الفصل 2 : اللقاء الاول

1.6K 136 90
                                        


صفير الرياح الذي ترفرف علی وقعه الستائر ، عبق الزهور الذي يملئ الجو جاذبية ، هذا الشعور بالحياة لم أذقه يوما ... ملمس يد صغيرة ، نظرة خاطفة إلى ظل قريب و دفئ الشمس على وجهي .

شمس لا ألتقي بها منذ صرت حبيس عملي المضني ، ليته يمر شهاب في وضح هذا النهار ، ليتني أراه كي أتمنی أن يكون هذا الحلم حقيقة ... لكنني لم اكن بحاجه الی شهاب ما فحلمي هذا حقيقة حقا و شخص واحد فقط منحني هذا الشعور مثل الهبة من السماء ، و ها أنا امسح علی عينيه الباكيتين لربما استحظر ذكری قديمة أو طيف حب !! أنا إسمي روي و أنا والد إيف بالتبني .

...

جعل إيف ينظر إلي بذهول تام و انعكاس صورتي مرتسم علی مقلتيه الصغيرتين الزرقاوين ... كانت عيناه تمتلكان جاذبية طاغية تجر كل محدق فيها للغرق عمقها و الإستسلام أمام أسرها و يخيل أحيانا انهم محيط فيروزي اللون و خصلات شعره المنسدلة على جبهته رمال من لون الشمس ، هز وجهه و كانت شرارات الخجل تتطاير من وجنتيه الحمراوين فابتعدت عنه القدر الكافي الذي يشعر فيه بالأمان و منحته بعض الثواني التي تماسك فيها ، رؤيته بهذا الهوان و الضعف يزيد من شعوري بالذنب تجاهه ... و كلما وقع هذا العكاز في يدي وددت لو ألطمه إلى الجدار و أتخلص من منظره البشع .

ناولته العكاز لكنه لم يبادلني بكلمة شكر بل جعل يتمتم بكلمات ما ، مثل ما كان يشتكي من كم أن المكان واسع جدا ... عزلته الأخيرة صنعت ليلا اسود حوله إعتاد على وجوده و رأى في أبديته الخلاص ، و جدار يحمي به نفسه عن الغد خوفا منه ... لكن الفجر يبزغ مهما طال هذا الليل و لا بد من العزلة الفناء !!
ميله إلى الهدوء و عدم الإختلاط بالآخرين زاد من صعوبة الأمر عليه ، فزفرت زفيرا طويلا أحاول التفكير في مخرج من هذه الجو الثقيل و إنعاشه بما يلزم ليقضي يومه الدراسي الأول على أحسن وجه فمثل هذه الذكريات ترافق المرء إلى آخر يوم في حياته ، خاصة إيف !! فهو من النوع المنظم و الهادئ و لكن إن سمح للخوف بتملكه فلن يقوى على المسير في دربه ... لقد تغير كثيرا و لم أعد أعرف كيف أعيده إلى طبيعته ، مددت يدي له بينما كان يحاول أن يجد مخرجا آخر كي ينهض من كرسيه دون مساعده مني لكنه في آخر المطاف مد يده إلي فسحبته بينما يتركز علی عكازه حتی استقام ظهره و صار تقريبا بنفس طولي ، مصطدما بصدري إنهالت يدي تربت على ظهره و اليد الأخرى فوق يده الباردة ، كما في يومها ..

( الإستماع الى الفيديو)

قبل سنتين و في يوم ممطر جعلت أرتب آخر الأعمال المكتبية المضنية منتظرا الزائر الذي سيحل عندي ... زائر حديث تدوين الإسم في جدول أعمالي و لا تذكر السكرتيرة أنها فعلت ذلك مؤخرا فقد كان مجرد حرفيين اوليين ( د . إ )

في تمام الساعة السابعة فوجئت بدخول فتی في ريعان عمره الی مكتبي ... متكأ علی عكاز أسود و قطرات المطر تسقط من كل انحناء ممكن ... تلك التي صنعت لمعانا ساحرا على شعره الأشقر و بشرته الحليبية ، لكن رؤيتي له بذلك المظهر جعلت القشعريرة تسري بجسدي و أطرافي تبرد في مكانه فوقفت من كرسي المكتب أسأله عن من يكون بينما كانت يدي تتوجه مباشرة إلی هاتف المكتب .

فرفع رأسه إلي و رسم إجبارا إبتسامة يكسوها الإرهاق و التعب ، و قال بلطف بالغ : مر وقت طويل ... سيدي !!

هذا الصوت !! هذه الكلمات و النبرة ... مر وقت طويل حقا منذ أن سمعتها تدغدغ سمعي و تملأ وقتي إستمتاعا بعفويتها و بساطتها ، و قبل أن أدرك الفزع الذي فتح عيناي إلى آخرهما كنت قد هرعت إليه بسرعة حين رأيت ساقيه الهزيلتين ترتجفان كغصن شجرة يكاد أن ينكسر من شدة عصف الرياح به ... هرعت إليه آخذه إلى حضني و أروي أنفاسي بعطره و إشتياقي له بقربه ، عاد إيف أخيرا !!

أجل ، لقد إسترجعته قبل سنتين من الآن و لست أسمح بأن أفقده مجددا ... سأشده من ليله المظلم و الضيق إلى ضوء الشمس الساطع و ارسي أقدامه في أرض واسعة تفتح قلبه حتى له كره ذلك .. لكنه الصواب !!

أبعدته عن صدري و رفعت يدي عنه ثم انحنيت حتی استطيع ان اری عينيه المغروستين في الأرض لأقول : بني ؟ حبي لك اكبر من هذا المكان بكثير ! فهل ستخاف مني ؟!

الشخص الخطأحيث تعيش القصص. اكتشف الآن