الفصل الحادي والخمسون 51

249 13 2
                                    

سنجيت جالس بتعب على الكرسي وقد بدا عليه الارهاق  مغمضا ...تدخل راديكا بإناء من ماء دافيء وبهدوء الملائكة تضعه عند قدميه وتمس قدمه لتضعها في الماء لتغسل قدمه فإنتفض سنجيت من مكانه ومنعها ورفعها عن الارض بإنفعال وقال بضيق وحرج وارتباك : راديكا لاتفعلي ذلك ابدا ...
نظرت راديكا بهدوء وهي تتوغل بذكاء في ردات فعله وكانت متوقعه لذلك وقالت : ولما لا ألست زوجي ؟ في تعاليم ديننا ان القدير يحب ذلك فلماذا تمنعني من اداء الطاعة .
فبلع سنجيت رمقه وقد احتار مرتبكا بماذا يجيبها فقال بعد برهة : حسنا انتي محقة لكني لا احب ذلك فأنتي بإعتبارك زوجتي لكي الاحترام ولا احب ان تنزلي عند اقدامي ..
نظرت راديكا له بعمق وقالت ببرود : رائع ظننت انك لاتعترف ب زواجنا ايضا .. وكأنك تحرم لمسي لك.
كانت كلمات راديكا كالخناجر في قلب سنجيت ولا يدري بماذا يجيبها فالحقيقة مفزعة اكبر من البوح بها ..فإلتزم الصمت بحزن وضيق.
قالت بهدوء : سنجيت لقد مضى وقت طويل وانت عازف عني وبدأت عائلتك تشعر بذلك وهم مستائون  ووالدتك تسألني عن ذلك كل يوم ..ولكني اجيبهم انك بحاجة للوقت بسبب صدمة الحادثة ولكنهم غير مقتنعين انما هم صامتون لمحبتهم لك ولانهم لا يريدون ان يجرحونك ... لكن اخبرني الحقيقة... اذا كانت هناك امرأة اخرى في حياتك او انك لا تقبلني ...لأعرف ما ينتظرني ..فتفاجيء سنجيت وانعقد لسانه وكأنه احده سكب على رأسه ماء ساخن لكنه استجمع نفسه ..وقال لها : راديكا اعلم انكي تعانين معي وانا بحق اشكر صبرك علي لكن تعلمين ان رأسي  لازال مشوشا ولا ادري ماذا اريد .. واعلم ان عدم اقترابي منك يشكل لكي قلقا و يحبطك ويجعلك تتخيلين افتراضات لا اساس لها من الصحة ...انا اعتذر منك على ذلك .. لكن امنحيني الوقت فأنا متعب جدا ويعلم الرب حالي .
نظرت له راديكا بشفقه وألم وهي تعلم انه يصارع من اجل البوح بالحقيقة ولكنه لم يجرؤ بعد فقالت هامسه :
انت لست زوجي ... فرفع سنجيت رأسه بسرعه نحوها بصدمة فزعا وهو ينظر بعينيه وأما هي فعدلت قولها واكملت بهدوء : لست زوجي الذي اعرفه ... تتصرف كأنك  شخص آخر . راديكا تعمدت قول ذلك لترى رد فعله ..ليساعدها ذلك بأن  تتأكد من حدسها ..فأشاح سنجيت بوجهه بعيدا بغضب مكتوم وحاول تمالك نفسه وقال بإنفعال : اجل ان كان كذلك انا صرت شخصا اخر بعدما احترق وجهي وابدلوني بوجه شخص آخر لم أعد انا لم أعد انا ... فصرخ بوجهها ( اوتظنين هذا سهلا ... كيف اضاجعك وانا اشعر اني شخص اخر بهذا الوجه .. الا تفهمين ذلك) .. فصدمت راديكا دامعة العين من الوحش الذي يصرخ بها بكل هذا الكلام الجارح فإنتبه سنجيت الى الكارثة الذي احدثها كلامه ومنظر راديكا التي جفلت من صوته وفرت بعيدا فإنتبه سنجيت لقسوته معها فعاد هادئا وناداها ولكنها هربت ...فلحق بها .. كانت راديكا ممزقة المشاعر لا تعلم من هذا الكائن ولما يقول لها ذلك والذي عاملها بقسوة دون وعي منه لصبرها عليه ..نعم هي لم تخبره الحقيقة القاسية التي تشعرها بقلبها والتي لم تتأكد منها بعد ولكن كيف ستفعل بعدما رأت ذلك واين الدليل على هويته ..لقد ارتبط مصيرها بإنسان تجهله ولاتعلم ما ينتظرها ..