الفصل24 : الاحترام بديل للحب

383 49 32
                                        


في دورة حياة البشر القصيرة اعتاد الجميع ان ينتظر مقابلا لما يقدمه ، ليس جشعا انما شعورا بالرضى والاطمئنان و لو كلمة عرفان محتشمة على الاقل ! الشخص الوحيد الذي لا ينتظر شيئاً من احد هو الأم ، تلك الفريدة التي تقدم الحب بكل جود و كرم لصغارها و فؤادها مفعم بالأمل والتفاؤل تجاه مستقبلهم ، في حين يشعر الطفل بواجبها الحتمي في فعل ما تفعله و لا حق لها في التخلي ... و للأسف الشديد ما من احد سيُقدر هذا المجهود منها إلا عندما يصطدم بجدار الاختلاف ، اختلاف الام عن زوجة الاب ، اختلاف الابن عن ابن الزوج و اختلاف الحب عن الاحترام .

اسمي هو زارا .

....

في غرفتي المظلمة التي تبعثر كل رف منها ارضا و كل درج مفتوح بعشوائية ، كنت اقذف محتوياته خارجا لحين حصولي على تلك التي لا زلت أتأملها ... اخذت الصورة القديمة بين يدي اخيرا بعد نسيان دام سنوات تحت غبار الحياة المتراكم على ما ينبغي ان يكون جزءا مهما من حياتنا ، لكنه و بطريقة ما صار ذكرى بما تحمله الكلمة من معنى ، و لن اكذب فقد جعلتني اصواتها الحية في ذاكرتي اذرف دموعا ساخنة ... حين سمعت خطوات غريبة تقترب من مساحتي ابعدت بسرعة تلك التي لم اذق طعمها المالح منذ وفاة امي .

" هل من خطب ما ؟ " بصوت مرتعش و خائف لم تفهم كارلا ما الذي اقدمت على فعله بعفوية و كأنه قد جن جنوني فجأة .

- لا ابدا ... اقصد انتظري !

" ما الخطب مجددا يا زارا ؟ " هذه المرة كانت منزعجة للغاية و لا انكر ذلك فسألتها سريعا : قبل سنتين و نصف ، لماذا لم تحضري مع ايف لمهرجان الشتاء ؟!

" ماذا ؟! " وجه للصدمة ارتسم على محياها عندما اريتها تلك الصورة القديمة فأمسكتها بكلتا يديها المرتعشتين ، اين توسطت امي الحيز الضيق تضمنا اليها بكلتا ذراعيها الدافئتين ، انا من اليمين و ايف من اليسار و كثبان الثلج الناصع تلمع كالسكر من خلفنا ... و سألتها مرة اخرى : لماذا لم تقومي بذلك فقط ؟! اين اضعتي تلك اللحظات القليلة ؟! بأي جرم عاقبت ايف يومها ؟!

كانت كارلا تجاهد دموعها الغزيرة قبل ان تفضح حزنها او غضبها ! لست ادري ما تشعر به و لا استطيع فهمها البتة فإكتفت بالتمتة الخجولة قبل ان اصرخ عاليا انزعاجا من تصرفاتها الغبية .

" انا ! انا لم ... "

- انت ماذا ؟! تكلمي !

" انا لم اقصد ذلك حقا ... " صدح صوتها الباكي انحاء الغرفة و على الرغم من حلكة المكان الا اني رأيت لمعة دموعها ، شعرت بحرقة قلبها و حسرتها على ايام الماضي ، و واصَلت : ابدا لم اقصد و ما اردت حدوثه ، صدقا لو كنت معه لما حصل كل هذا ... كل ما حصل كان بسبب تخلِّيَ عنه .

الشخص الخطأحيث تعيش القصص. اكتشف الآن