كان يقلِّب صور هاتفه وهو يستعيد ذكريات لم يمضِ عليها وقت كثير.. كان ذلك منذ أيام عندما اصطحب را ون إلى حديقة الألعاب...
كان ذلك منذ نَمَت بذرة غريبة في جوفه تنمو على رنين ضحكتها.. تلك البذرة كَبُرَت بعض الشيء منذ ذلك اليوم..
بعد وقت قُرِع الباب ثم فُتِح لتتدخل سكرتيرته
رفع نظره إليها لتخاطبه "ثمَّة من يريد لقائك سيدي"
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ذات معنى "فهمت اَدخليه"
لقد كان ينتظره.. لم يتأخر كثيراً.. طالع كريس ساعته ثم حدَّث نفسه "إنه دقيق في المواعيد.. أتسائل عن السبب.. "
كان كريس يعرف السبب
ذاك الرجل الثلاثيني ذو البذة السوداء بنظارته المعلقة في جيبه لن يُسرَّ بالتأكيد
عندما وصل تقدم نحوه بخطوات واسعة سريعة.. وواثقة مثل المرة الماضية تماماً
"لم أتوقع اتصالاً سريعاً منك كهذا أبداً"
أخبره ذاك الرجل ليرد كريس "كان مفاجئاً و مدهشاً أليس كذلك.. تماماً كما هي دِقتَّك في المواعيد "
بعد أن جلس الغريب ثم رفع إحدى قدميه على الأُخرى "ارجو أنك قد قررت الصواب وتحمل أخباراً سارَّة "
أطفأ كريس هاتفه لتدخل سكرتيرته وتضع فنجاناً من القهوة أمام كلاً منهما
ارتشف شيئا منها ثم قال "هذا يعتمد على ما هو سار بالنسبة إليك وما هو الصواب "
أرجع كريس فنجانه إلى موضعه فوق صحنه ثم أكمل " كما تعلم.. كل شيء نسبي في هذه الحياة..
ما هو المُسِّر وما هو الصواب! ذاك يعتمد على نظرتك اتجاه الأمور ومفهومك للخير والشر! "
وقت الاستراحة في الشركة حان..خرجت را ون لتستنشق بعض الهواء النقي..
جلست على كرسي موضوع في الفناء المحيط بالشركة..
تنهدت ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة سعادة من غير وعي منها لاحظتها لمَّا أخرجت مرآتها واستشفت صورتها فيها..
في عيناها لمعان يشبه ذاك اللمعان عندما كانت مع يول..
يول لا يمانع أليس كذلك!
ذاك تساؤل بقت تسأله لنفسها مئات المرات منذ ذهبا معاً للآن.."سعادة تلك الرحلة مازالت تغمرني للآن "
تناولت هاتفها ثم فتحته.. دخلت على استديو الصور بالتحديد.. قلبت الصور همست "ذاك الأبله.. لقد وعدني أن يرسل إلي الصور "
زمت شفتيها في استياء ثم قامت "علي المطالبة بحقي" ... تُحدث نفسها ضاحكة
ذاك القلق الذي اجتاحها عندما رأت ذاك الرجل
لم يكن ضرورياً..
استدارت لتعود وتدخل إلى بناء الشركة..تحاول إخفاء ضحكتها هناك..حيث.. تلاقت أعنيهما
وتفاجئت للمرة الثانية.. وتلاشت ضحكتها تدريجيا حتى من دون مجهود منها
"مالذي يفعله"..."لماذا أتى؟"
حاولت الإمساك برباطة شأجها للمرة الثالثة ربما إن لم أخطئ العد و رسمت خطاها بثبات أكثر من قبل
تَذكر سعادتها.. تَذكر يول.. وكريس ويوم سعيد مشرق مشمس.. كانت تأخد قوتها من تلك الأشياء
وحينما تقاطعا و ظنت نفسها نَجَت أتاها صوته من وراءها مفاجئاً مباغتاً من غير سابق إنذار "لا تفرحي كثيراً.. ولا تغتري بكتف تسندين عليه رأسك فترتاحي إذ ينكسر..لا ترقصي الآن على أنغام معزوفة لن تدوم .. لكل شيء نهاية.. نهايتك قريبة.. ولنا الف خطة.. الف طريقة لإمساكك وإرجاعك إلى حيث تنتمين.. إن للأبجدية حروف كثيرة"
ثم اختفى الصوت.. لا شيء سوى صخب الناس وأبواق السيارات ..عندما التفتت لم تجد أحداً
دقات قلبها كانت مسرعة "اهدئي.. لا تشغلي بالك..
را ون..كل شيء بخير "
كان. يجب أن تتجه إلى مكتبها حيث تعمل
لكنها لم تدرك كيف لساقيها أن تأخذها إلى مكتبِه
طُرِق باب مكتبه مرة أخرى.. في الواقع إنه يَدق كثيراً خلال النهار.. لم يكن متفاجئاً حتى أعلمته سكرتيرته أن را ون تريد لقائه..سمح لها بالدخول بعد أن أغلق المصنف الذي كان يعمل فيه.. بعد أن أغلق شاشة حاسوبة.. ووضع قلمه في العلبة المخصصة مع بقية الأقلام.. من غير أن يحس كان يفعل وكأنه يُرحب بها..
سعيدٌ برؤيتها.. قلق حول السبب.. ويتسائل أتراني سأترنم على موسيقا ضحكتها!
لكنِّها لمَّا دخلت شاحبة الوجه.. صفراء اللون.. تلهث وكأنها كانت تركض أميالاً للفرار من عدو لا يرحم
نهض خائفاً..فزعاً.. "را ون.. مابك ؟..هل كل شيء على ما يرام؟"
ليس على ما يرام... لستُ بخير أبداً..إني أخاف.. أخاف أن تعاودني أياماً أرغب بنسيانها بشدة.. أخاف أن تتركني ورائك حين تعرف نصف الحقيقة وليس الحقيقة كلها..فتحتقرني.. وتستصغرني.. ولا أعود لك شيئا...إني أخاف.. من أذى يصيبك..يميتك أنتَ لا أنا.. ترحل أنت.. تلحق بيول.. وأبقى أنا وحيدة .
كل جوارحها كانت تنطق بذلك فانهارت تبكي..هرع إليها كريس .. قرَّب منها كرسياً ثم أجلسها عليه
رأها لا تقدر أن تحكي فطبطب على كتفها يواسيها
"لا بأس... كل شيء بخير.. وسيكون بخير "
أحاطته يداها تشد على قميصه تُقربه منها أكثر.. واستجاب جسده لها.. أحسَّها طفلة..
بكاؤها.. تشبثها به أيقظ غريزة فطرية في داخله
علي حمايتها.. علي كذلك .. و بكت على كتفه وقطرات مالحة حارقة تنهمر من مقلتاها تبلل مَلبسه ولم يمانع....
......
في المساء.. وقد زُيِّنت السماء بنجوم مرصعة لامع.. والقمر بدر
كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة.. لا أحد في الشركة غير كريس و را ون
خرجت من مكتبها لتشرب بعض الماء.. حينما تناولت الكأس أخذت الرشفة الأولى بهدوء ومالبثت دقائق حتى غطت وجهها بكفَّي يداها في خجل خيَّم على ملامحها .. حُمرة الخجل اكتستها.. تمنت لو تصبح نعامة في تلك اللحظة فتدفن وجهها في التراب.. "لم أصبحتُ أحسد النعامة فجأة؟"
خلال الدقائق المقبلة سترى كريس ... في الحقيقة هما سيعودان سويا إلى المنزل.. كالعادة
يمكنني..تجنبه في المنزل لكن الآن كيف!"
تشتم نفسها وهي تضرب مقدمة رأسها بخفة "أيتها البلهاء.. الخرقاء الغبية.. مالذي فَعلته؟ لقد.. لقد.. عانقته.. لقد بكيت"
وتعود إلى الوراء قبل عدة ساعات بالتحديد في ذاكرتها .. حتى تحس بحرارة غريبة تندلع من جسدها
كيف فعلتُ ذلك؟"
وفي خضم سيرها المتربك إلى مكتبها رنَّ هاتفها..
فتحته بسرعة وارتباك ثم فتحت الخط.. كان صوتها سريعاً متلعثماً منقطعاً..علي أن أبدو طبيعية
أجل...كر_يس؟"
وأتاها الرد من الطرف الآخر طبيعيا "سأخرج الآن"
عندما وجدته طبيعياً .. ارتخت عضلات جسدها لا إرادياً..
هناك راحة اشتاحتها.. لكن لِمَ تشعر بخيبة أمل فجأة؟
عَكَس ذاك على صوتها حينما ردت "فهمت"
عندما خرجا من المبنى وتوجها إلى السيارة..
