الفصل 38

546 24 11
                                    


  بدأ المحامي اقبال بمباشرة القضية مع محبوب من جهة ومع جلال من جهة اخرى وبمحظ الصدفة عرف محبوب ان شيرجان هو الذي كان مسؤولا عن كل شيء هو الذي خطط لقتل ارشد وتلبيس جلال التهمه بأخذ النخنجر الذي ظن انه لجلال وهو كان لجودا التي انقذت به جلال ففهم محبوب ان شقيقته فعلت خيرا ولكن ايدي الشر حاولت تورطيها ووذهبت جودا بلا قصد على موعدها مع السيد ارشد في نفس الوقت الذي نفذ شيرجان جريمته والذي فهم محبوب فيها على انها سرقة فقط ولكن محبوب لم يعلم ان ارشد اختار جودا لتمثل الاستعراض وانها كانت هناك بنفس الوقت كما ان شيرجان لم يخبر محبوب بدوافعه الانتقامية من جلال لهذا خطط للاتيان به في ظل الجريمة لتلبسه القضية خاصة وان شيرجان تعمد توريط جلال من خلال الخنجر الذي تبين انه لجودا بالاساس وكشف المفوض عن نقاب الجريمة من خلال سجل الاتصالات الخاصة بالقتيل وكاميرات المراقبة التي رصدت بعض التفاصيل التي تبرء جودا وجلال وتدين المجرمين ..كما ان محبوب لم يكن يتوقع ان يقع المحظور بهذه الجريمة وتتضمن القتل والاعتداء على فتاة تبين انها اخته بنهاية وهذا ما اثار بركان غضبه وذهب الى شيرجان ..ليواجهه بعمله الفظيع ولكن شيرجان غضب لنفسه واستفز محبوب بكلام دنيء رغم قباحة فعله وقال كلام منحط كأخلاقه فلم يتحمل محبوب واقسم انه سيقضي على حياته لتجرأه على الاقتراب من اخته واشتبك الاثنان في شجار كلامي وجسدي تطور لقتال عنيف ادى الى اصابة محبوب وموت شيرجان في لحظة ثورانه غضبا مما ادى الى تدخل السجناء لفك الاشتباك لكن كان قد فات الاوان ومات شيرجان اثر ارتطام رأسه على الحافة الكونكريتية لمصطبة في السجن ..وادى ذلك لقلب مجرى القضية واصدر حكما بالاعدام على محبوب الطف الدوما بتهمة القتل العمد مما حطم امال المحامي باخراجه على ذمة القضية الاولى بسبب القضية الثانية ..
على الجهة الثانية لم تقبل سكينة ارتداء ثوب الحزن على زوجها وقالت لاخيها انه عقاب الله له على جرائمه ولعل هذا تدبير الله لها ولابنتها لتعيشان بسلام دون ان يؤذيهما او يلحق بهما العار وقررت ان لاتخبر صغيرتها عن شيء فقط ستقول لها ان والدها توفى لكي لاتشعر ابنتها بالخزي لافعاله وتعيش بذكريات طبيعية فأيد جلال موقف شقيقته ووعدها سيعتني معها بطفلتها زارين .. وسكبت سكينه عتابها وغضبها عليه كيف يتزوج من دون علمها وكان جلال يبرر ذلك بالخطر اللذي واجهه وشروط المفوض بالخروج من المدينة دون علم احد.. فوبخته على الزواج من راقصه ورفضت ذلك كليا فأخبرها نعم ان زوجته كانت راقصة ولكنها انسانة جيدة وليست كما تظن ..كما انه الرجل الاول في حياتها وهي لاجله تركت الرقص الان وحامل بطفله ولكن سكينه لم تتقبل الامر وشعرت جلال مأخوذ بها فقالت له يبدو انها سحرتك وانتهى ومهما قلت الان لن تستوعب قولي . فأخذها جلال لاحظانه بهدوء ليمتص غضبها ويعتذر لها لاخفائه الموضوع عنها واخبرها كم يحب زوجته وهي تحبه ومهما كان ماضيها لا يهمه فما يهمه حاضرها الان وقال جلال : يا اختاه ان جئنا للخطايا فهل انتي تخليت عن زوجك لاجل خطاياه وماضيه ؟ بالطبع لم تفعلي وكذلك انا لن اتخلى عن زوجتي بسبب ماضيها نعم لا انكر انها كانت ترقص لانها نشأت على ذلك ولم يعلمها احد مهنة غيرها ولم تتلقى تعليما كافيه ..لكنها صاحبة كرامة وشرف ولم يمسها رجل في حياتها انتي لا تعرفينها هي كاللبوة الشرسة لاتقبل الخضوع لاحد ..