صمت مخيف يقبع زوايا البيت ، صوت السكوت نفسه يُخيل إلي أني اسمعه ، لم يكن صوت انفاس ايفا النائم في الظلام و لا وقع عكازه فوق الارضية الخشبية .
انه الصمت فقط !!
و دقات قلبي الوحيد ، تمالكت نفسي لولهة أُوقِّعَ معاهدة الصلح بين عقلي و فؤادي ... العقل الذي ينادي بمستقبل ايفا ودراسته و فؤادي الذي يصرخ من الوحدة ، أنا إسمي إيمي و أنا صديقة لإيف .
...
حملت هاتفي ذو الخلفية التي تجمع صورتنا ثم اتصلت به بعد أن ضقت ذرعا من هدوء المكان المريب ، كنت قد أنهيت كل أعمال التنظيف و لم يتبقى سوى إعداد العشاء في المساء ، غالبا هذا كل ما يشغل تفكيري يوميا فأنا مدبرة هذا المنزل و هذه هي وظيفتي لدى إيفا حاليا ... هكذا أحب مناداته رغم أنه يبدوا إنثويا جدا ، لكن لا بأس فهو يناسبه حقا مثل أخ صغير يحتاج إلى الرعاية ، فعلا هو كذلك !! يرن و يرن ... و اخيرا يرد علي .
صوت ايف : اه ايمي شكرا لاتصالك ...
- ايفا ، هل كل شيء على ما يرام ؟؟
فيجيبني ايف مترددا : ربما ، بعض الشيء .. اقصد ....ايمي المكان مخيف جدا .. انه واسع جدا ... و هناك الكثير من الاشخاص ايضا .
- لا بأس ايفا انظر الی الاسفل فقط و ستصغر كل الامور من حولك ، متی ستعود الی المنزل ؟؟
ايف : لا ادري !! اعتقد أنه علي الرحيل الان .
أبعدت الهاتف عن أذني لكني كنت قادرة على الإستملع إلى بعض الأصوات و الثواني لا تزال تعد نفسها فربما قد سهى عن قطع الخط و عادة ما لا يفعل .... جعلت الهاتف مجددا على أذني فسمعت صوت انفاسه التي يكتمها خوفا و ترددا ... و على الرغم من مرور سنتين منذ ذلك اليوم لكن الحاضر لا يزال يشبه الماضي تماما .
فقبل سنتين من اليوم التقيت ايف ، كان فتی اصغر مني بثلاث سنوات و أكثر أو هذا ما بدی لي اول نظرة ، لمعان عينيه السماويتين يكسر الظلام الذي كسى الليلة الغائمة الباردة ...
حاولت تجاهله كبقية المارة الذين يحدقون في بشفقة أو إنكار و لكنه كان مختلفا عنهم ... و ربما مشابه لي ، جلس بجانبي تحت ذلك المطر اللاسع يلتقط أنفاسه و الدموع لا تنفك عن التهرب من زرقاويه ثم يمسحها بسرعة ، محطم المشاعر و الجسد ... أفاقني من شرودي صوت العكاز و هي تنزلق هاربة إلى الطريق العام و الطفل الصغير جعل يبحث عنها بخيبة متلهفا إلى إيجادها مثلما قد ضاع جزء ... منه !! إنها أول مرة أستعمل هذا التعبير المجازي في موقف .. حقيقي !!
حركت قدمي قليلا من تشنجها ثم وقفت أسقط تلك المظلة من فوقي و التي كان أحق بها مني ... وقفت متجهة إلى الطريق و حين اعدت له عكازه الأسود القصير امسكه برفق من يدي لكني لم افلته ، بل و عندما شدها ليأخذه من يدي لم افلته أيضا .
- انهض ...
فأنكر لي جملتي بحزن : أنا لا استطيع ..
تمنيت لو أني لم أسمع هذه الكلمة بالذات منه ، كرهت رؤيته ذليلا منكسرا يشبه شخصا أراه كل يوم في المرآة ، طلع ندي يانع لا يزال هذا الأشقر الصغير ... سيستطيع رغما عنه و ليتوقف عن هذا الحزن الذي غرقت فيه أنا و ما كنت لأسمح أن يذوقه أي شخص .
جذبت تلك العصا اكثر بكل قوتي حتی ارتفع جسمه من الارض و صار مستقيما بسهولة ، كان خفيف الوزن و ضعيف البنية أيضا ، ساقه اليسرى أهزل من يمناها و أضعف بالتأكيد ... و ضعت العكاز تحت يده فإتكأ عليها شاكرا لي تمتمة خفيفة حرجة .
- جيد ...
قد كان ينظر إلي بذهول تام كنظراتي له عندما اهتم بوجودي و حماني من المطر ، تلك النظرات التي اخفتها خصلات شعري المتقصف ، شعرت حينها أنني الوحيدة التي تهتم به أيضا !!
.
.
.
فجأة ركنت سيارة فاخرة أمامنا كادت من سرعتها ألا تتوقف ، نظرا لوجه الفتى كان مترددا و نظره لا يرفع عن الأرض بعد رؤيته لتلك السيارة التي يبدوا انه قد تعرف على صاحبها ، هل هما والداه ؟؟
ترجلت من السيارة سيدة و زوجها اللذان هرعا الى الفتى يقيانه من المطر معتذرين و ماسكين بيده نحو السيارة .. أيا كانا أو كان حينها فوجد أخيرا ملاذه .
أما اليوم عندما سمعت صوت روي و هو يخفف علی إيف في الهاتف أدركت أن ايف ليست ملكي وحدي ، ليس بعد الأن علی الاقل .. و بالرغم من السنتين التي قضيناها معا عليه أن يكتسب اشخاص جدد الی جانبه .. عائلة .. اصدقاء .. فهو ليس ملكي وحدي !!
أنت تقرأ
الشخص الخطأ
القصة القصيرةحياتي تسري في مسار خاطئ ، إسمي ليس إلا حروف خاطئة ، كل شيء من حولي خاطئ ، ليس لدي مشكلة في ذلك لكن العالم بأسره يواجه مشكلة معي . أنا اختنق كأنني أعيش وسط خزانة متحركة ، بصيص نور صغير يتسلل إلى نفسي تلك التي تمنيت رؤيتها نفسي الحقيقية حياتي لا يمكن...
