الفصل 1 : حلم يدمع

3.3K 202 147
                                        

حتی من دون التفكير في الأمر ، كنتُ لأفتح عينيَّ المرهقتينِ في زاوية مظلمة من المنزل لا أذكر كيف نِمت فيها ، متى فقدتُ إدراكي بالوقت و صار شروق الشمس من غروبها سيان ... و موتي أو حياتي ما بينهما شتان ، حتی من دون تكبد عناء الشعور به كنتُ لِأُحس بساقي الجريحة تصرخ ألما و ما من أحد يسمع نداء استغاثتها ... بتعابير ميتة و قلب بارد ، متمددا كجثة عالقة في فراغ رهيب بين النعيم و الجحيم .

و على الرغم من كل ذلك تمنيت للمرة التي لا أذكر عددها أن يكون ذلك جزءا من الماضي ، مجرد كابوس مزعج و انتهی ، و جعلت أتوسل إلى السماء الرحمة من ذنبي و حبل نجاة ... و ما كان ذنبي إلا أن يئست من الحياة فزادتني إغراقا ، شبكت أصابعي و ابعدت جفناي المحتضنان عن بعضهما ليتسلل النور الساطع أخيرا إلى ناظري ... فوجدتُني في قاعه استقبال واسعة منيرة، برفقة شخص ما، في ثانوية ما و في يوم ما.

أنا الشخص الخطأ .

...

جعلت أتأمل بطاقتي المدرسية التي تحمل إسمي و اسم العائلة الجديد التي صرت جزءا منها ...

إيف موراكامي

طالب الصف الحادي عشر

مدرسة جيسن جوشي الثانوية

تنفست الصعداء عندما رن هاتفي برقم إيمي .. كانت الشخص الوحيد الذي يشعرني بالأمان حتی تجاه نفسي ، مثل ملاذ جريح من حرب كاسرة ، أو يد ممتدة من آخر النفق المظلم ... إنها صوت الرجاء الذي حاولت التحدث معه على قدر الإمكان لحين التحاقي بصفي ، العودة إلى صفوف الدراسة !! خطوة جريئة لا أستطيع بعد إقناع نفسي بأنني اتخذتها... هل هي حبل نجاتي من ذلك الماضي يا ترى ؟؟ هل هي صفحات جديدة تملأ به فراغ قلبي و لحظات سعادة ستطرد التعيسة منها ؟؟ كل هذه الأفكار جعلت ترسم غيمة فوق رأسي مقفرة الأجوبة بينما كنت أبحثُ عن عكازي الأسود القصير الذي تدحرج بعيدا دون انتباه مني ، أشعر أحيانا أنه يتهرب مني عمدا لسأمه من التعمد على رأسه الصغير بل لو كان لديه فما لنطق شتما لي ... ليته يدري أنني أبادله نفس الشعور تماما لكني ما كنت لأبوح له بذلك فهو أغلى ذكرى لراحلتي و قطعة قلبي المفقودة... و أخيرا لمحته و هو يفترش وسط القاعة الكبيرة فأطبقت جفناي خوفا من هذا المكان الواسع لتنتابني ذكری قديمةً لا أدري ما ايقظها !!

قبل سنتين من الأن قابلت ايمي ، الفتاة المشردة في الشارع ، كانت تجلس تحت المطر اللاسع و السماء الحالكة ، ثيابها ذات اللون الموحد الباهت كأنها ثياب مدرسه داخلية ، أو ميتم علی الأرجح ... عيناها لا تصبوان الی هدف ما بل كانت تنظر الی اقدام المارة ثم الی إشارة المرور الحمراء حتى يخبوا ضوؤها ... تتتبع خطوات هر حتی يختفي عن العيان أو تحدق الی العدم ، ما الذي تفعله فتاة وحيدة هنا وسط هذا الجو العاصف و الوقت المتأخر ... و لكن ألا ينبغي علي طرح هذا السؤال لنفسي الصغيرة ، كنت سأرفع رأسي للسماء ثم أتنهد .

لم تلتفت إلي فتاة الثانوية هذه لحين احَسَّت بقطرات المطر قد تلاشت بعيدا عنها إذ كنت قد وضعت مظلتي السوداء فوق شعرها الأملس المبتل أسألها إن كان بإمكاني الجلوس بجانبها علی الأرض ، لكنها تجاهلتني تماما ، فأسندت ظهري الی الجدار المتسخ ببقايا الإعلانات المبتلة و أرخيت توازني حتی انزلقت و سقطت جالسا ... كان الأمر مخيفا بالنسبة لي و لكن علي فعل ذلك فأنا لا أقدر الوقوف أكثر على ساقي المتألمة ... جعلت عيناي مغمضتان حتی زالت عني نوبة الفزع أحاول إبعاد الدموع التي أبت إلا أن تذكرني بما حدث قبل وصولي إلى هنا ... تمسكت بأطراف ملابسي و بلعت ريقي أستجمع رباطة جأشي و أستعد للرحيل بعد أن أخذت قسطا لا بأس به من الراحة و البكاء... أرحل إلى بيت لن يقلق فيه أحد لتأخري !! و حين فتحت عيناي لم اجد عكازي فأخذت ابحث عنه بجانبي و الی الجانب الآخر .. هنا و هناك، و أخيرا لمحته قد تدحرج إلى الطريق العام متى شعرت بخيبة كبيرة قد اجتاحت صدري و جعلت أتساءل... كيف سأصل إليها بينما لا أستطيع النهوض أساسا !؟

فجأة !! رأيت الفتاة تتحرك بعيدا عني و تُسقِطُ المظلة عن فوق رأسها... صدقا ظننت أنها دمية جامدة ، فمشت بقدميها الحافيتين فوق الطريق الزلق و المطر يرسم حدوده فوقها ، تجاوزت المارة أقدامهم و أعينهم الثاقبة ، ثم أمسكت بعكازي من وسطه و انقادت به إلي .

...

تبددت الصورة القديمة عن ناظري و ما كنت لأستيقظ من حلم الذكريات هذا إلا أن رأيت ظلا يحمل إلي عكازي و يد تمسح الدموع الدافئة عن مقلتيَّ النديتين.

الشخص الخطأحيث تعيش القصص. اكتشف الآن