فصارت تبكي بحرقة وتتمنى ان يخرج من حياتها .. وتارة تقرر ان تكشف امره لوالديه او من يظنونه ابنهم ولكن خافت عليهما لانهما كبيرين بالسن وقد يقتلهما ذلك اضف لا دليل واضح عندها لحد الان والتقرير الطبي بشفاءه من المرض الدموي لا يعتبر دليلا ..لانهم سيعتبرون شفاءه معجزه من السماء ... فمن سيصدق انه ليس زوجها ... وان فعلت اي شيء ضده قد يعتبرونها بلا اخلاق تتمرد على زوجها .. كان الامر بين سنجيت وراديكا بدى اكثر تعقيدا مما يبدو عليه وشعر سنجيت بالندم على عصفه براديكا لكنه اضطر ان يمثل عليها ذلك لكي يدفع عنه الشكوك .. لكنه صار قلقا عليه فتتبعها لكي لا تبقى وحدها ... وكانت الام تراقب من بعيد مايجري ...
في جهة اخرى على طاولة وحيدة كانت تشرب بلا توقف ... ولا تكلم احدا .. كانت عيناها ذابلتان من الحزن والمرض ..وكانت افكارها اشبه بمعركة من معارك طرواده حيث اشبكت عناصر الالم الحاضر وذكريات نشوى الحب الماضية .. مثل بتلات زهر قاني على شوك المساء ... كانت الموسيقى تتناهى لاسماعها مع اصوات قهقهات الرجال هنا وهناك ضمن اماسي ناشدة في وكرها الماجن ...لكن جودا كانت في عالم اخر شاردة لا تحتسي من كأسها الا الالم والمرار ... دخلت عليها ميرا وابعدت الشراب وقالت لها بجدية وهي تجلس جانبها : لا احد يستحق ان تقتلي نفسك لأجله .. لاتؤذي صحتك ياجودا لقد افرطتي وهذا كثير . جودا رفضت الاصغاء وقالت بنعاس : اليكي عني انا بخير اتركيني وحدي. فقالت ميرا : وهل كنتي ستتركيني وحدي  لو كنت مكانك . فنظرت لها جودا طويلا وقالت بأهداب ناعسه وحزينه : هذا مستحيل .. فقالت ميرا : اذن كيف تطلبي مني تركك ... فقالت جودا وهي تسعل : يابلهاء اعني مستحيل ان يخونك اخي محبوب مع اخرى كما فعل ذلك الوغد معي. تنحنت ميرا مبتسمة بحماس وكأنها سعيدة بذكر محبوب وقالت لجودا : متى سيأتي ؟ ألم يخبركي ؟ فنظرت لها جودا متبسمة بسخرية : اعيدي لي كأسي وسوف اخبرك ؟؟ فإنقهرت ميرا منها واعادته لها بزعل قائلة : حسنا كم انتي لعينة معي ..انتي مبتزة حقا .. خذي ..فتبسمت جودا بتعب وهي تأخذ كأسها تنظر الى داخله وقالت : سيأتي غدا ... وتجرعت من كأسها حتى انهته. ونظرت بحزن نحو الافق عبر النافذة . ورغم سعادة ميرا بقدوم محبوب لكن انفطر قلبها وهي ترى جودا بهذا الانكسار الكبير ..فلم تستطع وإحتظنتها بحنان تحتويها بينما انحدرت من عيني جودا دمعتان لامعتان من عينها اليسار .
تلصصت احدى الفتيات على جودا وميرا وفجأة قفزت الى ناشدة التي كانت منشغلة مع احد المسؤولين الذي كان ضيفها تلك الامسية فلما لمحت فتاتها اشارت لها بنظرة ان تقبل ...فإقتربت الفتاة وهمست لناشدة التي اطرقت بتبسم وسألت الفتاة : هل شربت الزجاجة كلها . فقالت الفتاة نعم سيدتي . تبسمت ناشدة بخبث فقالت لها انصرفي لعملك الان وشردت ناشدة في حسبة ما قبل ان يوقظها صوت الضيف وهو يسألها عن الوصلة القادمة ..فتبسمت ناشدة واخبرته ان الفقرة القادمة ستكون مبهرة .. فتبسم الضيف بحماس وهو يرمي لبعض التسلية مع من اختارتها ناشدة اليوم لترقص له .. ولكن ناشدة ترمي لطموح اكبر من هذا بكثير .

الغجرية وعابد الليل   The Gypsy and Anchorite  of The Nightحيث تعيش القصص. اكتشف الآن