الفصل 31

601 23 2
                                    

كان جلال يحاول ان يهدأ من فورة غضبه بعد خروج المدعو اهيل من الغرفة وقال لجودا بحزم ..من الان وصاعداً لن ترقصي مجددا ياجودا ...ونظر لها ليرى وقع كلماته لكنها ضحكت وارتدت لتتكأ الى الوراء وهي تنظر له كما تنظر لطفل صغير وقالت : لم يكن مزاجي جيداً هذه الليلة ولكن لك طريقة مذهلة على تحسين مزاجي بشكل غريب ....وضحكها بتلك النظرة المتراخية الساخرة المغرية استفز جلال فقال : سعيد بأن اكون سببا لبهجتك ولكني لم اكن اطلق نكتة ياجودا بل هذه رغبتي جديا وانا افضي اليكي بها صادقاً...فظلت تنظر اليه وهو جالس بجانبها على السرير بينما هي نصف نائمه ومتكئة تنظر له نظرة مغرية ويعلو ثغرها ابتسامة خبيثة وهي تتلف خصلة من شعرها على اصبعها واما هو فينظراليها نظرة معذبة يكبت فيها ألمه وغضبه وغيرته وجنونه ....فنظرت له طويلا وهي تدور بخصلاتها على اصبعها قائلة وكأنها تسبر اغواره : إنها الحمى ياعزيزي ..أنت تتعذب الان بسبب حمى الشغف..وما ان ينتهي شغفك بي ستعود الى طبيعتك ... وتنسى هذا الهراء الذي تتفوه به ...بضعة ايام هنا واخرى مثلها في شيملا وسينتهي الامر عندما نعود مدينتنا ...فلا تنغمس كثيرا ياجلال ...وتشق على نفسك. فهب اليها جلال وامسك بكتفها وجذبها اليه بحرارة وقال لهامتشنجا وهو يهزها مواجها حتى شعرت انه حرارة انفاسه تكوي وجهها : لما لا تفهمين ياجودا ...لما لا تفهمين؟ ...انتي زوجتي وانا احبك احبك احبك ..ولا اطيق فكرة بقائك بهذا العالم الذي يدمي قلبي . ولصق جبينه بجبينها واغمض وهو يتكلم بعمق ويهمس لها بحب : اعدك انني سأهبك حياتي لتسعدي ...كما وهبتك حياتي وقلبي ..لا اطيق عيون الرجال عليكي ياجودا ... فأنا احترق. فأمسكت جودا بكفيها وجهه وابعدته قليلا وقاطعته بنبرة قاسية غاضبة وهي تعصر خديه بقوة حتى احمر وجهه وهو اسيرها : كف عن جنونك واحتراقك واصغي الي مرة واحده ...انت لا تعي ماتقول ..كف عن تدمير نفسك على اعتاب عالمي ...افق ياجلال ..نحن هنا فقط لننقذ حياتنا ... انت سيد نبيل ومن عائلة نبيلة لك عالمك الخاص الذي ان اختلط دخانه بعالمي اوقد نارا لا تنطفئ ... فسكن جلال الى كلامها وهو ينظر لها بصمت فأرخت يدها ونظرات الغضب منها والتحدي منه باديتان ... وبعد صمت لحظة قال لها بحاجبين منعقدين بنبرة هادئة واثقة وهو يركز بعينيها المتمردتين فإقترب فارتدت قليلا لاقترابه وتوجست من نظرته ولكنها ثبتت بمكانها لكي لا يضنها خائفة منه فلما دنى جدا وهي تنظر بعينيه نظر هو لشفتيها لثوان ثم اشاح ووضع دفئ انفاسه على اذنها فأذابها وهو يقول هامسا : حسناً ياجودا ...حسنا ...اذا استعدي لتحترقي معي .. فبلعت جودا رمقها واتسعت عيناها واما هو فنظر لها نظرة المتوعد الواثق قبل ان ينهض من جانبها ويتركها تتكسر دكة القلق والخوف والشتات ....وهي تفكر فيما يضمر من نوايا خلف هذا القول لايبدو انه سيتراجع ابداً ..ولكن عليها ان تجد طريقة اخرى معه فالكلام لم يعد حلا مجدياً ...فراح جلال يسحب غطاءا من مكان ما...وبينما هي شاردة تفكر فيما ينوي تقدم نحوها برفق فلمس قدمها فجفلت وسحبتها من بين كفيه .. فقال لها بسكون : لا تخافي فأنا اخر شخص في هذا العالم يخطر بذهنك ان تخافي منه .. فمد يديه الى قدمها فسحبها برفق وخلع خلخالها ..ثم اقترب منها واحاط خصرها فخلع عنها حزام رقصها بعنايه وهو ينظر بعينين باردتين حزينتين لها ...كأنه يموت ...ثم سحب لها اقراطها والعقد الذي على صدرها وجمع كل تلك الاشياء ووضعها على منضدة بالغرفة ثم اخذ الغطاء ودفع جودا للاسترخاء واخبرها انها ستكون مرتاحة الان وعليها ان تخلد الى النوم ...وغطاها بعناية وقبل رأسها ..ثم اطفأ النور وراح ارتمى على اريكة بالغرفة وهو ينظر الى الشباك ونور القمر يداعب عينيه الحزينة التي ترتاح قليلا للبدء برحلة عذابها ..بينما لم تتحمل جودا عاصفة الصمت الحاني التي اغدقها عليها جلال ببرود غير معهود وهي تعلم احتراقه ...فاستغلت الظلام وارخت دموعها .. وتلك المعامله تمزقها اكثر ولا تدري ماينوي عليه ..تمنت لو حصلت على تلك الفرصة لتحتضنه وتخبرته كم تحبه بتلك البساطة ...ولكنها تعلم انها ستحطم سمعته وحياته ان شاع خبر اقترانه بها بالمدينة عندما يعودان ...وسيشعل هذا حرباً دينية بسبب عائلته المتدينه ويكفي شيوخهم التي ستنزل القصاص على هذا الاقتران كما تنزله على زانية أعدت للرجم....ولا تريد ان تتخيل اي مصير اسود للرجل الوحيد الذي احبه قلبها ... واي عذاب في بعده يهون الا ان يصيبه مكروه فهذه الفكرة لاتريد استيعابها حتى بالخيال ...وجدت جودا مع تلك الدموع المحترقة صعوبة بالنوم وجلال ايضا ..ولكن كل منهما يظن الاخر نائما حتى نهض جلال بهدوء وجودا تراقب خطاه فدخل الحمام وبعدها لاحظته يتوجه الى قرب النافذه ولم يضئ شيئا كي لا يزعج رقادها ظنا منه انها نائمة وافترش حصيرا بالظلام وانتصب قائما وكبر للصلاة ..وشرع خاشعا يصلي وهي تراقبه فلما انتهى صارت تسمع صوت تسبيحه وتهجده ثم صار يناجي ربه وهي يرخي الدموع خاشعا ويتضرع اليه وهي تسمعه من غير ان يعلم وتذوب من رقة ذلك الصوت الذي يتقلب معذباً بين يدي ربه بسببها هي .. فلم تكن دموع جلال وحدها ترتفع مع دعاءه بل كانت دموع اخرى بالغرفة ترتفع مع الذنب والحب ...فكان يقول في تلك اللحظة ...

الغجرية وعابد الليل   The Gypsy and Anchorite  of The Nightحيث تعيش القصص. اكتشف الآن