الفصل الثاني

1.7K 52 2
                                    


  اعلن الرئيس الطف ان تسير القافلة نحو شرق الهند لتبدأ رحلة جديدة هناك فدخلت الام الغجرية "ريهانا" وبيدها الطفلة الصغيره تداعبها وتلاطفها ثم بدأت العربة تسير ليلاً وبينما ترمق ريهانا ضوء القمر الجميل من نافذه العربة السائرة في العراء تذكرت ابنتها التي توفيت بمرض عضال اثناء وجودهم في تلك الناحية لمدة 6 اشهر فدفنت هناك تماما مثل "رحمات" والدة تلك اليتيمة ثم بعث الله لها هذه الطفلة لعلها تكون هدية السماء وعوضاً عما فقدته فأشجاها الحزن وهي تعالج مر ذكرياتها و اخذت تناجي طفلتها وتقول : أنا لا ارحل وحيدة اليوم بل ارحل ومعي رفيقة ..تملأ ذراعي وقلبي حنانا .. ايتها المسكينة بقيت أمك وابنتي ترقدان في نفس التربة التي نبتعد عنها الان تتشابك الاقدار وكل شئ مكتوب في كتاب الرب ..رب الطيبين . بدأت الطفلة تبكي فقالت لها وهي تمسح على صدرها : لا تبكي ..تعلمي ان تنامي فيما تسير العربات ليلاً .. ستتعودين لاتبكي..!ثم عزف العازف ليتسلى بالطريق وكان اسمه الطبال "راضي" لحنا شجيا فتناهى الصوت الى الغرفة فقالت العجوز : أتسمعين ..تنامين على وقع الكمان وضجة العجلات وارجوحتك رجرجة العربة بسبب وعورة الطريق .. لستي من عرقنا ولكنك من عرق نقي ..دمك ليس خليطاً ..ولن تحملي المآسي الى قومنا بل السعادة والفرح .. انت من مستوى رفيع يا اميرتي .. اتوقعك ساحرة ..تشاركيني حياة الترحال وانا سأجعل منك .. الغجرية . فجأة وثب الطف من مكانه واتجه نحو باب غرفة والدته وبقي يراقبها وهي مستغرقة في حديث القلب مع تلك الطفلة ولم تشعر بوجوده فقالت : سترين مدى صفاء المياه ونقاوتها وهي تجري بين الحجارة ثم سأترك الشمس تجففها عن جسدك هكذا يتبدل لون بشرتك وتفقدين هذا البياض الناصع ..انه رائع نعم ولكن قد يلفت انتباه الشرطة ولا اريد ان تُسلخي عني ياصغيرتي ،، هانحن قد امضينا ليلة ونهاراً بالسفر .. انظري كيف نترك الطريق خلفنا .. بدأتي حياة التجوال ايتها الرحالة على ان اختار لك اسما.. اي اسم اعطيكي .. سأدعوكي ..!!؟؟ وبينما تفكر الام دخل ألطف وقال لها : "جودا" فإنتبهت الأم له وابتسمت وقالت : نعم " جودا" هي كذلك فقد جادت علينا بالخير على قومنا.. ستكون جودا ابنتنا ومصدر فخر العشيرة يابني اجعلها ابنة لك . ابتسم الطف وهو يعبث بقشة في فمه وقال لأمه : هي كذلك الان يا امي . لو كانت شقيقتي بيننا لأحبتها ايضاً ..وقريباً زوجتي ستنجب لها اخاً ليحميها.. وقد بدأت اصرة قوية تنشأ بين تلك العائلة والطفلة اليتيمة فأخذ "الطف" يتودد لها ويمسك باصابعها ويلاعبها . وصل رئيس الغجر الى هدفه وقرر ان يقيم في النواحي الشرقية عاما كاملا ليرى كم سيعود عليهم بالفائدة وانجبت زوجته صبيا جميلا سماه "محبوب" الذي ترعرع مع جودا اختا له فمضت اول سبعة اعوام هنا وهناك بالترحال كانت جودا خلالها تتلقى دروس الرقص من ذوات الخبرة فيمن اصبحوا عشيرتها الان وقراءة الطالع من جدتها الماهرة في التنجيم ولكن القلق ساور الجدة حيال مصير جودا وقررت ان تناقش ذلك مع الطف ليكفلو امانا لها ولأخيها محبوب وحياة التجوال لا تضمن مستقبلا لهم فقرروا ان يقصدوا ناحية الشمال الى منطقة مشهورة بالدارخانات حيث الاغلبية الساكنة من المسلمين وتشتهر بازدهار التجارة والصيد وفيها اشهر العازفين والغانيات المشهود لهم بالخبرة والشهرة فقرروا ان يختموا ترحالهم هناك حيث بدأ الطف بأعمال التجارة وبدأ يفكر في مستقبل عائلته هناك .. ذهبت الجدة ريهانا الى رئيسة اشهر دارخانه هناك وهو مكان يقصده الناس لرفاهيتهم ومشاهدة الراقصات وعادة لا يأتيه الا ذوي النفوذ والسلطة لغلائه وغلاء الخدمات الممنوحة للزبائن .. وكانت سيدة ذلك الدار وصاحبة الكلمة فيها إمرأة ذات حسن وجمال واناقة غير معهودة .. اذا ظهرت كان لوقع خلخالها الاثر على قلوب الحاضرين فكلما ارتن خفقت قلوبهم له وبدو منساقين لها كالنعاج .. وكل ما تأمر به ينفذ بلا جدال ويدعمها المتنفذين بالسلطة لأنها تحضى بمكانة في قلوب رجالهم وقد جمعتها مصالح سياسية بينهم وبينها فدان بعضهم لها بالفضل ومقابل كل خدمة خدمة تضاهيها .. هذا كان مبدأ السيدة "ناشدة بيكهام" والتي قصدتها ريهانا لتركن لها أمر تعليم جودا فن الرقص والغناء فطلبت ان تقابلها فلما دخلت ريهانا قالت : السلام عليكم بيكهام صاحبا ..ذهلت ناشدة للحظة وبلا ادنى تفكير نهضت من عرشها الوثير وتقدمت للعجوز ف تعجبت فتيات ورجال الدار خانه وهي السيدة التي يقصدها الناس من كل حدب وصوب لينالوا قبلة من يديها .. كيف لها ان تقوم لتلك العجوز الغجرية وتحتضنها بحرارة فقالت ناشدة وشئ من لالئ الدموع في عينيها : ريهانا .. لا اصدق عيني ..ظننت اني فقدتك للابد . فإحتضت ريهانة السيدة ناشدة بحنان مبتسمة وقالت : كيف حالك يا ابنتي لقد مضى وقت طويل جدا . قالت لها ناشدة وهي تمسك بيدها : نعم وقت طويل جدا لكنه لم ينسيني معروفك لولاك لهلكت من الجوع والكمد بعد ان نبذني اهلي بسبب حادثتي المروعة . وسكتت فجأة بحزن وتذكرت كيف رميت بالعراء بعد ان اغتصبت من قبل ضابط حقير بالشرطة وضاع حقها بالظلام ووصمت بالعار ولم يقبلها احد ولم تحصل على عمل وكادت لتهلك بالمرض والجوع لولا تلقفتها يد شابه حانية بذلك الوقت وكانت تلك اليد هي التي تمسك بها الان والتي تدين لها بالعرفان وتتذكر دفئها عندما جمدتها رياح الظليمة في ذلك اليوم .. فأغاثتها هذه العجوز الواقفة امامها اليوم ومنحتها الحياة وبمدد تلك العجوز وموهبة ناشدة الفذه بالرقص والغناء المبطن بذكاءها الفريد وصلت الى ماهي عليه الان .. فلن تنسى تلك الايام . جودا التصقت بجدتها اكثر وهي خائفه فانتبهت ناشدة الى جسم صغير يغوص في هندام الجدة ويشد لباسها ويعتنق ما يستطيع من وراءه قلقا فلفت ذلك الخوف والجمال البرئ الطاهر نظر ناشدة فقالت : من هذه الحسناء الصغيرة ياترى؟. فقالت الجدة باسمة : انها حفيدتي جودا وهي ماجئت من اجله لك. فرمقت ناشدة الجدة بنظرة من الارتياب وقالت : حقا ؟؟؟ لا اظن كنتك بهذا الجمال ريهانة . فبدت الجدة حانقة وقالت : الى ما تلمحين ؟ فقالت ناشدة مبتسمة بخبث : بما اخدمك ريهانة ..؟؟ قالت الجدة بلهجة الواثق : اريد منك ان تتبني جودا وتعلميها اسرار المهنة وتجعلي منها اسطورة الرقص بعدك والحكاية التي تتغنى بها الاجيال .. ستجعلينها امانتك ياناشدة وعليكي ان تعديني ان تحميها من الذئاب الثملة التي تبيت في دارك كل ليلة . رفعت ناشدة حاجبا وارخت الاخر في حالة تأمل وحيرة فقالت بلهجة جادة : ريهانة .. قد اضمن لك تعليمها كما تمنيتي مني وربما اكثر ولكني لا اضمن عيون الرجال فتلك الطفلة ليست جميلة فقط وانما لها بشرة فاتنة مختلفة عن جميع من رأيت من الفتيات .. واكاد اجزم لك انها ليست من عرقكم الغجري و لكنها ستستوي فتاة ساحرة يهيم بها العالم واذما حصل ذلك فكيف سأبعد تأثيرها وسحرها عن الرجال .. كيف سأمنع اقترابهم منها . فقالت ريهانه : عليك ان تعديني ياناشدة والا سأبحث عن مكان اخر . فقالت ناشدة بخبث : ايتها العجوز الحنونة وهل تظنين ان هناك من هو افضل مني لتأتمنيها عنده ؟؟؟ كانت ريهانه تعرف ان ناشدة على حق ولكنها لا تريد المجازفة بمستقبل الصبية ان لم تتلقى وعدا .. فقالت ريهانة : لن اتركها هنا ان لم اتلقى وعدا صريحا منك. فترددت ناشدة وقالت دعيني ارى رقصها. فهيأت الجدة الاجواء لتقوم جودا بعرض موهبتها فرقصت ورقصت ولم يرف للسيدة جفن وهي ترمقها بعناية شديده حيث أثارت اعجاب ناشدة بشدة وبدأت جديا تفكر بأن جودا ستكون ورقة رابحة لمستراحها ان حان خريف العمر وارادت ان ترتاح ستحتاج الدار الى ربيع يحييها وحتما ستكون هذه الملاك ذات السبعة اعوام هي افضل خيار لها . فقررت قبول شرط الجدة وقالت : حسناً ريهانه يبدو انك احسنتي تعليمها .. رقصها جميل جدا ولم تخطئ بحركة..واعدك ان أفعل مابوسعي من اجل حمايتها . فرفضت الجدة قائلة : كلا لا اريد مابوسعك. بل اريد وعداً مسؤول اطالبك به ان خالفتي الوفاء به. اصاب الامتعاض ناشدة وكادت ترفض ولكنها تذكرت ان الجدة منحتها الحياة وحرياً بها ان ترد الجميل لا ان تنكره وهذه فرصتها اليوم لتكون ممتنة..فقالت ناشدة بانسياق: يالك من صعبة المراس ريهانة .. حسناً اعدك وعدا صريحا بأن اكفل حمايتها كإبنة لي ولن يمسها احد مادمت حية هل يسرك هذا ؟؟. هنا بدى الارتياح على الجدة يقابله ابتسامة المتبنية الجديدة فشكرتها الجدة من كل قلبها وقالت ناشدة وهي تبتسم مازحة : اظن ان لدينا الليل بأكمله لنتحدث بهذا الشأن .. فسألغي جميع التزاماتي هذه الليلة احتفاءا بوصولك ولنرى ما يمكن ان نقدمه الى ملاكنا الصغير.. ثم مدت يدها ومسحت بكفها الناعم المزين بالحناء على خد جودا الناصع والذي تضاهي نعومته ملمس يدها .. فنزلت الى مستوى الطفلة ومسحت على شعرها وهي تتأملها بحب ., وقالت لها بعين تلمع اشراقا وحلما : سأجعل منك سيدة هذا المكان بعدي..

القادم / جودا : ابي اقسم لك بدمي انني لم اسرق هذا السيد .. بل هو الذي لم يدفع مقابل قرائتي طالعه. وليحرق الرب لساني ان كنت اكذب. وقد احتار الطف كيف يحل لغز اختفاء المحفظة.

تابعني بقلبك ...تحياتي /  مايا  

الغجرية وعابد الليل   The Gypsy and Anchorite  of The Nightحيث تعيش القصص. اكتشف الآن