الفصل السادس

900 30 2
                                    


  جودا تعود للمنزل فتداوي القطة وتسأل اباها الذي هو اكثر خبرة منها في معالجة الحيوانات بعض المساعدة فيقوم بصنع جبيرة ليدها ..بدت القطة البيضاء وديعة بالجبيرة اثارت ضحك جودا ووالدها فلما رأت جودا ابتسامة أبيها حاولت ان تستغل هذه الفرصة وكانت ترغب ان تسأله ان يسامح محبوب ويعيده ولكن ما ان نطقت بإسمه امام ابيها حتى نهض الاب متشنجاً من اثر الاسم فندمت جودا انها ضايقته ولكنها كانت تحاول جهدها لتعيد المياه لمجاريها دون جدوى .. فذهبت له و كان منهمكا في تنظيف بندقية قديمة ..وطلبت المغفره منه وحاولت التودد له مجددا فقالت له :سامحني يا ابي وانسى الامر ..مارايك ان تقترح علي اسماً للقطة سمعت ان لك ذوق جميل في انتقاء الاسماء ..جدتي اخبرتني انك من قام بتسميتي .. فتبسم الاب وقال : هذا صحيح .. فقالت جودا بمرح : اذاً قطتي تنتظر اسماً من ابي الحبيب ..فترك البندقية وإلتقط "ألطف" القطة متبسما بحب فقلبها بين يديه ومسح على رأسها وقال : سأسميها "سفيد" فقالت جودا مستغربة : سفيد تعني اللون الابيض بلغتنا . فقال الطف : نعم هي كذلك بيضاء جميلة كبياض القطن فهي "سفيد" فرحت جودا بهذا الاسم وقالت لقطتها : هل سمعتي ياحلوتي ان اسمك من الان وصاعداً "سفيد" ومعناه انك بيضاء جميلة كالقطن انتي قطتني الناعمة ..ومرغت جودا خدها بالقطه بألفة ومودة وقالت لها : هيا ..حان وقت اطعامك . بعيدا ، تحت سماء العاصمة الهندية اعلن ارشد قاسمي عن استعراض كبير لفرقته المسرحية على المسرح القومي الهندي ودعى اللجان في جميع انحاء الهند عن انتخاب مرشحات للتصفية النهائية لاختبارات الاداء لتحديد بطلة الاستعراض ...للعام الجديد فاعلنت عن ذلك الصحف وتهيأت اللجان في جميع انحاء الهند وفتحت الابواب لاداء الاختبارات فما ان سمعت ميرا الخبر هرعت الى جودا لتخبرها وقالت وهي تلتقط انفاسها : هلمي بنا ياجودا علينا ان نسجل اسمائنا قبل اغلاق القوائم. فوثبت جودا من مكانها فهذه فرصتها لتحقيق حلمها الذي طالما تمنته ورسمته في مخليتها ان تكون بطلة استعراضية على مستوى الهند ..واليوم حان الوقت للشروع في نيل هذا الحلم فوصلت الفتاتان فوجدتا قطارا طويلا من المتقدمات فأخذن دورهن ومنحتا موعدا بعد شهر لتقديم اختبار الاداء وبينما كانت جودا سعيدة كانت ميرا قلقة ازاء السيدة ناشدة التي من الممكن ان لا توافق على التحاقهما بالفرق الاستعراضية ضناً منها انهما ستهملان عمليهما بالمستراح ..فاخبرتها جودا انها ستتولى امر اقناعها فلا تقلق حيال ذلك. وبعد مرور شهر حاولت جودا مفاتحة ناشدة بذلك الموضوع وكانت الاخيرة متوجسة ومرتابة من ان يؤثر ذلك على حلمها ببقاء جودا في المستراح ونشاطها فيه فأكدت لها ان ذلك الاستراض سيكون مرة في السنة ولن يكون بشكل يومي قد تغيب شهرا للعرض ولكنها باقية احد عشر شهرا في معها في ذلك الملهى الليلي ولن تتخلى عن معلمتها ابدا وستحققان حلمهما معاً فوافقت ناشدة ازاء هذا الوعد وارتاح قلبها ان بقيت احلامها ترافق حلم جودا بتوازن جميل فلا بأس بالاحلام . وخلال هذا شهر الانتظار اصيب "ألطف" بمرض قلبي جعله يتوعك بين فترة واخرى وجودا تحاول ان تجد محبوب ليعتذر من ابيهما لأنه بحاجة ان يكون ولده الى جانبه بمثل هذه الاوقات ولكنها لم تجد محبوبا ولم تجرؤ على سؤال اباها وهو بهذه الحالة فقصدت ناشدة .. فأخبرتها معلمتها : انها استطاعت ان تعرف مكانه وبعثت اليه برجل ليحدثه ولكنه للاسف غادر ذلك المكان قبل ان يوافيه رسولها بيومين ولم تعرف وجهته بعد. احتارت جودا اكثر وحاولت الاتصال بهاتفه مرارا ولكنه كان مغلقاً فقامت بالتركيز على العناية بوالدها وطلبت من معلمتها البقاء على تحرياتها فوافقت المعلمة على ذلك بلا تفكير .. وبدأت جودا تتمرن لأختبار الاداء وحان يوم الاختبار قصدت جودا وميرا والعم راضي المبنى المخصص للاختبار فلما وصلوا الى هناك فصلت الفتاتين عن راضي وقاموا بوضعهم بغرفة كبيرة تطل على ردهة مقسمة الى غرف وهناك الممر المؤدي الى قاعة الاختبار كانت تلك الغرفة تضم انواع مختلفة من الملابس والازياء وادوات الشعر ومساحيق التجميل وشيئا من الفوضى واعمال الصيانة هنا وهناك وكن الفتيات ينتظرن دورهن وكان المسؤول المراقب يأتي بين الحين والاخر ليمنحهم بعض التوجيهات ويختار مجموعة للاختبار وكانت ميرا قد سبقتها ودخلت الاختبار ولأنهم يخرجون من باب اخر فلا يتوقع ان تلتقيان بذات الساعة فإتفقتا ان تلتقيان في المساء عند وصلتهما الليلة المعتادة في مستراح ناشدة ..دخل المسؤول المراقب فلما رآى جودا قال لها : ما اسمك انت ؟ فقالت له "جودا ألطف آلدوما". / ملاحظة : اصل كلمة غجر هي تركية مشتقة من لفظ كوجر بالتركي ومعناها الرحالة وهو لفظ عام يشمل كل الغجر بالعالم ولكن الغجر الاصلي هم من الهنود وكان نشوء اول الاقوام منهم في الهند ولغتهم هي اللغة الهندية السنسكريتيه ويسمون "الدوم" بحسب ماورد في كتاب تاريخ ملوك الارض للعالم والمؤرخ ابوعبدالله بن الحسن الاصفهاني وقد تعب جدا لحتى وصل في تصنيفهم ومتابعتهم وقال الاسم الاصلي للغجر هو الدوم ومن هنا نقدم لقب "آلدوما " لاشتمال الرابطة بين الحقيقة والتأليف في هذا الاطار - تم . >> قال المراقب لجودا بإعجاب : يا انسه ان لك زياً مختلفا جميل جداً لا انكر ذلك – لكنك تبدين كالغجر - عليكي ان تبدلي ملابسك بملابس عصرية لاختبار الاداء . فرفعت جودا حاجبها ولم يعجبها النظرات الوقحة التي كانت تزحف على جسدها من قبل ذلك الرجل ثم قالت : وهل تغيير الملابس شرط من شروط الاختبار ياسيد؟؟ فقال مبتسماً بخبث وقد بدا غارقا : كلا .. ولكنك ستبدين مثيرة فيها بجنون وهذا سيضمن لك مكاناً في قائمة العبور للجنة التحكيم . فإشمأزت جودا من تلميحاته القذرة وقالت وهي تجبر نفسها على التبسم فجأة ومدت ابتسامة صفراء : انت محق تماما ايها السيد.. ربما سيضمن ذلك نجاحاً باهراً لدى المحكمين.. ولكني لن اغير ملابسي فهذه هويتي. فضحك المراقب وقال : اذاً ...ههههههه ها نحن هنا ..كيف لم انتبه الى اسمك ..ألستي ابنة ألطف كبير الغجر..؟ فقالت :نعم انه والدي .. فقال المراقب وعيناه تجوب في وجهها وجذعها : ولكنك لا تشبيهنه بالشكل ابداً ... فإقتربت جودا منه متحدية لصلافته وقالت : ولكنني اشبهه في قتل الثعابين والفئران الوقحة بهذا ..! واشارت بعينيها على خنجرها اليمين وراقبت ردة فعله فلما نظر الى خنجريها ابتسم وقال لها : سمعت عن جرأتك بقدر ماسمعت عن جمالك وموهبتك ولكني اليوم ارى تلك الاشياء .. اسمعي ياجودا . ، وتحول الى نبرة جدية مستطردا: انتي تعجبينني كثيراً ولا انوي ان اكون عدواً..بل صديقا ناصحا لك .. لقد جئتي من بيئة امتهنت الفن بالفطرة وتنتهج العشوائيات في ذلك بينما انظري الى فتيات تلك الزاوية انهن من الصف العالي وقد درسن الفن بشكل اكاديمي بقوانينه وانظمته ولن تكون منافستهن سهلة بهذا اللباس ابداً تذكري ذلك .. استعدي للاختبار فستدخلين القاعة بعد نصف ساعة. تلقت جودا كلماته بصمت ونظرت نحو تلك الفتيات وهي تفكر هل كان هذا السيد محقاً ؟.. شعرت للحظة بتوتر وتحاول ان تحافظ على ثقتها بنفسها وموهبتها ولكن هل سيكفل لها هذا نجاحاً امام تلك الفتيات المتأنقات .. شتان مابين طابعها وطابعهن .. وبينما الافكار تجول في فكرها اقتربت منها فتاة اسمها "ماهيما" بدت كأنها تتصدر المجموعة وقالت بابتسامة سخرية : هل تنوين الفوز بهذا المظهر ؟؟ فضحكت الفتيات ونظرت لها جودا بصمت ولا مبالاة وتجاهلتها .. فلم يعجب تعاليها تلك المدعوة ماهيما فتقدمت اكثر وحاولت استفزازها فهمست باذنها : غجرية تافهه . فإالتفتت جودا لها وهي تصك اسنانها وقبضت يدها وتمنت ان تسدد لكمة لها ولكنها تمالكت نفسها لكي لا تثير المشاكل وتؤثر على اختبارها ففي النهاية ادركت جودا من خبرة الحياة التي علمها اياها اباها ...ان النبلاء يفوزون على الغجر بكل الحالات سواء كانوا مخطئين او على صواب فهم بالنسبة للمجتمع على صواب دائما والغجر هم اراذل الناس وسواء ان كانو على خطأ ام على صواب فهم المخطئين دائما ولا عدالة في ذلك ولكنه العرف السائد لبني البشر ولكن ليس على اي غجري الخضوع حتى يثبت عكس تلك النظرية وعلى كل غجري ان يحارب في معركة الشرف ضد النبلاء حتى الموت لان فيها هويته وكرامته ويعيش الغجر على امل ان يتحقق حلمهم ذات يوم في تطبيق العدالة فأخذت جودا تلك الجرعة الثائرة من ابيها وعلمها ان تؤدب هذا النوع من النبلاء بذكاء وحرص ففكرت ان تؤدبها بطريقة اخرى ولما همت الاخرى بالانصراف قالت جودا : قد اكون غجرية تافهه بنظر التافهين ايضا فكل امرء ينظر الى الاخرين كيفما يكون هو دائما . فإلتفتت الفتاة لها قائلة بسخرية: وااااااو.. اين تعلمتي هذه الجملة ههههههه هل ترقصين كل ليلة لتشتري كتابا ام ان زبائنك يعلمونك فنون الكلام خلال الليل.. تبدين كقطة عمياء تحاول الخروج من الوحل لتصبح ملكة .. ولكن عذرا ياملكة لاتنسي انك مازلتي تموئين .. مياو مياو مياو . وضحكت ماهيما وضجت الحاضرات بالضحك على التعليقات الساخرة فقالت جودا : اسمعي يامن تكونين .. ان اكون قطة او اكون ملكة فهذا ليس من شأنك فعلى الاقل عرفت من تكونين انتي .. وبالنسبة لي تحديداً لن تكوني شيئاً في واقع الامر وحتى ان كنتي لاشئ فإنه ايضاً لا يهمني وان لم تقفلي فمك الان وتسحبين اهانتك فسأحرص على اقفاله بنفسي ولا اظن انك ستكونين سعيدة بهذا. فتهكمت غريمتها واخرجت اصواتا من فمها ساخرة وهي تقول : اووووووو .. اغيثوني فقد اخافتني القطة المتوحشة ام اسميها النملة المتوحشة.. وضحكت "ماهيما" مرة اخرى بشدة ورافقها ضحكات صديقاتها اللاتي سخرن بشدة من جودا وظنوا انهم حولوها الى نكته.. ولكن جودا ابتسمت قائلة : ها قد بدأنا .. انذرتك ولم تصغي... سأريكي الان كيف تلعب القطط .. وزادت ماهيما بضحكها وهي تقول : قطة فاشلة ...مياو مياو ..تعالي والعقي قدمي.. فنظرت جودا لها بثبات وابتسامة هادئة اثارت استغرابهن وغادرت لتختفي بصمت من امامهن وضحكن ظنا منهن انهن ربحن الجولة بتحويلها الى اضحوكة .. ولكن في الحقيقة كانت بالنسبة لجودا البداية فقط ..