كانت نظرات سكينة متمردة على قول جلال فأجابته : انت تحاول التبرير لزوجتك بأي طريقة احب ان اخبرك انا وشيرجان تزوجنا وانحرف للخطايا بعد ذلك فطبيعي الا اتخلى عنه ولكنك تزوجتها وهي منغمسة بالخطايا وانت تعلم انها غجرية راقصة وكل الامر كان لعبة من الاساس حتى تنكشف خيوط القضية ويثبت الضابط برائتكما لشكه انكما ارتكبتما الجريمة فكيف تقارنها بزوجي اصلا مقارنتك غيرسوية .. فالامر برمته لم يكن زواجا فعليا فكيف وهبتك نفسها لو كانت على ذلك القدر من الشرف . فصاح جلال بغضب : سكينه .. الى هنا ولن اقبل ان تخوضي بذلك حاولت ان ابين لكي فلم تقتنعي وحاولت ان ارضيكي فلم ترضي .. الان اخبرك وسأخبرك كل يوم زوجتي أشرف انسانة على وجهة الارض وان بدا قولي غريبا ومتناقضا مع كونها غجرية راقصة ولكن نعم ياسكينة انها اشرف غجرية واشرف راقصة واوفى انسانة عرفتها .. وتقبلتي ذلك او لم تتقبليه فهو كائن ياسكينة ولن يغير هذا الحديث واقعي الان . فقالت سكينة : ارى ذلك وارى تأثيرها عليك لدرجة انك تصرخ بي دون وعي منك . اغمض جلال بتعب ونفخ بنفاذ صبر واستعاد هدوءه بعد الجزع وقال لها : حبيبتي لاتنسي انها زوجتي الان وكما اني لا اقبل ان يتحدث عنك احد فأنا لا ارضى عليها ذلك ايضا فقالت سكينة محتجة بصدمة : هل وصل بك الامر ان تقارني بها ياجلال ؟؟ قال جلال : انا لا أقارن انا ابين لكي واجبي نحوكما لانكما نساء بيتي سكينة بغض النظر عن ماضيكي الابيض وماضيها الاسود ..الان انتما مسؤوليتي وكما احميكي سأحميها كلاكما تحت مضلتي الان . دمعت عين سكينة وقالت : بل انت فقدت صوابك جلال ولم تعد تحبني وتصرخ بوجهي لاجلها. فتبسم جلال واحاطها بذراعة : من الذي لا يحبك ايتها الصغيرة المدللة .. انتي قطعة من روحي .. ياحبيبتي انا فقط غضبت لاجل الحق وليس لاني افضل زوجتي عليكي والله يشهد على نيتي ..ياسكينة لا اريد ان نكون من الظالمين الا يكفي ظلم المجتمع لها هل سنزيدها نحن ؟؟ يا اختاه تعلمنا منذ الصغر ان الله يقبل جميع الخاطئين الكفرة والفجرة والفسقة والسحرة ..وهي ليست بسوء هؤلاء فإن تقبلهم فكيف لايقبلها وهو الذي وسعت رحمته كل شيء ... وان كان رب العزة يقبلها فكيف لا تقبلينها انتي ياسكينة وانتي امته السالكة على نهجه ..هنا يأتي اختبار الرب لايمانك وقت الاشياء الصعبه وليس الاشياء السهلة ...لاتنسي انها انسانة مثلك لها معاناتها وقاست بحياتها كثيرا تماما مثلنا ربما اكثر او اقل لايهم ...المهم انها مثلنا كائن حي يشعر ويتنفس ويحق له العيش بكرامة وليس ذنبه ان تربى في بيئة ضالة فهاهي فرصته ليحيا باعتدال ...يا اختاه لاتنسي ان الله يغفر ذنوب المرأة جميعا عند المخاض لانها ترى الموت وهي تخرج الروح من بطنها ذلك الذي يسمى مولودا وانتي ام وتعلمين ما اقول ولاتنسي ان هذا الطفل لو حملها على ظهره ودار بها كعبة العلي الاعلى ما وفاها حق طلقة واحدة من التي شعرت بها وهي تنجبه لأن الجنة ستكون تحت اقدامها مثلما كانت تحت قدمك وقدم والدتي وكل الامهات وهذا بتأييد الله وليس كلام اقوله للدفاع عنها ...يااختاه لاتنسي اني ادين لها بحياتي فقد انقذت حياتي اكثر من مرة واخبرتك بهذا ولولا بعثها الله الى جانبي ماكنت واقفا امامك الان وتخيلي حالك بدون زوج واخ ماسيكون ولكنها حافظت على اخيكي من براثن الموت افلا تستحق بعد هذا منك القبول والرضا. انزلت سكينه رأسها وقد اثرت بها كلمات جلال بشدة وشعرت بقناعة مرضية تسري بداخلها . فقالت : معك حق يا اخي وانا اسفة لم ارى تلك الجوانب لاني كنت ارى ظاهر الغجرية والراقصة امام عيني ونسيت الجانب الانساني بلحظة غضب. ولكن ياجلال لو قبلناها انا وانت فكيف سيقبلها المجتمع الذي نعيش فيه ..