٢٢

703 113 33
                                    

لم تكن هذه أول مرة تفقد فيها رُوث صديقةً لها، فمنذ طفولتها شهدت موت العديد من صديقاتها وجاراتها والكثير من أقاربها، كان الموت ضيفًا متكررًا في حياتها، وكان عليها دائمًا التعايش معه فالحياة لن تتوقف لزيارته.

كما أنها لم تتفاجأ لوفاة ليزي خلال الولادة فوالدة ليزي نفسها ماتت وهي تلد خامس أطفالها والذي لحق بها بعد أيام قليلة.

ما تزال رُوث تذكر يوم توفيت والدة ليزي، إذ أن صديقتها أصبحت وقتها المسؤولة عن بيتهم وإخوتها الثلاثة رغم كونها لم تتجاوز التاسعة حينها، ورغم زواج والدها مجددًا إلا أنها استمرت في دور الأم لإخوتها الأشقاء إلى أن تزوجت هي في عمر الثامنة عشرة ورحلت بعيدًا.

حياة قصيرة عاشتها ليزي ما بين فَقدٍ ومسؤوليةٍ وشقاء، لكن زوجها رون يقول أنها عاشت حياة جميلة.

جميلة... يا له من مصطلح غريب لإستخدامه في حالة كهذه فرُوث كانت شاهدة على حياة ليزي وهي لم تكن جميلة بتاتًا.

لم تكن جميلة لكن رُوث كانت تعلم أيضًا أن ليزي قد ماتت وهي راضيه عنها، فرُوث نفسها والتي عاشت تجربة مشابهة لتجربة ليزي في تحمل المسؤولية من سن صغيرة وغياب الوالدين خلال ذلك، هي نفسها إن اختطفها الموت في هذه اللحظة فهي ستكون راضية عن الحياة التي عاشتها رغم كل شيء حدث خلالها... هي وليزي من هذا النوع من الناس.

أعادت رُوث قراءة كلمات رون زوج ليزي القليلة مجددًا بينما تجلس تحت نافذة المطبخ المفتوحة. أضاء لها القمر المكتمل الرسالة بينما ترفرف زواياها بفعل الرياح البحرية، لم تشعر رُوث ببرودتها ولا برودة الأرضية التي ظلت جالسة عليها بينما تعيد قراءة رسالة رون مرة تلو أخرى، تنهمر دموعها تارة فتمسحها، وتُسمِع نفسها كلمات مواسيه تارة أخرى.

لم تحاول أن تفكر في ذلك الإحتمال الذي كان من الممكن أن يحدث ويغير هذا المصير الذي واجهته ليزي، إن لبّت دعوتها لها ونفذّت خططها لمساعدتها خلال حملها وولادتها، أبعدت رُوث كل ذلك عن تفكيرها حتى لا تُميت نفسها ندمًا وحسرة.

ظلت تبكي بكاءً صامتًا لساعات حتى جف الدمع عن عينيها وتجمدت بقاياه على وجهها، لم ترغب في أن تتحرك وظلت على تلك الوضعية وذكرى أيامها مع ليزي تعود إليها الواحدة تلو الأخرى، طفولتهما المرحة، مساندتهما لبعضهما في تحمّل المسؤولية، وحب ليزي ورون العفيف والذي جعل رُوث تؤمن بحصولها على واحدٍ يومًا ما، ومن ثم زواجهما ورحيلهما الذي كسرها لكنه كان بداية حياة جديدة لهما.

حياة انتهت مبكرة بينما خاصتها ستستمر، وهذا أمر جعل رُوث تشعر بالمزيد من الحزن.

ستشرق الشمس بعد وقت ليس ببعيد وسيعود كلٌ لعمله وحياته كأن مصابها هذا لم يحدث، كأن وفاه ليزي لا تمثل شيئًا في هذا العالم الكبير، وأكثر ما أزعج ضميرها أنه كان عليها فعل ذلك أيضًا...

حياة رُوث كارفورد البائسة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن