاسوبه ثم قال بهدوء دون النظر ناحيتها:
"من الأفضل لو أنك لا تتدخلي في أمور لا تعنيك! وأنصحك بعدم التفوه بالتفاهات أمام الزعيم وإلا فنهايتك محتومة"
ارتعش جسدها لتفكر أنه لا يجب أن تحكم على الكتاب من عنوانه، هذه المافيا وليس المدينة. صوت أنثى أخرى اخترق الغرفة بينما يقول:
"عاد كريستوفر، سيكون هنا في أية لحظة"
أومأ إلياس بهدوء بينما نظرات الأخرى تتنقل بين الاثنين في محاولة لتوقع الآتي.
شاب طويل بشعر أسود قاتم وعينان سرقتا لون المحيط دخل الغرفة بينما يحدث شخص طويل آخر:
"تمامًا، سنتحرك بعد عدة ساعات، أما الآن، فلدي عمل هنا"
انحنى الجميع له ثم خرجوا من هناك، ليقترب منها بخطوات رزينة قائلًا بسخرية:
"سمعت أنك أثرت بعض المتاعب في غيابي، آنسة نوريس"
ابتلعت بطلتنا ريقها ثم قالت:
"وهل تظنني سأخضع لمجرد أن والدي قام بجعلي أفقد وعيي ووضعي بين أيادي المافيا؟!"
رمش الأطول عدة مرات ثم ابتسم بجانبية وقال:
"لنعقد صفقة"
فكرت قليلًا باحتمالية فحواها لكنها لم تجد شيئًا ليقطع حبل أفكارها صوت الآخر وهو يقول:
"لك الحق في الرفض لو لم ينل أحد الشروط اعجابك!"
أومأت موافقة فمد يده أمامه طالبًا منها الجلوس على أحد الكراسي ثم جلس مقابلًا لها وقال:
"تعلمين أنني أحميك ليتما يسدد والدك ديونه صحيح؟!"
أومأت بهدوء فتابع:
"بإمكاني سد كل ديونه، فيبقى مدينًا لي فقط، لكن بالطبع سيكون هناك بعض الشروط"
للحظات تحمست لسماع فكرته لكنها سرعان ما قطبت حاجبيها بعدم فهم وقالت:
"وما هي تلك الشروط؟!"
تنهد ثم قال:
"بدايةً ستعملين لصالحي، وبالطبع هذا لن يكون هباءًا ومقابل كل مهمة تنفذينها بنجاح سيتم خصم مبلغ معين من الدين. فوق هذا يمكن لوالدك أن يسدني خارجيًا أيضًا، مما يعني نزول الدين بسرعة أكبر، فيمكنك مغادرة المكان بوقت أسرع، لكن، سيتوجب عليك تنفيذ كل المهام التي أوكلها إليك ولا يمكنك رفضها مهما بلغت ماهيتها، ولو اكتشفت انك ستغدرين بي وتحاولين بيع معلومات عني لأي كان، ستكون نهايتك، بالمقابل سأوفر لك الحماية طالما تعملين تحت اسمي، لكني لا أعهدها لك بعد أن تغادري، أظن أن الشروط مناسبة لكلينا"
فكرت قليلًا ثم قالت:
"حسنًا، هي ليست بهذا السوء، لكني لم أقتل ولم أقم بشيء مخالف للقانون من قبل، لذا لست واثقة من هذا! لا أظن أنني سأنجح بأي مهمة! وفشلي هذا ماذا سيعني؟!"
اتكأ الآخر بذراعيه على قدميه ثم قال:
"هذا يتعلق بالمهمة الموكلة إليك وخطأك، فلو كلفني الأمر حياة رجل من رجالي، قد يعني موتك أيضًا، وربما عملك لي مدى الحياة دون إمكانية إطلاق سراحك، وقد يكون بيع أحد أعضائك وربما مجرد سجن في غرفة دون طعام، الأمر منوط في مركز هذا الرجل، لذا تذكري أن ما سيحدد هو مقدار خطأك!"
فكرت قليلًا ثم قالت:
"ظننت أنني هنا حتى يتم حمايتي، لكن ألن يعرضني هذا للخطر؟!"
رفع حاجبيه بثقة ثم أجابها:
"تمامًا! لكني فكرت في استغلالك بعض الوقت. ثم أنه لو تدربت على هذا واتقنته لن تواجهي مشكلة لو حاول أحدهم التعرض لك مستقبلًا، لذا لا أظن أن هذا لن يعود عليك إلا بالنفع. وفي المقابل، وبدل من أن أكون قد استفدت ماديًا فقط، سأستفيد من إتمام مهام أكثر، رغم أنّ هذا لم يحدد بعد كونك مبتدئة، لذا سنرى أولًا نتائج التدريب"
لم تعلم إن كان عليها الموافقة أو الرفض، لذا سألته بتوتر:
"هل بإمكاني أخذ بعض الوقت للتفكير، لا أظنني قادرة على الرد بسرعة!"
وقف من مكانه ثم قال:
"ستبقين تحت مراقبة أحدهم حتى تتخذي قرارك ونرى الاجراء الأنسب"
أومأت له متفهمة فخرج من هناك بخطوات ثابتة. تنهدت بثقل ثم راحت تحدق بالفراغ تفكر كيف آل بها الوضع إلى هنا، وما هو القرار الأنسب لاتخاذه حتى غفت مكانها على الأريكة دون أن تشعر.
استيقظت صباح اليوم التالي في غرفة لم ترها من قبل، تثاءبت تقطب حاجبيها مستغربة كيف وصلت إلى هنا؟! دخلت دورة المياه، استحمت ثم خرجت تجفف شعرها. انتهت حتى أتاها صوت طرق الباب فسمحت للطارق بالدخول.
"صباح الخير، يبدو أنك استيقظت بالفعل"
كانت ذات الفتاة من الأمس، لترد نوريس بابتسامة:
"صباح الخير، كيف بإمكاني مساعدتك؟!"
اقتربت الأخرى منها ثم قالت:
"مهمتي اليوم هي البقاء معك حتى تعتادي المكان، سأعرفك على الأرجاء"
أومأت لها نوريس بهدوء لتتابع الأخرى بينما تمد يدها للمصافحة:
"اسمي روبينا، سررت بلقائك"
تعجبت نوريس من الموقف وهذا بات واضحًا على ملامحها، لكنها صافحت الأخرى بينما تقول:
"اسمي نوريس، الشرف لي"
توترت الأخرى بينما تقول:
"هل أزعجك بطريقة أو بأخرى؟!"
نفت نوريس برأسها بينما تقول موضحة بعد أن تركت يد الأخرى:
"هذا غير صحيح! لكني متفاجئة بعض الشيء! لم أتوقع أن المافيا سيملكون شخصيات متعددة غير الباردة والقاسية!"
ضحكت الأخرى بينما تقول:
"أنت لم تري شيئًا بعد! هناك المضحكة والطريفة وغيرها الكثير، لكن صورتنا أمام العالم يجب أن تكون الباردة المخيفة حتى يهابنا الجميع، لذا لا تبقي على تعابيرك هذه وانزعيها قبل أن تصبحي سخرية الجميع"
خرجت الاثنتين من هناك بينما تعرف روبينا بطلتنا على المكان، لكنهما اصطدمتا في الطريق بكريستوفر يرافقه رجال لا يبدو عليهم أنهم أتباعه. أمسكت روبينا يد الأخرى وأشارت لها بالانحناء بثبات ففعلت. اختفى كريستوفر والبقية عن ناظري الاثنتين فتنهدت روبينا بثقل لتسألها نوريس:
"لم كل هذا التوتر؟! هل من خطب؟!"
نفت روبينا برأسها ثم قالت:
"عليك اظهار الاحترام لكريستوفر ومن معه عند رؤيتهم، خصوصًا إن كانوا غير تابعين لنا، وإلا فإن هذا سيسبب مشكلة لنا وله"
لم تفهم نوريس السبب وراء هذا بالضبط، لكنها ستنفّذه حتى لا تقع بالمشاكل، فهذا آخر ما تريده.
تابعت الاثنتين سيرهما، حتى انقضى أغلب النهار دون أن تشعرا بالوقت، لتسمعا صوت أحدهم ينادي:
"روبينا! انتظري! توقفي وتعالي بسرعة!"
التفت الاثنتين ناحية الصوت فوجدتاه نفس الشخص الذي دخل مع كريستوفر المرة الماضية ذو الشعر الأبيض والقصة الغريبة لتقول روبينا:
"ما الأمر فيكتور؟! لم تركض كالمجنون؟!"
نظر لها الآخر بينما يلتقط أنفاسه بصعوبة وتعابيره شاحبة لا تفسر:
"انه كريستوفر .. ان لم نفعل شيئًا .. سيقتل!"
ركضت الاثنتين معه حتى وصلوا ممر في الطابق العلوي. اصطدموا مع إلياس وآندرو اللذان يتنهدان بثقل ليقول الأطول:
"ما هذا بحق؟! ما كان على الأمر أن ينتهي هكذا!"
فصرخ فيكتور بطريقة درامية:
"مستحيل، لا يزال شابًا يافعًا! لم يقتل بهذه الطريقة الوحشية؟!"
نظر الجميع له بتعجب حتى خرج كريستوفر من الغرفة بينما ينظر له بملل:
"توقف عن افتعال الدراما هذا ليس وقتك! تخلص من الجثث وبقع الدم، ثم تخلصوا من زعيمهم، وإلا فإني سأذهب إليه بنفسي وأمزقه إلى أشلاء!"
ارتجف جسد نوريس بعد نظرته المتجردة من المشاعر نحوها، لتجد الجميع انحنى له ليغادر فقالت:
"ما كان هذا للتو؟!"
بعثر آندرو شعره بفوضوية وقال:
"لم فعلوا هذا؟! سيبقى مزاجه متعكرًا يومين من الآن، لو لم يستفزه ذلك الأحمق لحافظ على حياته وعلى سلامنا ليومين آخرين!"
دخل فيكتور الغرفة وباشر عمله، بينما إلياس جلس أرضًا وهو يضغط أزرار هاتفه ثم قال بعد دقائق:
"انهم يتوجهون الى المنطقة السابعة، سيقومون بصفقة هناك لبيع الأعضاء. لنسرع قبل وصولهم، سننهي أمرهم ونأخذ الأعضاء التي لديهم فنضرب عصفورين بحجر واحد"
اقترب آندرو منه بينما يقول:
"كم عددهم وكم نحتاج من رجالنا؟!"
ضغط إلياس بضعة أزرار أخرى ثم قال:
"في الشاحنة الأولى يركب اثنين في الأمام وخمسة في الخلف، الثانية يركبها واحد في الأمام وواحد في الخلف، أما الثالثة يركبها ثلاثة في الأمام وعشرة في الخلف"
ليقول آندرو بعد أن جمع عددهم:
"إذًا اثنان وعشرون رجلًا .. "
نفى إلياس برأسه وقال:
"كلا! عشرون رجلًا وامرأتين"
تنهد آندرو بثقل ثم قال بملل:
"هذا ما ينقصني، إنهن مزعجات ولا أريد خوض هذا!"
فقالت روبينا بابتسامة واثقة:
"دع أمرهما لي، لا أحتاج شخصًا آخر لمساندتي، خذ ما تحتاجه من رجال حتى يتعاملوا مع العشرين"
أومأ لها متفهمًا ليلقي نظرة على فيكتور بينما يقول:
"هل انتهيت؟! علينا المغادرة!"
ليجيبه فيكتور من داخل الغرفة:
"اجمع الرجال وسألحق بك، لن يأخذ الأمر طويلًا!"
أومأ له آندرو متفهمًا ليخرج مع إلياس وروبينا من هناك فقالت نوريس:
"ماذا؟! هل نسوا أمري؟! أم تحولت لشبح فجأة؟!"
تنهدت بثقل ثم تابعت سيرها، لتصطدم بكريستوفر مجددًا فانحنت ليقول:
"نسيت أمرك. لن تبقي دون واحد من ثلاثتهم، لذا ستأتين معي!"
رمشت عدة مرات ثم قالت:
"عفوًا؟!"
ليجيبها بينما يتأكد من أسلحته:
"هناك من علي التخلص منه بينما ينفذ البقية مهمتهم، لا يمكنني تركك وحدك هنا، لذا ستأتين معي"
قطبت حاجبيها بعدم فهم ثم قالت:
"وهل تبخر باقي رجالك؟!"
نظر لها ببرود ثم قال بعد أن رمى لها سلاح ودرع للحماية:
"للاحتياط فقط!"
هل تجاهلني للتو؟! فكرت. لكنها قالت بتوتر واضح في نبرة صوتها:
"ستأخذني في مهمة، تعطيني سلاح، وتظنني سأساندك؟! لن أكون إلا عقبة في طريقك! لم أحمل سلاحًا من قبل ولا يمكنني حماية نفسي لو خرج الأمر عن السيطرة!"
ابتسم بجانبية ثم قال بثقة لم تظنها بمكانها:
"وما الداعي للقلق طالما تكونين بجوار زعيم الكوبرا؟!"
خلت ملامحها من التعابير بينما تفكر في نفسها:
"ما مدى ثقة هذا الشخص؟!"
لتنتبه له تحرك قبلها فلحقت به بينما تحاول ارتداء الدرع. استقلا سيارة واضح أنها للتخفي فقالت في محاولة لتضييع الوقت حتى وصولهما لوجهتهما:
"لم تثق بي وتأخذني معك في مهمة رغم أن صفقتنا غير قائمة؟!"
لم ينظر لها لكنه أجابها بينما يزيد من سرعته:
"هذا حتى أريك واقع العمل قبل البدء به، أعلم أني كريم جدًا، رغم أن هذا يشكل خطرًا علي فقد أفشل في حمايتك طالما لا أملك بعض رجالي، لكني أثق في قدراتي!"
ثقة هذا الشخص غير طبيعية! لو فشل واكتشفت أن ثقته ليست بمكانها ستموت! ما كان عليها القدوم! فكرت.
"احم احم، هل يعني هذا أنني قد أموت؟!"
نفى برأسه لتتابع:
"ما مدى ثقتك بنفسك؟!"
لم يجبها بل زاد سرعته أكثر حتى كاد يصل المكان المنشود. أوقف السيارة في مكان آمن ثم طلب منها الترجل. نزلت مع رجفة واضحة بجسدها ليقول لها بعدم مبالاة لوضعها النفسي:
"ابقي ورائي ولا تصدري أي صوت!"
اختبآ خلف بعض الأعشاب، خرج شخص من بناء خشبي أمامهما بينما يدخن ويضحك، حوله ثلاثة رجال فقال كريستوفر بهمس:
"أريد منك أن تصوبي نحوه، لا أطلب منك قتله لكن لو فعلت سأكون شاكرًا لك!"
دماغها أعطى تنبيه بالخطأ وعدم فهم ما قيل له، نظرت له ببطء وقالت:
"ماذا قلت للتو؟! أ … أ .. أقتله؟! هل أنت … أنت جاد؟! أخبرتك للتو أني لم أحمل سلاحًا من قبل!"
لكنه لم يعرها اهتمامًا وقال:
"ثلاثة .."
شهقت ثم نظرت أمامها تحاول التصويب نحو قدم الآخر ..
"اثنان .."
ابتلعت ريقها بصعوبة شديدة لتسمع:
"واحد"
أطلقت الرصاصة دون ادراك بعد أن أمسك الآخر كتفها ليقول:
"ثبتي يدك وإلا سيخلع كتفك!"
ليسمعا صوت أقدام تركض نحوهما وصراخ. نظرت برعب أمامها ليخرج كريستوفر نفسه من مخبئه وبدأ باسقاطهم واحدًا تلو الآخر. أغلقت نوريس أذنيها من شدة صوت اطلاق النار وعينيها من هول المنظر أمامها. لتشعر أن الجو أصبح هادئًا فجأة، لكن وتيرة تنفسها تزداد بسرعة، ففتحت عيناها لتجد كريستوفر يقترب من الرجل المصاب بينما يعيد تعبئة سلاحه بيده المجروحة ويقول ببرود:
"أخيرًا أمسكت بك. أتساءل، هل أبيع كليتيك أولًا؟! أو ربما قلبك؟! ماذا عن رئتيك؟!"
ارتجف جسد الصغرى ولم تعد قادرة على الحركة لتسمع توسلات الأكبر:
"لا لا تفعل! لم أخنك صدقني! سلمتك الطلبية كما هي"
ركله كريستوفر بقوة بينما يقول:
"وكيف عرفت أنني قادم لأنك لم تبعني الكمية الوافية؟! هل تظنني أملك وقتًا حقًا لعد كل الأعضاء؟!"
اتسعت مقلتا الآخر ثم قالت:
"كيف تعرف الكمية إذًا؟!"
نظرة الوحش المتجرد من المشاعر أرعبت الآخر ليقول كريستوفر:
"هذا لا شأن لك به!"
ثم أفرغ مسدسه في رأس الآخر.
أنت تقرأ
كوبرا | Copra
Actionوضع حاجزًا مهولًا بينه وبين معنى الحياة منذ زمن طويل، لا يهوى أو يسعى إلا للانتقام. فهل سيكون هناك من يكسر هذا الجدار؟ أم سيبقى حبيس الماضي والذكريات؟