استيقظت جودا فوجدت المكان يعمه السكون ..شعرت بثقل في رأسها وساقها والام هناك وهناك وكأنها خرجت من معركة ضارية ..هي ضريبة الحب ربما ..او الحب والرغبة معاً ..لا يهم هكذا قالت جودا في نفسها مايهم انه عليها ان تكيف نفسها انه لا للحب في قواميس اعماقها ..نهضت بصعوبة ومن ثم اتكأت على عكازها وفتحت باب غرفتها الى الصالة لتتفقد الاخرين فلم تجد احداً الا بنازير كانت تعد طعاما افطار صحي فلما رأت جودا هبت لها بابتسامة قائلة : سيدة خان لم اتنبه انك استيقظت ارجوكي لا تجهدي نفسك بالمسير لما لم تناديني فأحضر لك افطارك للغرفة . فنظرت لها جودا بملامح باردة ولم تهتم لقولها فسألتها : اين جلال ؟؟ فقالت لها بنازير : عندما وصلت الى هنا خرج مستعجلا وأوصاني ان احضر لك طعام الافطار وان اتفقد جرحك عندما تفيقين ..فأطرقت جودا رأسها لا مبالية ولما ارادت العودة للغرفة ساعدتها بنازير فأخبرتها جودا انها بخير لا تحتاج الى اسناد ..فهزت بنازير ررأسها مسرورة وراحت تفتح ستائر الغرفة ..وتحضر الحمام لجودا ..وتجهز لها ماتحتاج اليه .. اخذت جودا حمامها وشعرت بالاسترخاء لم تكن تشعر انها بخير وبنازير تدللها ولكن جرحها كان يؤلمها فلما انتهت بنازير من الحمام تفقدت الضمادة وفتحتها فوجدت النسيج ملتهب قليلا ...فإتصلت على الفور بجلال وبدوره اتصل على الطبيب ..كانت جودا تشعر بالاعياء قليلا فإعتنت بها بنازير حتى جاء الطبيب وبعد الكشف سأل جلال بعض الاسئلة هل شربت شيئا هل بذلت مجهودا هل مس جرحها شئ هل تعرضت الى اي عارض اثر على الجرح فأجابه جلال انها البارحة لم تشرب ولكنه تذكر ماحصل بينهما وهل ان له علاقة ..فخجل ان يبوح للطبيب وبنازير واقفة ..فأخذ الطبيب على جهة وابلغه انهما عروسين جديدين وشرح له ماحصل وانه اثناء مادار بينهما نكأ جرحها غير عامد ..هنأه الطبيب وفهم من ذلك ماجرى وأوصى جلال ان يكون اشد حذراً في المرة القادمة فيبدو ان قطعة من نسيج الضمادة غاصت في الجرح مدة طويلة والضمادة كانت رطبة من تعرق جسم جودا والمجهود الذي بذلته زاد نزيف الجرح ومع قلة مناعتها ...كل ذلك ادى الى تفاقم المسألة لكنه التهاب بسيط وليس بلامر الخطير ..وهذا كله يعود لضعف مناعتها من الكحول التي تُعبأ دمها ...فكتب الطبيب بعض الادوية واعطى جودا ابرة ليسكن الامها واوصى الممرضة بنازير ببعض التعليمات وغادر ..واما جودا عادت لتغفو مع ذلك المسكن الذي ازال اوجاعها وجعلها تنام ..فعاد جلال لبنازير وسألها هل تناولت السيدة افطارها فقالت بنازير ليس بعد ولكنها اخذت حماما وكانت لا تبدو بخير ومزاجها سئ وتتألم صامته فلما كشفت عنه .. أبلغتك على الفور ثم جئت مع الطبيب والان نامت ..فهز جلال رأسه قائلا : سنتركها لترتاح اذا...اذهبي الان بنازير اريد ان اخلو بها ..فأطرقت بنازير بكل احترام وانصرفت لتترك جلال وحده مع جودا ... كان جلال قد احضر ازهارا ولكنه رماها عالطاولة من شدة ارتباكه مع الطبيب ...فعاد الى الازهار وازال عنها اللفافة التي تلفها ..واخذ يقطع اغصانها ويترك الرؤس حتى انتهى فتخلص من الاغصان وجمع رؤوس الورود الجميلة واقترب من جودا ونثرها حولها ..احاطها بالازهار من كل جانب وجلس بجانبها يمسك بيدها تاره يضعها على قلبه وتارة يقبلها ويده الاخرى تمسح على وجه حبيبته على شعرها وعلى رقبتها ..يتاملها ويلمسها بحب وحنان ورقة متناهية وهو يفكر ...كان شارداً في وجهها الساكن الشاحب وهو بتأنيب الضمير لانه تسبب لها بهذا وان لم يكن قاصداً ...بدأ ادراكه لها بهذا المنظر الذي يوجعه بعمق ..فيلوم نفسه ..ويغمرها بنظرات الحب الشاردة وهو يتذكر ماجرى له قبل سنوات مع عالية وكيف فقدها ... وانتكاسات جودا تلك تعيد اليه اوجاع الذكريات ...فلا يريد ان يفكر بلأمر حتى ...او حتى بفقدان مماثل ولكن كل الحوادث التي حصلت لم تكن مؤشراً جيدا للتفاؤل وعليه ان يكون حريصا اكثر ..وخاصة عندما يكون هو المتسبب فإنها تكون اوجع على قلبه ..ولكنه لن يسمح بمكروه يصيبها بعد اليوم وقد اقسم على ذلك ..راح يعيش ذكرياته وشجونه ومشاعره مع جودا وهو يحتفظ بيدها على قلبه ولمعت الدموع بعينه تريد السقوط ولكنها لم تفعل..وبعد ان تأملها فترة طويله وضع بيده الاخرى على رأسها وأغمض عينه راح يتمتم بشئ في أعماقه وشفتيه تتحركان بوقار واخيرا انهارت تلك الدمعة الوحيدة التي تجمعت بطرف عينه...كان قلبه وشفاهه ودموعه تلهج بذكر الله يتلو عليها القران ويدعوا لها بالشفاء ..جلال بدأ يغرق في عشقها وراح يوظف كل امنياته ورغباته في الحياة لها ..فإستجاب الله له ..حركت جودا رأسها ولكن جلال لم يتوقف عن الدعاء ..فحركت قدمها السليمة قليلا فتوقف جلال عن القراءة وشكر الله بعينه ...ففتحت جودا عينها بثقل شديدعلى ابتسامة عاشقها العابد فقال لها : شكرا لله على سلامتك حبيبتي. سارعها ومال عليها دون وعي منه بقبلة على جبينها فلما نظرت في عينيه ونظر بعينيها وتأكد وصاله اتبعها بقبلة رقيقة على شفتيها لم يطل بها كثيرا كي لا يشقي زوجته وجودا تتلقى كل ذلك ساكنه ثم عاد لوضعه ..ودارت جودا بعينها لتجد انها محاطه بالازهار وقال لها جلال باسمها وهو يخرج شيئاً من معطفة: انظري ما احضرت لك حبيبتي ..؟؟ ثم اخرج خلخالا جديدا وناعم جدا ورائع الجمال ودلاه ثم امسك به من طرفه ليعرضها لها عرضاً هوائياً ثم يعود ليتلقف الحلية بكفه و يتراجع زاحفاً الى الوراء مبتسماً ويركع على الارض ليكون قريباً من قدمها فيزيح الغطاء ويخيم على قدمها ويقوم بتلبيسها الخلخال وهو يرشقها بنظرات الحب والابتسام وجودا بإحراج كبير لاتدري ماتقول فشكرته بهدوء ولكن تشعر ان كله يربكها ..ابتسامته نظراته لمساته وحبه العميق ..شئ من عدم الاستقرار و الراحة يزلزل كيانها ولكن جسدها كان هادئا جداً وعيناها تراقب ذلك الهيام ...حتى انتهى تماماً فنظر لها نظرة تولع وابتسم لها وخمنت انه ينوي على أمر فظيع تلك اللحظة فخفق قلبها واضطربت انفاسها للفكرة ..ولكن يبدو ان جلال بعفويته وغرامه عازم على فعل ذلك وبالفعل صدق شكها ولما اراد ان يهوي ليقبل قدمها مدت جودا راحة كفها بأقصى مرونتها لتحجب قدمها عنه فتأوهت لان ذلك كان مباغتاً وعضلياً ومؤلما لوجود اصابتها ولكنه اهون مما كان سيحدث..فوقعت شفاه العابد على كف الغجرية وليس على قدمها ..15 عشر عاماً من الرقص اعطتها المرونة الكافية لإنقاذ الموقف ..فلما التصقت شفاه جلال بكف جودا برقة وحنان ابعدت رأسه برفق عن قدمها فارتد جلال ببطئ وهو لا يستوعب ماذا حصل ..؟؟ فتح عينيه ليرى شفتيه في كفها فإستغرب ونظر لها مستفهماً ...وقالت وهي تمسح على وجهه بذات الكف بنبرة حانية : اياك ان تفعل ايها العزيز ...فشفاهك الطاهرة التي ادمنت ذكر الله ..لن تقع اليوم على قدم عاصية لوثتها الخطايا..حتى وان كنت حِلاً لك ..لن ارضى بهذا لك. فإقترب منها جلال ليردها مسترخية وكذلك معترضاً وما ان نطق معترضاً حتى أسكتت شفتيه بابهام يدها ولم تسمح له بقول شئ وقالت هامسة : اشششش اعلم ما سوف تقوله وافهم ماتشعر به ..ولكن لاتفعل ذلك مرة اخرى ...عدني بذلك هيا ..من اجلى ياجلال. فوقع جلال بحيرة ان يلبي رغبتها ام رغبة قلبه . ولما صار شاردا محتاراً يفكر ان كان يعدها ام لا ..شعرت جودا انها لا تريد ان تشقيه بهذا الوعد ..فرفعت رأسه اليها لتجعله يجلس الى جانبها وتبث اليه المعلومة بطريقة اخرى عله يقتنع وهمست : تعال الي ...مكانك عند رأسي وليس عند قدمي. فلما رفعت رأسه لها انقاد جسم جلال لها طائعاً حتى جلس بقربها..فمال عليها ونظر على عينيها وشفتيها بضياع وهمس لها : لا استطيع ياجودا فأنا احبك .. فقالت له بذات النبرة المنخفضة : اعلم ذلك يا ايها العزيز ولكن يجب عليك ان تعدني به ..والان ..عدني ..عدني ايها العابد بأن شفاهك لن تقع على قدمي مادمت حية.فشعرت ان شفتي جلال مترددة ..فمسحت على وجهه وشعره وراحت اناملها تتجول برأسه لتعزز موقفها وعيناها تمغنطه بشده فهمست مرة اخرى : ايها العزيز .. هيا ؟؟ فضعف جلال امامها كلياً وهو فريسة تأثيرها وشعر ان هذا النداء يقع بقلبه كثيرا ولايدري لماذا وكأنه سمع من يخاطبه به سابقاً .."ايها العزيز"... ولكن اين ومن ؟؟ لم يتذكر جلال وجودا تضغط عليه بتأثيرها فلما استسلم كلياً لمغطتها قال هامساً : سأفعل حبيبتي..لك هذا ان كان يسعدك. فإبتسمت جودا واغمضت عينيها وكأن عبئاً ازيح ..وعانقته تمسح على ظهره ...بحنان. كانت جودا قد بدأت تعيش ذلك التمزيق بين عالمها وعالم زوجها المختلفين تعيش الاختلاف بكل الوانه وتعتقد ان المخطئين والمؤمنين لا يمتزجان ..كالزيت والماء ...كانت تعتقد ان الله عاقبها بقدمها التي امضت عمراً ترقص عليها لتعصي بها الله ولكن عقوبتها ستكون اشد ان تركت شفاها طاهره تتلو الذكر المقدس تقع على قدمها الملوثة بالاثم العظيم ...هي مجرد راقصة وهو ابن الطيبين ..لن تتركه ينزلق اكثر في شباكها عليها ان تنقذ ذلك الشاب من براثن حبها الممرض المدنس...من هي امامه سى..لا شئ..كانت تعلم تلك الفوارق العظيمة ولن تجعله يذهب ضحية تولعه بها ..وان طال بها المدى ستجعله يمقتها وسيلعن يوما ما ذلك الوقت الذي جمعهما معاً ..ستفعل حتماً..راحت تمني نفسها بتلك الاشياء وهي تتشبع من احضانه قبل ان يحل ذلك الفراق يوما ..نعم فكل يوم معه هنا في شيملا سيكون لها ..جلال كم اعشق قربك..ولكني سأضطر الى جرحك كل يوم ياعزيز نفسي ..حتى تنسى هذا الجنون ..سأضطرك الى الكراهية والألم ..سامحني..هكذا كانت تقول جودا بقلبها الصامت وهو ساكن بهدوء بأحضانها يرمي برأسه على كتفها مبتسماً مطمئناً ولا يدري بلوعات عذابها فراحت من حرارة ذلك الاسى الذي بقلبها تقبل ماطالته منه ..كتفه رقبته وخده ..ثم تسكن ...مما اثار سكينة جلال تلك الحرارة ..وفكر انه يثير قرينته لانها تحبه ولم يكن يعلم ان تلك القبلات الساخنة ماهي الا ختم العذابات القادمة ..فمنحها ما كانت تريد واكثر واغرقها بجرعة حب زائدة ارتعش لها بدنها الضعيف ..وتبددت كل مقاومتها واستسلمت له ومضى ذلك الصباح بصبابة .. فثارت الحيلان "الحيلان = اسم للابل الجميلة التي لم تلقح بعد ولها صفات مميزة عن سائر الابل بدلالها " حتى تفجرت فيها ينابيع المودة ثم علا رغائها "الرغاء =صوت الابل- الابل هي الجمال والنوق"يعلن مرافئ الانتهاء ورقدت تلك الحيلان على اطرافها بسلام حتى سكنت ..بعدها استعاد الصباح جماله وزينته وحمل جلال زوجته الى مائدة الافطار فقد أخبرته انه فتح شهيتها على الطعام ايضاً ..واجلسها بعناية وراح الى لينقل الطعام الى المائده ويخبر بنازير ان تذهب لاحضار الادوية من الصيدلية بينما تتناول جودا افطارها ..فلما اراد ان يخرج الورقة فتش عنها في جيوبه قميصه بنطاله ..وبنازير تكتم ضحكة بريئة قوية على مظهر جلال المبعثر..وقطب حاجبيه وقال لها : مابك الان مالذي يضحكك ؟؟ فخجلت بنازير واحمرت وانقلبت ملامحها جدية واخفضت بصرها قالت : لاشئ سيدي ..سأذهب لابحث عن الوصفة بالغرفة ..وانطلقت كالبرق ..فصاح بها : انظري ربما هي بمعطفي بنازير .. فانتبهت جودا لجلال يعلي صوته لبنازير ويوصيها بالمعطف فالتفتت وقالت : مابك جلال عما تبحث...فقال لها : عن وصفة الطبيب لا ادري ربما تركتها بمعطفي..عادت بنازير بالمعطف بحث جلال فوجد مايبحث عنه وبنازير تحاول خنق ضحكتها لكي لا تنتبه جودا ..ولكن جلال منزعج ولا يفهم لما هذه الفتاة تضحك ..فأعطاها الورقة مع بعض النقود وغادرت لجلب الدواء ..فلما خلا جلال بجودا سالها : جودا كيف ابدو ؟؟ هل هناك بمظهري مايثير الضحك ؟؟ كانت جودا تسكب لها الشاي ولجلال وقالت ولم ترفع عينيها : ولما تسألني البيت ملئ بالمرايا ..اذهب وتفقد نفسك ..فحاس في مكانه متبسماً متدللا وقال : كلا انتي مرآتي واريد منك ان تنظري الي ..وتخبريني هيا ؟؟ فبدت جودا باردة لا مبالية إمرأة مختلفة كلياً عمن كانت قبل قليل مع جلال فقالت وهي ترمقه بنظرة باردة متكبرة ..وتلوك شئ في فمها وتنظر له بتعالى ..حتى غادرت الابتسامة من شفتيه بنظراتها ..فقالت : لاشئ ملفت فيك للنظر ..ناولني الخبز من جانبك ..فناولها اياه وهو مبتسم صامت ولكن خلف الابتسامة كان هناك صوت انكسار شديد يصم اذنيه .. فأخفض عينيه الى صحنه وتظاهر بالاكل ولكنه غام شارداً في حزنه يفكر...انتهت جودا وانتقلت غرفتها و راح جلال الى المرآة ينظر الى نفسه فيها بحزن يتحسس حاجبه وشفتيه ثم يمسك ياقة قميصه فإنتبه فجأة الى ان قميصه كان فظا وقد احكم ازرته بشكل خاطئ فلم تتساوى دفتي القميص فكانت واحدة اطول من الاخرى والاظرف انه كان يرتدي القميص مقلوبا ..فقال: تباً ..لقد افقدتني صوابي ياجودا ..ففهم الان لماذا كانت بنازير تضحك وشعر بالحرج ولعن الشيطان ...ثم ابتسم وعرف انها لاحظت الامر ..ولكن ماذا الان..هو لم يرتكب جريرة ..كانت زوجته فقط ولما عاد يتذكر زوجته غابت البسمة ساد الحزن من جديد على وجهه ثم خلع قميصه وارتداه بشكل صحيح ..وخرج الى الصالة فعادت بنازير فدخلا معا على جودا لكي تعطيها الدواء ..وعندما انتهت كان جلال يجلس بجانب جودا يمسك بيدها وبنازير تلملم الادوات وجلال يتجاذب اطراف الحديث مع جودا ويخبرها بمخطط نهاية الاسبوع وانه يحضر لها رحلة الى الجبل ..فانتبهت بنازير الى خدش محمر بشدة وعليه قطرات نزقة "نزق=قليل جدا – نادر" من الدماء على رقبة جلال ..فعادت لتبتسم فاقتربت بتهذيب لكي تلفت النظر فلا تريد مقاطعته وهو يتكلم فلما انتبه جلال لوقوفها ..اخفضت بصرها وقالت : سيد جلال اسمح لي بوضع بعضا من هذا المرهم على جرحك ..رقبتك مصابة بخدش يبدو انك اصطدمت بشئ ما دون ان تشعر ...فامسك جلال برقبته لا اراديا وقال : اين ..فأشارت له بنازير بينما جودا ..ترمق بنازير بجفاء وترفع حاجبا وتخفض الاخر ..تنتظر ما سينتهي اليه الامر فقال جلال لا مباليا / اعطني انا اضعه لنفسي ..فقالت بنازير انه بجهة الخلفية قليلا لن تراه بالمراة . فارتدت قفازها لتطمئنه لا بأس لقد ارتديت القفازات ..لن ياخذ الامر لحظة ولن تشعر بالالم ولكن هناك بعض الدماء انعكست على قميصك ايضا...فبدأت جودا تغلي ...فقال جلال : حسناً ولكن ضعيه بالماسحة الطبية " اداة صغيرة للدهن " فلما اقتربت بنازيرتريد ان تضع له المرهم وأخفض جلال رأسه لها ..أمسكت جودا يد بنازير ورمقتها بنظرة قاسية تعقد حاجبيها بصرامة وقالت لها بهدوء : هذا لطف منك بنازير ..لكن قدمي التي مصابة وليس يدي ..كنتي تستطيعين ان تسأليني لأفعل ذلك ؟؟ فإعتذرت بنازير بعفوية واحراج وقالت : انا اسفة سيدتي لم يخطر ببالي كنت افكر من باب مهنتي فقط ..اعتذر مرة اخرى ..تفضلي .فناولتها المرهم فأخذته جودا بنتر وشراسه باردة ولما قدمت الماسحة اخبرتها جودا بلهجة باردة "لا احتاجها" فاستغربت بنازير من عدوانية جودا معها وجلال يسمع وهو مطئطئ الرأس يفكر لما تتصرف جودا هكذا مع بنازير .. ولكنه لم يتدخل لانه اراد ان تداويه زوجته فقال لكي يلطف الاجواء على الفتاة المسكينة التي اشفق عليها : شكرا بنازير بلا شك هذا لطف منك وعذراً انا ايضاً لم اتنبه الى جودا بإمكانها ذلك ..