خرجت جودا من الغرفة وكان العم راضي الطبال ينتظر جودا بالخارج ومعه القطة "سفيد" فلما خرجت جودا سأل العم راضي بلهف : ماذا ياجودا .. هل حان دورك ؟ فقالت جودا مبتسمة : ليس بعد ياعماه .. اعطني سفيد .. فسلمها القطة وقالت وهي عائدة : سيكون بعد نصف ساعة فتهئ .. فأطرق راضي موافقا ..دخلت الغرفة مجدداً وضعت جودا قطتها الجميلة " سفيد " بالقرب من دلو للاصباغ وقالت لها : سفيد ياقطتي .. قد لاتفقهي قولي ولكنك ستفعلين ما اريد ..فهناك من سيغضبك كثيرا . وابتسمت جودا و اطلقتها بالقرب من علب الطلاء الخاصة باعمال الصيانة لتعبث به فلما تمرغت القطة بلا ادراك اخذت تموء وهي تعبث بشتى الالوان ثم قادتها جودا الى بنات الصف العالي وجعلتها بالقرب من ماهيما وبدون ان يشعر بها احد نكزتها فقفزت القطة باتجاه ماهيما وصارت تتقافز عليها فزعا ويوترها صراخ ماهيما فلوثتها بالطلاء وانتقلت الى باقي الفتيات فحولتهم الى لوحة مجنونة من الصراخ والالوان وتوحشت القطة فزعا تهرول بينهن وتهاجمهن بالفوضى خائفه فحاولن تجنبها لكي لا يفسدن تانقهن للاختبار وانقلب السحر على الساحر وإنكسر البرستيج واتلفت الازياء وافسدت ثيابهن ووسط بكائهن والجنون غرقت جودا بضحكاتها وهن ينظرن لها باحتراق فقالت جودا : هي يا من تكونين ؟ تعلمي ان تحترمي الاخرين في المرة القادمة فحتى القطط البرية لاتقبل الاهانة ان تصرخي بوجهها ستفعل بك تماماً كما فعلت بك الان... ههههههه فغضبت ماهيما وفقدت صوابها وصرخت : ايتها الساقطة ..افسدتي ثيابي لاخسر الاختبار .. سأدمرك.. وتقدمت لتضرب جودا فأمسكت بيدها جودا ودفعتها وامرتها ان تلتزم حدودها والا دقت عنقها .ثم حضر رجلين من حراس الامان وفكا الشجار وقال احدهم : ماذا حصل ما المشكلة ؟ فإدعت ماهيما ان جودا من فعلت ذلك بها لتحرمها الاختبار ..ولكن جودا نفت هذا وقالت ان تلك الفتاة اهانتها ولم يكن لها علاقة بالحادثة لان القطة من هاجمتها ويجب ان يعاقبوا القطة على ذلك فانتهى النزاع بابعاد الطرفين عن بعضهما وتوجيه انذار بالطرد وحرمان الاختبار ان تكررت اي مشكلة منهما واشار امين المكان الى ماهيما بتغيير ملابسها سريعا وانتهاء اي شي مناسب والا ستخسر الاختبار بينما استدعيت جودا الى القاعة للقيام باختبار الاداء .
القادم / ارشد : اذاً انتي مدعوة ياجودا لحضور حفل زفافي بشكل رسمي وسأبعث بالدعوة اليكي غدا فأتركي عنوانك لدى مساعدي وان شئتي أمنت لك مركبة بسائق تحضرك الى القصر بصفة خاصة.. فقالت جودا بلطف : كلا ياسيدي لاتزعج نفسك سأحضر من تلقاء نفسي .. فهذا ايسر لي. فأطرق اارشد مبتسماً وبعد خروجه قرر ان يزور جلال لدعوته الى حفل زفافه فقال جلال : ياصديقي انت تعلم انني لا احب حضور الحفلات فهي ليست بيئة ملائمة لشخصي .. وبعد جهد جهيد وافق على حضور حفل زفاف صديق عمره ..فهمس مساعد السيد ارشد بقلق: ألن تخبره بوجود الراقصة . فهمس ارشد هل جننت لأفعل ذلك فهو لن يأتي ان علم بهذا ..فقط الجم فمك الان ولا تجعله يشعر بشئ تبسم هيا . وتصنع الشابان التبسم بينما يقدم جلال الشاي لهما.

يتبع ..تحياتي /مايا   

الغجرية وعابد الليل   The Gypsy and Anchorite  of The Nightحيث تعيش القصص. اكتشف الآن