1

4.9K 101 2
                                    

❤اريد روحا ❤..
الجزء الأول ..

كانت تنظر من نافذة المشفى ..ترقب المارة ..وتسمع انين الموجوعين في الداخل ..فذاك يقول :آه انا موجوع ..لا اتحمل ..

وآخر يقول :لم يا رب اخترت لي ان اكون في مشفى امراض السرطان ..

وتلك تحاول ان تخرج الى الشرفة وهي تحمل سيجارتها بين يديها وتحتضنها باصبعها كطفل صغير يحتاج للرعاية ..
وما ان اشعلت سيجارتها حتى جاءت الممرضة لتحذرها قائلة :لقد حذرتك يا خالة ..لا تدخني فانت مصابة بسرطان الرئة ..وبفعلتك هذه تسرعين الى حتفك ..رجاء... فضلا عن انك تؤذين الآخرين ..

فقالت المراة: اريد ان اموت وانا استمتع باحب شيئ لدي وهو التدخين ..والامر سيان ان فعلت او لم افعل فمنيتي قريبة ..وانا لا اؤذي احدا الا ترين اني ادخن وانا قريبة من الشرفة ..?!!

فعلت نبرة الممرضة قائلة :لو سمحتِ يا خالة ..فالتدخين ممنوع ..وان عرفت ادارة المشفى بهذا فانها ستعاقبني ..

ثم اقتربت منها محاولة اخذ محبوبتها عنوة من بين اصابعها ..ولكن العجوز نهرتها بشدة ..ولم تعطها السيجارة وكانها كنز ثمين بين يديها ..وقالت :انا اتحمل المسؤولية ..وان سالني المفتش ساقول له اني انا التي اصريت على ذلك لا تقلقي ..

قالت الممرضة :سادعك تدخنين هذه المرة..  ولكن عديني انها الاخيرة ..!!

فابتسمت العجوز وهي مصرة على فعلتها ..ثم قالت بصوت خجول يشوبه الكذب :اعدك...

ثم غمزت لها وتعني بذلك ان لا تصدقيني ..

فرحلت الممرضة مقطبة حاجبيها وهي تقول :صبرا صبرا يا قلب ما اصعب مهنتي ..فالتعامل مع الاطفال اهون من التعامل مع تلك المراة ..!

كل هذا كان يحصل وسهير تراقبه ..وهي تبتسم مع ان في قلبها هم كبير ..نعم ..انها والدتها... التي تنازع ..وتصارع الموت ..وقد ياتي الطبيب في اي لحظة ويخبرها ان امها فارقت الحياة ..وسهير ابنة الرابعة عشر عاما يتيمة الاب ..ولديها اخ واحد ..متزوج ولديه اطفال ..ودائما مشغول بعائلته ..الا انه وبعد مرض والدته انشغل بها ايضا مما ازعج زوجته ..ولكنها لا تستطيع ان تتمرد فبالنهاية هي امه ..وعليه الاهتمام بها لانه وحيدها ..

واستيقظت سهير من شرودها على ظهور اخيها في الممر وهو يحمل اغراضا بين يديه ويسرع في مشيته ..فاقترب منها وقال لها :لماذا انت هنا ..وقد تركت امي وحدها في غرفتها .اريد ان افهم لماذا انت الى جانبها اذن??

قالت سهير بصوت حزين ..وبخوف دفين :انها نائمة ..وقد مللت هناك ..واحببت ان آتي الى هنا علي اتسلى قليلا ..

فتجاهل صوتها ..حركتها ..كلامها ..نبرتها ..حتى طفولتها ان صح التعبير .. وقال بغضب وهو يلهث من التعب :هيا الحقي بي !!!

فلحقت به مباشرة ..وكادت ان تتعثر من توترها ..وعندما وصلا الى الغرفة ..كانت امهما قد استيقظت ولكن بتثاقل شديد... وقد سلب منها العلاج شعرها وحواجبها ورموشها ..ثم نظرت الى ابنها وقالت بصوت متقطع: حماك الله يا رااائف.. قريبااا ساريحكم من عذابييي ...لقد حلمت ان والدك قد اتى... وامسك بيدي وقال لي تعالي معي ..

ثم نظرت الام الى الناحية الاولى وقد تدحرجت دمعة حزينة من مقلتيها واستتلت :فذهبت معه... وتركت الدنيا...

فسيطرت غصة لئيمة على حلقيّ سهير ورائف ...ولم تعرف سهير ماذا تقول في تلك الحالة... الا انها نظرت بحزن الى اخيها ..ولم ترَ نفسها الا وهي بين احضانه ..فمسد لها على كتفها ..ثم همس لها في اذنها :كوني قوية ايتها البطلة ..ولا داعي للبكاء امام امي... .

ثم ابعدها عنه بحنان... واقترب من والدته... وحمل منديلا... ثم ازال لها العرق عن جبينها وهو يقول لها بصوت حماسي :اطال الله بعمر حجتنا ..

بلهجته تلك ارسل الى قلبها رسالة حنونة تبعث الامل ..ولكنها ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت وهي مغمضة العينين :لقد اقتربت منيتي ..وها انا ارى ماضي امامي اتى ليستنشق هواء الحاضر ويذكرني ان عمري قد مضى بحلوه ومره ..

في هذه اللحظات شعر رائف بحرارة الموقف ..وتمردت دمعة صغيرة من عينيه اخفاها عن نبع الحنان ..ثم نظر الى اخته وقال لها: ساذهب لارى الطبيب ..واياك ان تغادري من هنا ..

ثم رفع اصبعه محذرا واستتلى :مفهوووم!!!

فهزت سهير راسها متحسرة وقالت بنبرة خجولة: لا تقلق فهي امي ايضا ..!!

وهنا تدخلت ام رائف وقالت :ارفق باختك ..فلا احد لها في هذه الدنيا من بعدي غيرك...

ثم اصابها شلال من السعال ..كاد ان يفتك بها في تلك اللحظات ..لا بل فتك ..حيث انها لم تستطع ان تسيطر على نفسها ..وهرع رائف ليحضر الطبيب ..ولكن عندما عاد ..كان الأوان قد فات ..وسهير  تحتضن امها مذعورة خائفة وهي تقول :لم افعل لها شيئا ..فجاة توقفت عن السعال ..واغمي عليها ..

وفحصها الطبيب ليقول :البقية في حياتكم...

ثم خرج من الغرفة وهو لا يعلم ماذا خلفت وراءه تلك الجملة...

ترى ما الذي ينتظر سهير ..واين ستعيش بعد وفاة والدتها ..هذا ما سنعرفه في الجزء القادم ..
ليلى مظلوم ..

اريد روحاً (مكتمله)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن