الشّمعة الزَّرقاء ٢

109K 4.7K 31.9K
                                    


·

*

هَل تعرِف شُعور استيقاظِك علَى رائحةِ فطورٍ تجهِّزُه أمُّك وكأنّها تشكَّلت علَى هيئةِ يدِها مُداعبةً أنفَك؟ تسمعُ صوتَ إخراجِها للأطبَاق مِن الخزانَة أو إغلاقِها لدُرج الملاعِق وفتحُها لصنبورِ المَاء.

ستبقَى فِي حضنِ الفِراش تأنسُ للشُّعور بهذهِ التّفاصيل وحواسكَ تستفِيق عليهَا، وتَستكِين لأنّ أولَّ شعورٍ خالجَك بعدَ صَحوتك مِن رقودِك هُو الطُّمأنينة وليسَ الفرَاغ أو الرُّكود.

هذَا تمامًا مَا أحِسُّ بِه الآن ولكِن ليسَ مَع أمِّي، إنّما آيدِن.

لأنّ مَا أفَقتُ علَيه كانَ رائحَة عطرِه التِي أيقَظتني بشكلٍ هادِئ تُشعرني بنعاسٍ مُختلف لَا يُشبه نعاسَ النَّوم، إنّما خَدَرُ الدِّفئ والأمَان نفسُه الذِي أستَشعرُه مِن الغطَاء الذِي يدثرُ جسدِي.
سماعِي لصوتِ وضعِ الزّجاجة علَى منضدَة الزِّينة ووضعِه لساعتِه المعدنيّة حولَ رُسغه، تروِّيه فِي إغلَاق الأبوَاب وصنعُ خطواتِه فوقَ الأرضِية.

فِي نومِي أكونُ مرتاحَة لأننِي لَا أحِسُّ بمُحيطي، ولكِن فِي صَحوي أجدنِي أرتَاح لإحساسِي بِه.

أطرافِي ثقيلَة ومُرتخية وكأننِي ألصِقتُ بالفِراش، ورَأسي تارةً يطفُو فوقَ الوسادَة وتارةً ينغمرُ فيهَا، أهذَا لكَوني مُسترخِية وَحسب؟

رفعتُ يدِي أرخِيها علَى جبينِي أحدِّق بالسّقف الأبيَض الذِي ذكّرني ببساطِ الثَّلج المَفروشِ خارجًا.

ثَلج؟

لحظَة..

كيفَ أصبحتُ هنَا وفوقَ السّرير وآخرُ مَا أذكُره هُو أننِي كنتُ أقرَأ أوراقًا فِي الحديقَة علَى الطّاولة؟

نهضتُّ جالسةً فِي مكانِي أدلِّكُ جانبَ رَأسي الذِي أشعَرني بأنّه دارَ دورةً كامِلة فوقَ عُنقي مُلتفَّا حولَ نفسِه لتُصبح رؤيتِي أوضَح بعدمَا اعتدتُّ علَى رؤيةِ خيوطِ شمسٍ رقيقَة استطاعَت الفِرار مِن غَمامِ الشِّتاء لتُوهِجَ الحُجرة.

لازلتُ أرتدِي السُّترة الحَمراء والتنُّورة، وهذَا ليسَ مِن عادتِي وأنَا أحِب ارتدَاء الأثوَاب فِي رُقودي.

مَا الذِي.. حدثَ معِي؟

نظرتُ إلَى آيدِن الذِي كانَ قَد استدَار مِن أمامِ مكتبِه لينتبهَ علَى كَوني أفَقت ولَا أدرِي كيفَ عرفَ بمَا أفكِّر بِه فِي هذهِ اللحظَة أو أنّني مصنوعَة مِن الزُّجاج بالنسبَة لَه..
حَيث أسمعنِي صوتَه الذِي لَا يزالُ يحمِل آثارَ النَّوم لثُقله يميلُ علَى طرفِ مكتبِه مُتكتفًا أمامِي.

"سقطتِّ نائمَة فوقَ الطّاولة مُرتاحة البَال بعدمَا تأكدتِّ أنّه لَم يبقَ مَا تزعجينِي بِه لليَوم. أتعرفِين مَن الذِي يرمِي نفسَه وينامُ فَجأة ولَا يهمُّه المكَان؟"

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 16 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أتاراكسياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن