بارت 13

12 1 0
                                    

تلك الليلة ليست بعادية .. فيها شيء يختبئ خلف أستار الظلام.. ينتظر موعده..كثير الصبر
إحساس را ون كان يؤكد لها ذلك..  إحساسها قلما يخيب.. هي تكره ذاك الأمر فيها بقدر ما تحبه
تحبه لأنها أحيانا تتوقع أشياءً جميلة
وتكره لأن ما يعتريها من خوف خفيٍ تجهل مصدره يُؤرق عليها فرحها فلا تعيش اللحظة.. وكأنها  تعيش حزن المستقبل في غير آوانه
غادرت القاعة المكتظة بالمدعوين بعد الرقصة
في الواقع هي هربت من ذاك الشاب الذي لم تعجبها نظراته إليها.. لم تكن مريحة بتاتاً.. لم تكن تحبها
هي تكرهها..
نظرات شهوانية تحمل خبثاً بعيدة عن الإنسانية لا يهمها سوى الجسد
هي تعرف تلك النظرات جيداً.. عاشت معها.. حاولت التأقلم معها طوال  السنوات الفائتة..  وكانت تفشل في كل مرة
فشلها هو ما أودى بها إلى هنا! لتعيش لحظات من السلم وإن كانت مؤقتة
ضاق صدرها فجأة..وهُيء لها وكأن الأكسجين قد نفذ!.. فتوجهت نحو الشرفة
نسيم عليل يداعب وجنتاها ويلاعب خصلات شعرها بحرِّية.. أما لنور القمر قصةٌ أخرى
علاقتها مع القمر ليست وطيدة..لكنَّ صموده أمام كل ذلك الظلام.. أن يضيء وحده في العتمة.. 
كم هو قوي ذاك القمر!..ووحيد!كما روحها
لا ليست وحيدة!
يول معها وإن كان في السماء.. كريس أليس كذلك؟
اقتربت أكثر لتصل إلى نهاية الشرفة حيث أخذت ناظرها في رحلة حول الحديقة المحيطة في هذا القصر..
كانت لتبدو أوضح في النهار!
كانت لترقص مع ترانيم الحياة.. وتلعب مع الشمس
عصفت الرياح فجأة..لتضرب شعرها وفستانها.
انزلقت زينة شعرها لتسقط إلى أرضية الحديقة بعد أن اصطدمت بأغصان الأشجار..
ومن ثم هدأت الريح وعاد سكون لا يكسره سوى ثرثرة الضيوف المنبعثة من الداخل تتجلى في كلمات وتمتمات وضحكات صاخبة عالية تدفق من النوافذ والأبواب
تأففت"يا آلهي" ومن ثم استدارت وشقت طريقها مسرعة نحو الحديقة
كان كريس يبحث عنها ولم يجدها حتى لمحها فجأة تتجه نحو المَخرج .. تسائل:إلى أين ذاهبة! ثم ناداها: را ون
لكنها لم تجب.. "تباً" ألقى بعض اللعنات وبعدها  هب ليلحق بها "لم أكن أعلم إنها سريعة"
قضبت حاجبيها في استياء عندما أصبحت خارج المنزل وأصبحت في الحديقة
"أين يجب أن أتجه؟" التفتت حول نفسها مرات عدة في حيرة.. نظرت يمنة و يسرة
وبدأت تبحث نحو الأعلى قليلاً حتى لمحت الشرفة
شعرت بنشوة نصر"أجل " وأكملت الخطى في اتجاها
عندما وصلت .. احنت ظهرها وثنت ركبتاها لتلتِقطها
وفي لحظة مباغتة..شُدَّ رأسها إلى الوراء..وذراع قاصية أحاطت عنقها بعد أن أطبقت يد غريبة على فمها فكُتم صوتها
أتاها صوت خاطفها مألوفاً ليس بغريب.."هيا تعالي..إياكي والمقاومة وإلا قتلناكي"
اتسعت عيناها على وسعهما ثم انصاعت في هدوء..
الخوف يسري في عروقها ونبضات قلبها في تسارع لا يهدئ..ولم تجد شيء تفعله سوى الامتثال لأوامره
عندما خرج كريس من المنزل بدأ يوزع نظراته  في  المكان بحثاً عنها
لم يلمحها فاختار طريقاً وسلكه وهو يرتجي أن يكون اختياره صحيح..كان يبتعد عن القصر شيئاً فشيئاً مقترباً من الشارع المجاور للبوابة
تسمر في مكانه لما لمح من موقعه رجل يحكم بيده على امرأة يجرها معه .. ويدخلها إلى السيارة عنوة حاول التركيز على وجه المرأة وعندما شعر باليأس وأدرك بأن لا سبيل لوضوع الملامح في هذا الظلام بدأ يوزع نظره نحو الأسفل والأعلى.. بفستانها أو شعرها
انعكس ضوء القمر على قلادة تحيط بعنقها 
بانت للحظة بلئالئها وخرزها .. وعاد في ذاكرته إلى الوراء لما ساعدها في فك تشابكه مع شعرها
شعرها!.. إن لمسوا شعرة واحدة فقط منها!
من بعيد.. وكأنه انولد من السماء.. طيف حام في رحابِ المُزينةُ بكوكبٍ قمري له وهج خفيف..  يتغزل به الشعراء عادة
يقترب شيئاً فشيئاً من كريس .. فتحيط هالته بهوأحس به يهمس في أذنه "الحقها!.. احمها"!
صوت من زمن آخر.. من ماضي يبعد عنه سنوات عدة لم يمل من احصائها يوماً
حتى يوم أتاه الموت  ليول مستغيثاً به فلب ندائه مستغنياً عن الحياة وما فيها إلا "را ون" فكتب ذلك أن يحميها كريس
تحركت قدماه من تلقاء نفسها نحو تلك السيارة
لم يعهد نفسه على هذه السرعة التي جرى بها
فظن وكما لو أن روحاً تلبسته ولا ترى أمامها سوى را ون
أضحى أصم إلا من نبرتها... أعمى إلا من تقاطيع وجهها.. مخدر إلا من ملمس يدها.. عنقها!
فقد المتربع في السماء نوره.. وفقد الصخب المنبعث من القصر موسيقاه..
ناظريه أصبح مركز فقط نحو تلك السيارة!
قطع الطريق ذلك يتجنب أغصان الأشجار وحشائش الأرض ومافيها من أشواك ببراعة لم يألفها
كان فيه من السرعة ما يسمح له بالفوز بإحدى المسابقات ربما لكن ليس الآن
لما أوشك على الوصول رأته را ون.. فتحت فاهها لتخبره ببضع كلمات لكن ما وصل إلى مسمعه هو فقط:كريس
أما مابقيَ من كلمات يتميمة تطايرت مع الهواء
تلاشت كما السيارة من أمامه ولم يبقى منها سوى خيال طُبع في عقله
لم يكن هناك متسع للتفكير فيما يجب فعله لكن يداه بشكل لا ارادي وكأن أحداً ما تحكم بهما
تحركتا لتدخلا جيبا بنطاله تتفحصهما ثم تخرج يد واحدة وهي ممسكة بمفاتيح السيارة
أمَّا قدماه فأسرعتا نحو منقذته وسريعاً ترَّجل داخلها
أدار المحرك..ثم انطلق بسرعة أعادته إلى أيام طيشه
تلك الأيام التي كانا فيها سوياً هو و يول  يسرقان سيارة عائلتيهما يجوبان سيئول..يعبثان مع الفتيات..يفتعلان شجارات مع الشبان.. يدخلان في معارك مع عصابات كثيرة ثم يهرعان نحو السيارة وينطلقان بأقصى ما تستطيع..
"لم أكن أعلم بأني سأكون ممتن يوماً لذلك الشباب الطائش الذي قضيته.."
تعابير ملامحه ثابتة وهو يقود بهدوء جم..
النار متقدة في داخله..
هناك قبائل في داخلة عمرها مئات السنين..أشعلت ناراً وبدأت بالرقص حولها وهي تردد ترانيم وتراتيل تأديةً لإحدى الطقوس
تلك النار تتوهج أكثر وأكثر ويكاد وهجها يصل إلى عنان السماء..
نظر ذاك الثلاثيني في المرأة الجانبية لسيارة ومخطوفته جالسة في الوراء تلقي ما تيسر لها من شتائم تعرفها
كان يتجاهلها في صبر بغيض
لو كان الأمر بيده لقتلها وجعلها تلحق بيول
لكن ليس هذه المرة!
لأن الرئيس يريدها حية.. تتنفس... تُرزق.. وليست جثة!
تنهد على مضض وخاطب السائق: أسرع..لابد أنه يلحق بنا
أومأ السائق برأسه بالإيجاب ثم زاد السرعة..
عضت را ون على شفتها السفلية وقالت من بين أسنانها بعصبية متأججة:أتركوني.. أيها الأنذال
مابكم تلحقون بي وكأني مصنوعة من الذهب والفضة
لرئيسكم عشرات البدائل لي
فاليذهب هو وإياهن إلى الجحيم لكن فاليدعني وشأني
تنهد الثلايني في تململ وخاطب أحد مرافقيه في  الخلف:اسكتها
دقائق وكُتم صوت را ون.. وبات صوتها لا يصل من خلال الكمامة التي أطبقت على فمها
يداها مطبقتان على بعضهما متراصان نحو الخلف مقيدتان وقد أفسدت زينتها
تلقي نظرة كل تارة على النافذة الجانبية.. فيها أسىً يتغنى.. يرقص على رفات أحلامها
أشعل ناراً على قبر معشوقها
وعجوز في الزاوية يركن في ثبات مخيف..
عيناه تتبعان دخان الروح المهترئة.. يصلي في داخله
أن يأتيه الخلاص بسرعة..
كانت السيارة تهتز عند كل منعطف..
لم يأبه كريس إلى إشارات المرور ولم يتوقف عندها
في ذروة خوفه وغضبه
مدَّ يده نحو سقف السيارة لتدخل في جوف سري كان قد صنعه وعندما أخرجها
كانت أصابع يده متشبثة بإحكام حول مسدس مملوء ببضع رصاصات كان قد وضعه لوقت الحاجة..

ثقةٌ حلوة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن