لا حول ولا قوة إلا بالله
°×°×°×°×°
الصباح الباكر هو أكثر وقت تكرهه رُوث.
ما تزال تستيقظ قبل شروق الشمس، وما تزال رياح البحر الباردة تخترق شقوق نافذتها حاملة معها الروائح القادمة من سوق السمك والحظائر المجاورة، هذه الروائح التي تكون أول ما يلتقطها أنفها ما تزال تتسبب لها بالغثيان في معدتها.ورغم استيقاظها المبكر لكنها لم تنهض وتستعد ليومها الجديد فهي لم تستيقظ لأنها تمتلك العديد من المهام التي يجب إنجازها قبل الشروق، بل لكونها اعتادت ذلك لا غير.
من مكانها على السرير استطاعت سماع صوت ضجة خفيفة من الطابق الأسفل، حركة والدتها في المطبخ وهي تجهزه لوجبة الإفطار، ومن ثم خروجها القصير لكي تجلب خبزاً طازجًا من مخبز السيد هاري.
لم يخبز السيد هاري طوال الأيام الثلاثة التي لم يتوقف خلالها المطر، والبارحة وعندما ذهبت رُوث لتشتري الخبز صباحًا كان الصف أمام مخبزه طويلًا وانتهى الخبز قبل أن تشتريه، ولسوء حظها لم يخبز هاري مجددًا لنفاد مكوناته.
لذلك خرجت والدتها في وقت مبكر أكثر اليوم لكي لا يفوتهم الخبز مجددًا، ومن الرائحة التي غزت أنف رُوث بعد عودة أمها لابد أنها اشترت من أول دفعة خرجت من الفرن.
رائحة الخبز الطازج والتي زاحمت رائحة الرَوث والبحر دفعت رُوث لأن تنهض جالسة في سريرها. لم يَعُد كِلا آيرس وآلڨن يشاركانها السرير بل انتقلا بعد فترة من وصول أمها لغرفتها، ليخلو سريرها لها ولتوماس، وفي السرير المقابل ما تزال سوزي تنام وحيدة في انتظار عودة أغنيس.
لم يكن لدى رُوث أي دافع للنهوض وبدء اليوم لذلك ظلت جالسة ترمق فراغ الغرفة بأعين مرهقة، ليس من التعب... بل من الوجود.
لم تكن هذه هي الحياة التي يفترض بها أن تعيشها، لم يكن يفترض بعودة أمها أن تشكل لها مثل هذا الفراغ. في الماضي كانت عودة هيلدا تزيد فقط من عدد الناس الذين يفترض برُوث العناية بهم فهي لم تشارك في صنع الطعام ولا التنظيف، وأقسى ما كانت تفعله هو اللعب مع الأطفال بينما تجتهد رُوث في عملها بالخياطة خلال أيام تواجدها.
وبعد أن تذهب يعود كل شيء لمكانه، لكن ذلك لم يحدث هذه المرة... ولن يحدث غدًا أو بعده.
هيلدا تعتني بالأطفال بشكل ممتاز، تعد لهم أشهى الطعام، وتغسل لهم الثياب، تسمع حكاويهم وأخبارهم وتضحك على قصصهم، تنظف البيت وترتب الفوضى وتقوم بالحسابات المالية... تقوم بكل ما كانت رُوث مسؤولة عنه.
بقيت رُوث في مكانها دون حركة لوقت طويل، لم يحركها إلا استيقاظ توماس. شعرت بحركته أولًا ثم ضحكاته عندما رأى ظهرها المألوف. التفتت ناحيته فاستقبلها بابتسامة عذبة أنارت وجهه الصغير، انحنت ناحيته وهي تهمس بحب وتلاعبه فزادت ضحكاته.

أنت تقرأ
حياة رُوث كارفورد البائسة
Historical Fiction- مُكتملة - × رُوث، وإخوتها الستة وضيف جديد أُقحِم في حياتهم. اعتادت رُوث على تحمل مسؤولية بيتهم واخوتها الستة، فوالدها دائم السفر ووالدتها بعيدة في عملها، لتكون هي الأم والأب والحامية لبيتهم، في حين وجدت أغنيس الخادمة في قصر أحد النبلاء نفسها في م...