عمنا والعائلة غاضبين جدا ووصلني من ابنة عمنا ان الوضع شديد جدا وانا اخاف عليك ماذا سنفعل ؟ فقال جلال : دعي شؤون الخلق للخالق ..والله سيساعدنا بذلك كما جمعنا على محبته اختي ..ربما الله سبحانه جمعني بها بحلاله لكي يحميها من ظلم المجتمع الذي تخافين منه الان. لانعلم اين الخير حبيبتي لكن كل ما اعرفه اني سأحارب العالم من اجلها. سكينة بقلق : هذا صعب ياجلال سيستفزونك بها. قال جلال : لاتقلقي سيعينني الرب على ذلك ثقي بالله وبي سأتحمل اي شيء وسأدافع عن حقي معها. فقالت سكينة : سأصلي من اجلك اخي وادعو ان يحميكما الله من اذى الناس ..تبسم وقال : امين. وهو يحظنها ..شعرت سكينة براحة شديدة وهي متصالحة مع اخيها واستطاع جلال بالنهاية ان يقنعها بوجهة نظره . في هذه الاثناء كانت جودا تتقيئ وقد بدأ وحامها يشتد عليها وتعب الحمل صار واضحاً عليها ومع سوء النفسية لأجل محبوب وصدمتها برحيل والدها لازمت الفراش والجدة كانت تعتني بها .. بينما جلال كان بمعركة اخرى حيث استدعاه عمه اليه وبدأ يعرض عليه الطلاق من جودا ويصف زواجه بالعار وفرض اعلان خطبته من رابيا فورا .. فهب جلال عليه معترضا واخبره انها حياته ولايحق لاحد ان يفرض عليه شيئ وان كان عمه ..فغضب العم لتمرد جلال وصار الاخر بإحتدام ومواجهة مع عمه وعلت صيحات الاعتراض والتصادم بينهما وهدده العم اذا لم يطلق تلك الغجرية ويعلن خطبته من ابنة عمه فسوف يحرمه نصيبه من الميراث العائلي وينبذه .. فرد جلال عليه بحاجبين غاضبين وتحداه بهدوء قائلا : لايهمني ولو كان مال قارون. وخرج جلال بعصبية فرأى ابنة عمه بوجهه وقد شحب لونها وسمعت كل شيء وهي تنظر اليه فتوقف وبادلها النظرات للحظات وكأن عيناهما في حديث فهي تفهمه منذ طفولته وهو يفهمها كذلك. ولكنه فضل ان يغادر بصمت الان وتركها بحيرة وسط ذلك الجو المكهرب.
بالعودة الى منزل الجدة كانت تعد لجودا بعض الحساء الدافيء بينما كانت جودا تتبسم وتمسح بطنها وتحدث جدتها : جدتي هل تظنين انه سيكون شقيا ام هادئا.
استدارت الجدة عليها بضحكة خفيفة : سيكون الاثنين معا شقيا مثلك لما يلعب وهادئا كوالده لما يتقلب.
تبسمت جودا بسعادة : ما ادراكي ان والده هادئا فبالكاد رايته بضعة ايام ؟؟
فقالت الجدة : الكتاب يعرف من عنوانه ..انا اعرف البشر من نظرة واحدة باعينهم فراستي بهم لا تخطيء فكيف لا اعرفه بأيام عديدة ؟؟ انسيتي اني عرافه يافتاة
ضحكت جودا بخفة : لا لم انسى جدتي واجمل عرافة في العالم ..فضحكت الجدة وحظنتا بعضهما وطرق الباب كان المحامي اقبال فرحبت به الجدة ودخل ..وجلس يكلم جودا والجدة وبعدها ..خرج من عندهما تاركا خلفه إمرأتين في حال صدمة وبكاء وعويل.
علمت جودا والجدة بخبر اعدام محبوب ووقعت الجدة مغشيا عليها ووصل جلال بعد ساعتين ليواسي زوجته ويهدأ روعها وتباع الطبيب لعلاج الجدة ولما خرج اغدق على جودا حنانه وأمانه وطلب منها الصبر الا ان جودا لم تتوقف عن البكاء بأحضانه حتى تعبت ونامت وهو يفكر كيف ستكون الايام القادمة.
القادم / اللقاء الاخير بين جودا وشقيقها محبوب قبل اعدامه ...وعم جلال يلتقي بجودا ويعرض عليها امرا ...وتختفي جودا على اثره ..وتبدأ رحلة البحث المجنون عند جلال ماذا كان السر وراء اختفاءها لا احد يعلم. 

يتبع  

الغجرية وعابد الليل   The Gypsy and Anchorite  of The Nightحيث تعيش القصص. اكتشف الآن