لم يتطرق كريس في كلامه إلى ما حدث وإلى ما فعلَته أبداً
لكن وجدت نفسها تتمنى لو يفعل..
أوتراني وحدي من أرجَحته الحيرة.. ولم يدري ما يفعل.. أوتراني أعطيت قيمة لأمرٍ لا يستحق.. فكرتُ كثيراً.. لأمر ربما هو عادي؟
ربما كريس مرَّ عليه الكثير من الفتيات حتى بات ما حدث بالنسبة له اعتيادي.. لا غرابة فيه.. وربما أنا من شعرت فجأة بأن كريس....ثم صمَت حديث نفسها
أحاسيس جمَّى تختلط فيها.. .تتقاذفها كما تتقاذف أمواج بحر هوجاء سفينة في ليلة عاصفة..
أدار كريس محرك السيارة ثم شق طريقه .. لكنه عند منعطف ما غير مساره..أرادت سؤاله... لكن بقت صامتة
بعد ربع ساعة رأت السيارة تشق طريقاً عبر تلة لم يكون مألوفاً
سألته"إلى أين؟"
أجابها ولم يزح ناظره عن الطريق"قليلاً بعد..وستعرفين"
بعد لحظات أوقف كريس محرك السيارة.. ارتجل منها ثم لحقته هي الأُخرى
وهناك أدهشها المنظر.. سُلب عقلها منها لحظة سقوط عيناها على ماتُطل عليه التلة
وكأن سيئول بأكملها... بحكاياها.. بشوارعها وقططها المُشردة و بِحبِّها..أمامها..
إطلالة جميلة ل سيئول تحت ضوء القمر.. تزينها أضواء المنازل وأعمدة المصابيح..
أما ذاك النسيم فأخذ كل ما اختلج من صدرها من حزن ورماه بعيدا.. ألقاه إلى النجوم.. حيث أرسلته إلى البعيد
شردت بذاك المنظر و عمَّ الهدوء في ملامحها.. تلك العاصفة هدأت
في سكونها تكلم كريس "جميل أليس كذلك"
أردفت"مريح جداً"
"كلما تشعرين برغبة في البكاء فقط أخبريني.. سأترك أشغالي وعملي فوراً وأخذك إلى هنا "
شعرت فجأن بالخجل..إنه إنه يهتم.. إنه يفكر بها!
ضَحكِت "لمَ أشعر فجأة بإني بِتُّ مهمة!"
ربما لأنك كذلك بالفعل"
كان يبتسم.. يبتسم فقط لأنه لا يعرف.. حدثت نفسها
ثم قالت "ربما لو يعرف كريس ..ما كنتُ سأصبح مهمة"
خاطبها بلهجة مطمئنة.. تترجى عيناها أن تتألق كما الشمس.. كما القمر.. كالنجمة
"ماذا لو كان يعرف"
أدارت رأسه إليه في خوف"ماذا يعرف"
ابتسم لها باطمئنان ثم أشاح نظره عنها "ربما يعرف بعض أسرار روحها.. مخاوف قلبها.. حزن عميق.. تحاول مسحه.. لكنه يعرف أيضاً بأنه لن يتركها"
"أحقا هو مدرك بما هي عليه!
قد تكون سيئة
"لا أحد سيء .. الظروف من تجعل منا كذلك.. الظروف من تجعلنا نختال ذلك "
أقترب منها تدريجياً ثم أحاط رأسها بأصابعه وأسنده على كتفه "را ون .. انسِ الماضي...إن لك هنا حياة جديدة"
ابكِ الآن كما تشائي.. افرغي كل جُعبتك من آلام هنا
إنه عندما نغادر هذا المكان
تأكدي من تخلصك من كل بقايا الذكريات العالقة في ذاكرتك
ألم يحن الوقت لتشرقي؟
أنت تقرأ
ثقةٌ حلوة
Fanfictionقُلبت حياتها رأساً على عقب حينما بلغت 17 عام.. وفي عيد ميلادها بالتحديد أتتها هدية يتُمها من قبل سيارة مسرعة يقودها سكران تفوح منه رائحة الثمالة.. أوتد بوالديها إلى حافة الهاوية.. هناك حيث أمسكت را ون يداهما تترجاهما أن لا يذهبا لكن عبث.. بعد مئ...