كم اني غبي فزوجتي الحبيبة الى جانبي واحتار بذلك..يال الهي شكرا لله لوجودها..وسيكون الدواء بلا شك افضل بلمسة زوجتي وهذه ميزة اخرى ..فبها تطيب كل الجراح اليس كذلك ؟ وابتسم جلال بضحكة خفيفة لبنازير فابتسمت له وقالت : بالطبع سيدي حماك الله انت والسيدة وكتب لكما السعادة وادامها سندا لك..سأذهب لانهي اعمالي الان ..باذنك. شعرت بنازير ان خاطرها قد جبر بكلام جلال وتجاوزت تصرف جودا كانها لم تره ..بينما راحت جودا تضع المرهم بيديها على رقبة جلال واحست بشئ من الحرج والضيق ان بنازير انتبهت على ذلك قبلها ورغم انه لم يكن يهمها ان عرفت بنازير ام لا ولكن لم يعجبها ان ينتبه الاخرين على اثار وحشيتها مع جلال ...ولكن جلال بدى سعيدا جدا لانه وجد عذراً اخر ليحظى بلمسة حبيبته مجدداً فهي الجارحة وهي المداوية نعم شئ غريب..ولما انتهت جودا مسحت يدها بقميصه جهة صدره تنظف يدها تمسحاً وهو مستغرب من فعلها وهي ترمقه بتعالي باردة ولا مبالية بحاجبين غير متساويين بالمستوى لاتنظر الى يدها بل تتحداه بنظرتها وقالت : اخلع قميص المشؤوم هذا فقد صار متسخاً وارتدي غيره..وفي المرة القادمة انتبه من مجاملاتك الفائضة فلم يكن هناك من داعي ان تبرز كل تلك اللطافة لفتاة تعمل هنا..فابتسم جلال ودنى قليلا وقال لها هامساً هل تفضلين ان اخلعه هنا ام بالخارج..فاستفزت كلمته جودا : انت لا فائدة منك اغرب عن وجهي واخلعه بغرفتك ..او ...مزقته عليه الان فحبستك طوال اليوم هنا ..فضحك جلال ومد ذراعيه قائلا : اذا ابدئي بذلك فما اجمل البقاء معك طوال اليوم...فقرصته جودا على جرحه فاوجعه وتأوه ..وقالت : حسناً قد افعل ..ولكن لاتأمل ان تضل مرتاحاً فرفقتي ليست مسلية ..فضحك وقال باستغراب : لا ادري لما حظيت بزوجة متنمرة الطابع ..ولكني احبك كيفما كنتي حبيبتي. سأغير قميصي واعود لك ..لما خرج هدأت جودا قليلا..لاتدري لما وجود جلال بالقرب من بنازير يثير استفزازها ..؟؟ عليها ان تتعافى بسرعة لتتخلص من تلك المخلوقة فقررت ان لا تشرب وتهتم بطعامها اكثر لتتعافى بسرعة وقررت ان تقلل ساعاتها بالمنزل وراحت تفكر بطريقة لتنفيذ ذلك. في المساء جلال يجلس على العشاء فقال بنازير من فضلك احضري العصير الذي اعددته لزوجتي واحضري لي ملعقة اكل بها. كان جلال طوال اليوم يعتمد على بنازير بكل شئ وهذا يفتح مجالا للحديث وجلال عن صفاء نية مع هذه اليتيمة فهو يهتم بها من جانب انساني وهي راقية جدا في تعاملها مما يجعل التعامل مثاليا جدا بين جلال وبنازير ولكن رغم طهارة الغاية الا ان قلب جودا لم يكن نقيا جدا اتجاه تلك الفتاة فقد كانت تخطط لا زاحتها قريبا ..لان وجودها شئ لا تحبه جودا ابدا ...ولانعلم من اي باب ..انما هو هكذا بالنسبة لها ...فانزعجت جودا لما طلب جلال الملعقة وقالت بنازير بنازير بنازير كل شئ بنازير لانها تمشي وانا لا بسبب الاصابة حسنا ياجلال سألقنك درساً..هكذا حدثت نفسها ثم امسكت كتفه لقربه منها وهمست له افتح فمك بسرعة ..والقمته بملعقتها فتفاجأ جلال ومضغ الطعام واستغرب ولكن السعادة طارت به الى الجنان ثم قدمت له لقمة اخرى وهي تمغنطه كالمعتاد فالتهم نصف الملعقة ولولا طولها لالتهم يد جودا معها فقالت له بسحر صوتها : تستطيع ان تاكل بملعقتي ان احببت ..فقال لها : قد افعل هذا كل يوم ياحبيبة قلبي..ولا امله ابدا. وقبل يدها وصاح بنازير : عصير السيدة فقط لا حاجة لملعقة فقد حصلت على واحدة ذهبية هنا ثم همس جلال بحب لجودا : سنأكل بملعقة واحدة ..فابتسمت بنازير وقطعت اللحظة واحضرت العصير فاحترم جلال نفسه وارتد الى الوراء وانتهزت جودا الفرصة وطلبت من بنازير الانصراف فاخبرتها الاخييرة وماذا عن تنظيف مائدة العشاء ..فقالت جودا : سنتدبر امرها بانفسنا ..اذهبي انت الان..جلال ايد ماقالته جودا دون اعتراض وانصرفت بنازير..فلما صارا وحديهما ..راح جلال برومانسية يريد ان يطعمها بنفس الملعقة فقالت : كم هذا مقرف جلال؟؟ .. كيف لك ان تفكر به حتى .. اذهب واحضر لي ملعقة اخرى من فضلك؟؟ فانصدم جلال ونهض ببطئ وخطاه مثقلة يفكر ولا يفهم سر هذا التحول الفجائي ..فجلب لها واحدة فشكرته وصارت تاكل كالالة المتباطئة ..بلا شعور ولا احساس بما حولها وعيناها بالصحن فقط ..فلم يستطيع جلال تحمل هذا الصمت الذي يجرحه ..فشعر انه ليست له شهية فاستأذنها بحجة انه تاخر عن صلاة العشاء ولكنه لم يكن متاخرا انما كان حجة ليختلي بنفسه ..واوصاها ان تناديه ما ان تنتهي فلم تناديه طبعا . وغادر بصمت ..لاحظت جودا انها اصابت الهدف. ولكنها رمت بالملعقة ايضا وشعرت بالصداع فجأة.وفضلت ان تذهب لغرفتها ايضا دون ان تكمل عشائها. وخيم صمت الانكسار على بيت شيملا ..ولم يغفو جلال تلك الليلة وراح يتقلب فنهض ليصلي ويقضي ليله بالتهجد والتعبد ...بينما شعرت جودا بحاجتها الى الخمر ولكنها وعدت نفسها الا تشرب حتى تتعافى بسرعة فتأرقت ولم تستطع النوم تلك الليلة فطلبت من سانجو ان يمرر لها بهدوء وخلسة علبة سجائر فأصبحت تحرق الواحدة تلو الاخرى طوال الليل متشبثة بقناعاتها وتحاول ان تروض نفسها لتهدأ روحها من ذلك العذاب دون جدوى.. بينما راح جلال يشق صمت الليل بمناجاة عذبة حتى تناهى صوته اسماعها فإنغمست بصوته الى حد البكاء ..وكان يقول بدعاءه ما ستسمعونه الان..."اترككم مع دعاء العابد على هذا الرابط وانصت بما كان العابد يناجي ربه " لتفهم مايدور وماكانت جودا تسمع فأبكاها ..وبه نختم الفصل الى القادم ان شاءالله .. ان عشتم هذا العروج الروحي الى المولى فاذكروني بدعائكم.
رابط الدعاء عاليوتيوب متضمن مع الفصل يتبع
أنت تقرأ
الغجرية وعابد الليل The Gypsy and Anchorite of The Night
Romanceنبذة عن القصة التقاء عالمين مختلفين بين غجرية راقصة وعابد يعشقان ارتياد نسك الليل هي برقص الحسناء وهو يلهج في مناجاة السماء حيث تخطفت تلك العاشقة أقدار غريبة من عقر مملكتها وتحولت من اميرة الى راقصة في ليلة وضحاها وترعرعت بين الغجر لتتلقى مصيرها ال...