الفصل الثاني والعشرون

439 14 1
                                    

جلال يستغل الوقت في شيملا ويتجول في اروقة المكتبة الطبية لإحدى الجامعات هناك ليجد مايدعم بحثه الطبي للتخرج من كلية طب الاسنان بينما جودا اعتادت على مقابلة سانجو خلسة وقضاء بعض ساعات النهار في حديث فكاهي مع ذلك المراهق الشاب وكان يشعرها بسعادة غامرة ويضحكها من القلب على مغامراته الرعناء وقصصه الخيالة التي يسردها لها ناهيك عن زجاجات النبيذ التي يمررها لها خلسة وجودا تكافئه على ذلك .. مرت ايام اخرى واصابة جودا تتماثل للشفاء ولكن من جهة اخرى بدأ يؤثر على صحتها العامة كثرة شربها للسالاديندوري ..كانت جودا تتهرب من أفكار كثيرة كانت قلقة بشأن عائلتها وربما مشاعر كثيرة تساور قلبها وتحيطها الاونه الاخيرة ..كان بابها مفتوح قليلا وسريرها بمواجهة الباب فلمحت حركة جلال بالصالة كان يظن انها نائمة واخذت جودا تراقبه بصمت فكان يروح ويجيئ يحاول ترتيب شئ او اعداد شئ فلما جلس ليحتسي قهوته وبيده جريدته انزلق الكوب من يده فإندلقت عليه القهوة وعلى الكنبة والارض فركن الجريدة وتحوقل قائلا : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ..واخذ حفنة من مناديل ورقية ليجفف بها الكنبة ولم تفي بالغرض فنهض يجلب شيئا من المطبخ فلما نظف المكان خلع قميصه فبان لها ما كان يتوارى لها فرأت صدره للمرة الثانية وتذكرت كيف قامت بخلع قميصه المرة الاولى مع الطبيب ليضعوه بالمغطس فإبتسمت وهي تتذكر انه لا يحب تلك الاشياء ولا يحب ان تلمسه امرأة ..فدخل يستحم ولما خرج يتأزر بمنشفته وجسده مبلل كان منظراً مغرياً جداً لجودا وهي تتذكر كيف وقعت على صدره لما اصطدما ذلك اليوم كان دفئ بشرته لا زال في ذاكرتها ..لاتدري مايعتريها عندما ترى او تقترب من ذلك الرجل لما هي مأخوذة به لما هي منشدة اليه ..لم تكن لتفهم شيئاً وكذلك شعورها الان وهي تراه امامها عاري الصدر وقد أضاف اليه هذا المنظر شئ من البربرية تثير شجونها احياناً لتجذبه إليها وتتملكه وتلثم شفتيه بقبلة مجنونة ..فعبست جودا فجأة موبخة لنفسها على تلك الافكار غير النقية ثم عادت لتبتسم هامسة : ايتها الغبية ..كفي عن ذلك . ثم استدارت واراحت رأسها قليلا لتغفو ..جلال يرتدي ثيابه ويمشط شعره ثم يمر ويطرق الباب برقة شديدة على جودا ويكمل فتحه فيراها مغمضة العينين مبتسمة فتأكد من نومها فعاد ليرد الباب كما كان وذهب الى المطبخ بعدما إطمأن عليها ليعد وجبة العشاء .. وبعد ساعتين راح ليوقظها لتأكل وتأخذ دوائها ..فجلس بجانبها وناداها برقة جودا ..عزيزتي لقد حان وقت العشاء .. فكرر النداء فلم تجيبه فحاول ان يقترب من أذنها وهمس : جودا استيقظي فلما فتحت عينها وجدت وجهه بوجهها ..فجأة فزعت جودا لا ارادياً ووضعت يدها على صدره وابعدته وهي تقول بخوف : لاتفعل ؟ فإبتعد جلال ببطئ منها وهو عاقد الحاجبين مستغرباً وقال لها : إهدئي لم اكن افعل شيئاً دنوت منك لأوقظك للعشاء لانك لم تسمعيني لا اكثر ..عشائك جائز. ونهض منها وخرج واقفل الباب فشعرت جودا بسخافة طريقتها معه ..ولكن رد فعلها لم يكن بيدها للحظة ترائى لها شبح ذلك القاتل الذي اراد اغتصابها ..فمسحت نصف وجهها تحاول طرد تلك الافكار عنها ومحاولة ان تستوعب انها كانت تحلم وايجاد طريقة مثلى لتجبر خاطر جلال ..الذي يجلس على المائدة عابساً بصمت ينتظرها ..نهضت جودا وفي تلك الايام كانت قد ودعت الكرسي المتحرك واخذت تستخدم العكاز ..فتلقفت عكازها وسارت الى الحمام ببطئ فلما غسلت وجهها ورتبت هندامها سارت تحاول فتح الباب فلما فتح الباب هب جلال ليمسك بيدها فشكرته مبتسمه وكانت تستطيع جودا ان تكمل بنفسها المسير نحو الطاولة بعكازها ولكنها قبلت مساعدته واتكأت عليه عندما عرض يساعدها متعمدة لكي تُشعره بثقتها وبأنها تحس بالأمان معه وتصلح ما كسرته ..باختصار لكي تلمح له انه لم يكن قصدها ان تزعجه بشكها ولكن كابوساً ما كان يزعجها ولم تخبره ..كانت تأمل ان يفهم ذلك لكنها لم تكن متأكده الا انها كانت ترمي بثقلها عليه لتشعره بالوداد بينما قادها جلال الى مائدة الطعام ولم يبتسم ابداً وكان آليا ولكنها تستشعر انفاسه الدافئة وتختلس النظر اليه وهو يسندها الا انها لم تجرؤ ان ترفع عينيها بعينيه إلا عندما سحب الكرسي ليجلسها وأخذ منها العكاز وكان يضع الاكل امامها بطريقة آلية ايضا فإنضم اليها واخذا يتناولان العشاء بصمت ..فشعرت جودا انها تأكل بصعوبة لأن الطعام لم يكن متقناً وسئ الطعم بعض الشئ فقال لها : كيف وجدتي طعمه ؟؟ فترددت جودا بالاجابة وقالت : لا بأس به . فقال جلال ببعض الثقة والاحراج : لابأس به تعني انه لا يطاق ..حسناً لستُ طباخاً ماهرا اعترف بذلك..لكني احاول مابوسعي واعتذر منك حقاً..سأطلب لك طعاماً جاهزاً. فقالت : كلا لا اريد طعاماً جاهزاً أفضل الطعام المنزلي بكل حالاته لانه يصنع بحب ..شكراً لعنائك..هي بداية جيدة. فوضعت يدها على يده وهي تقول جملتها الاخيرة وابتسمت بإمتنان .. لتمنحه الثقة والتشجيع.. فتفاجأ جلال بردها الجميل ودفئ مشاعرها ..وانفرجت شفتاه ثم حدق بها صامتاً لا يدري كيف يجيبها ونظر ليدها التي تعانق يده بحنان بينما جودا سحبت يدها عندما شعرت انه بدأ ينظر اليها واكملت بهدوء تناول طعامها وعاد جلال ببطئ لنفسه وعاد ليتناول طعامه ثم قالت مبتسمه : قلل من الملح والزيت وأضف مزيداً من التوابل ولا تضف الطحين واستبدل الشوفان بالقرع وستكون جيدة. فنظر جلال لها محتاراً وجودا تتناول بهدوء فنظرت اليه وابتسمت : كل البدايات سيئة ..ولكننا سنحسنها لا ؟ ...فابتسم جلال وأطرق برأسه وبدئا يتجاذبان اطراف الحديث وعاد جلال لطبيعته عندما اخذت جودا تتلاعب بالكلمات والافكار والمواضيع لكي تحسن مزاجه وقد نجحت بدقائق وجعلت جلال يضحك من جديد وكأن شيئا لم يكن .. في اليوم التالي ..جلست جودا بالقرب من جلال وهو يعد الطعام وصارت توجهه وتساعده ايضاً باعداد بعض المكونات وهو يطبخ حسب ارشاداتها ونجح في اعداد شيئ يؤكل هذه المرة ولكنه لم يحفظ ما فعل ...كالعادة بمجرد ان تبتعد جودا يعود جلال ليخفق في اعداد الطعام ولكنها كانت تجتهد ان تبقى معه ما استطاعت ولكن ادويتها تسبب لها النعاس فتحثها على النوم لهذا تضطر لتركه احياناً ليعد كل شئ بنفسه .. في مساء اليوم التالي كان جلال قد تأخر خارج المنزل مما جعل جودا تنتهز الفرصة بتناول شرابها المفضل الذي جعلها مبتهجة جداً وكان الجو حاراً جداً ومع الشرب زاد شعورها بالحر فقررت الاستمتاع بحمام ينعشها فتجردت من ثيابها وتلفلفت بمنشفة كبيرة وإتكأت على عكازها بصعوبة لكونها تترنح من شدة السكر وراحت للحمام ..بينما عاد جلال الى البيت على عجالة رمى بمفاتيح السيارة وخلع نعليه وتوضأ لانه تأخر عن صلاة العشاء كما يبدو وشرع بالصلاة دون ان يكلم أحداً بينما جودا تحاول فتح الماء وفعلت بدأ يتناثر الماء على ارضية الحمام وبينما كانت جودا تملأ الحوض لتنعم بنقيع جميل بحثت عن رغوة الاستحمام فلم تجدها قرب الحوض فدارت بنظرها المشوش حولها فرأت بعض القوارير ولكنها عالطرف الاخر لترى ما اذا كان مقصدها بين تلك القوارير ..فلما إتكات على العكاز ومشت خطوتين الى الامام انزلق العكاز بسبب المياه التي تناثرت من الصنبور ووقعت جودا فلم تتوازن لانها اساسا كانت تترنح من السكر وإرتطم رأسها في حافة الحوض وسقطت مغشياً عليها وبدأت الدماء تسيل من اسفل رأسها بينما جلال سمع صوت شيئ يرتطم بارضية المنزل ولم يكن واثقا مايكون ولكنه كان قد انهى صلاته وراح يتحرك ليتفقد المكان


القادم / جلال يتفاجأ ان جودا كانت تسكر بدون علمه ..والطبيب يحولها للمستشفى ليكشف عن مدى اصابة رأسها تفيق جودا لم يخبرها جلال بعلمه انها تشرب ولكنه بدأ يراقبها .
بقلم وتقديم /مايا

الغجرية وعابد الليل   The Gypsy and Anchorite  of The Nightحيث تعيش القصص. اكتشف الآن