١٩

890 109 25
                                    

كان الإزدحام أكبر مما توقعته جونو أن يكون. يتدافع الناس إلى الدخول بخطوات متعجلة، ودون أن تدرك وجدت نفسها وسط كل ذلك حيث يتم دفعها هنا وهناك حتى خشيت أن تفقد حقيبتها لتحكم إمساكها بكفيها الإثنين.

لحسن حظها تم دفعها إلى أن وصلت إلى منطقة بعيدة عن الإزدحام لتتنفس الصعداء وهي تتفقد حقيبتها التي ما تزال مغلقة دون أن يحاول أحد سرقتها. لم تحتوي الحقيبة على محتويات ثمينة بل بعض حاجيات طالب بها والدها لمساعدته في عمله، بالإضافة لملابس العمل الخاصة بها.

مر عبرها صبيه في عمرها وأصغر من ذلك يحمل كل منهم صندوقًا خشبيًا يحوى بضاعة رخيصة، هتف الصبية مل حناجرهم لتسويق بضاعتهم عل أصواتهم الخشنة والمبحوحة تغلب ضجة المضمار، ومن بينهم يتجه جزء لا بأس به من الرجال ناحية المنصات الخشبية المخصصة للرهانات وهم يتناقشون بحماس عن توقعاتهم للسباق.

في العادة يكون هذا الجزء من مضمار السباق هو الأكثر إنشغالاً لكن ولقرب بدء السباق توجه أغلب الحاضرين إلى السور الخشبي الفاصل عن أرض المضمار الواسعة.

وجدت جونو نفسها تسير على غير هدى دون أن تدري ماذا تفعل. بحثت لبعض الوقت عن أحد العمال الزنوج لتسأله لكن أغلب المتواجدين كانوا من البيض لتحتار مع نفسها... هل تسأل أحد الماره عن والدها؟ هل سيتعرّف عليه أحد حتى وإن سألت؟ هل سيلتفت أي من هؤلاء تجاهها إن تجرأت واقتربت منهم؟

جاءتها إجابة لكل هذه الأسئلة ورجلان يقتحمان الطريق أمامها دون أن ينتبها لتواجدها، تم دفعها مجددًا وداس كلاهما على بركة ماء فتناثرت قطراتها على ثوب جونو لتزيده قذارة، لم يعتذر الرجلان وهما يتابعان سيرهما ونقاشهما المحموم.

كانت جونو لتغضب وتصرخ عليهما لو لم يلفت انتباهها نقاشهما المحموم. نقاش عن رهانهما على هذا السباق وإن كان الحصان ثندر بقيادة كارفورد سيحتل أحد المراكز الثلاثة الأولى.

أخفت جونو ابتسامة فخورة وهي تضم ثغرها بينما حملت حقيبتها بيد وبالأخرى حاولت تنظيف ما تستطيع من ثوبها الذي لم يرحمه السفر وأطرافه تتلطخ بالوحل والأوساخ وليزداد الطين بلة مع ما حدث قبل قليل.

وعندما وجدت أن لا فائدة من محاولة إصلاحه زفرت وهي تعدل قبعتها المصنوعة من القش والمزينة بشريط أحمر رُبطت أطرافه حول فكها، قبعة بدت جديدة على عكس ثوبها البني والذي بدا باهتًا وقصيرًا على جسدها فارع الطول.

عادت جونو لتتجول وهي ترجو وتتمنى أن تستطيع إيجاد والدها قبل بدء السباق لكن ومع كل هذه الضجة كان الأمر مستحيلًا، وفقط عندما كادت أن تفقد الأمل التقطت عيناها زنجيًا كان ينظر تجاهها بنظرات مستنكرة لوجودها في هذا المكان، لترتسم ابتسامة كبيرة على وجهها لرؤية شكل مألوف، ابتسم الرجل وحياها عبر الزحام برفعة من قبعته لترد التحية وتقترب منه.

حياة رُوث كارفورد البائسة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن