الفصل 4 : أريد إسما من فضلك .

833 92 49
                                        


سنة ، لا يزال الوقت مبكرا ... سنتان ، ليست بالأمر الكثير ، ثلاث سنوات ... لا بد و أن ما تبقى ليس بقدر ما مضى ، أربع سنوات ... أغلقت الخط بوجه صديقاتي و توقفت عن زيارة أهله ، خمس سنوات ... ثم سنوات من بعد سنوات لم يعد بمقدوري عدّها اكثر .. كم من الوقت علي ان انتظر كي اسمع صوت صغير لي ؟؟ سألت هذا السؤال يوما و لم يفلح أي طبيب أن يجيب عنه ، لكنه و في يوم ممطر مسح زوجي الدموع عن مقلتاي و اجابني إياه بفرحة عارمة فقال " لن ننتظر بعد الأن عزيزتي ، فلقد وجدت ابننا المنشود !! "

إسمي هو ريموندا و أنا والدة ايف بالتبني .

...

الشهر الرابع من السنة ، هذا اليوم هو أول يوم في الثانوية لإبني إيف ، سنته الثانية !! لقد سرق الأمر وقتا طويلا من أيدينا من أجل إقناعه بالإلتحاق بصفوف الثانوية ... لم تكن مرحلة دراسية إجبارية لكنها كانت العذر الوحيد لنا لكسر قوقعته و فتح أبواب قلبه ... كان قد توقف عنها منذ سنة ، لم يخرج من منزله منذ ستة أشهر ،و من غرفته منذ أسبوع . حرفيا !! تدهورت حالته كثيرا بسبب هذا العزل المستمر لنفسه ما استدعی تدخلي بنفسي ، ولد بعمر أزهار إبريل ... أشقر الشعر بلون سنابل يوليو و زرقاواه كبحر منعش في أحر أيام أغسطس ، كان نجمة سقطت من السماء لي كم تمنيت لو خلقت داخلي فكانت جزءا مني لا يفارقني و لا أفارقه ...

اتصلت بزوجي ...

- عزيزي .. أهلا ، ااه نعم بخير .. أردت الإطمئنان على إيف ، هل هو معك ؟؟

ليجيبني روي على الهاتف : ااه أجل بالطبع .. لقد إنتهيت من إجراءات إعادته للدراسة .

- هذا جيد جدا .. هل لي ان ان اتحدث اليه !؟

روي : بالطبع ، إيف !! خذ ..

شعرت أنه كان مترددا من مخاطبتي أول الأمر لكنه نطق بصوته الناعم بعد ثوان معدودة : مرحبا !!

- اهلا !! ايف ... كيف هي الثانوية ، لا بد أنها تغيرت كثيرا اليس كذلك ؟؟

صوت الصمت مجددا ثم صوته : أجل ... إنها كذلك سيدتي .

- ايف !! فقط نادني بإسمي فأنا لدي إسم أيضا ... و لا بد أنه قريب من إسمك أيضا .

لم البث أن سمعت هذه الجملة تخرج من فاهي حتی تذكرت ذلك اليوم فقبل سنتين و في يوم ممطرا آخر من آخر أيام السنة ... عرجت الی شركه زوجي بعد ان ضقت ذرعا من الملل و الصمت القاتل في المنزل ، لا أطفال لدي و زوجي ... لا أحد أتصل به فيخفف عن وحدتي إلا و زادها عني ، يسألونني دائما عما قاله الطبيب ، يذكرونني بكم سنة مضت من زواجنا ، يخيفونني بما سيحل بي إن نفذ صبر زوجي .. أنا أحبه !! لا أتخيل أن أفترق عنه فلا أسمع صوته أو أرى وجهه أو أذوق عطره ، لا شيء لي غيره .

عندما صرت بمقربة من شركته مسحت وجهي من الدموع ثم رتبت مظهري و فككت شعري فوق كتفاي ... فوجئت عند دخولي بالسكرتيرة التي أخبرتني أنه في اجتماع مهم ، حتى في هذا الوقت المتأخر هو يعمل بجد و مسرفوا الوقت يكسرون قلبي في أنه يتهرب مني ، استرقت النظر من فتحه الباب فرأيته برفقة فتی في المرحله المتوسطة أو أكثر ... كان يمسكه من يده و يحاول أن يُجلسه علی كرسي مرتفع ، كان يظهر لي الفتی مبتلا تماما و بيده عكاز ما ... لم يمضي الوقت لأدرك أنه طفل أعرج ، و ليس أكثر منه قد إنقبض فيه قلبي إنفطارا لمنظره ... فتحت الباب ببطأ أحاول جذب نظر زوجي لي و سرعان ما فعل .

روي : اه !! عزيزتي ريموندا ، أحضري لي بعض المناشف ..

دخلت بسرعة دون مقدمات و جعلت أفتش في خزانة زوجي عنها ، كان روي يقضي معظم وقته في الشركة لذلك كان يحتفظ ببعض الملابس عنده و أحيانا كنت من يمر لجمعها و ترتيبها .

جلست بمقربة من الفتی المرتعد بردا و اخذت امسح علی وجهه البريء و يديه الناعمتين ، في نفس الوقت لم أستطع رفع عيناي عن ساقه الهزيلة و عكازه الأسود المرمي بجانبه ، وسامة و براءة خاطفة و ربما إسم جميل و غيرها ... كان على القدر أن يأخذ شيءا من الجميع و لو بمقدار شعرة عن الكمال ، لم أدرك في الماضي مقدار الغيرة التي تنهشني من قبلهم إلا بعدما تحولت إلى نظرات الإنتصار المغلفة بطبقة رقيقة من الشفقة ... كنت الشابة الجميلة ، الطالبة المجتهدة و الزوجة المحظوظة ، حتى تحققت أمنياتهم بكوني المنتظرة العقيمة.

روي : ريموندا اعُرّفك ..هذا ايف .

- ماذا ؟؟ هل انت ايف حقا !! ضننت انك ستكون شخصا بالغا .

لم يرد مطلقا بل لا يظهر اي تعبير على وجهه المظلل خاصة و أن المنشفة فوق رأسه تغطي ملامحه ...

روي : ايف !! انا دائما اكلم زوجتي عنك فأنت تساعدنا كثيرا في اعمال الشركة .... لكني لم اتوقع يوما ان تفصح عن نفسك ، فهل تحتاج الی راتبك ام ... !!

كان صوته يبدو غريبا نوعا ما ، اقرب الی الرغبه في البكاء و النحيب ... خافتا و باحا ، ناعما و حزينا ، عض بيده على سرواله ثم قال : انا لا اريد أي مال ... أنا أريد إسما !! من فضلك .

..

ذلك ما سمعته حقا بإذناي ... لم أكن أهدي و ما كان يكذب أو يمزح ، أراد إسما فكان له ما أراد و ما لم أرضاه يومها .

إبتسمت بعد جملتي و قلت : إيف ، اسمك صار مقترنا باسمنا و انا صرت والدتك الأن .

ساد صمت مجدد سمعت ضحكة خفيفة و صوتا اقرب إلى الهمس : انت افضل من تكوني امي ، خالتي ريموندا .

سمعت همسه ، بادلته الضحكة الجميلة و همست أنا الأخرى : و انت افضل ابن قد احظی به في حياتي كلها ... إيف .



الشخص الخطأحيث تعيش القصص. اكتشف الآن